المركز العربي للبحوث والدراسات : التفويض الشعبي للمشير حفتر.. هل يكون المنقذ؟ (طباعة)
التفويض الشعبي للمشير حفتر.. هل يكون المنقذ؟
آخر تحديث: السبت 23/05/2020 04:33 م
نهال أحمد نهال أحمد
التفويض الشعبي للمشير

نجحت حكومة الوفاق وميليشياتها بقيادة فايز السراج والمقاتلين القادمين من سوريا وبرعاية تركية،  في السيطرة على قاعدة الوطية، وهو ما يشكل تهديد للأراضي الليبية، غير أن جوهر الصراع في ليبيا لا يمكن حسمه من خلال جولة واحدة، وإنما هو عملية ممتدة شهدت فصولاً كثيرة في الفترة الماضية. غير أن هناك عامل مهم وهو التفويض الشعبي للمشير خليفة حفتر كأساس يمكن التعويل والبناء عليه لاستعادة السيطرة والاتصارات.

حيث كان قد أعلن المشير "خليفة حفتر" القائد العام للجيش الوطني الليبي، في الـ 27 من إبريل 2020، إلغاء اتفاق الصخيرات السياسي الموقع في ديسمبر 2015، والذي انبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني ليصبح هذا الاتفاق من الماضي، وذلك بعدما قررت القيادة العامة للقوات المسلحة قبول التفويض الشعبي، ولعل المحرك الرئيسي وراء مطالب الليبيين بتفويض الجيش كان منطلقها الأساسي الهيمنة التركية على حكومة طرابلس وتحكمها في سياستها بما يتوافق مع مصالح "إردوغان"، فما كان أمام الشعب الليبي سوى اللجوء للمؤسسة الأكثر وطنية كي تنتشلهم من الوضع المتردي الذي وصلوا إليه بعد التغلغل التركي داخل الأراضي الليبية.

تفويض شعبي

شهدت ليبيا في الـ 27 من إبريل الماضي حدث يكاد يكن الأهم على الصعيدين السياسي والعسكري منذ بداية الأزمة الليبية، حيث أعلن المشير "خليفة حفتر" في كلمة متلفزة  قبوله تفويض القبائل الليبية لتولي زمام الأمور وإدارة شؤون البلاد مرحليًا لإنقاذ البلاد من الأزمات والتحديات التي تواجهها وتفويضه باتخاذ كل التدابير اللازمة من تفعيل التشريعات القانونية المنظمة لمرحلة انتقالية مؤقتة وتشكيل حكومة وطنية وفرض الأمن وحماية البلاد.

وطالب المجلس الأعلى لمشايخ وقبائل ليبيا بالإسراع في وضع خطط وآليات، لإعادة البلاد على مسارها الصحيح داعيين كل أبناء القبائل ومؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية للالتفاف حول الجيش الوطني.

وفي كلمته المتلفزة أعلن المشير "حفتر" أنه لم يعد هناك خيار إلا قبول التفويض وذلك بعدما قام المجلس الرئاسي بتحويل المشهد السياسي في ليبيا إلى فوضى عارمة وانحدر باقتصاد البلاد لأسوأ حالاته، متعهدًا بأن تكون القيادة العامة رهن إشارة الشعب، ومشددًا على استعداده  للعمل على تهيئة الظروف لبناء دولة مدنية وفق إرادة الشعب(1).

ردود فعل متناقضة

أثار قبول المشير "خليفة حفتر"، للتفويض الشعبي الليبي بقيادة المرحلة الحالية ردود فعل غاضبة حيث أعربت الولايات المتحدة عبر سفارتها بطرابلس عن أسفها على خطاب القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير "حفتر"، مشيرة إلى أن التغييرات في الهيكل السياسي الليبي لا يمكن فرضها من خلال إعلان أحادي الجانب، وأضافت السفارة  أنها ترحب بأي فرصة لإشراك القائد العام للقوات المسلحة وجميع الأطراف في حوار جاد حول كيفية حلحلة الأزمة وإحراز تقدم في البلاد.

