المركز العربي للبحوث والدراسات : الأسباب والتداعيات .. كورونا ومكانة الولايات المتحدة الأمريكية (طباعة)
الأسباب والتداعيات .. كورونا ومكانة الولايات المتحدة الأمريكية
آخر تحديث: الجمعة 17/04/2020 03:41 ص
عبد الرحمن عاطف أبو زيد عبد الرحمن عاطف أبو زيد
الأسباب والتداعيات

منذ اندلاع جائحة كورونا في نهاية عام 2019، كان من الملاحظ تزايد عدد الإصابات في دول دون الأخرى، والجدير بالذكر أن عدداً كبيراً من الدول المتقدمة لم تسلم من انتشار الوباء وتعدد أعداد الإصابات بها وبكثرة، وعلي رأس تلك الدول الولايات المتحدة؛ ووفقًا لموقع وورلد ميترز World Meters، فقد سجلت الولايات المتحدة حتي يوم 12 ابريل 2020 الولايات المتحدة الأمريكية، 533،115 حالة إصابة بفيروس كورونا، ونسبة 20،580 حالة وفاة بالفيروس، و30،502 حالة تم شفاؤها(1)؛ ومن هنا جاء ضرورة توضيح الأسباب والعوامل التي ساهمت في زيادة معدلات الإصابة بوباء الكورونا في الولايات المتحدة، علي الرغم من امتلاكها قوة إقتصادية كبيرة وقطاع صحي قوي، بالإضافة إلي توضيح تداعيات ذلك الوباء اقتصاديًا علي الولايات المتحدة، ومساهمته في إتخاذها سياسة إنعزالية نسبية واعتماد علي الناتج المحلي، كحال غالبية الدول المتقدمة.

أولًا- الأسباب والعوامل التي ساعدت علي زيادة معدلات الإصابة بوباء الكورونا في الولايات المتحدة:

نستعرض في السطور التالية العوامل التي تم ملاحظة أنها ساعدت علي انتشار الفيروس بالولايات المتحدة، وذلك علي النحو التالي:

أ‌-       الإحتكار وممارسة الضغط من قبل الشركات الكبيرة:

إن البلدان التي تمتلك برامج صحية وطنية تابعة للدولة، يكون لديها كيانات حكومية إما تتفاوض على أسعار الأدوية أو تقرر عدم تغطية ودعم الأدوية التي تعتبر أسعارها باهظة، لكن لا يحدث تفاوض مماثل في الولايات المتحدة، حيث إن ارتفاع أسعار الأدوية هو نتيجة النهج الذي اتبعته الولايات المتحدة لمنح حق الإحتكار من قِبَل الحكومة لمصنعي الأدوية، إلى جانب متطلبات التغطية المفروضة على مزايا الأدوية المُمولة من الحكومة؛ وتم نشر دراسة توضح أن الإحتكار يستمر في رفع أسعار الأدوية بالولايات المتحدة، من قبل طلاب كلية طب جامعة هارفارد، وذلك في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية  - the journal of the American Medical Association.. (2)

وفي الولايات المتحدة، تشكل الشركات جماعات ضغط يتجاوز تأثيرها في السياسات الإقتصادية نظيرتها في أوروبا أكثر من مرتين إلي ثلاث مرات؛ وكذلك تبلغ مساهمات تلك الشركات في الحملات الانتخابية السياسية 50 ضعف مساهمات نظيرتها في أوروبا، لنجد أن الولايات المتحدة تنفق مالايقل عن خُمس ناتجها المحلي الإجمالي علي الرعاية الصحية، ولديها نتائج صحية أسوأ بكثير من أي دولة أخري ذات دخل مرتفع، لأن نظام الإحتكار يمتص كافة الأموال المتدفقة إلي هذا القطاع لصالح الأطباء والمستشفيات وشركات التأمين وشركات الأدوية، بحيث لايتبقي للمواطن العادي أي عائد خدمي فعّال.(3)

