المركز العربي للبحوث والدراسات : بنود هشة .. هل يصمد اتفاق فبراير أمام السجال المتجدد بين كابول وطالبان؟ (طباعة)
بنود هشة .. هل يصمد اتفاق فبراير أمام السجال المتجدد بين كابول وطالبان؟
آخر تحديث: الأربعاء 17/06/2020 12:06 ص
نهال أحمد نهال أحمد
بنود هشة .. هل يصمد

في انتكاسة أخرى تهدد مستقبل اتفاق السلام الموقع بين حركة طالبان والولايات المتحدة في الدوحة فبراير الماضي،أعطى الرئيس الأفغاني "أشرف غني" أوامره للقوات المسلحة باتخاذ تحركات هجومية ضد مقاتلي طالبان بعد قيامها باعتداءات دموية على مواقع حيوية، كان آخرها هجوم على مستشفى للولادة وجنازة، كذلك انفجار أربعة ألغام كانت مزروعة على امتداد طريق في أحد الأحياء الواقعة شمال العاصمة الأفغانية ما أسفر عن إصابة أربعة مدنيين.

ترى الحكومة في كابول أن طالبان خالفت بنود اتفاق السلام ولا تبادر بالحفاظ عليه، في المقابل تنفذ الحكومة كافة البنود بشكل متوالي كان آخرها الإفراج عن مجموعة من عناصر الحركة بهدف تمهيد الأجواء أمام مفاوضات سلام أفغانية، وعلى خلفية تلك التوترات أعلنت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها "مايك بومبيو" إدانتها للاعتداءات الأخيرة وضرورة عمل الجانبين في اتجاه تحقيق السلام.

تنذر تلك التطورات بحالة من القلق، بل وتثير تساؤلات عدة حول مستقبل اتفاق السلام المبرم بين طالبان والولايات المتحدة، فهل تضطر واشنطن لإعادة هيكلة الاتفاق كي تتلاشى أوجه القصور التي شابته أم تتجه نحو إلغاؤه ووضع اتفاق جديد بصياغة جديدة تتوافق مع التطورات الميدانية.

أبرز البنود

بعد هدوء دام أربعين يومًا عقب التوقيع على اتفاق السلام في الدوحة فبراير 2020، بدأت حركة طالبان ترتب أوراقها من جديد وتنفذ هجمات متوالية ضد القوات الأفغانية في محاولة منها لفرض سياسة الأمر الواقع وإقحام نفسها للمشاركة مع كابول في تحديد مستقبل البلاد.

جدير بالذكر أنه كان من المفترض انعقاد مفاوضات بين الحكومة الأفغانية ومتمردي طالبان  خلال 10 مارس 2020 لمناقشة أبرز التطورات فيما بين الطرفين وفقا للاتفاق المبرم، لكن تأجلت تلك المفاوضات بسبب خلاف حول تبادل السجناء بين الطرفين، بالإضافة لتدابير العزل على العاصمة الأفغانية بهدف الحد من تفشي فيروس كورونا المستجد.

الحكومة الأفغانية كانت تتطلع بشدة نحو إنهاء أربعين عامًا من الصراع  الدموي، وهو ما كان دافعًا لقبولها بكافة بنود الاتفاق الأخير، لذلك فتحت الحكومة باب الحوار بينها وبين الحركة بهدف وضع حد للمعاناة التي يعيشها مواطنو البلد الغارق في الفقر نتيجة الحرب المستمرة، إلا أن التطورات السلبية الأخيرة التي اتخذها المتمردين تعرقل وبشكل كبير أي محاولة لبدء صفحة جديدة(1) .

وعليه فمن المتوقع أن تتخذ القوات الأمريكية التي كان من المفترض أن تنسحب كليًا بموجب الاتفاق، إجراءات جديدة لاحتواء الموقف، مع العلم أن الاتفاق فتح المجال بالفعل أمام انسحاب تدريجي لتلك القوات من أفغانستان وسيمتد أثره حتى يوليو من العام 2021

 ولكن قبل التطرق للإجراءات التي يمكن أن تتخذها القوات الأمريكية، فلابد أولًا أن نلقي نظرة على الاتفاق المنعقد واستيضاح أوجه القصور التي ربما ستدفع الوضع داخل أفغانستان نحو الهاوية.

تضمن الاتفاق ثلاثة أجزاء رئيسية بخلاف المقدمة والأطر والأسس العامة، حيث ارتكز الجزء الأول على استيضاح التزامات الجانب الأمريكي، في حين تناول الثاني التزامات حركة طالبان، ونص الثالث على الالتزامات المتبادلة بين الطرفين.

