المركز العربي للبحوث والدراسات : تحول النفوذ .. السياسة الروسية في مواجهة الولايات المتحدة داخل أفغانستان (طباعة)
تحول النفوذ .. السياسة الروسية في مواجهة الولايات المتحدة داخل أفغانستان
آخر تحديث: الأحد 12/07/2020 01:37 ص
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تحول النفوذ .. السياسة

أعلنت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في 27 يونيو 2020 أن الاستخبارات العسكرية الروسية عرضت على مجموعة من مقاتلي حركة طالبان الأفغانية عديد من الامتيازات المالية والعسكرية في إطار استهدافهم لقوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية هناك، كما أشارت إلى أن المؤسسة الروسية التي تقف وراء تلك المكافآت متهمة أيضًا بالوقوف وراء محاولات اغتيال وعمليات سرية أخرى في الدول الأوروبية.

وتوصلت الاستخبارات الأمريكية في مارس 2020 إلى مجموعة من الأدلة على ذلك وتم عرضها على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لم يتخذ موقف ضد السياسة الروسية وهو الأمر الذي تسبب في خلاف مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي أبدى اعتراضه على تعامل الرئيس الأمريكي مع هذا الملف مرجحًا أن يتم التعامل معه من خلال فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على روسيا في مواجهة التوجه الخارجي للرئيس القائم على المهادنة.

وضمن السياق ذاته ترتبط المؤسسة الروسية المتهمة من جانب الولايات المتحدة بمحاولة اغتيال العميل المنشق عن الاستخبارات العسكرية الروسية، سيرجي سكريبال، وذلك من خلال استخدام الغاز السام أثناء وجوده في مدينة ساليسبري البريطانية، وبجانب عملية تسميم سكريبال، فإن الوحدة الروسية تورطت في محاولة انقلاب عسكري في دولة الجبل الأسود في عام 2016، بجانب تسميم صانع أسلحة في بلغاريا في وقت سابق من نفس العام. وتقول الاستخبارات الأميركية إن الاستخبارات العسكرية الروسية كانت مركز عمليات موسكو السري، من أجل التدخل في الانتخابات الأميركية في عام 2016، بعد أن قامت وحدات سيبرانية تابعة للجهاز باختراق خوادم الحزب الديمقراطية، ثم نشر الوثائق من خلال "ويكيليكس".

الجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية وحركة طالبان كانا قد توصلا إلى اتفاق في وفي 29 فبراير الماضي لتسوية الأوضاع بينهما، ووقّعت الإدارة الأمريكية وحركة طالبان اتّفاقًا تاريخيًا ينصّ على انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من أفغانستان وعلى إجراء مفاوضات سلام بين المتمردين وحكومة  الرئيس أشرف غني في كابول.

 

 

مواجهة روسية

على الرغم من إعلان روسيا نفيها لما جاء وأوردته صحيفة "نيويورك تايمز". من خلال السفارة الروسية في الولايات، ودعوتها إلى التوقف عن تلفيق معلومات كاذبة وطلبت من السلطات الأمريكية اتخاذ إجراءات فعالة للحفاظ على سلامة موظفيها، إلا أن أفغانستان تحتل مكانة استراتيجية هامة في سياسة روسيا الخارجية؛ حيث كانت أفغانستان في الماضي نقطة انطلاق العمليات العسكرية من جانب التنظيمات المسلحة التي دعمتها الولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق، والتي ساهمت بشكل أو بآخر في تهديد المصالح الاستراتيجية الروسية.

وفي دراسة "جوليا جورجانوس" نشرتها مجلة فورين أفيرز الأمريكية بعنوان "استراتيجية روسيا في أفغانستان" ذكرت بأن هناك اختلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا حول تطور الأوضاع الداخلية في أفغانستان على الرغم من أنه خلال ما يقارب عقدين من الزمن كان لدى كل منهما أهداف متشابهة إلى حد كبير في أفغانستان مثل منع الفوضى ومواجهة ظهور ملاذ آمن للجماعات الإرهابية. وقد سمح هذا التقارب للبلدين بالعمل معًا. بيد أن هناك اختلافات مهمة. فعلى الرغم من أن كلاهما يريد الاستقرار إلا أنهما يحددانه بطرق مختلفة؛ حيث تهدف الولايات المتحدة إلى اعتماد استراتيجية ترتكز على إنشاء حكومة مركزية قوية في كابول وقوة أمن وطنية جيدة التجهيز والتدريب. وفي الوقت نفسه، تعمل روسيا مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة التي يتنافس بعضها بشكل مباشر مع الحكومة في كابول. حتى أن موسكو تواصلت مع طالبان وحاولة إضفاء الشرعية على مجموعة ما زالت تهدد أمن كل من الحكومة الأفغانية والقوات الأمريكية وقوات الناتو.