وعلى رأس تلك الشركات المحتكرة في مجال الصحة بالولايات المتحدة الأمريكية، شركةHCA Healthcare، وهي شبكة من الشركات الطبية بقيمة 45 مليار دولار مكونة من 185 مستشفى و 119 مركزًا جراحيًا تصل إلي 28 مليون مريض سنويًا.، مما يجعلها أكبر حتى من إدارة صحة المحاربين القدامي - Veterans’ Healthcare Administration، والتي تديرها الدولة؛ ولكن على عكس الأخيرة، والتي تميل إلى تحديد المرافق في المناطق المركزية للولايات المتحدة، بحيث يمكن أن يتم خدمة أكبر عدد ممكن، تتوسع  شركة HCA  في أماكن أخري لا توجد بها منافسة مثل دبلن، جورجيا، بحيث لا يوجد الكثير من خيارات الرعاية الصحية لتلك المناطق، كما تعتبر شركة Universal Health Systems UHS، مثالاً آخر، حيث تبلغ القيمة السوقية الأصغر لها 12 مليار دولار ولكن هناك أيضًا 350 منشأة طبية للمرضى الداخليين عبر 37 ولاية.(4)

وفي كتاب بعنوان “The Great Reversal: How America gave upon free Market”،  قدّر توماس فيلبون من خلال بحث عمليات الإحتكار في الإقتصاد الأمريكي، أن سلة السلع والخدمات التي كانت تستهلكها متوسط الأسر في الولايات المتحدة في عام 2018 كلفتها مابين 5% إلي 10% أكثر مما كانت لتصبح عليه إذا استمر نظام المنافسة القائم حتي عام 2000، فالأسعار التنافسية كانت لتوفر مالايقل عن 300 دولار شهريًا لكل أسرة، أي أننا نتحدث هنا عن مدخرات سنوية علي المستوي القومي بقيمة 600 مليار دولار، وهذا الرقم لايجسد سوي نصف المكاسب التي قد تجنيها البلاد فقط من تعزيز التنافسية لأن النصف الآخر يامثل في تعزيز عمليات الإنتاج والتوظيف ورفع الأجور.(5)

ب‌-   ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية بالولايات المتحدة:

يعاني الكثير من سكان الولايات المتحدة من إرتفاع تكلفة المعيشة بشكل عام، وارتفاع تكلفة خدمات أساسية كالرعاية الصحية والتعليم بشكل خاص، وذلك مرتبط جزئيًا بالممارسات الإحتكارية التي تم الاشارة إليها،  وفي هذا السياق يمكن أن يتسبب تكلفة علاج الفيروس في انتكاسة حوالي نصف الأسر الأمريكية التي لديها متوسط دخل 4500 دولار أو أقل، وذلك نتيجة لارتفاع تكلفة الفحص أو فواتير العلاج الطبية، هذا وفقًا لتحليل Smart Asset   لبيانات الإحتياطي الفيدرالي، حيث إن تكلفة الرعاية الصحية الشاملة، خاصة بالنسبة لإجراءات الوقاية ضد الفيروس يمكن أن تمحو مدخرات العديد من الأسر أو علي الأقل تضر من نفقاتهم بشكل كبير؛ كما أن حوالي 27 مليون أمريكي ليس لديهم تأمين، وذلك من بين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 65 عامًا، وقد واجه حوالي 28٪ صعوبة في دفع الفواتير الطبية في العام الماضي، وفقًا لتقرير مركز السيطرة على الأمراض.(6)

ولقد طرح تقرير التنمية البشرية لسنة 2019، الصادر مؤخرًا بعنوان "أوجه عدم المساواة في القرن الحادي والعشرين: ماوراء الدخل والمتوسط والحاضر"، تفسيرُا منطقيُا لحالة السخط التي شهدتها غالبية الدول الليبرالية - ومنها أمريكا -  والتي تحظي بمكانة متقدمة في مؤشر التنمية البشرية، وبعض مؤشرات النمو الإقتصادي، ويعزو التقرير هذا السخط إلي عجز كثير من البلدان عن إحراز التقدم المطلوب فيما يتعلق  بمؤشرات التنمية البشرية المرتبطة بالقدرات المعززة Enhanced Capabilities -، ومنها الحصول علي الخدمات الصحية الجيدة، والتعليم الجيد في كافة المراحل، والقدرة علي النفاذ إلي وسائل التكنولوجيا الحديثة، نتيجة عدم امتلاك نسبة كبيرة من السكان مايؤهلهم لتحقيق ذواتهم أو الحصول علي فرص عمل ملائمة بمقتضيات العصر الحديث.(7)

 ج- النظام الفيدرالي للولايات المتحدة:

بموجب دستور الولايات المتحدة، تتمتع الحكومة الفدرالية بسلطة واسعة في مجالات محددة، لكن سلطتها ليست مطلقة، كما تلعب الولايات دورًا حاسمًا في جميع المجالات الأساسية التي لا تترك حصرًا للحكومة الفيدرالية، لذلك، تعد سياسات الدولة مهمة للغاية لأن الدول مكلفة بحماية رفاهية وسلامة وصحة مواطنيها؛(8)، فنجد أن الإستقلال النسبي للولايات الأمريكية يعوق الحكومة الفدرالية من اتخاذ تدابير صارمة وقت الأزمات، وذلك علي عكس الدول المركزية كما هو الحال في الصين.

