المركز العربي للبحوث والدراسات : تداعيات متعددة: أثر الاستبعاد والتهميش الاجتماعي على الاستقرار الداخلي (طباعة)
تداعيات متعددة: أثر الاستبعاد والتهميش الاجتماعي على الاستقرار الداخلي
آخر تحديث: الثلاثاء 06/07/2021 11:51 ص عمرو مختار – مصطفى صلاح
تداعيات متعددة: أثر

تناول الفكر الإنساني على مدى العصور السابقة قيم المساواة والعدل الاجتماعي وتزايدت عمليات دمج هذه القيم في الأنظمة الفلسفية والأخلاقية والقانونية، ولكن مع ظهور مفهوم الاستبعاد الاجتماعي، أصبح هناك اهتمامًا متزايدًا نحو تحديد ملامح هذا المفهوم ومحدداته. وعند محاولة رصد نشأة مصطلح الاستبعاد الاجتماعي نجد أنه تم استخدامه لأول مرة من جانب رينيه لينوار وزير الخارجية للعمل الاجتماعي في عام 1974، للإشارة إلى الفئات أو المجموعات التي تعاني من مشكلات اجتماعية ولا يستقبلون الخدمات التي تحددها الدولة أو للتعبير عن الخروج من سياسات الضمان الاجتماعي؛ وبذلك فإن المستبعدون اجتماعيًا وفق رينيه لينوار هم من تم استبعادهم بصورة رسمية من شبكة الرعاية الاجتماعية مثل العاجزين وكبار السن.

مفهوم الاستبعاد الاجتماعي

يجب الإشارة إلى أنه قبل ظهور مصطلح الاستبعاد الاجتماعي كان هناك استخدامات لمصطلحات أخرى ذات صلة به مثل مفهوم العرق والطائفة والتمييز العنصري والحقد الطبقي. في حين يستخدم مصطلح الاستبعاد الاجتماعي باعتباره محصلة نمط اجتماعي وسياسي تترابط وتتنوع بداخله الملامح والأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تستند على إقصاء وتهميش أفراد أو جماعات بصور مختلفة.

ويعرف الاستبعاد الاجتماعي بأنه حرمان الأفراد من حقوق المواطنة المتساوية على مختلف المستويات كالمشاركة في الإنتاج والاستهلاك والعمل السياسي والإدارة والتفاعل الاجتماعي والفرص التي تعزز الوصول إلى الموارد واستخدامها. فالاستبعاد ما هو إلا منظومة متكاملة لبنية اجتماعية وسياسية تحدد من القائم بالاستبعاد ومن المستبعد. ومن ثم ينطوي تعريف الاستبعاد الاجتماعي على 3 عناصر هي:

- يشير إلى الأفراد والشرائح والجماعات

- يجسد الحرمان القائم في المجتمع

- يتأسس على العلاقات الاجتماعية الموجودة

وقد عرف ماكس فيبر الاستبعاد الاجتماعي بوصفه أحد أشكال الانغلاق الاجتماعي أو الانغلاق الاستبعادي الذي يعني قيام جماعة تريد أن تؤمن لنفسها مركزًا متميزًا على حساب جماعة أخرى من خلال مجموعة من الإجراءات لاخضاع باقي الجماعات.

وفي الاتجاه نفسه يعرف جوردان الاستبعاد الاجتماعي بأنه قيام مجموعة من الناس بالعيش داخل مدن ذات أسوار تتمتع بخدمات عالية المستوى من الرفاهية والأمن وتحول دون تمتع الآخرين بهذه الخدمات.

وهناك تصور آخر يقوم على أن الاستبعاد الاجتماعي سمة حتمية ومتأصلة في النظام الرأسمالي وأن المستبعدون اجتماعيًا لا يصنفون كطبقة دنيا دائمة بل هم جيش احتياطي للعمل؛ حيث يتبادل أفراده المواقع باستمرار، وهذا النظام يساعد على الإبقاء على المستبعدون تحت الضغط والرقابة والتحكم.

الفرق بين الاستبعاد والاندماج الاجتماعي والفقر

ينظر ماكس فيبر إلى الاستبعاد الاجتماعي بأنه أحد أشكال الانغلاق الذي ينشأ على خلفية مجموعة من الإجراءات لتوفير نوع من الحماية والهيمنة، أي محاولة البعض تأمين مركز متميز على حساب الآخرين واخضاعهم واضعافهم والتنكيل بها.

