المركز العربي للبحوث والدراسات : مشروعية التدخل الإيراني في سوريا وفقا للقانون الدولي (طباعة)
مشروعية التدخل الإيراني في سوريا وفقا للقانون الدولي
آخر تحديث: الجمعة 23/04/2021 10:25 م
أحمد سامي عبد الفتاح أحمد سامي عبد الفتاح
مشروعية التدخل الإيراني

بعد عدة أشهر من بداية الحرب الأهلية السورية، أصبح الدور الإيراني في الحرب الأهلية السورية واضحا. ويعاني هذا الموضوع من ندورة في المصادر العلمية كون التدخل الإيراني جاء بطريقة غير رسمية، الأمر الذي لم يحفز الكثير من الأكاديميين لتناوله، لأن ايران لم تعلن بشكل رسمي وجودها في سوريا، كما تنكر سوريا وجود أي قوات ايرانية على أراضيها. ويختلف هذا الأمر عن التدخل السعودي في اليمن؛ حيث تلقت السعودية دعوة رسمية من الرئيس هادي من أجل التدخل والمساعدة في دحر الحوثيين، الأمر الذي دفع الأكاديميين لدراسة مشروعية هذا التدخل.

أولاً- بداية التدخل العسكري

وفي مراحله الأولى، كان التدخل الإيراني متواضعاً نسبياً. نقلت إيران مساعدات عسكرية كبيرة إلى النظام في سوريا، مع أسلحة ومعدات لتعطيل قنوات الاتصال بين قوات المعارضة المسلحة بهدف إعاقتها عن تحقيق أي تقدم عسكري على حساب النظام السوري. وفي بداية 2012، بدأت إيران بنقل بضع مئات من قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني والحرس الثوري نفسه إلى سوريا. كما بدأ حزب الله اللبناني في المشاركة في العمليات العسكرية بشكل مباشر ضد فصائل المعارضة المسلحة. بين عام 2012 2014، لعب رجال «فيلق القدس» دوراً محورياً في مساعدة نظام الأسد وتقديم المشورة له، بما في ذلك تفعيل «حزب الله» والميليشيات الشيعية في العراق.

بدأ التغيير في منتصف عام 2014 في أعقاب ظهور داعش الإرهابي في سوريا والعراق، حيث مثّل هذا التنظيم فرصة كبيرة لإيران من أجل التعمق أكثر في سوريا؛ خاصة أن هذا التنظيم قد خاض معارك شديدة مع قوات المعارضة السورية، الأمر الذي ساعد ايران والمليشيات التابعة لها فرصة أكبر لتعميق وجودها العسكري من خلال استغلال الفراغ الذي خلفه المعارك بين داعش والمعارضة. علاوة على ذلك، دفع التمدد الكبير لتنظيم داعش الولايات المتحدة لقيادة تحالف دولي من أجل القضاء على التنظيم، ما يعني أن منافسي إيران في سوريا قد تلاشوا في ضربة استراتيجية واحدة. على الرغم من ذلك، نجح الأكراد في تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية من خلال محاربة تنظيم داعش، حيث كان الأكراد بمثابة القوات البرية للتحالف الدولي ضد داعش.

ثانيًا -  ثلاث حالات للتدخل العسكري في الدول الأخرى

أثار التدخل الإيراني في سوريا جدلاً على المستوى الدولي. اعتقد البعض أن التدخل الإيراني في سوريا ينتهك القانون الدولي، بينما دافع آخرون عن حق النظام السوري في عقد تحالفات خارجية وفق مصالحه العليا. يتعين هنا أن نشير أن سوريا قد وقعت اتفاقية دفاع مشترك مع إيران في 2009، بحيث يعتبر أي عدوان خارجي على أي منها عدوانا على الطرف الآخر. ورغم ذلك، لا يمكن أن نعتبر ذلك مبررا لارسال ايران قواتها العسكرية إلى سوريا، لأن ما حدث داخل الأراضي السورية من مواجهة عسكرية بين النظام والمعارضة كان خارجا عن نطاق اتفاقية الدفاع المشترك.

وفق للقانون الدولي، هناك ثلاث حالات تسمح لدول بالتدخل عسكريا في دول أخري، رغم أن ميثاق الأمم المتحدة يؤكد على احترام سيادة الدول وضرورة عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.

