المركز العربي للبحوث والدراسات : هل ستنجح التحركات الإسرائيلية فى ضم الضفة الغربية وغور الأردن؟ (طباعة)
هل ستنجح التحركات الإسرائيلية فى ضم الضفة الغربية وغور الأردن؟
آخر تحديث: الثلاثاء 30/06/2020 12:13 ص
إيمان زهران إيمان زهران
هل ستنجح التحركات

ثمة تحدى نوعى قد يعصف بجوهر القضية الفلسطينية، ويُنذر بمزيد من التصدع فى بنية النظام الإقليمي العربى، وذلك مع إعتزام حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية الجديدة بالمُضي قُدماً بعملية ضم لجزء كبير من الضفة الغربية وأغوار الأردن ابتداء من 1 يوليو 2020، وبدعم من إدارة ترامب. إذ تمثل تلك الخطوة أحادية الجانب الحؤول دون تأسيس دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل،. وبالمقابل، أعلنت القيادة الفلسطينية تحللها من الاتفاقات السابقة المُبرمة مع إسرائيل والولايات المتّحدة، بما في ذلك اتفاقيّات أوسلو، دون أن تُصرح بخطواتها التالية. بيد أن الواضح هو أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يدخل مرحلة نوعية جديدة تختلف بشكل جذرى عن سابقيها. 

ومن ثم، أصبح هناك الحاجة للتساؤل حول إحتمالات نجاح تل أبيب فى تأسيس ذلك النموذج السياسي والمعروف بـ  "نموذج الحل"، وما تأثيرة على واقع النظام الإقليمي العربى، ماهى الخيارات المتاحة للفلسطينيين للتعامل مع النموذج المطروح للحل، وكيف سيتكيف صانعوا السياسات مع مرحلة ما بعد "الضم" فى ظل تباين ردود الأفعال الإقليمية والدولية حول خيارات مشروع الضم وآليات الدعم أو المواجهه.

   تفاهمات إسرائيلية

يعج النموذج الإسرائيلي للحل بالعديد من النقاط المُتصلة والتى تُبنى عليها التفاهمات الإسرائيلية الحالية، إذ أولى تلك النقاط ما إتضح مُسبقا بخطاب نتنياهو فى خطابة بجامعة "بار إيلان" فى 2009 وحديثة عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وتلى ذلك "التوطئة الأمريكية" وما تم إعلانة بخطة السلام أو ما عُرفت إعلاميا بـ "صفقة القرن" ودعمها بعدد من الخطوات الفعلية فى القدس والجولان، لنصل عمليا إلى ما إنتهت إليه "تفاهمات الائتلاف الحكومي الجديد" الموقعة في مايو 2020 ما بين حزب الليكود، بزعامة نتنياهو، ومنافسه في الانتخابات السابقة "حزب كاحول – لافان"، بزعامة بيني غانتس. إذ شكلت تلك التفاهمات عدة خطوات لتكون بمثابة "خطة تحرك" لإنجاز متطلبات "نموذج الحل"، من خلال:

-      الخطوة الأولى:  تتمثل فى "تقاسم السلطة" والتى كانت بمثابة نقلة نوعية أنهت أكثر من عام ونصف من الجمود السياسي، وذلك بالتوافق حول تقاسم السلطة بين نتنياهو وغانتس مقابل تأييد الثانى على "إستراتيجية الضم"، ومنح نتنياهو الحصانة اللازمة للإفلات من محاكمته بتهم الفساد. وهو ما يعزز فرضيات دعم قوى اليمين بقيادة نتنياهو، وبالنسبة لـ "غانتس" فمن المُرجح إعادة إنتاج سيناريو "حزب العمل" عند إنضمامة مع الليكود بحكومة إئتلافية، إذ تقلص حجم تأثيرة بعد أن حكم إسرائيل عقوداً طويلة، ولم يفز في الانتخابات الأخيرة إلا بمقعدين، ضمن تحالف قوى اليسار الذي حاز على ستة مقاعد، وبات يسعى للالتحاق بحكومة اليمين لإستعادة مكانته.