ويجب الإشارة هنا إلى أن هذه العوامل ساهمت في اتساع فجوة الخلافات بينهما خاصة في ظل إدراك صانعي القرار الروسي بأن استراتيجية الولايات المتحدة لم تصل إلى أهدافها فيما يخص ضمان استقرار الدولة الأفغانية، وأن على روسيا أن تكون مستعدة للتعامل مع أفغانستان غير المستقرة بمفردها. وهو الأمر الذي يمثل بالنسبة لروسيا تحديًا خطيرًا. لكنها من جانب آخر توفر فرصة لتقويض الولايات المتحدة ومصالحها.

التحول في النفوذ

منذ انسحاب الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان في عام 1989، كانت المصالح الأمريكية والرروسية مختلفة بصورة جذرية إلا أن الاتحاد السوفيتي ومن بعده روسيا حاولت هزيمة الجماعات الإرهابية ومنع أفغانستان في أن تصبح ملاذًا للإرهابيين والجماعات المتطرفة، وهو الأمر الذي يمكن أن يفسر قبول روسيا بصورة نسبية دخول الولايات المتحدة إلى أفغانستان في عام 2001، وقبول عمليات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في إطار هدف روسيا بأن هذه العمليات قد تساعد في تحقيق الاستقرار في منطقة جنوب ووسط آسيا. وضمن السياق ذاته لم تستطيع الولايات المتحدة والتحالف الدولي من تنفيذ أهدافهم في أقغانستان وهو الأمر الذي ساهم في الدفع بروسيا إلى تطوير استراتيجيتها الخاصة للدفاع عن مصالحها، خاصة مع اتجاه الإدارة الأمريكية السابقة والحالية إلى الاعتماد على الحل العسكري فقط.

استراتيجية روسيا تجاه أفغانستان

اعتمدت روسيا في سياتها تجاه أفغانستان إلى تطوير علاقتها مع دول منطقة الشرق الأوسط بشكل عام كمدخل للتأثير في الأزمة الأفغانية، وذلك من خلال انخراطها كفاعل دولي مؤثر في مجريات أزمات وقضايا المنطقة حاليًا والمساهمة في الترتيبات المستقبلية الخاصة بتسوية هذه الأزمات، وهو الأمر الذي دفع بها إلى التدخل العسكري في الأزمة السورية والأزمة الليبية وأزمة البرنامج النووي الإيراني، وبناء عليه فإن تدخل موسكو في أفغانستان يمثل امتدادًا لهذه الاستراتيجية ووفق عديد من التقارير فقد عملت روسيا على تطوير شبكتها الخاصة من الاتصالات والقدرات للدفاع عن المصالح الروسية في حالة انهيار الحكومة المركزية في كابل.

وضمن السياق ذاته قامت روسيا بتطوير علاقاتها الاقتصادي والتبادل التجاري والتواصل الدبلوماسي والثقافي للحكومة المركزية في كابل من جهة، ومن جهة أخرى أقامت علاقات وطيدة مع حركة طالبان، وفي ظل سياسة المناورة الروسية تمكنت من إقامة علاقات جيدة مع كل من الحكومة الأفغانية وحركة طالبان طرفي النزاع؛ حيث يعتقد صانعي القرار الروسي أن حركة طالبان تركز على اكتساب السلطة على الأراضي داخل أفغانستان ، وبالتالي فهي تشكل تهديدًا لحكومة أفغانستان ولكنها لا تمثل خطرًا خارج حدود أفغانستان كونها جماعة محلية على عكس التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود.