فنجد أن الصين فرضت بشكل أساسي إغلاقًا على مستوى الدولة، وطالبت بأن يبقى كل المواطنين في المنزل حتى يتم تسوية المنحنى الخاص بالفيروس، ولكن في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى عكس الصين، سيكون من الصعب تطبيق إغلاقًا على مستوى الدولة – بسبب الإستقلال النسبي لكل ولاية - حيث في الولايات المتحدة، يجب البقاء بالمنازل، لكن لا توجد شرطة تنفذ هذه القاعدة بشكل فعّال وتجبر المواطنين بالإلتزام، ولكن في الصين، يوجد دوريات من حراس الأمن محيطة بجميع المقاطعات السكنية للتأكد من أن المواطنين لا ينتهكون إجراءات الاحتواء الحكومية، هذا نوع من النهج لا يمكن تطبيقه بشكل مماثل في الولايات المتحدة؛ كما أنه في أمريكا، أدت المخاوف بشأن الحجر الصحي إلى الإندفاع لشراء اللوازم، كالطعام وورق التواليت، وهذا لن يكون ممكنًا في الصين، حيث لن يتمكن الناس من مغادرة منازلهم بسهولة لشراء الإمدادات.(9)   

د- عدم وجود تناسب بين عدد الحالات المصابة مقارنة بالإمكانيات المتاحة:

تعتبر الولايات المتحدة الدولة الأعلي انفاقًا في قطاع الصحة، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، شهدت الولايات المتحدة زيادة الإنفاق من قبل كل من القطاعين العام والخاص، وزادت متوسط الدول المتقدمة في قطاع الصحة إنفاق القطاع الخاص من 1.4٪ إلى 2.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي من 1970 إلى 2016، بينما زادت الولايات المتحدة إنفاق القطاع الخاص من 3.9٪ إلى 8.8٪ خلال نفس الفترة، وفي عام 2016، أنفقت الولايات المتحدة 8.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة من خلال الأموال العامة.(10)

وعلي الرغم من ذلك، إلا أن أعداد الإصابات وسرعة تفشي الوباء داخل الولايات المتحدة، كان أكبر من استيعاب الامكانيات الطبية المتاحة. حيث تواجه اللوازم والمعدات الطبية مثل أجهزة التنفس الصناعي، والأسرة المتاحة لعلاج المرضى، بالإضافة للعاملين لرعاية المرضى، احتمال حدوث نقص، إعتمادًا على مدى انتشار الوباء في الولايات المتحدة، وقد بدأ بالفعل نقص الإمدادات الطبية للأجهزة مثل الأقنعة يؤثر بالسلب علي المستشفيات الأمريكية، ومن المؤكد أن الإجراءات الصحية العامة العاجلة قد توقف انتشار الفيروس،على سبيل المثال، احتوت سنغافورة إلى حد كبير الفيروس عن طريق الحجر الصحي الصارم والجهود الشاملة للعثور على الأشخاص الذين يحتمل تعرضوهم للإصابة، وبالمثل فقد انخفض معدل الحالات الجديدة في كوريا الجنوبية.(11)

ه- العلاقات الأمريكية التجارية والسفر المتبادل من وإلي الصين وتأخر الولايات المتحدة في إتخاذ الإجراءات الطارئة:

                إن انتشار الأمراض المعدية من بلدها الأصلي هو عملية معقدة تنطوي على العديد من العوامل، ولكنها في جوهرها تتعلق بحركة الناس، هناك العديد من العلامات التي يمكن استخدامها لتقدير الحركة بدقة: السفر للداخل وللخارج، والهجرة، والتجارة والقرب الجغرافي؛ وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من الدول التي لديها علاقات قوية بالنسبة السفر أو الهجرة أو التجارة مع الصين، وهي تشهد هي والدول ذات العلاقات الوثيقة نسبيا مع الصين (اليابان وكوريا الجنوبية) انتقالًا محليًا كبيرًا مع الصين.(12)