-      الخطوة الثانية: تتمثل فى "استراتيجية الضم" والتى مثلت جزءًا رئيسا من حملة نتنياهو لاستقطاب الناخبين من أجل إعادة انتخابه، عقب تراجع نفوذة بالشارع الإسرائيلى جراء قضايا الفساد المتلاحقة. وذلك بالإتفاق على ضم أغوار الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، في شهر يوليو المقبل، وعدم السماح بالمس بقانون يهودية الدولة.   

الجدير بالذكر، أن تلك الإستراتيجية برغم أنها بدافع من جانب "بنيامين نتنياهو"، إلا أن واقع صداها يؤول بالمقام الأول إلى "غانتس" رئيس حزب "كاحولا – لافان"، لعدة أسباب، أهمها:  أولاً: يُعد غاتيس رئيس الحكومة بالتناوب في النصف الثاني من فترة الحكومة الحالية، ثانياً: يُمثل وزير الدفاع في الحكومة، أي المسؤول عن الجيش الذي يقع على عاتقه إجراءات الضم، ثالثاً: يستند حزبه "كاحول -  لافان" على القواعد الاجتماعية للمركز السياسي الإسرائيلي الذي يميل إلى الضم ضمن تسوية شاملة مع الفلسطينيين، رابعا: لديه عبء مهمة تسويق وتعبئة الشارع الإسرائيلي حول "إستراتيجية الضم"، خاصة وأنها حاليا لا تُشكل الأولوية في مطالب الإسرائيلين فى ظل ما تمر به تل أبيب من تحديات إقتصادية مختلفة جراء تداعيات جائحة كورونا  .

ويراهن على فرضية "إستراتيجية الضم" ما قامت به إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية بإحداث تحولات بنيوية عميقة تمهيدًا لنموذجها السياسي الجديد. وهو ما قد يخلق ديناميكيات جديدة تُستبدل بالأسس القديمة التي استندت إليها عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية والقائمة على قاعدة: "الأرض مقابل السلام". ومن ثم، يسمح ذلك للإسرائيلين بإنجاز خطوات "الإنفصال التدريجيي" عن الفلسطينيين، وبما يضمن لهم تحقق هدفين أساسيين: منع الفلسطينيين من إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة من جهة، ومن جهة أخرى تقليل المخاطر الأمنية على إسرائيل وضمان تفوقها الاستراتيجي وسيطرتها الأمنية على المناطق الفلسطينية.

ماهية "نموذج الحل" 

يُبنى هذا النموذج على ما أعلنة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" فى 28 يناير 2020 من ملامح "صفقة القرن"، وإستنادا على فرضية إسرائيلية قائمة على تفريغ القضية الفلسطينية من مضامينها الرئيسية: "مدينة القدس، والحدود، والمستوطنات، واللاجئين، والسيادة الأمنية"، وذلك بصورة أحادية وخارج إطار المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين.

إستنادا إلى ذلك، تأتى فلسفة "نموذج الحل" – وفقا للهندسة الإسرائيلية ولخطة السلام الأمريكية والمعروفة بـ "صفقة القرن" – على ضم إسرائيل منطقة غور الأردن، وهو الشريط الممتد بين بحيرة طبرية والبحر الميت والذي سيصبح بعد الضم الحدود الشرقية الجديدة للأراضي المحتلة مع الأردن، والمناطق التى بها تواصل جغرافي للمستوطنات، وأراضى الضفة الغربية بالمنطقة (ج)، إذ تشكل جميعها ما يزيد عن 30% من الضفة الغربية ومن ضمنها كامل القدس الشرقية، ويدعم ويعزز بناء ذلك النموذج السياسي عدد من الفرضيات: 

-      خطة السلام الأمريكية "صفقة القرن" :  وهو ما تمثل بداية فى الإعتراف الأمريكي فى ديسمبر 2017 بالقدس - بشقيها الشرقى والغربى - عاصمة موحدة لإسرائيل، وذلك كأولى خطوات صفقة القرن، ومن ثم فقضية "القدس" لم يعد موضوعاً مطروحاً ضمن أي إطار تفاوضى مستقبلى، وتلى ذلك من إعلان ترامب السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المُحتلة فى مارس 2019. لتُمهد جميعها لخطوات إسرائيلية مستقبلية رامية لإعادة إستنساخ مثل تلك "الاستراتيجيات"، وبناء نموذج جديد للعلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية يحقق المصالح الجيوسياسية والأمنية الإسرائيلية دون النظر للمطالب السياسية والاحتياجات الأمنية الفلسطينية.

