المركز العربي للبحوث والدراسات : أسباب متعددة.. لماذا لم ينجح منتدى الحوار الليبي؟ (طباعة)
أسباب متعددة.. لماذا لم ينجح منتدى الحوار الليبي؟
آخر تحديث: الإثنين 24/05/2021 05:46 ص
أحمد سامي عبد الفتاح أحمد سامي عبد الفتاح
أسباب متعددة.. لماذا

لازلت الأزمة الليبية محل اهتمام دول الأقليم العربي نظرا لما تمثله من أهمية جيوبوليتيكية لدول الجوار. وتأتي تونس في مقدمة دول الإقليم التي تولي اهتماما بالغًا بالأزمة الليبية، ليس فقط للتلاصق الجغرافي بين البلدين، ولكن أيضا لأن الفوضى في ليبيا تحمل تداعيات أمنية مباشرة على الأمن القومي التونسي الذي يعاني من تحديات داخلية أهمها التهديدات الإرهابية.

يعد عقد منتدى الحوار الليبي في تونس تأكيدا على الدور العربي الواضح الذي يمكن أن يلعبه الفواعل الإقليميين في تسوية النزاعات المسلحة داخل المنطقة بدعم من الأمم المتحدة. وقد جاء اتفاق الصخيرات الذي وقع في المغرب في 2015 ليؤكد هذه الحقيقية؛ خاصة أن هذا الإتفاق هدف بالأساس لوضع حد للنزاع المسلح وتأهيل المؤسسات الليبية من أجل عقد انتخابات في مدة أقصاها عامين.

فشل اتفاق الصخيرات في تحقيق أهدافه دفع دور الجوار للبحث عن تسوية سلمية للنزاع من خلال جمع الفرقاء الليبين على طاولة واحدة بهدف تجاوز الإشكاليات التي فشل اتفاق الصخيرات في حلها. جاء عقد المؤتمر في تونس بسبب حياديتها من أطراف النزاع. فرغم أن تونس تعترف بحكومة الوفاق الوطني، إلا أنها ترى شرعيتها مؤقتة، ومن ثم يجب استبدالها بأخرى. من جانبه، أكد الرئيس التونسي، قيس سعيد، تأكيده على دعم تونس للأشقاء الليبيين. كما أكد أن الشعب الليبي قادر على تخطي العقبات وتجاوز الصعاب. 

كما أكدت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني ولياميز، أن ليبيا تخطو للأمام خاصة بعد أن تم التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي. وفي السياق ذاته، جددت دعم الأمم المتحدة لجهود تسوية النزاع بشكل سلمي من خلال المفاوضات ودون اللجوء إلى قوة السلاح أو الاقتتال القبلي.

 

 

أولاً- اتفاق جنيف لوقف القتال

في أكتوبر 2020، وقع طرفي النزاع "اتفاق جنيف" الذي ينص على وقف القتال داخل كل الأراضي الليبية تمهيدا لحل النزاع بشكل سلمي. وقفا لهذا الإتفاق، يتعين على كل المسلحين الأجانب مغادرة ليبيا في مدة أقصاها ثلاثة شهور من تاريخ توقيع الإتفاق، مع العلم أن هذا الإتفاق لا ينطبق على التنظيمات التي تصنفها الأمم المتحدة ارهابية، ما يعني أنه بإمكان الجيش الوطني الليبي استكمال القتال ضد التنظيمات الإرهابية في أي لحظة.

يعد اتفاق جنيف لحظة فارقة في تاريخ الصراع الليبي الذي بدأ من 2011 لأنه أعاد الأمل مرة أخرى بشأن تسوية الصراع بشكل سلمي. علاوة على ذلك، يعد وقف القتال تهديدا مباشرا للدور التركي الذي تنامي مؤخرا على وقع ازدياد وتيرة الصراع بين طرفي النزاع. كما يمهد تسوية النزاع بشكل رسمي إلى عقد انتخابات رئاسية وتشريعية، ومن ثم الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني واسقاط كل اتفاقياتها الخارجية بما فيها الاتفاقية العسكرية التي وقعتها مع تركيا. هنا يجب أن نذكر أن اتفاقية ترسيم الحدود المائية مع تركيا لم تحظى بتصديق البرلمان الليبي، ما يجعلها غير نافذة قانونيا. ولذلك، من المتوقع أن تعمل تركيا على افشال كل محاولات تسوية النزاع بشكل سلمي من أجل ضمان وجودها في ليبيا لأطول فترة ممكنة.

