المركز العربي للبحوث والدراسات : دوافع متعددة.. لماذا وقعت تركيا اتفاقا أمنيا مع السلطة الفلسطينية؟ (طباعة)
دوافع متعددة.. لماذا وقعت تركيا اتفاقا أمنيا مع السلطة الفلسطينية؟
آخر تحديث: الإثنين 14/06/2021 03:18 م
أحمد سامي عبد الفتاح أحمد سامي عبد الفتاح
دوافع متعددة.. لماذا

في مايو 2021، أعلنت تركيا دخول الاتفاق الأمني الذي وقعته مع السلطة الفلسطينية في 2018 حيز التنفيذ. ويعد هذا الإتفاق الثاني من نوعه الذي توقعه الحكومة التركية مع نظيراتها من الحكومات العربية في أقل من عامين؛ حيث وقعت تركيا اتفاقا مماثلا مع حكومة الوفاق الليبية في نوفمبر 2019 بهدف ترسيم الحدود المائية بين البلدين فضلا عن تقديم الدعم العسكري. 

أولا: مضمون الإتفاق

ينص الإتفاق على أن تقوم تركيا بتدريب قوات الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية في تركيا من أجل رفع جاهزيتها القتالية. كما سوف تتلقى عناصر الشرطة الفلسطينية تدريبا مكثفا لدى أكاديمية خفر السواحل التركية. علاوة على ذلك، سوف تقدم تركيا دعما فنيا للقوات الفلسطينية أثناء تنفيذ مهامها التقليدية في الضفة الغربية. كما ينص الاتفاق على التعاون بين السلطة الفلسطينية وتركيا في مكافحة الجريمة المنظمة وغسيل الأموال وجرائم المخدرات والإتجار بالبشر، فضلا عن الهجرة الغير شرعية. ويعد تبادل المعلومات الاستخبارية هو أحد أهم النقاط التي نصّ عليها الإتفاق من أجل مكافحة جرائم الإرهاب.

كما تضمن الاتفاق بنودا هامة بخصوص زيادة التعاون البحري بين البلدين من خلال القيام بحملات بحرية مشتركة في البحر من أجل مكافحة تهريب البشر والهجرة الغير شرعية.  ولضمان تنفيذ الاتفاقية، أعلنت تركيا عن إنشاء لجنة من الاستشاريين وضباط الاتصال ليتولوا مسؤولية التنسيق بين البلدين.

ثانيا: دوافع توقيع الاتفاق

تحاول تركيا منذ عدة سنوات إنشاء علاقات قوية مع الدول العربية، خاصة تلك التي تعاني من أزمات. وتعمد الإستراتيجية التركية إلى تقديم الدعم المادي والإعلامي لتلك الدول مقابل منافع اقتصادية وأمنية تحصل عليها تركيا لاحقا. ويعد توقيع الاتفاق التركي مع السلطة الفلسطينية الأول من نوعه بين البلدين ويحمل العديد من الدوافع التي نستعرضها في النقاط التالية.

1- زيادة النفوذ الإعلامي التركي: ترغب أنقرة في زيادة نفوذها الإعلامي والدبلوماسي في المنطقة من بوابة القضية الفلسطينية لما تشكله هذه القضية من أهمية للشعب العربي، الأمر الذي يزيد من فعالية قوتها الناعمة ويقلل من تأثير المحاولات الهادفة إلى تقييد نفوذها المتزايد في شؤون المنطقة. وتدرك تركيا طبيعة التوجهات السياسية لدى النخب والشعوب العربية التي ترى في القضية الفلسطينية محورا رئيسيا لأي مجهود عربي هادف لتحقيق السلام في المنطقة. علاوة على ذلك، تحمل فلسطينيين أهمية دينية قصوى. ولذلك، تحاول تركيا استغلال هذا الأمر بهدف اضفاء نزعة دينية على توجهات سياستها الخارجية، الأمر الذي قد يسهم في زيادة شرعية النظام في تركيا.

2- إحكام السيطرة على غاز المتوسط: لطالما كان السيطرة على غاز المتوسط هو المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية لتركيا في السنوات الأخيرة. وقد لعب الغاز دورا رئيسيا في تدخل تركيا العسكري في ليبيا. وقد تكرر الأمر ذاته مع السلطة الفلسطينية، حيث تعمد تركيا إلى زيادة نفوذها على السلطة الفلسطينية بهدف إقناعها أو إجبارها على توقيع اتفاق ثنائي بشأن ترسيم الحدود المائية بين البلدين بما يتيح لتركيا ترسيخ نفوذها في شرق المتوسط. وفي هذا الإطار، تحاول تركيا التقارب مع مصر بهدف توقيع اتفاق مماثل، الأمر الذي يقوي من موقفها في الصراع مع اليونان وقبرص على الغاز في المناطق المتنازع عليها.

3- زيادة شرعية السلطة الفلسطينية:  بالنسبة للسلطة الفلسطينية، توقيع اتفاقا أمنيا مع الأتراك يعد خطوة للأمام لأنه يسهم في زيادة شرعية السلطة خارجيا كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني. علاوة على ذلك، يحقق الاتفاق منافع أخرى لدى السلطة لأن يعد الأول من نوعه في وقت باتت فيه السلطة معزولة وغير قادرة على اتخاذ خطوات فعالة بهدف وقف الاحتلال و إجباره على وقف سياس الإستيطان وبدء عملية المفاوضات بهدف إنهاء الصراع سلميا.

4- تحسين الأداء الأمني للسلطة الفلسطينية: يحقق هذا الاتفاق منفعة أمنية قصوى لدى أجهزة السلطة لأنه يرفع من قدرتها على مواجهة التهديدات والاختراقات الأمنية السيبرانية. كما يعزز الاتفاق من قدرة السلطة على التمتع بالاستقلالية في حالة ما تم وقف التنسيق الأمني مع الإحتلال الإسرائيلي.

ثالثا: تحديات محتملة

بالتأكيد، يشكل هذا الاتفاق تحديا حقيقيا للإحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، لأنه يدعم مركز السلطة بشكل واضح ويزيد من قدرتها على لعب دور مستقل خارجي بعيدا عن النفوذ الإسرائيلي. علاوة على ذلك، يمكن هذا الإتفاق تركيا من الحصول على معلومات استخبارية بشكل موسع من داخل الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي يدعم نفوذها بشكل كبير ويزيد من احتمالية لعبها دور الوسيط في المصالحة الفلسطينية الفلسطينية أو في مفاوضات السلام مع الاحتلال الإسرائيلي مستقبلا. ويشكل هذا الأمر تحديا لدور مصر التاريخي في لعب الوساطة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

على صعيد آخر، فإن توقيع أي اتفاق بحري بين تركيا والسلطة الفلسطينية سوف يواجه رفضا اسرائيليا يونانيا، لأنه يشكل تهديدا للخطط الثنائية بين البلدين التي تعمد إلى مد خط أنابيب لتصدير الغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا.

وفي النهاية، فإن نجاح هذا الإتفاق قد يدفع بعض الدول الإقليمية والدولية لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع السلطة الفلسطينية بهدف تقوية وضعها داخليا وزيادة استقلالها خارجيا.

 

 مصادر

-          عربي 21، اتفاق تعاون أمني تركي فلسطيني يدخل حيز التنفيذ، https://arabi21.com/story/1363021/%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%8A-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%AD%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B0-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84

 

-                    Middle East Monitor, Security Cooperation agreement signed by Turkey and Palestinian Authority  enters into force, https://www.middleeastmonitor.com/20210605-security-cooperation-agreement-signed-by-turkey-and-palestinian-authority-enters-into-force/