المركز العربي للبحوث والدراسات : استراتيجية التحول ومجال الفضاء الخارجي .. إصلاحات قطاع الدفاع الهندي (طباعة)
استراتيجية التحول ومجال الفضاء الخارجي .. إصلاحات قطاع الدفاع الهندي
آخر تحديث: الجمعة 05/06/2020 01:04 ص نيلانثان نيروثان – عرض : أسماء عاصم أحمد
استراتيجية التحول

           في السنوات الأخيرة أصبحت الهند لاعبًا بارزًا في مجال الفضاء, ولقد أدلى رئيس المجلس الاستشاري للأمن القومي الهندي " راغافان" بتصريح من شأنه أن الفضاء هو الإنجاز المجهول للصناعة الهندية وذلك أثناء مناقشة الإصلاحات الدفاعية الشاملة التي قامت بها الحكومة الهندية في منتصف مايو والتي تهدف إلى سرعة إنعاش البلاد اقتصاديًا في مرحلة ما بعد كورونا هذا جنبًا إلى تعزيز المصالح الأمنية الوطنية لاسيما في الصناعات الدفاعية, وكانت محاولة تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الفضاء بؤرة تركيز هذه الإصلاحات.

          وتحظى الهند بقوة جيوسياسية متنامية وفي هذا الإطار فلقد نال المجال الفضائي أولوية في الخطاب الأمني باعتباره قاعدة بالغة الأهمية يجب تنميتها, ولقد ظهر ذلك بوضوح في المواقف السياسية التي تم التعبير عنها في العامين الماضيين وبالأخص الإعلان عن بدء مهمة فضائية في 2022 والأهم من ذلك إجراء اختبار مضاد للأقمار الصناعية كاستعراض للقوة وعندما أجريت  الهند التجربة استطاعت   بعدها الالتحاق بركب الولايات المتحدة وروسيا والصين باعتبارهم البلدان الوحيدة التي حققت قدرات مضادة للأقمار الصناعي,ويعد هذا التفوق الهندي السابق للمملكة المتحدة وفرنسا بمثابة إنعكاس لتسلسل هرمي عسكري أفسح المجال لنظام جديد.

أولًا- هل هناك فجوة؟

           إن الهدف الأساسي لإصلاحات الحكومة الهندية  يركز على خلق شراكات  وتقريب الهوة بين القطاعين العام والخاص في جانب الدفاع وعلى وجه التحديد القدرات الفضائية ويعد هذا الأمر مميزًا للنموذج الأمني الهندي, حيث أن التقدم الذي شهدته الهند في مجال الفضاء الخارجي كانت تحت قيادة المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء بجانب مساهمة ضئيلة من جهات فاعلة خاصة, وعلى الصعيد العسكري كان الاختبار المضاد للأقمار الصناعية في العام الماضي المرة الأولى التي تشارك فيها المنظمة في عرض الأسلحة بالرغم من أن طموحات الهند في مجال الفضاء  قد تم الإفصاح عنها منذ سنوات.

           وفي هذا السياق فإن كفاءة المنظمة لم تعد محل تساؤل أو شك بعد أن حققت العديد من الإنجازات في البنية التحتية الهندية والتي كان يُعتقد أنها مستحلية من قبل ولقد استطاعت المنظمة بهذه الإنجازات الالتقاط مع طموحات الأفراد ووسائل الإعلام التي روجت لإستراتيجية المنظمة على أنها أحداث إعلامية وطنية  الأمر  الذي منح الفرصة للإدارة الحالية في تحويل هذا الزخم في تكنولوجيا الفضاء إلى نقطة للدعم العام والفخر الوطني وهو ما يُمهد لمزيد من السياسات في هذا المجال.

ثانيًا- تداعيات الخصخصة

       بوجه عام إن التأثير الذي قد تخلفه الخصخصة على مجال ما دومًا ما يكون محفوفًابالمخاطر وبعد أن أصبح قطاع الدفاع الهندى أكثر انفتاحًا، فإنه يمكن استنتاج أمرين مهمين كالتالى :

       أولاً : من المتوقع أن تتغلغل تكنولوجيا الفضاء في الأعمال التجارية إلى حد بعيد ، والجدير بالذكر أن المنظمة  قد قدمت الكثير من إسهامات لتكنولوجيا الفضاء بداية من تشييد الأقمار الصناعية وصولاً إلى إطلاقها، ولقد أشار ”راغافان " أن إنجازات المنظمة تجاوزت إنجازات بعض الدول  الأخرى التى تعمل فى مجال الفضاء بسبب التطبيقات التى تم استخدامها وعلى وجه التحديد فى الجانب الإنمائي ولقد أثبت القطاع الحكومى رغبته فى التغيير والتنوع ومن ثم فمن المعقول توقع أن تدفق جهات القطاع الخاص من شأنه أن يُثرى هذا المجال بشكل مضطرد ولقد استطاع القطاع العام إحراز المزيد من التقدم فى ظل أجواء الروتين الإجرائي والقيود البيروقيراطية وبالتالى فإن بعد الانفتاح من المرجح زيادة الابتكارات التي يقدمها القطاع الخاص .

     ثانيًا: إن الهند لا تمتلك إلى الآن مجمع صناعى عسكرى فضلاً عن كونها أكبر مستورد فى الأسحلة فى العالم ، وهذا حقق نتيجة إيجابية حيث الحفاظ على القرارات العسكرية الجيوسياسية فى الغالب دون تدخل من المصالح التجارية الإ أنه خلف أثرًا سلبيًا حيث إعاقة قدرة الدولة على إظهار القوة وفى هذا الإطار فمن المرجح أن نرى إنزلاق المصالح التجارية إلى السياسيات العسكرية كنتيجة طبيعية لشراكة القطاع الخاص فى مجال الدفاع .