-      خلل تطبيقات "إتفاق أوسلو":  إذ نص الإتفاق على تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق إدارية وأمنية (أ، ب، ج)، حيث خضع ما يقرب من 39% من مساحة الضفة (مناطق أ،ب) للسيطرة الإدارية والأمنية الفلسطينية سواء كان ذلك بصورة كلية ، كما في مناطق (أ) أو مشتركة مع إسرائيل كما في مناطق (ب). وأبقى الاتفاق على غالبية أراضي الضفة الغربية، والتي تقدر بما يقرب من 61% تحت السيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية الكاملة في المنطقة (ج). وكان من المتوقع أن ينتهي اتفاق أوسلو عام 1999 بتوقيع اتفاق نهائي تنتقل فيه السيطرة الأمنية والسيادة على مناطق (ج) كاملة - أو على أقل تقدير الغالبية- إلى الفلسطينيين.

 

وبخلاف ما هو مُقرر، استغلت إسرائيل الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية - وفى مقدمتها إتفاق أوسلو- من أجل تعميق وجودها في الضفة الغربية وبسط سيطرتها في مناطق (ج). إذ زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية بأكثر من ثلاثة أضعاف. وعززت إسرائيل سيطرتها على المستوطنات، بإجتزاء مساحات من الأراضي الفلسطينية عن طريق بناء "الجدار الأمني/ العازل". بالإضافة إلى ذلك، سمح إتفاق أوسلو بالسيطرة الأمنية الخارجية لإسرائيل على جميع المناطق، بما في ذلك مناطق نفوذ السلطة؛ حيث يحق لإسرائيل الدخول لهذه المناطق في أي وقت لتنفيذ عمليات أمنية سواء كانت بهدف اعتقال أو اغتيال نشطاء التنظيمات الفلسطينية..إلخ.

-      هشاشة الموقف العربى: إذ بالإضافة إلي الحالة العربية المنهكة، بالنزاعات، والاضطرابات الناجمة عن تأجيل طويل لاستحقاقات التغيير، وكذلك التداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الدول العربية جراء جائحة كورونا، هناك تعزيز للعلاقات فى كافة مجالات التطبيع العربى – الإسرائيلي مما قد يضعف معاها وحدة الموقف العربى. 

-      غياب النظام الدولى : إذ كانت أخر مشاهد الحضور الدولي متمثلة فى الإقتراح الأوروبى بإنشاء "اللجنة الرباعية الدولية"، والمكونة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة، ولم تنجح تلك الرباعية في تحقيق تسوية سياسية، كما أنها كانت دوما محل تشكك لافتقادها التجانس بين أعضائها، ولتفاوت التأثير لصالح الولايات المتحدة؛ لذا فقد آلت الأمور إلى إنفراد الأخيرة الفعلي بالجهود الساعية إلى التسوية بين الفلسطينين والإسرائيلين. وبرغم ذلك التراجع الأوروبى ، إلا أن موقفهم - الأكثر إجماعا- يتسم بالرفض لخطة الضم، والتنديد بتداعياتها إقليميا ودوليا . 

-      ضعف الموقف الفلسطينى:  ثمة إشكالة تقوض الموقف الفلسطيني، تتمثل فى ضعف الحكومة الفلسطينية، وتفتتها، ومدى انفصالها عن شعبها، وتنازع شرعيتها الشعبية، إذ أصبح وفقا لتلك المعطيات من الصعب أن تتبلور استراتيجية فلسطينية مضادة للإستراتيجية الإسرائيلية ومع دنو عملية الضم. فعلى سبيل المثال: حينما تم الإعلان الإسرائيلى عن ملامح "نموذج الحل"، ما كان من الرئيس الفلسطيني محمود عباس سوى التنديد والتهديد بالتحلل من كافة الاتفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع إسرائيل وأمريكا وذلك خلال مداخلاتة في القمم التي عقدت بتقنية الإتصالات المرئية، سواء في الجامعة العربية أو منظمة دول عد الانحياز، وهو تهديد - واقعيا - غير قابل للتفيذ، إذ أن اقتصاد الفلسطينيين في الضفة والقدس قائم على الجانب الإسرائيلي.

