المركز العربي للبحوث والدراسات : السينما البيئية .. تغير المناخ في تناول هوليود وحدود التأثير (طباعة)
السينما البيئية .. تغير المناخ في تناول هوليود وحدود التأثير
آخر تحديث: الثلاثاء 14/01/2020 07:38 م
ريم عبد المجيد ريم عبد المجيد
السينما البيئية ..

ساهم تغير المناخ والكوارث البيئية في ظهور نوع جديد من السينما والتي يطلق عليها السينما الإيكولوجية (Ecological Cinema) أو السينما الخضراء (Green Cinema) أو السينما البيئية (Environmental Cinema) وهي تلك التي تأخذ في الاعتبار مسألة الاستدامة عند تحديد موضوعاتها وكذلك أساليب إنتاجها وفي جميع مراحل إنشائها وحتى توزيعها. فقد اتخذت صناعة السينما ككل منعطفًا بيئيًا يتجلى بوضوح في الخطوط العريضة للسينما التي تتحدث بصرامة عن البيئة.

يأتي تطور هذا النوع من السينما مواكبًا لتزايد الاهتمام بأزمة تغير المناخ على مستوى الدول، والمنظمات الحكومية وغير الحكومة وكذلك على المستوى الشعبي، ولكنه أتى مناقضًا لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه هذه القضية الذي لا يكترث بها رغم خطورتها. وهو ما يدفع بالقول إن هوليوود –فيما يتعلق بهذه القضية- كمؤسسة صناعة الأفلام، تقدم موقفًا مناهضًا للرئيس ترامب عبر الأفلام التي تنتجها، رغم أنها في القضايا الأخرى تعد بمثابة أداة ناعمة في يد النظام الذي يستغل قوة تأثيرها على مستوى العالم في تغيير تصورات ومدركات الشعوب لهذه القضايا بما يدفع المشاهد للتأثر بالآراء والتوجهات الأمريكية المرسلة بشكل غير مباشر عبر تلك الأفلام. ومن هنا يبرز التساؤل حول مدى إمكانية تأثير هوليوود في هذه الأزمة خاصة أنه يأتي مغايرًا لموقف الرئيس ترامب.

تأسيسًا على ما تقدم يتم عرض كيفية تناول أفلام هوليوود للكوارث البيئية وأزمة تغير المناخ، وكذلك موقف الرئيس الأمريكي من الأزمة منذ توليه، وأخيرًا مدى تأثير تلك الأفلام على الرأي العام.

تناول هوليوود لأزمة تغير المناخ

تعكس السينما خيالًا عالميًا حول مستقبل القضايا الرئيسية التي تعاني منها المجتمعات اليوم مثل النوع الاجتماعي والتنوع، والأقليات، وكذلك تغير المناخ الذي أصبح محل اهتمام عدد كبير من مشاهدي أفلام هوليوود، حيث أصبحت الأفلام التي تتناوله مسيطرة على شباك التذاكر العالمي.

رغم أن الاهتمام بالبيئة والطبيعة في أفلام هوليوود –قديمًا- تأتى لكونها عنصر مرئي يجذب نظر المشاهد ولكن لكون الكوارث البيئة أصبحت تشكل مصدر تهديد عام لا يمكن تجاهله، تحولت البيئة إلى موضوع المعالجة السينمائية في هوليوود بعد أن كانت مجرد عنصر مرئي.

ويمكن تقسيم الأفلام التي تتناول الأزمات البيئية إلى:

-    أفلام تعرض مشاهد تطور الكارثة البيئية: هذه الأفلام تقدم البيئة كعائق أمام أبطال السينما الذين يقع على عاتقهم مقاومة ظروفها القاسية أو النجاة من كارثة طبيعية مثل فيلم (The Revenant) الذي كان على البطل أن ينجو من الشتاء القارس في كندا، و فيلم (San Andreas) الذي واجه أبطاله أكبر زلزال في التاريخ. وفيلم (Crawl) الذي يتناول أوضاع فلوريدا بعد الإعصار وفيه تقوم البطلة بمحاولة إنقاذ أسرتها منه. وكذلك فيلم (The Hottest August) الذي يعرض أوضاع مدينة نيويورك خلال شهر شديد الحرارة الذي أدى إلى خروج مسيرات، والتأثير سلبًا على الأوضاع المعيشية والاقتصادية في المدينة.

-    أفلام تتناول مسؤولية الشركات في تغير المناخ: ومن تلك الأفلام (Dark waters) الذي تميز ليس بتركيزه على تغير المناخ ولكن بعرضه التكتيكات التي تستخدمها الشركات لإخفاء الأبحاث التي تثبت الأضرار التي تتسبب فيها للناس وللبيئة، وكيف قامت بمنع قرارات الحكومة التي من شأنها أن تؤثر سلبًا على تلك الشركات بما يعيق استمرار أنشطتها الملوثة للبيئة.

-    أفلام تركز على مستقبل العالم بعد تفاقم الكوارث البيئية: ومنها (Alita: Battle Angel و Ready player one) اللذان قدما رؤى مستقبلية للإنسانية بعد أن أصبحت المدن الكبرى عبارة عن مدافن النفايات. وفيلم (Aquaman) الذي يقدم الحرب المستقبلية بين البشرية والكائنات البحرية التي ثارت بسبب تلوث البحار. وكذلك فيلم (Cli-fi) الذي يتخيل الآثار الماضية والحالية والمستقبلية لتغير المناخ. أما فيلم (On a Wing and a Prayer) فيرعض كيف تختفي الأراضي إثر تغير المناخ.