                في السياق ذاته أعلنت موسكو صدمتها إزاء خطوة التفويض مؤكدة ضرورة تنفيذ قرارات القمة في برلين من قبل الليبيين أنفسهم بمساعدة المجتمع الدولي، ومشددة على ضرورة الحل السياسي وتجنب حل عسكري للصراع(2).

                وبقراءة ردود الفعل الدولية نجد أن قيمتها تكاد تكون منعدمة، فالوضع في ليبيا لم يعد ينقصه قرارات ومواقف دولية، فعلى مدار أكثر من تسع سنوات صدر الكثير منها سواء من مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، وفي مؤتمرات ولقاءات عقدت على مستويات مختلفة سواء إقليميًا أو محليًا أو دوليًا.

ما ينقص الأزمة الليبية حقًا وجود إجراءات ميدانية ملموسة يتحقق من خلالها التوصيات والتوجيهات الصادرة عن مجلس الأمن والداعية لحظر توريد السلاح، وإلزام الأطراف المتحاربة بوقف القتال، وعدم التدخل في شؤون البلاد لاسيما بعدما تغلغلت تركيا بشكل استفزازي داخل البلاد، وجعلت من العاصمة طرابلس على مدار الشهور السابقة وبفعل مرتزقتها التي جلبتهم من سوريا، بيئة خصبة للجماعات والتنظيمات الإرهابية بعدما أشعلت وقود الفتنة وزرعت الانقسامات بين القوى المحلية، كي تشغلهم بالصراع على النفوذ والسلطة بعيدًا عن أجندتها التي جاءت من أجلها.

فردود الفعل الدولية التي أعقبت قرار "حفتر" كانت مكررة لا جديد فيها منصبة على ضرورة التمسك بالحل السياسي، إلا أن تلك المواقف لن تحل الأزمة ولن تحلحلها، فطالما هناك دولة كتركيا تتبنى نهج انتهاك القرارات الدولية وبنود ومواثيق القانون الدولي في تحدي مستمر للمجتمع الدولي وعدم إعارة أي اهتمام لقرارات أو التزامات وإصرارها على المضي في عمليتي تخريب وتدمير ممنهج لليبيا من خلال تصدير السلاح والمقاتلين والإرهابيين بشتى سبل، إذا لم يعد للحل الدبلوماسي أي قيمة(3).

قبول شعبي

                في المقابل قوبل خطاب المشير "خليفة حفتر" بترحاب والتفاف شعبي، وبموجب التفويض الشعبي اسقط اتفاق الصخيرات والمجلس الرئاسي الليبي، بعد تعالي مطالبات وخروج مظاهرات قادتها أبرز القبائل الليبية مطالبة بتفويض المؤسسة العسكرية لتولى زمام أمور البلاد، وقام ناشطون ليبيون بإطلاق هاشتاج "نعم لتفويض القوات المسلحة لقيادة البلاد" بمجرد انتهاء كلمة قائد الجيش.

يرتكز التفويض الذي دعت إليه القبائل إلى إسناد السلطة والمسؤولية للمؤسسة العسكرية بشكل شرعي حيث أن التفويض الشعبي يناظر مستوى الاستفتاء الشعبي لاسيما بعد فشل اتفاق الصخيرات وعجز مخرجاته، حيث فشلت مؤسساته _ المجلس الرئاسي الليبي _  في جمع شمل الليبيين بل تحولت إلى واجهة سياسية لجماعات الإسلام السياسي ورهينة له(4).

فبعد أن اتسعت رقعة الفساد ونهب المال العالم، والتي وصفها المبعوث الدولي السابق "غسان سلامة" بغير المسبوقة، وبعد فشل الحكومات خصوصاً حكومة طرابلس، أصبحت  ليبيا بذلك تفتقر لقيادة سياسية ناضجة، لذلك أصبح لزامًا استعادة الدولة الليبية لسيادتها من أيدي الجماعات الإرهابية، ثم يصبح الحديث عن مشروع ديمقراطي قابل للحياة، في ظل سيادة وطنية يحققها الجيش الوطني أمراً واقعياً.