-         تسارع الخطوات الإسرائيلية:  إذ إتخذت إسرائيل عدة خطوات تمهيدية لشرعنه "إستراتيجية الضم"، فعلى سبيل المثال:  في يناير 2020، شرع وزير الدفاع "نفتالي بينيت" للبدء فى تكريس الضم الفعلي لمنطقة (ج) من الضفة الغربية،  وقام بتشكيل جهاز أطلق عليه "المنتدى المسئول عن الحرب على مستقبل منطقة ج"، وذلك لمنح المستوطنين تراخيص لشراء أراض في المنطقة بشكل خاص، وربط النقاط الاستيطانية التي دشنت من دون إذن الحكومة بشبكتي الكهرباء والمياه، وعدم السماح بإخلاء المستوطنين من الأراضي الفلسطينية الخاصة التي سيطروا عليها. بالإضافة إلى ذلك، عمل "المنتدى" على إضفاء الشرعية على وجود مزارع يمتلكها المستوطنون في المنطقة (ج) من دون الحصول على إذن جيش الاحتلال.

خيارات "نموذج الحل":    

تتنوع الخيارات الإسرائيلية حول "إستراتيجية الضم"، والتى تتباين ما بين ضم شامل، أو جزئى، أو إرجاء ذلك المشروع لحين تهيئة وإكتمال كافة المقومات الداعمة لذلك النموذج السياسي، وهو ما يتضح بالتحليل التالى: 

-          الخيار الشامل: 

يستند ذلك الخيار الشامل على عدة محددات قانونية وأخرى نوعية، وذلك حيث: 

-      المحدد القانونى: إذ يعتبر ضم أجزاء من الضفة الغربية والمستوطنات إجراءً شكليا - على الأغلب - ولن يغير من الواقع القانوني للأراضي الفلسطينية التي تعتبر مُحتلة ويحظر ضمها بموجب القانون الدولي، إذ أن المناطق التي تنوي إسرائيل ضمها هي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وتُطبق فيها إسرائيل من الناحية الفعلية معظم القوانين الإسرائيلية على سكان المستوطنات؛ حيث يتمتعون بكامل حقوق المواطنة الإسرائيلية. فإسرائيل تتعامل مع المستوطنات باعتبارها "جزءًا من مناطق تملك فيها السيادة الفعلية"، وعملت منذ سنوات على ربط هذه المستوطنات فيما بينها ومع المدن الإسرائيلية بصورة تلاشت معها أي عوائق بينهم تقريبا.

-      المحدد النوعى: يتمثل فى التأييد الأمريكي وتبنيها بخطة السلام "صفقة القرن"،  بالإضافة إلى تأييد اليمين الإسرائيلي لإستراتيجية "الضم"، إذ يعتبرها فرصة تاريخية لضم جميع المستوطنات، وفرض القانون الإسرائيلي المدني عليها. خاصة وأن الجانب المتعلق بالحقوق الفلسطينية لن يتم تنفيذه بسبب الرفض الفلسطيني للخطة، مما يعطي إسرائيل "فرصة نوعية" لإنجاز خيار "الضم الشامل".

وبرغم تنامى فرص تطبيق ذلك الخيار الشامل، إلا أنه بالمقابل هناك عدد من المعوقات التى قد تحد من فرص التطبيق، منها: 

-      معوقات داخلية: تتشكل المعارضة الداخلية جناحين، الأول يتتمثل فى "المعارضة المجتمعية" ومعارضة "الخيار الشامل" لما له من تبعات إقتصادية لاسيما وتزامن ذلك الخيار مع التداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الاسرائيلى، بينما الثانى فيتمثل فى "المعارضة السياسية"، حيث أنه في مايو 2020، وقع 200 مسئول أمني إسرائيلي سابق على عريضة موجهة إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، طالبوه فيها بالالتزام بإجراء استفتاء شعبي قبل أن يتخذ قرارا "الضم الشامل" وفرض القانون الإسرائيلي على مناطق في الضفة الغربية المحتلة. وكذلك ما أعلنة إئتلاف "كاحول –لافان"، إذ يري أن "الخيار الشامل" دون إتفاق مع الدول العربية سيشكل تهديدا لأمن لإسرائيل. 

