المركز العربي للبحوث والدراسات : ضغوط متزايدة ... تأثير تجدد الظاهرة الاحتجاجية على مستقبل النظام الإيرانى (طباعة)
ضغوط متزايدة ... تأثير تجدد الظاهرة الاحتجاجية على مستقبل النظام الإيرانى
آخر تحديث: الأحد 19/01/2020 05:06 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
ضغوط متزايدة ...

تمتد الظاهرة الاحتجاجية في إيران إلي ما قبل عام 1979؛ حيث نظام حكم الشاه و سياساته الاستبدادية التي كانت تقوم على قمع الحقوق و الحريات، تشديد القبضة الأمنية على رجال الدين و ذهاب غالبية الأرباح النفطية على الصعيد الاقتصادي إلي الشركات الأجنبية العاملة في طهران في ذلك الوقت. واستمرت الاحتجاجات في طهران منذ ذلك الوقت مروراً بتظاهرات الطلبة الإيرانيين في عام 1999 ، تظاهرات الأهواز في 2005، الثورة الخضراء في عام 2009، وصولاً إلي احتجاجات اواخر ديسمبر لعام 2017 وبداية عام 2018 وحتى نهاية عام 2019.

و تكرر الأمر مرة أخري في بداية يناير لعام 2020 على خلفية اعتراض الطلبة الإيرانيين على سياسات النظام فيما يتعلق بأسقاط الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري لطائرة ركاب أوكرانية و هو الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من المواطنين الإيرانيين على خلفية وفاة حوالى 15 طالبًا من طلبة جامعة شريف صنعتي في طهران، بالإضافة إلى طلبة أخرين من جامعة أمير كبير، فضلاً عن الإدانات الدولية التي تلقتها طهران إثر هذا الحادث، الأمر الذي يلقي بظلاله على فشل النظام في التعامل مع الجذور الرئيسية لأزماته الداخلية.

أولاً- جذور الظاهرة الاحتجاجية في إيران

يرجع تاريخ الحركة الاحتجاجية في إيران إلي عهد الشاه "محمد رضا بهلوي" الذي كان يحكم البلاد من خلال سياسة قائمة على إرضاء الحلفاء في الخارج عبر الاتفاقيات الاقتصادية القائمة على استخراج النفط و تصديره بالتعاون مع شركات بريطانية و أمريكية تستحوذ على نصيب الأسد من هذه الأرباح على حساب المواطن في الداخل. وعلى الناحية السياسية؛ كانت هناك الكثير من الأسباب مثل قمع الحقوق و الحريات بما يتضمن حرية الكتابة، النشر و التوزيع، المشاركة السياسية الصورية و التحكم من قبل رأس النظام في مدى بقاء الحياة السياسية(الأحزاب، منظمات المجتمع المدني) من عدمه.  

وعليه، تم تنظيم عدد من الاحتجاجات العامة في عام 1975 من قبل بعض طلاب المدارس الدينية في مدينة قم على خلفية التدهور السياسي و العوز الاقتصادي الكبير الذي كان موجوداً في ذلك الوقت. وتردد صدى هذه الظاهرة مرة أخري خلال عام 1978 في جميع أنحاء إيران بدلا من الانحصار في مناطق بعينها  و سرعان ما أصبحت نقطة التقاء للتعبئة الثورية، و اصبحث بمثابة الشرارة الأولى التي اندلعت على إثرها أحداث الثورة الإسلامية لعام 1979. حيث تأزم الوضع كثيراً من خلال حركة الاغتيالات التي قام بها الشاه محمد رضا بهلوي في ذلك الوقت ضد جماعة "فدائي إسلام" برئاسة قائدها نواب صفوي، فضلاً عن اصرار الشاه على استهداف رجال الدين الذين كانوا يمثلون الفصيل الأقوى داخل المجتمع الإيراني في ذلك الوقت، الأمر الذي أدي إلي اندلاع الثورة الإسلامية بعد هروب الشاه و الفراغ السياسي و الأمني الذى حدث داخل الدولة الإيرانية(1).

ثانيًا- الظاهرة الاحتجاجية داخل إيران بعد الثورة الإسلامية

باتت الظاهرة الاحتجاجية أحد أبرز سمات الحياة السياسية داخل إيران بعد الثورة الإسلامية لعام 1979؛ حيث جاءت احتجاجات عام 1999 على خلفية اقتحام مساكن طلبة جامعة طهران من قبل قوات شرطة ترتدى زي مدنى وعناصر شبه عسكرية تطلق على نفسها حركة "حزب الله" نتيجة احتجاج طلبة الجامعات الإيرانية اعتراضًا على إغلاق صحيفة "سلام" الإصلاحية وإقرار البرلمان لقانون جديد يحد من حرية الصحافة، كما واجهت الحكومة الإصلاحية برئاسة محمد خاتمي أزمة خطيرة، مما أدى لاستقالة وزير العلوم والتعليم العالي احتجاجًا على وحشية الشرطة ورفاقهم من حلفاء "حزب الله"(2).