                ركز الاتفاق على إيجاد آلية لمنع تهديد المصالح الأمريكية أو مصالح حلفاءها داخل الأراضي الأفغانية سواء كان مصدرها أفراد أو جماعات، ولعل الهدف الرئيسي وراء هذا البند عرقلة أي محاولات تستهدف تحقيق تعاون بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة، إلى جانب حرمان القاعدة من الحصول على أي دعم يمكن أن تقدمه له الحركة مستقبلًا.

وتناول الاتفاق أيضا أهمية إيجاد آلية تستهدف تحقيق الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية، وكافة القوات الأجنبية وفقًا لجدول زمني معلن وخلال135 يوم يفترض أن يتم تخفيض عدد القوات الأمريكية إلى 8600 جندي، فيما يتم سحب كافة القوات الأمريكية خلال تسعة أشهر ونصف بعد المرحلة الأولى من سحب القوات.

ومن الواضح أن الهدف الأمريكي وراء فكرة الانسحاب التدريجي شبه البطيء تنبع من مخاوف أمريكية  حول أن الانسحاب السريع من أفغانستان وعدم وجود قوات أمريكية سيعزز من عدم الاستقرار والانهيار السريع على الأرض(2).

في المقابل جاء البند الأكثر الخطورة الذي ربما يكون العامل وراء التطورات الأخيرة، لينص على بدء مفاوضات داخلية مع الحكومة الأفغانية بحلول 10 مارس بعد حدوث إطلاق للسجناء المحتجزين من قبل الطرفين، حيث نص الاتفاق على قيام الحركة بالإفراج على 1000 سجين من السجناء المرتبطين بالحكومة الذين تحتجزهم، في المقابل تقوم الحكومة بالإفراج عن 5000 سجين من الأفراد المنتمين للحركة، ونتيجة لخلافات بسبب تسمية من سيتم الإفراج عنه بين الحركة والحكومة بدأت شرارة الاعتداءات.

ونص الاتفاق أيضا على مراجعة العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على الحركة، والسعي نحو إقامة علاقات إيجابية بين الطرفين واتجاه الولايات المتحدة نحو إيجاد  أوجه لتحقيق التعاون الاقتصادي وإعادة إعمار أفغانستان، شريطة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان.

أوجه القصور

يبدو أن بنود الاتفاق شملت كافة عناصر الخلاف التي أدت لدخول البلاد في أربعة عقود من الصراع، إلا أن التحليل الدقيق لما تضمنه الاتفاق يعكس خلل وقصور سيؤدي لإفشاله بمرور الوقت والعودة مرة أخرى لنقطة صفر.

فالاتفاق كان في حاجة ماسة لملحق يبين آليات التنفيذ، لنجد مثلًا أن البند المتعلق بوقف أي شكل من أشكال التعاون بين الحركة وتنظيمات أخرى من شأنه تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها، افتقد لوجود آلية واضحة تحدد كيفية رقابة مدى الالتزام بهذا البند، في حين لم تضع واشنطن إجابة لتساؤل حول كيفية تعامل الولايات المتحدة في حالة إخلال الحركة بهذا البند واستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد المصالح الأمريكية.

في السياق ذاته لم يضع الاتفاق آليات محكمة يتحدد من خلالها مستقبل تقسيم السلطة وشكل الحكم في أفغانستان بعد اتفاق السلام حتى أن الجزء المتعلق باتفاق تبادل السجناء لم يتم تنفيذه نظرًا لحالة التشكيك المتبادلة بين الطرفين ومن ناحية أخرى لم يحدد الاتفاق آلية وعقاب في حالة إخلال أي من أطراف الاتفاق بالبنود وتجديده هجمات ضد مصالح أطرا أخرى(3).

وأخيرًا تغافل الاتفاق عن توضيح جوانب تتعلق بضرورة التزام حركة طالبان بالقواعد والمبادئ الديمقراطية، لاسيما وأن الحركة تناهض منذ البداية أي شكل من أشكال الديمقراطية ولا يوجد ضمانات بشأن إمكانية تغيير الحركة سلوكها الذاتي، والالتزام بالعملية الديمقراطية.

زوايا مختلفة

توقيع الاتفاق لا يعني تحقق السلام في أفغانستان فالمعوقات والتحديات التي تعيق تنفيذ الاتفاق لازالت قائمة، ولاستيضاح زوايا جديدة ربما تسببت في إفشال الاتفاق فإنه يمكن أن نستشفها من السياق المحلي في أفغانستان والصراع على السلطة والحكم من جهة، والأوضاع العالمية والإقليمية التي ربما تدفع الاتفاق نحو هاوية الفشل أو تعيد تأويله من جهة أخرى .

