المركز العربي للبحوث والدراسات : تداعيات محتملة... كيف تؤثر زيارة أردوغان إلى قطر على الصراعات الاقليمية؟ (طباعة)
تداعيات محتملة... كيف تؤثر زيارة أردوغان إلى قطر على الصراعات الاقليمية؟
آخر تحديث: الأحد 12/07/2020 12:52 ص
أحمد سامي عبد الفتاح أحمد سامي عبد الفتاح
تداعيات محتملة...

قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 2 يوليو، بزيارة خاطفة إلى قطرـ ورغم أن الزيارة استمرت ليوم واحد فقط، إلا أن اختيار الرئيس التركي قطر لتكون محطته الخارجية الأولى بعد أزمة كورونا يؤكد ازدياد التنسيق البيني بين الدولتين فيما يخص الأزمات في المنطقة. ويعد اصطحاب الرئيس التركي لرئيس مخابراته، هاكان فيدان، دليلا أن التنسيق الأمني ودعم التنظيمات الإسلاموية كان حاضرا بقوة على جدول الأعمال الثنائي. علاوة على ذلك، يعد اصطحاب رئيس جهاز المخابرات دليلا  دامغا على أن النقاشات العسكرية قد امتدت إلى كل المناطق التي تتواجد بها تركيا عسكريا، وخاصة ليبيا.

من الجدير بالذكر أن العلاقات الثنائية بين الطرفين قد شهدت تطورا ملحوظا منذ عام 2017 بعدما قامت أربع دول عربية، على رأسهم مصر، بقطع العلاقات مع قطر بسبب دعم الأخيرة للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، فضلا عن استمرارها في التدخل في شئون الدول العربية، في انتهاك واضح وصريح لسيادة هذه الدول. وقد استغلت أنقرة الحصار العربي على الدوحة من أجل إنشاء قاعدة عسكرية تركية. ورغم أن المعلومات المتوافرة حول عدد الجنود الأتراك في قطر غير معروف، إلا أن تقديرات بحثية ترجح أن يكون عدد الجنود الأتراك قرابة 5000 جندي.

وتعد الأوضاع في ليبيا نقطة التقاء مركزية بين الطرفين، حيث تعول تركيا على الدعم المالي القطري في دعمها للمليشيات التابعة لحكومة الوفاق الوطني. كما ترى الدوحة في تدعيم وجودها في ليبيا فرصة لزيادة نفوذها في سوق الغاز العالمي، خاصة مع ازدياد الاكتشافات الكبيرة للغاز في شرق المتوسط.  

أولاً- رفض شعبي عربي

رغم أنه لم يصدر أي تعقيب رسمي من أي دولة عربية على الزيارة، إلا أن ردود الفعل الشعبية كان رافضة بشكل رئيسي لهذه الزيارة؛ حيث تم إنشاء عدد من الهاشتاجات على موقع توتير تتناول بشكل رئيسي الأموال القطرية التي قدمت قرابين لتركيا في الفترة الأخيرة.

ففي شهر مايو 2020، وقعت قطر مع تركيا صفقة لتبادل العملات بقيمة 15 مليار دولار، وهو ثلاثة أضعاف ما تم الإتفاق عليه من قبل. وقد هدفت هذه الصفقة بشكل رئيسي إلى توفير النقد الأجنبي للإقتصاد التركي الذي يعاني من نقص العملات الأجنبية نتيجة تراجع الأداء الاقتصادي بسبب أزمة كورونا. وقد اتهم المغردين العرب الدوحة بإرسال الأموال إلى تركيا التي بدورها تستغلها في تحسين أدائها الإقتصادي، ما يمنحها فرصة أكبر من أجل زيادة تدخلاتها العسكرية في الدول العربية.

على صعيد آخر، تعمل الدوحة على تنشيط قطاع الصناعات العسكرية التركية من خلال عقد صفقات كبيرة. ففي عام 2018، وقعت الدوحة عقدا مع تركيا من أجل شراء 6 طائرات من دون طيار لتصبح بذلك أول دولة مستوردة لهذا النوع من الطائرات. وفي عام 2019، اتفقت قطر على شراء 100 دبابة تركية من طراز ألتاي، رغم عدم حاجتها لها بسبب طبيعتها الجغرافية؛ حيث تعد قطر شبة جزيرة ولا ترتبط بأي حدود برية إلا مع المملكة العربية السعودية. ويؤكد ذلك أن العلاقات السياسية لعبت دورا كبيرا في دفع قطر لعقد صفقات تسليحية غير ضرورية.