أما بالنسبة لاحتجاجات الحركة الخضراء في عام 2009 فاندلعت التظاهرات إثر الادعاء بتزوير الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها المتشدد أحمدي نجاد في مقابل كل من رجل الدين و السياسي البارز "مهدى كروبي" و رئيس وزراء إيران الأسبق "حسين موسوي" و التي قابل فيها الحرس الثوري العملية الاحتجاجية بأقصى درجات القمع الأمر الذي وصل إلي حد استخدام الرصاص الحى في مواجهة المتظاهرين. ولكن من اللافت للانتباه، ظهور أدوات جديدة تم استخدامها على نطاق واسع اسهمت في انتشار صدى الظاهرة الاحتجاجية الإيرانية في الفضاءات الخارجية على المستوى الإقليمى و الدولي  بعيداً عن حدود الدولة الإيرانية تمثلت في وسائل التواصل الاجتماعي و المنصات الافتراضية التي ساعدت المواطن الإيرانى في توثيق الأحداث بالصوت و الصورة مما جذب الكثير من التعاطف العالمي و سيما من قبل المنظمات الحقوقية مع الشعب الإيرانى(3).

وتجددت الاحتجاجات مرة أخري مع أواخر عام 2017 و أوائل 2018 على خلفية التدهور الاقتصادي سيما بعد عقد الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015 و الذى كان من المقرر أن تحصل طهران على عوائده التي كان من المتوقع أن تساعد في حل الكثير من المشكلات الاقتصادية الناجمة عن فترة العقوبات التي فرضت على طهران لعقود طويلة قبل توقيع خطة العمل المشتركة الشاملة. وعلى الجانب الأخر لعبت الصراعات بين التيارات السياسية دوراً كبيراً في تأجيج حدة الاحتجاجات في تلك الفترة؛ حيث خرجت الاحتجاجات من مدينة مشهد معقل نفوذ التيار المحافظ و ثاني أكبر المدن الإيرانية من حيث عدد السكان.

أما فيما يتعلق باحتجاجات نوفمبر لعام 2019، اندلعت على إثر قرار مجلس التنسيق الاقتصادي بين السلطات الثلاث برفع أسعار الوقود  و المحروقات، و هى التي تأتى إثر التداعيات السلبية لخروج طهران من الاتفاق النووي الإيرانى، الأمر الذي أدى لخروج عشرات الشركات متعددة الجنسية من السوق الإيراني، و إنهاء الكثير من المشروعات الاستثمارية الأجنبية في طهران و التي كان من المتوقع أن تساهم في إحداث نقلة اقتصادية هامة على المدى الطويل. كما جاءت هذه الأزمة بعد تصاعد وتيرة الصراعات بين التيارات السياسية (المحافظين و الإصلاحيين)، على خلفية اقتراب موعد بعض الاستحقاقات الانتخابية بما يتضمن الانتخابات التشريعية و الرئاسية في عامي 2020 و 2021 علي التوالي(4).

ثالثًا-  احتجاجات يناير لعام 2020

أدي اعتراف الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري الإيراني بضلوعها في حادث اسقاط طائرة الركاب الأوكرانية التي راح ضحيتها عدد كبير من أبناء طلبة الجامعات الإيرانية إلي حالة من التخبط و الحرج داخل المجتمع الإيراني، وعليه، قادت أعداد غفيرة من الطلاب الإيرانيين احتجاجات ضد المرشد علي خامنئي والحرس الثوري في العاصمة طهران ومدن أخرى. ورفع المتظاهرين لافتات تحمل شعارات من قبيل "ارحل ارحل أيها المرشد الأعلى"، "قاتل وحكمه باطل"، مطالبين باستفتاء عاجل لتغيير هوية النظام مع التنديد بتدخلات الحرس الثوري الإقليمية و التأثير السلبي لذلك على مستوى معيشة المواطن الإيراني. يتوازى ذلك، مع قيام طهران باحتجاز السفير البريطاني لديها على خلفية اتهامه بالمشاركة في الاحتجاجات التي اندلعت في طهران إثر حادث سقوط الطائرة الأوكرانية؛ حيث أفادت بعض المصادر الإعلامية بتواجد السفير البريطاني أمام جامعة أمير كبير بطهران، و تم اعتقاله في ذلك الوقت مع اطلاق سراحه بعد جهود وساطة قامت بها وزارة الخارجية الإيرانية.