-      معوقات دولية : تتشكل فى معارضة الإدارة الأمريكية للخيار الشامل - كإجراء أحادى - دون وجود إتفاق حل نهائى مع السلطة الفلسطينية والدول العربية، بالإضافة إلى التخوف الإسرائيلى من العزلة الدولية، خاصة عند إعتبار أن ذلك الإجراء يُعد بمثابة "جريمة حرب" ومخالف لقواعد القانون الدولى إذ إن تلك الأراضى مُحتلة ويحظر ضمها.  وما يترتب على ذلك من فرض عقوبات على إسرائيل جراء ذلك "الخيار الشامل".

-      معوقات أمنية : أولى تلك المعوقات ما يتمثل فى أن هذا الضم قد يدفع إسرائيل إلى تجنيس مئات آلاف الفلسطينيين، وإضفاء صفة "المواطنة"، وإلا سوف تُنتج نظام أبارتايد "فصل عنصري" في مناطق الضم. وهو ما قد تعجز إسرائيل عن مواجهته فى ظل غياب الإستعدادات المدنية والقانونى والعسكرى للخيار الشامل، إذ سيشكل ذلك الإجراء عبئا أمنياً جديداً على المؤسسات الإسرائيلية التى تعتقد أن التحدى الإيرانى وتقويض أذرعة هو الأهم فى تلك الفترة. كذلك قد يدفع ذلك "الخيار الشامل" إلى إعادة إنتاج سيناريو "الإنتفاضة الثانية" بكافة تداعياته، فضلا عن توتر العلاقات الإسرائيلية – العربية التى كانت قد شهدت تقدماً ملحوظ وتمدد بمجالات تعاون مختلفة.

-         الخيار المحدود: 

يُبنى هذا الخيار على فكرة "الجزئية" أى ضم منطقة الأغوار فقط، وهى جزء من المنطقة المخصصة وفقا لخطة السلام الأمريكية "صفقة القرن"، ومن المُرجح أن تحظى بإجماع سياسي داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية، لكون منطقة الأغوار ذات ثقل إستراتيجي بالمنظومة الأمنية الإسرائيلية، وهناك عدة محددات تدعم ذلك الخيار، منها:

-      محددات داخلية: أن هناك إجماع داخل الإئتلاف الحكومة الإسرائيلى حول مسألة ضم الاغوار لما لها من ثقل أمنى وإستراتيجي، كما انه يسهل تسويق "الخيار المحدود" بالشارع الإسرائيلي، إذ ان تلك العملية الجزئية لن تخرج عن كونها "شرعنة" للوضع الإسرائيلي الحالى، أى إعطاؤه مشروعية قانونية من خلال فرض السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق؛ فالأغوار عملياً تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وما الضم سوى تعبير عن هذا الواقع.

-      محددات دولية: إستجابة للمشروطيات الأمريكية بخطة السلام، إذ أفردت الخطة مكاناً خاصاً لضم الأغوار ذات الثقل الأمنى لإسرائيل، كما أنه يستجيب للشرط الأمريكي المطالب بإجماع مكونات الحكومة الإسرائيلية على الضم، كما أن ذلك "الخيار المحدود" يمكن تسويقة على أنه جزء من التسوية على أساس حل الدولتين، باعتباره أنه لا يهدد إقامة دولة فلسطينية وفقا الخطة الأمريكية. دون إغفال فرص الدعم الامريكي، إذ أن الرئيس الامريكي دونالد ترامب يسعى لكسب ولاءات اللوبي الصهيوني للنجاح في الانتخابات المقبلة، خاصة بعد فشله في إدراة أزمة جائحة كورونا وتسببت فى خسائر بشتى المجالات الإقتصادية بالولايات المتحدة الامريكية.

 

-      محددات أمنية: سهولة الاستعداد الأمني لهذا الضم، إذ إن السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الأغوار قائمة بشكل محكم، وسيُعتبر الضم مجرد تحصيل حاصل في استعداد الجيش لذلك. لا يحمل الضم المحدود تجنيس آلاف الفلسطينيين، بل يشكل عنصراً مهماً في المشروع الاستيطاني، والذي يتمثل بمعادلة "أرض أكثر وسكان أقل".

بالمقابل، هناك عدد من المعوقات قد تحد من ترجيح فرص "الخيار المحدود"، أهمها:  

-      معوقات إقليمية: يُعد ضم  الأغوار تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأردني، وخطوة إسرائيلية لقطع التواصل بين الأردن والأراضي الفلسطينية، مما سيلحق ضررا بالمصالح الأردنية من خلال قطع الطريق على أي محاولة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة عاصمتها القدس، وبالتالي عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين. 