وعن الزاوية الأولى التي يمكن أن نرى الاتفاق خلالها هو السياق الذي تحرك خلاله الرئيس ترامب، حيث تحرك ترامب لتخفيض تكاليف العمل العسكري لذلك سعى نحو تخفيض تلك التكاليف بطرح خيارين فإما أن يتم خفض مستويات العمل العسكري الأمريكي في الخارج كما حدث في سوريا،  أو التحرك نحو تغطية تلك التكاليف من قبل الدول الحليفة، كما هو الحال مع اليابان وكوريا الجنوبية، وفي الحالة الأفغانية كان هناك ميل أكثر للخيار الأول.

أما الزاوية الثانية فترتبط بالتغيرات الجيوسياسية التي أفرزها هذا الاتفاق، فالولايات المتحدة سعت من وراء الاتفاق إلى وضع مزيد من الضغوط السياسية  والأمنية على إيران، فبخلاف كون طالبان عدو طبيعي لإيران نظرا لاختلافات مذهبية إلا أنها تعتبر حليف قوى لباكستان في مواجهة طهران(4).

 فقبل أن تشن الولايات المتحدة حربا على أفغانستان عام وقبل أن تقوم الولايات المتحدة بشن الحرب على أفغانستان، في العام 2001، كانت المواجهات على في حدودها القصوى بين  ، تزامن ذلك مع اشتعال مواجهات ضارية على حدودها مع باكستان المتحالفة مع طالبان ضد إيران وربما يصبح هذا السيناريو هو الأكثر توقعا بعد انسحاب القوات الأمريكية، وخاصة، إذا تمكنت طالبان من تركيز عداءها ضد إيران والسلام مع الحكومة الأفغانية، حيث سيفتح بذلك الباب على إيران جبهة جديدة كانت حتى وقت قريب شبه مغلقة.

وحتى لو لم تتحول حركة طالبان إلى حليف حقيقي للولايات المتحدة، فإنها ستشكل عبء ثقيل على كاهل النظام الإيراني.

فإنشغال الحركة على مدار السنوات الماضية بصراعها مع الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة  قلل من قدرتها على إحداث أي تهديد جدي ضد إيران، إلا أنه في حالة التمكن من مشاركة الحركة في الحكم سواء من خلال الحوار مع الحكومة الأفغانية أو من خلال فرض سلطتها بالقوة فإن ذلكلن يكون مريحا لإيران على الإطلاق.

لذلك من المتوقع أن الإدارة الأمريكية لن تتنازل عن تحقيق موائمة بين الحركة والحكومة الأفغانية، لصبح أمام واشنطن خيارين، الأول العمل على إعادة هيكلة الاتفاق المبرم فبراير وسد الثغرات التي شابته بحيث يتضمن الاتفاق المعدل ضمانات وآليات محددة لتنفيذ بنوده بحيث تصبح كافة الشروط بآلياته واضحة وهو ما يضمن تحقيق النتائج التي وضع من أجلها(5).

أما السيناريو الآخر فينصب على إلغاء اتفاق فبراير والشروع في وضع اتفاق جديد يتشارك في صوغ بنوده الأطراف الثلاثة (الولايات المتحدة، الحكومة الأفغانية، حركة طالبان)، وهو ما يضمن تنفيذه وعدم الحيد عن أطره نظرا لاعتبار مراعاة كافة المؤثرات والسياقات المختلفة، ويرجح السيناريو الأول مراعاة لعنصر التوقيت، حيث ان وضع اتفاق جديد يتطلب فترة زمنية طويلة ومفاوضات عدة وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه في الوقت الحالي في ظل التطورات الاقليمية والدولية.

المراجع:

1_ أبرز 4 بنود بالاتفاق بين أمريكا وطالبان الموقع في قطر،موقع cnn ، 1/3/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/Woacg

2_ حسام إبراهيم، حدود الفاعلية: تحديات ما بعد اتفاق السلام بين الحكومة الأمريكية وطالبان، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 5/3/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/AJKDq

3_ كريم شفيق، اتفاق هش بين الولايات المتحدة وطالبان ولا ضمانات للسلام، موقع حفريات،10/5/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/9VUGZ

4_ Guy Taylor ,Trump's peace hopes for Afghanistan threatened by confusion in Kabul,The Washington Times,29/2/2020,available at: https://cutt.us/wHjnt

5_ هل انتصرت حركة طالبان في أفغانستان؟، هيئة الإذاعة البريطانية،1/3/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/YCwIB