وضمن السياق ذاته فإن الاستبعاد الاجتماعي هو نقيض الاندماج الاجتماعي والذي يعرف بأنه عملية تحسين قدرات الناس المحرومين ومنحهم الفرصة للمشاركة في المجتمع، ومن ثم فإن الاندماج يتضمن سلسلة من العمليات المقصودة التي تقوم بها الحكومات والمؤسسات بهدف إعادة اندماج الأفراد والجماعات المستبعدة داخل المجتمع سواء كان استبعاد بسبب الفقر أو المشاركة أو الوصول إلى الموارد أو التمييز الاجتماعي، وبهذا المعنى فإن الاندماج يعني تفكيك القواعد الهيكلية للاستبعاد وليس مجرد تحسين بعض المؤشرات.

ومن جانب آخر وعلى الرغم من العلاقة الترابطية بين الترتيب الطبقي من حيث مستوى فقر الفرد والجماعة وظاهرة الاستبعاد الاجتماعي إلا أن ظاهرة الاستبعاد الاجتماعي تتخطى فكرة الفقر؛ حيث أن الاستبعاد أشمل من حيث كونه منظومة متكاملة، فلا يعني أن يكون نقص المال أو الفقر المؤشر الوحيد للاستبعاد وإن كان يتضمنه.

إن الاستبعاد الاجتماعي هو عملية تحول دون المشاركة الكاملة للأفراد والجماعات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أنه لا يعني بالضرورة نقص المال وإن كان يتضمنه بل أنه مجموعة من المشكلات المتراكمة أي أن الاستبعاد هو محصلة ونتاج بنية اجتماعية معينة.

ثانيًا: أشكال الاستبعاد الاجتماعي

هناك أنماط عديدة للاستبعاد الاجتماعي مثل التهميش الاجتماعي والحرمان المادي والتمييز العرقي والاستبعاد من المشاركة السياسية والاستبعاد من سوق العمل، وفق صوفي بيسيس، في حين يرى أنتوني جيدنز إلى أن هناك نمطين من أشكال الاستبعاد الاجتماعي هما الاستبعاد اللاإرادي للأفراد والجماعات الذين يقبعون في القاع بعيدًا عن التيار الرئيسي للفرص التي يتيحها المجتمع. أما النمط الثاني فيتمثل في الاستبعاد الإرادي؛ حيث تنسحب الأفراد أو الجماعات الثرية من النظم العامة ومن الممارسات اليومية ويطلق عليهم النخبة أو الصفوة وتعيش هذه الجماعات محاطة بالأسوار بمعزل عن بقية أفراد المجتمع وتنسحب من الأنظمة العامة المخصصة لباقي الأفراد والجماعات.

أبعاد وسمات الاستبعاد الاجتماعي

هناك أربعة أبعاد رئيسية لظاهرة الاستبعاد الاجتماعي هي:

1. عدم الاستهلاك (أي عدم القدرة على شراء السلع وامتلاك السكن)

2. عدم المشاركة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية

3. عدم المشاركة السياسية على المستوى الداخلي

4. عدم التفاعل الاجتماعي والأسري، وضعف الحماية والتضامن والتكامل المجتمعي

البعد الاقتصادي: ينتج بسبب الفقر مثل الاستبعاد من العمل والحرمان من وجود دخل منتظم

البعد السياسي: ويتعلق بالعرق والمشاركة السياسية وحقوق الإنسان

البعد الاجتماعي: يتعلق بوضع الفرد في المجتمع، والتمزق في النسيج الاجتماعي له

 

 

سمات الاستبعاد

1. شكل الاتصال والتي يتحدد من خلاله طبيعة العلاقة بين الأفراد داخل المجتمع، والمشاركة المجتمعية غير المتكافئة

2. الدينامكية والتراكمية؛ حيث يتسم الاستبعاد الاجتماعي بالعمليات التراكمية التي يتم من خلالها تشكيل هذه المنظومة

3. النسبية حيث يختلف الاستبعاد الاجتماعي من مجتمع إلى آخر، ومن ثم فإن تقييم وقياس مؤشرات الاستبعاد يختلف من حيث الزمان والمكان

4. تعددية الأبعاد؛ حيث يتحدد الاستبعاد الاجتماعي بأبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وجغرافية