منذ أن كشف المسؤولون الصينيون عن تفشي مرض الكورونا لمسؤولي الصحة الدوليين في بداية رأس السنة الجديدة، وصل 430،000 شخص على الأقل إلى الولايات المتحدة في رحلات مباشرة من الصين، بما في ذلك ما يقرب من 40،000 شخص في الشهرين التاليين بعد أن فرض الرئيس ترامب قيودًا على مثل هذه السفر، وفقا لتحليل البيانات التي تم جمعها في كلا البلدين؛ ووصل معظم الركاب، الذين ينتمون لجنسيات متعددة، في يناير، إلى مطارات في لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو ونيويورك وشيكاغو وسياتل وديترويت، جاء الآلاف منهم مباشرة من ووهان، مركز تفشي وباء الكورونا، حيث بدأ مسؤولو الصحة العامة الأمريكيون فقط في تقييم المخاطر على الولايات المتحدة، وكان يوجد تأخر نسبي في إتخاذ الاجراءات الصارمة.(13)

و- المناخ:

هناك اعتقاد بأن المناخ البارد هو بيئة تساعد علي انتشار الفيروسات عمومًا، وعلي العكس فإن المناخ الحار والإستوائي يعتبر بيئة غير ملائمة للفيروس، وقد ظهرت عدة دراسات تؤيد تلك الفرضية، منها التقرير الذي نشرته جامعة ييل البريطانية بالتعاون مع مختبر كولد سبرينج هاربور علي منصة medRxiv للعلوم الصحية في إبريل 2020، والذي جاء فيه أن المناخات المعتدلة والباردة تعتبر أكثر ملاءمة لانتشار الفيروس، في حين أن المناخات القاحلة والإستوائية أقل مواتاة لذلك، وتنطبق الحالة الأولي علي دول أوروبا وأمريكا الشمالية، بينما تنطبق الحالة الثانية علي معظم أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، حيث يمكن أن تتسبب المناخات غير المناسبة للفيروس في زعزعة استقراره بسرعة، وبالتالي تقليل قدرته على أن يصبح وباء. (14)

كما سجلت المدن  الصينية ذات درجات الحرارة المرتفعة والبيئات الأكثر رطوبة عن معدل أبطأ لانتقال العدوى في وقت مبكر من تفشي الوباء، وذلك قبل أن تبدأ الحكومة الصينية في فرض تدابير احتواء صارمة للفيروس، والأمر ينطبق أيضًا علي الولايات المتحدة ذات المناخ البارد، حيث شهدت الولايات الجنوبية، مثل أريزونا وفلوريدا وتكساس، نموًا أبطأ في تفشي المرض مقارنةً بولايات شمالية مثل واشنطن ونيويورك وكولورادو، ونمت حالات الإصابة بالفيروس في كاليفورنيا بمعدل متوسط.(15)

ثانيًا- تداعيات تفشي وباء الكورونا علي الولايات المتحدة الأمريكية:

كان لتداعيات جائحة كورونا آثارها علي المستويين الإقليمي والدولي، وكان أكثر التداعيات تأثيرًا هي التداعيات الإقتصادية، وفرض العزلة الداخلية والإعتماد بشكل أساسي علي الإنتاج المحلي.

أ‌-       التداعيات الإقتصادية:

أفادت منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية أن النمو الإقتصادي العالمي قد ينخفض إلي النصف في حالة إذا استمر انتشار فيروس كورونا، مما قد يدفع الإقتصاد العالمي إلي أسوأ حالاته منذ الأزمة المالية العالمية، وأن إجمالي الناتج المحلي العالمي سينمو بنسبة 1.5% فقط في العام 2020 إذا انتشر الفيروس علي نطاق أوسع في جميع أنحاء آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، مما يدفع الدول إلي ركود اقتصادي.(16)

ولو نظرنا إلى ما يشكّله الإنفاق الإستهلاكي من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، سنجد بأنه يشكّل 70% من الناتج المحلي الإجمالي. ولو افترضنا فقط انخفاضاً مقداره 10% في الإنفاق الإستهلاكي على ربع سنة واحد، هو الربع الأول من هذه السنة، فسنكون أمام احتمال انخفاض في نمو الناتج المحلي الإجمالي مقداره 0.14% بقياس النمو الذي تحقق الربع الرابع الماضي من 2019 والذي بلغ مقداره 2.1%. لكن يجب أن نعلم بأن قيمة انخفاض 10% متفائلة جداً، إذ أن لانخفاض الإنفاق آثار جانبية أخرى على المدى الأبعد.(17)