فالهيئات السياسية التي كانت تدير البلاد أساءت بشكل واضح إلى الدولة والشعب الليبي عبر سياستها ومنهجياتها الخاطئة بعضها يرقى إلى درجة الخيانة، كجلب مرتزقة أجانب ودفع أموال لهم من خزينة الشعب الليبي لقتال الليبيين، وإبرام اتفاقيات تشرعن التفريط في الحدود الجغرافية والمائية والثروات الليبية، كما فعلت حكومة الوفاق .

فرسالة الجيش الليبي كانت واضحة وصريحة حيث تضمن خطاب "حفتر" عبارة صريحة بشأن الشرعية وهي أنه لا سلطة على الجيش إلا من خلال سلطة منتخبة وسلطة حكومة الوفاق ليست منتخبة إنما هي نتاج سلطة الأمر الواقع، ولهذا فهي مرفوضة شعبيًا قبل أن يرفضها الجيش.

فالليبيون يرون أن الجيش الليبي هو المؤسسة الأكثر تماسك وانضباط والتي تؤمن بالدولة المدنية كما أنها مؤسسة عسكرية وطنية هدفها الأول تأمين وحماية الانتخابات المدنية وربما ستعيد ميلاد الدولة الليبية وانبعاثها من جديد.

محاولات لاحتواء التغلغل التركي

انطلقت العديد من المحاولات الدولية لاحتواء التغلغل التركي في ليبيا كان آخرها عملية "إيريني" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في 1إبريل 2020 بليبيا حيث كانت تستهدف التأكد من تنفيذ قرارات حظر الأسلحة  لليبيا، الصادرة عن مجلس الأمن في مارس 2020، وتشمل الأسلحة التي تضمنتها القرارات الذخيرة الحية والمركبات والمعدات العسكرية وقطع الغيار، وتعتبر تلك العملية من أهم محاولات أوروبا لحلحلة الأوضاع داخل ليبيا ضمن جهود السلام الدولية، حيث تم توفير إمكانيات تكنولوجية ضخمة تشمل أقمار صناعية وقدرات جوية كي تمكن القائمين على العملية من الرصد الدقيق لأي تحرك ينتهك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا من قبل الأمم المتحدة، ورغم ذلك لم تتمكن العملية من تحقيق أهدافها(5).

فوقف إطلاق النار لم يتحقق، ولا العملية السياسية انطلقت، ولا القوة البحرية الأوروبية حققت عملية واحدة ناجحة لوقف تصدير السلاح والمقاتلين إلى ليبيا، حتى إن المبعوث الدولي غسان سلامة قام بتقديم استقالته من منصبه بعدما استشعر أنه يتعرض لخداع من المجتمع الدولي وتخلي عن الشفافية والمصدقية في الوفاء بالالتزامات التي تم الاتفاق عليها.

من ناحية أخر أفادت تقارير استخباراتية  بأن أنقرة لازالت تقومي بإرسال مرتزقة ومجموعات إرهابية بشكل يومي إلى ليبيا عبر السفن والطائرات ليبلغ تعداد هؤلاء ما بين 15 _ 20 ألف  وهم الذين يخوضون معارك حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي، بل أثبتت معلومات أن ضباط أتراك يقومون بإدارة غرف العمليات في طرابلس ويشرفون على العمليات العسكرية، ويطلقون الطائرات التركية المسيرة ضد مواقع الجيش الليبي.

استمرار الانتهاكات التركية داخل ليبيا

قبيل دخول الأزمة الليبية عامها التاسع، وفي خضم التصعيد على المستويين الداخلي والخارجي، وقعت كل من أنقرة وحكومة "فائز السراج"، في الـ27 من نوفمبر 2019، مذكرتي تفاهم تتيح الأولى لتركيا حق السيطرة على شريط مهم من مياه المتوسط، والادعاء بأنه تحت السيادة التركية، ولا يجوز لأحد أن يتحرك فيه إلا بإذن من أنقرة، وهو ما يناقض القانون الدولي ويتجاهل بشكل واضح حقوق اليونان وقبرص المثبتة.