          ونظراً لأن الفضاء ميدان جديد للحرب ولا يوجد إطار قانوى أو عقابي يضبط سلوك القضايا الأمنية الخاصة به فإن دخول المصالح التجارية فى هذا المجال سلاح ذو حدين حيث يظهر قدرة القطاع الخاص على مزيد من الإبتكارات الأمر الذى قد يؤدى إلى تقدم تكنولوجى كبير ولكن فى الوقت ذاته ومن ناحية أخرى يؤدى إلى خلط ما هو نافع للدولة وما هو نافع لقطاع  الأعمال التجارية .

ثالثًا- المنافسة الفضائية الكبرى

         إن إصلاحات الحكومة الهندية تعمل على رأب الصدع بين الإستراتيجية التكنولوجية ومجال الفضاء الخارجي للهند إضافة إلى ذلك تدعيم الموقف الأمنى للبلاد والذى بات قويًا منذ عام 2014 وفى عهد رئيس الوزراء ناربندرا مودى  نفذت البلاد قدرًا غير مسبوق من العمليات العسكرية التى تتجاوز الحدود الإقليمية بداية من مهام الإنقاذ وصولاً إلى ضربات مكافحة الإرهاب.

         ورغم أن معاهدة الفضاء الخارجي سنة 1967 حظرت التطور فى مجال الفضاء الإ أنها لم تستطيع وقف الاسراتيجية المتنامية فى مجال الفضاء ولقد اعترفت الصين فعليا بأن الفضاء مجال للحرب وفى ذات الوقت تم الكشف عن قوة الفضاء الامريكية الأمر الذي يبدو مخالفًا للمعاهدة بوضوح هذا بالطبع أظهر أن المعضلة ليست فى القوانين بل الإفتقار إلى آلية تنفيذ القوانين وهذا يضعف من شأن القانون وبالتالى يصبح التنافس فى مجال الفضاء وإمكانية نشوب صراع عسكرى مشكلة من الصعب تجنبها وبإشراك الجهات الفاعلة الخاصة فى مجال الفضاء فإن مسألة حماية الأصول والموارد المملوكة سوف تتحول إلى قضية محورية فكلما أصبحت الصناعة الفضائية أكبر أصبحت الدولة أكثر مسئولية عن حمايتها وكلما زادت المسئولية زادت حدة الخيار العسكرى لحماية ممتلكات الدولة فى الفضاء حتى لو أدى مواجهة مع الدول المنافسة .

          إن رحلة الهند لأن تصبح قوة فضائية كاملة لن تكون فى موضع ترحيب لعمالقة الفضاء الأخرين وخصوصا الصين حيث من بين المنافسات ما يسمي ب " القرن الآسيوي " حيث التنافس الهندى الصيني فلقد أجرت الصين اختبارات مضادة للأقمار الصناعية منذ عام 2007 وهو ما كان صادمًا لنيو دلهى مما دفعها إلى إجراء اختبار هى الأخرى العام الماضى والذى كان رادعًا للصين ، وعلى الجانب الأمريكي فلقد انتقدت وكالة ناسا اختبارات الهند العام الماضي حيث وصف رئيس الوكالة بأنها أمر مقلق وغير مريح .

      أما روسيا تسير فى إتجاه معاكس للولايات المتحدة حيث تتمتع بشراكة أمنية أفضل مع الهند مقارنة بالولايات المتحدة والصين ولم تبدِ روسيا أية انتقادات بل صرحت بأن الهند لم توجهه هذه الشراكة ضد أى دولة بعينها ، والجدير بالذكر أن روسيا لها ريادة فى الاختبارات المضادة للأقمار الصناعية .

رابعًا- مستقبل مشكوك فيه

        الأمر المؤكد أن مجال الفضاء الهندي سيشهد ثورة من أنواع التكنولوجيا ومن المحتمل أن نشهد تغييرات جوهرية في العقيدة الهندية في مجال الفضاء, هذا يأتي مع فرصة إمكانية القطاع الخاص مساعدة الحكومة على أن يكون لها صوت رائد في الأنظمة القانوينة الجديدة وأيًا كانت النتائج فالأمر الحتمي هو أن هذه الإصلاحات تضع الهند في طريقها لإقامة قاعدة دفاع أصلية, وبفرضية أن تصبح البشرية كلها أكثر رقمنة واعتمادًا على تكنولوجيا الأقمار الصناعية ربما يكون مجال الفضاء الخارجي هو المحدد للتسلسل الهرمي للقوة وبالأخص القدرات المدمرة للأسلحة الفضائية, الأمر الذي يغير تعريف القوة العسكرية فكما أصبحت الدول التي تمتلك مقدرات نووية أفضل من الدول التي لا تمتلك من قبل بعد تفجيرات هيروشيما وناجازاكي , فمن المرجح أن تهيمن القوى الفضائية على القرن الواحد والعشرين وحين يأتي هذا الوقت ستكون الهند في وضع لا غبار عليه بعد أن خلقت صناعة فضائية قبل فوات الوقت.

 

Nilanthan Niruthan, Bridging Strategy and Space: Indian Defense Reforms, The Diplomat, 22/5/2020, available on:

https://thediplomat.com/2020/05/bridging-strategy-and-space-indian-defense-reforms/