جهود الوساطة

منذ ديسمبر 2016 وتقوم الدبلوماسية الروسية بالكثير من جهود الوساطة الداخلية والإقليمية والدولية بشأن تسوية الأزمة الأفغانية، واستضافت روسيا 3 جولات من المحادثات التي ضمت كل من الصين وإيران وباكستان وأفغانستان، واستضافت اجتماع منظمة شنغهاي للتباحث حول الأزمة الأفغانية، بالإضافة إلى التعاون مع إيران لتقوية علاقاتها مع المجموعات داخل أفغانستان، كما أن رؤية روسيا تجاه أفغانستان يمكن أن تساهم في تعزيز الثقة بين حلفاءها في منطقة آسيا الوسطى  من خلال قدرة روسيا على حماية أمنهم في الوقت الذي يتصاعد فيه النفوذ الأمريكي. ويجب الإشارة هنا إلى أنه وعلى الرغم من أن هذه المناقشات والاجتماعات لم تسفر عن نتائج ملموسة بيد أن روسيا نجحت في تحقيق هدفها الأساسي وهو وضع نفسها كلاعب رئيسي في المحادثات المستقبلية. وضمن السياق ذاته فإن الاستراتيجية الروسية لا تختلف بصورة كبيرة عن استراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة والأزمة السورية بصورة خاصة، وذلك بعدما استثمرت جوانب الضعف في استراتيجية الولايات المتحدة الخارجية.

ختامًا: إن المصالح الروسية والأمريكية واحدة فيما يتعلق بمواجهة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود مثل تنظيمي داعش والقاعدة المتواجدين في شمال وشرق أفغانستان، بالإضافة إلى وجود جيش وطني واقتصاد وبنية تحتية يمكن استثمارها في مراحل إعادة بناء مؤسسات الدولة الأفغانية بما يحفظ مصالحهما، بالإضافة إلى ذلك تمثل أفغانستان مصدرًا مهمًا من مصادر تهديد أمنها القومي خاصة وأن مركز الأبحاث التابع للكونجرس الأمريكي أعلن أن 25% من مخدر الهيروين يتم نقله إلى روسيا وهو ما يجلب للجماعات المسلحة المزيد من تدفق الأموال، وقد تكون هذه القضايا مصدرًا للتعاون الثنائي بينهما دونما التعاون في باقي الملفات.

لقد أتاح دور موسكو النشط المتزايد فرصًا للجماعات الأفغانية للتلاعب بالقوى الخارجية ضد بعضها البعض. وهو ما يمكن أن يعزز الخصومات المحلية في وقت يعتمد فيه استقرار البلاد على تعزيز السلطة المركزية. خاصة في ظل اتجاه موسكو إلى تشجيع حركة طالبان وغيرها من المجموعة التي بذلت قصارى جهدها لمنع الحكومة المركزية من تعزيز سلطتها. وبهذه الطريقة تأمل موسكو في تحقيق هدفين في وقت واحد، وهما: إبقاء أفغانستان خالية إلى حد كبير من الإرهابيين الذين يمكن أن يهددوا روسيا أو جيرانها والثاني يتمثل في تحقيق الاستفادة من تراجع الولايات المتحدة لتضع نفسها كقوة عالمية كبرى.

المراجع:

1) هل دفعت روسيا سرّاً أموالاً لمقاتلين مقرّبين من طالبان لقتل عسكريين أميركيين في أفغانستان؟، على الرابط: https://arabic.euronews.com/2020/06/27/ny-times-russia-secretly-paid-money-to-close-taliban-fighters-to-kill-us-soldiers-in-afgh

2) Julia Gurganus, Russia's Afghanistan Strategy, How Moscow Is Preparing to Go It Alone, foreign affairs, January 2, 2018, at: https://www.foreignaffairs.com/articles/afghanistan/2018-01-02/russias-afghanistan-strategy

3) صحيفة: روسيا قدمت مكافآت مالية لطالبان لقتل جنود أمريكيين، على الرابط: https://cutt.us/7Kc3S

4) روسيا وإيران والصين وباكستان: الانسحاب الأجنبي من أفغانستان يجب أن يكون مسؤولا، على الرابط: https://cutt.us/8SHet