وأصدر بنك جولدمان ساكس مذكرة بحثية في النصف من شهر مارس 2020، تراجع فيه توقعات البنك للنمو الإقتصادي الأمريكي، حيث توقع أن ينمو الإقتصاد الأمريكي بنسبة 0.4 في المائة فقط هذا العام، وأن ينكمش بمعدل سنوي يبلغ 5 في المائة في الربع الثاني (الربيع)، ثم ينتعش بقوة في الربعين الثالث والرابع بعد انحسار الوباء(18)؛ ولقد نالت قطاعات السياحة والطيران نصيبها الأكبر من الخسارة، فقد قال روجر داو، الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية السفر الأمريكية في حديث لشبكة CNN إن فيروس كورونا كبد اقتصاد أمريكا خسائر بلغت 800 مليار دولار، مضيفاً أن صناعة السفر وحدها خسرت ما قيمته 355 مليار دولار.(19)

ب‌-    الإعتماد علي الانتاج المحلي وفرض العزلة الداخلية:

في عام 2018، انتقد الخبراء بشدة إدارة ترامب لفرضها الرسوم الجمركية على الصلب المستورد على أساس عالمي لأسباب تتعلق بالأمن القومي، كما نشر الرئيس ترامب في ذلك الوقت علي تويتر، "إذا لم يكن لديك فولاذ، فلن يكون لديك بلد"؛ لكن بالنسبة لمعظم الإقتصاديين، كانت الصين هي السبب الحقيقي وراء الاضطرابات في سوق المعادن، وتم فرض الرسوم الجمركية الإضافية على حلفاء الولايات المتحدة بحجة أنه حتى لو فقدت أمريكا صناعة الصلب تمامًا، فسيظل بإمكانها الاعتماد على الإمدادات من حلفاءها  في أمريكا الشمالية وأوروبا.(20)

وعمومًا تحد فترات الركود العميقة بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية المتزايدة من وصول أمريكا إلى سلاسل التوريد العادية ونقص القدرة المحلية في أسواق المنتجات المختلفة يحد من الحكومة مواجهة التهديدات بفعالية. ومع ذلك، وسوف يخلق الوباء ضغطًا متزايدًا على الشركات لموازنة كفاءة وتكاليف وفوائد نظام سلسلة التوريد الدولي مقابل متانة سلسلة التوريد المحلية، حيث إن التحول إلى سلسلة توريد محلية أكثر قوة من شأنه أن يقلل الإعتماد على نظام إمداد عالمي متصدع بشكل متزايد، ولكن في حين أن هذا سيضمن بشكل أفضل حصول الناس على السلع التي يحتاجونها، فمن المرجح أن يؤدي هذا التحول إلى زيادة التكاليف علي الشركات والمستهلكين.(21)

الخاتمة

يتضح مماسبق أن الولايات المتحدة تمتعت بظروف متنوعة وعوامل تداخلت وساهمت بشكل أو بآخر في تفاقم حدة الأزمة وزيادة عدد الإصابات، وذلك باختلاف نسب تأثير كل عامل من العوامل، كما أن تفاقم الأزمة كان من شأنه أن يؤثر بالسلب علي الولايات المتحدة، كما الحال في العديد من الدول الأوروبية التي تأثرت بشدة نتيجة الوباء، وكان أكثر التداعيات حدة هو التأصير الإقتصادي الذي أثر بشكل ملحوظ في تراجع الناتج المحلي الإجمالي وحدوث ركود بالولايات المتحدة، بالإضافة إلي اتجاهها نحو الإعتماد علي الإنتاج المحلي والتخلي عن الإستيراد وتقليل نسبة سلاسل التوريد الدولية لصالح سلاسل التوريدات المحلية؛ وفي النهاية فإن تفاقم الأزمة أو التخفيف من حدتها يعتمد علي ماسيتم التوصل إليه خلال الفترة القادمة من محاولة احتواء الوباء واكتشاف علاج فعّال له في أقرب وقت ممكن، وأيضًا سيعتمد علي مدي التقليل أو زيادة من عدد الإصابات.