-      معوقات أمنية: إذ أن الأردن ترتبط مع اسرائيل بمعاهدات سلام وإتفاقات أمنية وسياسية؛ وهناك إحتمال أن تكون برمتها عرضة لـ"التجميد" وربما الإلغاء في مراحل متقدمة، في حال أقدمت اسرائيل على ضم الاغوار، وهو ما يمكن التنبؤ به خاصة مع تغيير السلوك الأردنى تجاه الكيان الاسرائيلي، وما إنتهت به سياسات المملكة من إنهاء العمل بملحقى إتفاق السلام واستعادة اراضي الباقورة والغمر بعد تأجيرهما لمدة 25 عاما، وكذلك، قد تقدم الأردن على التصعيد النوعى بإتخاذ خطوات اكثر جرأة في حال نفذت اسرائيل "إستراتيجية الضم" ، كأن تفتح الأردن جبهة للمقاومة على الحدود مع فلسطين المحتلة على سبيل المثال.

-         خيار الإرجاء:

لا زال هذا الخيار مطروح وارد لكن فرصة ضعيف، إذ إن الشيء الوحيد القادر على إلغاء وإرجاء الضم هو طلب أمريكي بذلك. فكل التحركات الدولية والإقليمية لن يكون بمقدورها إثناء إسرائيل عن الضم - لاسيما الضم المحدود - والولايات المتحدة هي فقط من تستطيع إجبار إسرائيل على التراجع عن هذا المشروع؛ إذ قد تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل إلغاء الضم جراء ما قد يحمله من تهديد للاستقرار الإقليمي، وتهديد للعلاقات الإسرائيلية- العربية الصاعدة التي تدعمها الإدارة الأمريكية، والمصالح الأمريكية في المنطقة.

بالمقابل، هناك معوقات لهذا الخيار، إذ أن الرئيس الأمريكي لديه العديد من الإختلالات الداخلية ما بين تداعيات أزمة كورونا وفشل إدارته لتلك الجائحة، والتحضير للإنتخابات الأمريكية فى ظل تراجع نسب التأييد لسياساته الداخلية، ومن ثم فيعتبر ترامب أن دعمة لإسرائيل فى "إستراتيجية الضم – نموذج الحل" ماهو إلا "ورقة مقايضة" مقابل ضمان ولاء القواعد الإنتخابية الصلبة، مثل المسيحيين الإنجيليين. 

إجمالا..،،،

تدعم التطورات الإقليمية والدولية الحالية تحقق مسار "النموذج الجديد" وإسراع خطوات حكومة الإئتلاف في تطبيقه. خاصة مع تنامى التخوف بدوائر صنع القرار الإسرائيلية من التغير فى البيئة السياسية في الولايات المتحدة بعد الانتخابات المقررة في نوفمبر 2020، وعرقلة ما كانت ترنو إليه الأهداف الإسرائيلية مستقبلًا. وبالتالي، فإن إسرائيل تسعى حاليا إلى إستغلال الدعم الأمريكي "الغير مشروط"، وإنشغال المجتمع الدولى فى مجابهه تداعيات جائحة كورونا، وذلك لإنجاز رؤيتها السياسية حول "نموذج الحل" سواء بنسختة الشاملة أو المجتزئة. إذ أن إسرائيل  تعول على إعادة إنتاج سيناريو ضم القدس والسيادة على مرتفعات الجولات، ثم التوصل إلى مهادنة مع المجتمع الدولى وقبول ضمنى بالإجراءات الإسرائيلية كما حدث بالسابق وبمباركة أمريكية.

بالمقابل، يصبح الأمر أكثر تعقيداً إقليمياً، خاصة وأن مثل ذلك النموذج السياسي من شأنه أن يعصف ببنيه النظام الإقليمي العربى، ليصبح لدينا تساؤل حول المسارات الإقليمية والتحركات العربية المُحتملة لتطويق ومحاصرة النموذج الإسرائيلي القائم على ضم الضفة الغربية ومنطقة الأغوار خلافاً لتصاعد حركات الإحتجاجات الشعبية. مقابل نمذجة واقع "المعادلة الأمنية" والتى يبدو خلالها النظام العربى الرسمى أكثر تفهمها لإحتياجات إسرائيل الأمنية وخاصة في ظل الصراع مع إيران وتوجه أنظار بعض الأنظمة العربية نحو تل أبيب لإحداث "توازن ردع"، حسب اعتقادهم.