ثانياً- تداعيات إقليمية

تحمل الزيارة تداعيات مهمة على الأمن الإقليمي، خاصة أنها جاءت لتنسيق الجهود في ليبيا، مع الأخذ في الإعتبار التطورات الأخيرة التي مكنت حكومة السراج من استعادة السيطرة على المدن المجاورة للعاصمة طرابلس.

من الأهمية أن نشير هنا أن الأوضاع في ليبيا تشهد هدوءا نسبيا، لكنّ الحرب لم تضع أوزارها بعد؛ حيث ترغب حكومة الوفاق في استعادة السيطرة على مدينة سرت الاستراتيجية التي تعد البوابة الأخيرة أمام الهلال النفطي الذي يحتوي على 75% من موارد النفط داخل ليبيا، لكنّ الجيش الليبي بالمقابل يؤكد أن سرت خط أحمر ويرفض المساس بها.

على صعيد آخر، يرتبط الدور التركي في ليبيا بالمال القطري؛ حيث أن الإقتصاد التركي ليس بمقدرته تحمل الإنفاق العسكري الكبير المرتبط بالعمليات العسكرية التركية في كل من سوريا والعراق وليبيا في آن واحد، ومن ثم بات ضروريا لأنقرة أن تحصل على دعم مالي من الدوحة من أجل الحفاظ على استمرارية تدخلاتها العسكرية الخارجية.

وتدرك أنقرة جيدا أن القرارت داخل جامعة الدولة العربية تأخذ عن طريق الإجماع (موافقة كل الدول الأعضاء)، ما يعني أن أي هجوم عسكري تركي على مدينة سرت الليبية سوف تتم إدانته من جامعة الدول العربية، إلا إذا قامت الدوحة باستغلال عضويتها من أي أجل تعطيل صدور أي مشروع قرار من مجلس الجامعة بشأن ادانة التدخلات التركية الغير مبررة.

وتبقى علاقة قطر بالتنظيمات الإسلاموية في سوريا نقطة التقاء مهمة، حيث لا تزال هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) تسيطر على أجزاء كبيرة من محافظة إدلب شمال سوريا. وتعد الجبهة نقطة خلافية بين أنقرة وموسكو؛ حيث تطالب أنقرة بحل الهيئة وتسليم سلاحها الثقيل، فيما تتباطئ تركيا في اتخاذ مثل هذا القرار خوفا من اندلاع المواجهات بين الجبهة وباقي التنظيمات المسلحة. ولذلك، تعتمد تركيا على قطر في التأثير على الهيئة وضبط سلوكياتها.

ثالثاً- تطورات لاحقة

في تطور غير مسبوق، قام طيران مجهول بتوجيه ضربة عسكرية لقاعدة الوطية الإستراتيجية التي تسعى تركيا لتحويلها إلى قاعدة عسكرية خالصة بالتعاون مع القوات التابعة لحكومة الوفاق. توقيت الضربة يؤشر إلى احتمالية ارتباطها بزيارة الرئيس التركي لقطر، خاصة أن زيارة أردوغان للدوحة قد أعقبها زيارة من وزير الدفاع التركي إلى طرابلس، ما يؤشر إلى ارتباطية الضربة العسكرية بهذه الأحداث. وتحمل هذه الضربة رسالة هامة مفادها أن الجيش الليبي لن يسمح لتركيا بإنشاء قاعدة عسكرية على أراضيه.

التكتم التركي الشديد يدل على احتمالية وجود خسائر بشرية غير معلن عنها. ناهيك عن الخسائر المادية المتمثلة في تدمير منظومة سام الروسية للدفاع الجوي، فضلا عن عدد من الإنشاءات الجديدة في ضوء محاولة تركيا لاعادة تأهيل القاعدة مرة أخرى.

في النهاية، جاءت زيارة الرئيس التركي إلى قطر لتعكس محورية الدور القطري في سياسة تركيا الإقليمية. علاوة على ذلك، برهنت هذه الزيارة على أهمية المال القطري في كل التدخلات العسكرية التركية الخارجية.

المراجع

-       نور الدين، قطر تشتري رسميا دبابات القتال التركية، https://rb.gy/josenf

-       أحوال تركيه، قطر تشتري من تركيا 299مدرعة و6 طائرات بدون طيار، https://rb.gy/wlmilz