المراجع

1)           World Meters, U.S, Last access in April 12, 2020.

Available at: https://www.worldometers.info/coronavirus/country/us/

2)           Sydney Lupkin, “Monopoly’ rights drive drug prices higher in the U.S. study says”, Med City News. Aug 23, 2016.

https://medcitynews.com/2016/08/monopoly-rights-drug-prices/?rf=1  Available at:

3)      توماس.فيلبون،" تآكل الطبقة الوسطي: تأثير تراجع السوق الحر لصالح الاحتكار بالولايات المتحدة، عرض: محمد محمودالسيد، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 25 فبراير 2020.

4)           Jeff Reeves, “Forget Big Tech monopolies-the better stock- market investment is in oligopolies, Market watch, November 21, 2019.

Available at: https://www.marketwatch.com/story/forget-big-tech-monopolies-the-better-stock-market-investment-is-in-oligopolies-2019-11-21

5)      توماس فيلبون، مرجع سبق ذكره.

6)           Hillary Hoffer, “The US' broken healthcare system is why the coronavirus is set to explode in America”, Business Insider, March 10, 2020.

Available at: https://www.businessinsider.com/coronavirus-treatment-costs-america-expensive-2020-3

7)      مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، "أزمة النيوليبرالية: دوافع الاهتمام بقضية عدم المساواة في العالم"، 25 فبراير 2020.

8)           New York times,” states need more control over the federal government”, July 16, 2013.

Available at: https://nyti.ms/2XqaNZL  

9)           Hilary Brueck and others, “China took at least 12 strict measures to control the coronavirus. They could work for the US, but would likely be Impossible to implement”, Business Insider, March 24, 2020.

Available at: https://bit.ly/3eh2m8T

10)     Health system Tracker, Health spending U.S compare countries. Available at: https://www.healthsystemtracker.org/chart-collection/health-spending-u-s-compare-countries/#item-start

11)    Lydia Ramsey, “Hospitals could be overwhelmed with patients and run out of beds and ventilators as the coronavirus pushes the US healthcare system to its limits”, Business Insider, March 11, 2020.

Available at: https://www.businessinsider.com/coronavirus-intensive-care-unit-shortages-of-ventilators-staff-space-2020-3

12)   The Conversation, “Why are there so few coronavirus cases in Russia and Africa”, March 18, 2020.

Available at: https://theconversation.com/why-are-there-so-few-coronavirus-cases-in-russia-and-africa-133591

13)   Steve Eder and others,” 430,000 people Have Travelled from China to U.S Since Coronavirus Surfaced”, The New York Times, April 4, 2020.

Available at: https://nyti.ms/2JUX3hJ

14)    https://www.medrxiv.org/content/10.1101/2020.03.12.20034728v3

15)   Knvul Sheikh and Ernesto Londoño, “Warmer Weather May Slow but not Halt Coronavirus”, The New York Times, march 22, 2020.

Available at: https://nyti.ms/2wBROjY

16)  سي إن إن عربية، " فيروس كورونا يدفع الإقتصاد العالمي إلي أسوأ أزمة منذ عام 2009", 3 مارس 2020.

متاح علي الرابط التالي: https://arabic.cnn.com/business/article/2020/03/03/oecd-global-economy

 

17)  , Equiti “سيناريوهات تنتظر الإقتصاد الأمريكي مع فيروس كورونا 18, مارس 2020.

متاح علي الرابط التالي: https://www.equiti.com/ae-ar/newsroom/articles/سيناريوهات-تنتظر-الاقتصاد-الأمريكي-مع-فيروس-كورونا/

18)   Josh Barro, “Nobody Knows How Hard Coronavirus Will Hit the Economy – or Even Their Own Company”, Intelligencer, March 17, 2020.

Available at: https://nymag.com/intelligencer/2020/03/how-hard-will-coronavirus-hit-the-economy-nobody-knows.html

19)   سي إن إن عربية، "اقتصاد الولايات المتحدة يخسر 800 مليار دولار بسبب فيروس كورونا"، 18 مارس 2020.

متاح علي الرابط التالي: https://cnn.it/2RxPKk9

20)   Politico Magazine,” Coronavirus Will Change the World Permanently. Here’s How”, March 19, 2020.

Available at: https://www.politico.com/news/magazine/2020/03/19/coronavirus-effect-economy-life-society-analysis-covid-135579

21)  المرجع السابق.