5. القوة؛ حيث أن الاستبعاد الاجتماعي يعبر عن إرادة أصحاب القوة القادرين على السيطرة وعلى اتخاذ القرار وتنفيذه

عوامل انتشار الاستبعاد الاجتماعي

إن الاختلاف حول تحديد مفهوم الاستبعاد الاجتماعي ساهم في تعدد واتساع في تحديد الأسباب الرئيسية، وضمن هذا السياق ظهرت ثلاث مدارس فكرية وذلك على النحو الآتي:

1. المدرسة الأولى

يضع هذا الاتجاه سلوك الأفراد وقيمهم الأخلاقية في المقام الأول من خلال تحليل سلوكيات الأفراد المستبعدين، كما ألقى هذا الاتجاه المسئولية على الأفراد والجماعات المستبعدة الذين وضعوا نفسهم في هذه المكانة.

2. المدرسة الثانية

تركز على دور الأنظمة والمؤسسات سواء في الدول الرأسمالية أو في الاشتراكية؛ حيث ترى أن المؤسسات تلعب دورًا مهمًا في تقييد الفرص أمام الأفراد والجماعات دون غيرهم.

3. المدرسة الثالثة

تركز على معايير التمييز كسبب رئيسي في عملية الاستبعاد

وهناك بعض الأسباب التي نتج عنها هذه الظاهرة على سبيل المثال:

- الأسباب السياسية

يؤدي انفراد بعض الأفراد بسلطة القرار وغياب التنظيم إلى إحساس الأفراد بالضيق والتوتر الذي ينتج عنه استعداد كبير للانفجار

- الأسباب الاقتصادية

يعتبر العامل الاقتصادي أهم العوامل التي تؤدي إلى بروز مظاهر الاستبعاد لأنه يحدد مدى فعالية الأفراد والجماعات في النظام الاجتماعي، كما أن الثروة تُعد أهم محددات استبعاد الفرد أو اندماجه في المجتمع

- الأسباب النوعية

يحدد جنس الفرد في المجتمع دوره ومكانته في بعض الثقافات، على سبيل المثال الثقافة العربية وهو الأمر الذي يحدد أدوار الأفراد، كما أن ظهور الحركات الداعية إلى رفع القيود على المرأة ما هو إلا نتاج للشعور بالتهميش ومحاولة التغلب عليها

مخاطر الاستبعاد الاجتماعي على المجتمع

تمثل العدالة الاجتماعية نوع من أنواع تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، وقد اختلف الباحثون حول دلالات الفرص المتكافئة، ولكن مع ظهور مفهوم الاستبعاد الاجتماعي باعتباره انكار للفرص المتكافئة ودوره في تهديد قيم العدالة الاجتماعية، تصاعدت المطالب الخاصة بضرورة تحقيق التكامل والاندماج المجتمعي.

- مستوى التضامن الاجتماعي

يقصد بالتضامن الاجتماعي الشعور بالإلفة متجاوزًا العلاقات الشخصية والصلات العائلية، أي أنه الحد الأدنى لتوافر عوامل قبول الآخرين خارج هذه الدوائر، ومن ثم فإن الاستبعاد الاجتماعي عائق كبير أمام تعزيز قيمة التضامن الاجتماعي، خاصة أنه يؤثر في مستوى الانخراط في المؤسسات المشتركة مثل المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية، بل في كثير من الأوقات أصبحت هذه المؤسسات امتدادًا لتأثير وتعزيز مفهوم الاستبعاد.

- العنف المجتمعي

يمثل العنف أحد الممارسات التي تهدد البناء الاجتماعي للمجتمع، ويعتبر ظهور هذا النمط من الممارسات والجماعات المرتبطة به الرافضة هي نتيجة حتمية للاستبعاد الاجتماعي، فظاهرة العنف هي صورة من صور الاستبعاد الاجتماعي الذي يعني الانسحاب من الالتزام بالقواعد المجتمعية والسلطوية المستقرة.

ووفق هذا التصور فإن الشخص أو الجماعة المستبعدة اجتماعيًا تتوافر فيهم مجموعة من السمات مثل الإقامة في المناطق العشوائية، وعدم القدرة على المشاركة برغم توافر الرغبة في المشاركة، ومن ثم تظهر ممارسات سلبية مثل انتشار البلطجة وأعمال العنف وظهور المجرمين والمتسولين.