ومن ثم، من المُرجح أن تتخذ حكومة الإئتلاف الإسرائيلي خطواتها نحو "الخيار المحدود" فى بناءها المرحلى لنموذج الحل، إذ سيكون ذلك الخيار هو الأكثر عقلانية في ظل جُملة المعطيات الإقليمية والدولية الحالية، وإستنادا على عدد من المؤشرات الداعمة لذلك، منها: 

-      فرض سياسات الأمر الواقع: فقد دأب الجانب الإسرائيلى بالسنوات السابقة على إعادة هيكلة الطبيعة الديموغرافية لمناطق الإستهداف من خلال سياسات التهويد والتى دعمها تيار اليمين.

-      تصاعد أزمات الإقليم : تعتبر إسرائيل الأزمات المعقدة والتوترات في منطقة الشرق الأوسط فرصة تاريخية خاصة مع تنامى التداعيات السلبية لجائحة كورونا على إقتصاديات الإقليم العربى، إذ أسهمت هذه الأزمات- وفقا للتقديرات الإسرائيلية- في تراجع أولوية القضية الفلسطينية في السياسات الإقليمية، وتحييد التهديدات الأمنية في ظل انخراط "حزب الله" اللبناني في الحرب الأهلية السورية، وتفضيله استمرار الهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، وهو ذات النهج الذي اتبعته حركة حماس، كما أن تصاعد تهديدات إيران والتنظيمات الإرهابية أدى إلى حدوث تقارب نسبي بين إسرائيل والقوى الإقليمية لمواجهة هذه التهديدات في إطار سعي تل أبيب لتأسيس نظام "للأمن الإقليمي" في الشرق الأوسط.

-      تلاشى إحتمالية التصعيد: إذ لازالت إسرائيل تعول على حالة الضعف العربى الغير مسبوق فى ظل إنشغال دول الإقليم بإعادة هيكلة الثوابت الداخلية للدولة الوطنية عقب الربيع العربى، فضلا عن التصدى لتبعات ظهور وتمدد التنظيمات الإرهابية المختلفة والموالين والداعمين لها، بالإضافة إلى حالة الإنقسام والتشتت الفلسطينى حول إنهاء المصالحة الفلسطينة الفلسطينية على الرغم من إنجاح الخطوات الأخيرة منذ إتفاق القاهرة فى أكتوبر2017،...إلخ، إذ جميعها مؤشرات تدعم تراجع حدة التصعيد المضاد إزاء خطوات إقرار النموذج الإسرائيلى للحل.

واقع الأمر، أن التحركات الإسرائيلية نحو خيارات "إستراتيجية الضم" ستلحق بكافة الأطراف العديد من المخاطر، فبالنسبة للفلسطينين، سيبدد الضم – سواء الشامل أو المحدود - أى فرص تتعلق بواقع طموحاتهم القومية/ الوطنية، ومتى تم انتهاك الخط الأحمر المتمثل في ضم الأراضي، سيصبح من الصعب على الحكومات الإسرائيلية المُقبلة مقاومة الرغبة في ضم المزيد والمزيد. كذلك بالنسبة للجانب الأردنى، إذ ستعانى المملكة – بخلاف المزيد من التدهور الإقتصادى-  من موجات نزوح فلسطينية، مما يعني نكبة متجددة للفلسطينيين ترى آثارها على أرض الأردن، وسيكون لها الآثر الواضح على طبيعة النسيج الاجتماعي في الأردن. وبالنسبة لإسرائيل، فالضم الأحادي سيدفع نحو خيار الدولة الواحدة، والتشكيك بطابعها اليهودي والديمقراطي. وفي ضوء تلك المخاطر الحرجة، يُفترض أن يُعاد التفكير فى خيارات "إستراتيجية الضم" ومراجعة النموذج السياسي والقانونى لحل الدولتين الفلسطينية والإسرئيلية، وذلك بما يتوافق مع متطلبات الأطراف الفاعلية وواقع النظام الإقليمي.