وكعادتها اتبعت الشرطة الإيرانية سياسات قمعية في مواجهة المتظاهرين؛ حيث ظهرت الكثير من الصور و مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق أعيرة نارية في محيط الاحتجاجات المنتشرة بطهران و جنود أمن مركزي يحملون بنادق و هو الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تصاعد حدة التظاهرات و استمرارها حتى في مواجهة النظام الإيراني و سيما من قبل فئة الشباب المتطلع إلي الحرية، الديمقراطية و الرافض لسياسات النظام الإيرانى الداخلية و الإقليمية(5).

و أقرت السلطات الإيرانية على خلفية الضغوط الدولية المُمارسة عليها بالقيام بحملة من الاعتقالات للأشخاص المتسببين في هذا الحادث؛ حيث أكد المتحدث باسم الهيئة القضائية الإيرانية غلام حسين إسماعيلي في 14 يناير  2020 انه تم اعتقال جميع المتورطين بهذا الحادث مشيراً إلي أن الحكومة مسؤولة أمام المجتمع الإيراني والدول الأخرى التي فقدت رعايا في الحادث، لأنه لا يمكن تحميل شخص واحد المسؤولية عن هذه الحادثة، وهو الأسلوب التقليدي الذي لطالما اتبعته طهران في مثل هذه المواقف دون البحث عن الخلل الموجود داخل أجهزة صنع القرار لديها.

نتيجة لما سبق، حدث تنامى لحدة الغضب من قبل المحتجين في مواجهة السلطات الإيرانية، و سيما رجال الدين، الأمر الذي اتضح في تريد شعارات من قبيل "اغربوا عن وجوهنا يا رجال الدين!" و أخري تتوعد باسترداد إيران من أيديهم، فضلاً عن الثورة والعصيان إلي أن وصل الأمر حد المطالبة برحيل رأس النظام المرشد الإيرانى على خامنئي، و هو ما يشير إلي ضرورة إعادة تفكير النظام الإيرانى في مصادر شرعيته و سيما اعتماده على فكرة التفرد بوجود رجل الدين في قمة هيكل صنع القرار(6).

رابعًا-  تأثير تجدد الظاهرة الاحتجاجية على مستقبل النظام الإيرانى

مازال النظام الإيراني يتعامل مع أزماته الداخلية و سيما الظاهرة الاحتجاجية في 2020 بنفس المنطق الذي كان يتعامل به مع أزماته في عام 1999 أي بعد عقدين فقط من قيام الثورة الإسلامية التي قضت على الملكية و جاءت بنظام ولاية الفقيه الجمهوري إلي إيران. فلطالما اعتمد النظام الإيرانى على تصريف أزماته الداخلية للخارج، فضلاً عن التعويل على مبدأ المؤامرات الخارجية وتّرصد الأعداء مثل الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولي و بعض القوى الإقليمية كالمملكة العربية السعودية و إسرائيل على الصعيد الإقليمي.

وعليه، اعتادت طهران على عدم البحث في الجذور الرئيسية لمشكلاتها و أزماتها الداخلية، اتساقًا مع طبيعة النظام الإيرانى القائم على أساس ثوري و الذي يستمد جانب كبير من شرعيته في الداخل من خلال نفوذه الخارجي؛ حيث يعتبر أن العائد القادم اليه من مغامراته الخارجية يفوق مقدار الشرعية التي سيحصل عليها من الداخل، ومن هنا من المتوقع أن تستمر الأزمات الداخلية، إذ لم يتمكن النظام من تطوير  أليات صنع القرار بديلة تتناسب مع التحديات الإقليمية و العالمية الجديدة، و إلا سيكون الانهيار مصيره على المدي الطويل.

الهوامش:  

1-           Zayer, the Iranian revolution: past, present and future, Iran chamber society, available at http://www.iranchamber.com/history/articles/pdfs/iranian_revolution_past_present_future.pdf

2-           Iraj Gorgin, Looking Back At Tehran's 1999 Student Protests, radio free Europe, 9/7/2008, available at https://www.rferl.org/a/Iran_Student_Protests/1182717.html.

3-           Abbas Milani, The Green Movement, United states institute of peace,  The Iran Primer, available at https://iranprimer.usip.org/resource/green-movement.

4-      مرفت زكريا، صعود اللاحركات... مدى قدرة النظام الإيراني على احتواء التظاهرات، 25/11/2019، المركز العربي للبحوث و الدراسات، متاح على الرابط التالي http://www.acrseg.org/41422 .

5-       إيران.. مظاهرات "الطائرة المنكوبة" تتصاعد وتصل لميدان آزادي، 12/1/2020، سكاي نيوز عربية، متاح على الرابط التالي  https://cutt.ly/mrcmapy .

6-      إيران.. إصابات واعتقالات في مواجهات عنيفة وسط طهران، العربية. نت، 13/1/2020ن متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/Orcmli9 .