ثانيًا- أهم الكيانات المشاركة في المنتدى

شارك في منتدى الحوار الوطني في تونس 75 شخصية؛ منهم 42 شخصية من مؤيدي تنظيم الإخوان، الأمر الذي أغضب عددا من القبائل الليبية لأن تمثيل الشخصيات لم يأخذ في الإعتبار وضع القبائل العسكرية على الأرض. وهناك عدد من القبائل لم يتم دعوتها للمنتدى، مثل قبائل طوارق، تبو، وتبرير. كما أكد محمد المصباحي، رئيس مكتب المجلس الأعلى للمشايخ والأعيان الليبيين، أن اقصاء القبائل الليبية يفقد المنتدى مصداقيته، ويؤكد أن المنتدى يخدم أجندة تنظيم الإخوان.

لكي تنجح أي عملية تفاوضية في حل حرب أهلية، يجب أن يتم ضم الأطراف الفاعلة داخل الحرب وعدم اقصائها، لأن الإقصاء يعد الإشكالية الكبرى التي يعاني منها هذا النوع من المفاوضات. على سبيل المثال، اتفاق الصخيرات 2015 قام بإقصاء المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي أنذاك، الأمر الذي لعب دورا في تجدد النزاع مجددا لأن الإتفاق لم يحظى بشرعية من الأطراف الفاعلة. اضافة إلى ذلك، تعد اتفاقيات مشاركة السلطة هي الوسيلة الأمثل لإنهاء الحروب الأهلية، لأن عقد انتخابات قد ينتج عنه وصول أحد طرفي النزاع للسلطة مع اقصاء الطرف الآخر، الأمر الذي قد يهدد بعودة الصراع مرة أخرى. أيضا في اتفاقيات مشاركة السلطة، يجب مراعاة حقوق الأقليات لضمان دعم الإتفاق من كل الفئات الشعبية. وتبقي اشكالية دمج التنظيمات العسكرية وانشاء جيش موحد على أسس قومية هو التحدي الأكبر لنجاح عملية التسوية السلمية. علاوة على ذلك، يجب أن تضمن أي اتفاق لتسوية النزاع تقسيمًا عادلًا للثروات وعائدات النفط المالية بين القبائل والكيانات المؤسسية المختلفة. 

ثالثًا-  مخرجات غير كافية

انتهت مباحثات الحوار الليبي في 16 نوفمبر. وقد أعلنت ستيفاني ويليامز، مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة، أن جولة أخرى من المفاوضات سوف تعقد بين الطرفين عن طريق تقنية الفيديو. ويعد الاتفاق على عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر 2021 هو أهم مخرجات المنتدى، رغم أن المنتدي لم يحدد آليات تنفيذ ذلك في ظل غياب عدد كبير من القوى الفاعلة. ويعد ذلك في حد ذاته فشلا للمنتدي لأن مجرد الإتفاق على عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية ليس انجازا خصوصا أن هذا أمر متوقع. وكان يجب أن يناقش المنتدى نقاطا أكثر عمقا مثل تقسيم السلطة والموارد، فضلا عن دمج المجموعات المسلحة ضمن قوات الجيش الليبي. كما كان من المتوقع للمنتدى أن يناقش آلية حل التنظيمات المسلحة التي لا تمتلك صفقة قانونية أو دستورية بهدف تركيز القوة العسكرية في أيدي الجيش الوطني الليبي فقط. ويؤخذ على المنتدى أيضا أنه لم يناقش آليات بناء الثقة بين الفرقاء الليبين التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال اتفاق واضح لمشاركة السلطة والموارد، على أن يحظي هذا الإتفاق بدعم أممي.

                في النهاية، لا تزال إمكانية التوصل لإتفاق سياسي قائمة، خاصة بعد أن تم التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في ليبيا، ولكن يجب أن تبدأ الأطراف المتصارعة باجراءات بناء الثقة لأن المرحلة المقبلة تتطلب تكاتف الجميع من أجل بناء وطن خالي من التنظيمات الإرهابية.

المراجع

-       روسيا اليوم، الرئيس التونسي في منتدى الحوار الليبي: الحل لا يمكن أن يكون إلا ليبيا خالصا. متاح على https://arabic.rt.com/middle_east/1171649-%D8%A7%D9%86%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%89-%D9%84%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3/

Walaa Ali, Libyan talks in Tunisia conclude without appointment of unified government. Egypt Today. https://www.egypttoday.com/Article/1/94303/Libyan-talks-in-Tunisia-conclude-without-appointment-of-unified-government