ثالثًا-  التدخل وفق مبدأ الدفاع عن النفس

وتسمح المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للدول بالتدخل في دول اخرى بموجب مبدأ الدفاع عن النفس؛ حيث يحقق لأي دولة أن ترسل قواتها خارج حدودها أو التدخل في دول أخرى إذا ارتأت تهديدا قادما من هذه الدولة لأمنها القومي. وتعد هذه المادة فضفاضة للغاية لأنها لم تحدد نوعية التهديد الذي يستوجب إرسال قوات عسكرية تنتهك سيادة غيرها من الدول. استخدمت تركيا هذه المادة في تبرير غزوها العسكري لشمال سوريا، كما استخدمتها الولايات المتحدة لتبرير غزوها لكل من أفغانستان والعراق. ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، ثار جدل كبير حول إذا ما كان هذا الهجوم يسمح للولايات المتحدة استخدام المادة 51 من أجل غزو أفغانستان؛ حيث انقسم القانونيون إلى فريقين. الأول رأي في الهجوم تعديا خطيرا على سيادة الولايات المتحدة ودافع عن حق واشنطن في استخدام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والمتعلقة بحق الدفاع عن النفس، بينما الفريق الثاني رأي الهجوم على أن مجرد حادث إرهابي يستوجب من الولايات المتحدة العمل على تقوية دفاعاتها العسكرية دون أن يمنحها ذلك الحق في انتهاك سيادة دولة أخرى.

بالنسبة لإيران، نجد أنه لا يحق لها استخدام المادة 51 لتبرير وجودها في سوريا، لأنها لا تشترك في حدود مع سوريا. وإلى جانب ذلك، لا تشكل سوريا تهديدا حقيقيا لإيران. بعبارة أخري، قامت المنظمات الإرهابية في سوريا بشن هجمات في عدد من بلدان العالم، لكنّ ايران لم تكن إحدى هذه البلدان، الأمر الذي لا يمنحها الحق في استخدام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة من أجل إرسال قوات إلى سوريا.

رابعًا-  التدخل عن طريق دعوة رسمية

ويعد التدخل العسكري عن طريق تقديم دعوة رسمية هو الحالة الثانية التي من خلالها يمكن للدول التدخل في الدول الأخرى. ويعد التدخل العسكري السعودي في اليمن هو أبرز مثال على هذه الحال، حيث تدخلت السعودية بعد دعوة رسمية من الحكومة اليمنية الشرعية من أجل المساعدة في دحر قوات الحوثي المدعومة من إيران. وتعد دعوة النظام السوري لروسيا من أجل التدخل ومساندته في هزيمة المعارضة المدعومة من تركيا والولايات المتحدة مثالا آخرا.  

عادة ما تدعو البلدان الآخرين إلى التدخل عندما يمرون بحرب أهلية أو أن يخوضون حربا مع منظمات إرهابية قوية. على سبيل المثال، دعا العراق الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً إلى الدخول والمساعدة في محاربة داعش.

من جميع الأمثلة المذكورة أعلاه، يمكننا أن نستنتج أن التدخل بدعوة قد حدث مرارا وتكرارا منذ إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945. كما أكد القرار رقم 3314 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974 على شرعية التدخل من خلال الدعوة. ورغم ذلك، لابد أن تقوم الدولة المضيفة ( الدولة التي قامت بالدعوة) أن ترسل خطاب الدعوة إلى مجلس الأمن من أجل إخطاره بالتطورات الجديدة. في حالة ايران، لم تقوم سوريا بتوجيه دعوة رسمية لها، ولم يتم إخطار مجلس الأمن بأي وجود عسكري إيراني، الأمر الذي يجعل الوجود الإيراني في سوريا غير مشروعا.

خامسًا - التدخل وفق للقانون الدولي الإنساني

يتيح القانون الدولي الإنساني التدخل في الدول الأخري دون موافقة من الدولة التي تعاني من أزمة انسانية. على سبيل المثال، إذا افترضنا أن الدولة (أ) تعاني من أزمات انسانية نجمت عن الحروب الأهلية، فإن يحق للمجتمع الدولي أن يتدخل دون موافقة هذه الدولة، على أن يتم اعتبار هذا التدخل مشروعا. ولكي لا يتم اضفاء صفة الغير مشروعية على هذا التدخل، يجب أن تنجح الدولة التي قامت بالتدخل في حماية المدنيين والتقليل من آثار الأزمة الإنسانية. وإذا فشلت في ذلك، سوف يتم اعتبار هذا التدخل غير مشروع. بالنظر إلى الوجود الإيراني في سوريا، نجد أن ايران لم ترسل قواتها من أجل حماية المدنيين، الأمر الذي يجعل من تدخلها العسكري غير قانوني.

في النهاية، جاء التدخل الإيراني في سوريا ليحقق أهداف جيوسياسية، لكنه رغم ذلك قد انطوى على مخالفة واضحة للقانون الدولي. ويعد الإنكار الإيراني والسوري وسيلة لتفويت فرض عقوبات على إيران بسبب تدخلها الغير مشروع واستهدافها للمدنيين في سوريا.

المراجع:

-         حسام عربي، مشروعية التدخل السعودي في اليمن وفقا لقواعد القانون الدولي، المركز الديمقراطي العربي، https://democraticac.de/?tag=%D9%85%D8%AF%D9%89-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D9%88%D9%81

Saeed Bagheri, The Iranian Military Intervention in Syria as a Matter of Jus Contra Bellum?, Leiden University. https://leidenlawblog.nl/articles/the-iranian-military-intervention-in-syria-as-a-matter-of-jus-contra-bellum