بينما تنصب المذكرة الثانية حول إمكانية التدخل العسكري التركي داخل الأراضي الليبية، في حال طلبت الحكومة الليبية هذا الأمر، ومنذ ذلك الحين تعددت أساليب أنقرة في التغلغل لداخل ليبيا عبر تهريب الأسلحة المتنوعة والمرتزقة المدفوعين من سوريا، فيما كشف فيديو تداولته شبكة "بي بي سي" عملية إرسال تركيا شحنات من الأسلحة الخفيفة والثقيلة بغية دعم الميليشيات في طرابلس، وكشف هذا الفيديو النقاب عن أسباب رفض أنقرة مساعي توسيع مهام صوفيا بشأن مراقبة حظر التسليح على ليبيا وذلك قبل أن يقر الاتحاد إطلاق عملية "إيريني".

وفي إطار الانتهاكات التركية للقوانين الدولية نجد أنه في فبراير 2020 تم ضبط شحنة من الأسلحة والمعدات الحربية إلى جانب 9 مركبات مدرعة، في حين كشفت فيديوهات منذ شهرين عن عملية إنزال فرقاطات تركية لجنود مرتزقة وأسلحة ثقيلة بالقرب من ميناء طرابلس إلى جانب رصد طائرات محملة أيضا بأسلحة وتقوم بعمليات نوعية في سماء طرابلس.

جدير بالذكر أنه في مايو 2019 تم اعتراض السفينة التركية أمازون والتي كانت تقل قرابة 40 مركبة قتال مدرعة، إلى جانب رصد عدة طائرات مسيرة تستهدف تنفيذ عمليات استكشافية نوعية. ومن جهة أخرى كشفت مصادر عسكرية عن هبوط طائرة من طراز بوينغ 747 بمطار معيتيقة الدولي، الذي يبعد عن العاصمة طرابلس قرابة 23 كيلو متر وتم إفراغ شحنات من الأسلحة والذخائر وقطع الغيار الحربية في إطار الدعم العسكري المتواصل لميليشيات طرابلس(6).

وفي يناير من العام الجاري كشفت السلطات التونسية عن احتجاز شحنة من الأسلحة الهجومية التابعة لتركيا في جنوب البلاد، كان من المقرر إرسالها لحكومة الوفاق وهو ما دفع الحكومة التونسية لإعلان قلقها إزاء تطورات التصعيد العسكري داخل الأراضي الليبية ورفض التدخل التركي الذي سيدفع الأمور نحو الهاوية.

لذلك فإن التغافل عن التدخل التركي في ليبيا والاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة وإبداء مواقف سياسية لن يزيد الوضع إلا تعقيد وتأزم بل وسيشجع أنقرة على المضي في سياستها التخريبية والتمعن في التآمر على الأمن القومي الليبي. 

المراجع

1ـ د.جبريل العبيدي، ليبيا وتفويض الجيش، جريدة الشرق الأوسط،30/4/2020، متاح على الرابط:  https://cutt.us/ORL71

2ـ افتتاحية الخليج، ليبيا.. القرارات وحدها لا تكفي، جريدة الخليج الإماراتية، 30/4/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/WzfkU

3ـ ما دلالات ومآلات طلب الجنرال حفتر تفويض شعبي لحكم البلاد؟، هيئة الإذاعة البريطانية،30/4/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/Jy292

4ـ نهال أحمد، "عملية إيريني".. ومستقبل تدفق الأسلحة التركية لميليشيات طرابلس، المركز العربي للبحوث والدراسات، 17/4/2020، متاح على الرابط:  http://www.acrseg.org/41579

5_ Mattia Giampaolo,How Italy was marginalised in Libya ,European council on foreign relations,17/1/2020,available at: https://cutt.us/mEyAD

6_ Editorial Board, France and Italy Should Lead on Libya,Bloomberg,11/4/2019,available at: https://cutt.us/FJ0tR