-    أفلام تعرض حلول لأزمة المناخ: ومنها فيلم (Interstellar) الذي ركز على استكشاف الفضاء كحل للأزمة البيئية، كذلك فيلم (Avengers) الذي قدم فيه البطل ثانوس الإبادة الجماعية كحل للأزمة فيرى أنه لضمان توازن الكوكب يجب علينا القضاء على 50% من سكان المجرة. وفيلم (star wars) الذي يعرض حل التحول نحو التغذية النباتية كمحاولة للحفاظ على الحيوانات من الانقراض ودفع المشاهد نحو التعاطف مع الحيوانات. أما فيلم (Geostorn) فعرض استخدام الأقمار الصناعية بجانب التعاون الدولي كحلول للأزمة، فتناول حال الكوكب بعد أن تسبب الاحتباس الحراري في جعل كوكب الأرض غير صالح للسكان تمامًا بما دفع المجتمع الدولي للتعاون لبناء نظام من الأقمار الصناعية تحيط بالكوكب وتتحكم في الطقس. ويقدم فيلم (Solutions exist: Ice on Fire) مقاربة ذات شقين للتصدي لتغير المناخ، تتمثل في الحد من انبعاثات الكربون وتنفيذ تدابير التخفيض والتي تعني إيقاف تركيزات الغازات الدفيئة التي تبدأ في الانخفاض على أساس سنوي.

الموقف الأمريكي من الأزمة

ينتهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة الانسحاب تجاه أزمة تغير المناخ منذ توليه منصبه حيث أكد على عدم اكتراثه بقضية المناخ. فأعلن رسميًا عن خروج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ التي تهدف إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة بما يكفي للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات خطيرة، بما يجعلها الدولة الوحيدة خارج الاتفاقية في الوقت الذي تستمر فيه الانبعاثات في الارتفاع، وتتفاقم خطورة آثار الكوارث البيئية بما في ذلك الجفاف وتطرف الطقس وارتفاع مستوى سطح البحر. واستمرت سياسة الانسحاب مع كل المؤتمرات والقمم الدولية التي عقدت لتباحث الأزمة وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم بعد الصين. فقد امتنع الرئيس دونالد ترامب عن حضور الجلسة الخاصة بالمناخ ضمن فاعليات قمة مجموعة السبع التي عُقدت في أغسطس 2019 وكذلك تغيب عن قمة المناخ التي عقدت في 23 سبتمبر  2019 عقب حرائق غابات الأمازون الهادفة إلى الضغط على الدول لبذل مزيد من الجهود للتصدي مخاطر المناخ والكوارث البيئية. (1)

وتغيب أيضًا عن قمة مدريد لتغير المناخ التي عقدت في الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر 2019، والتي تعد من أهم القمم لأنها تعد المؤتمر السنوي الخامس والعشرين للدول الأطراف في اتفاقية الامم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)  والتي هدفت إلى التأكد من التزام الدول وتنفيذها لاتفاق باريس الذي يهدف إلى دفع الجهود التعاونية الدولية نحو الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية لتصل إلى معدل أقل من مستويات ما قبل الصناعة.(2)

حدود وإمكانية التأثير  في الرأي العام

على المستوى الرسمي، خلصت دراسات إلى أن أفلام ومسلسلات هوليوود أثرت في وضع السياسة الوطنية، وأثرت في التراكيب الثقافية للهوية الأمريكية، كما أثرت على التغيير الاجتماعي على مدار القرنين العشرين والواحد والعشرين. كما ساهمت في تشكيل ضغوطًا وقرارات ومفاوضات سياسية محلية وحكومية ودولية. وقد ساهمت التوجهات السياسية لصانعي الأفلام في تغيير الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية أيضًا بما يثير مخاوف بشأن الإمكانات السياسية لتلك الأفلام وأبطالها. ففي الستينات –على سبيل المثال- كان نجوم السينما أكثر نشاطًا في الحركات الشعبية بما أثر في عديد من المواطنين في الولايات المتحدة وجعلهم ينخرطون في تلك الحركات، وفي السبعينات –مع تحرير أفلام هوليوود من القيود الصارمة لقواعد الإنتاج- بدأت الأفلام في انتقاد السياسة الخارجية الأمريكية والدعوة إلى التغيير الاجتماعي والثقافي الليبرالي والذي أثر بشكل مباشر على النظام الأمريكي، ودفع رونالد ريغن بعد توليه منصب رئيس الولايات المتحدة إلى استغلال هوليوود في تنفيذ سياساته المحلية والدولية.(3)

أما على مستوى الرأي العام، فيوجد عدد من الدراسات التي تتناول التغيير السلوكي للجماهير بعد مشاهدة الأفلام،(4) خلصت إلى أنها تسهم في تغيير توجهات وآراء المشاهدين وتزيد من تفاعلهم مع القضايا المطروحة في الفيلم بجانب مساهمته في نشر أيديولوجيا سياسية معينة. وبتطبيق هذه المقولة على فيلم (The Day after tomorrow) الذي تعرض آثار تغير المناخ، خلصت الدراسة التي أجراها (Yale Climate Connections) إلى أن في اليوم التالي على مشاهدة الفيلم زادت رغبة المشاهدين في التعامل مع قضية المناخ. (5) وتوصلت استطلاعات أجريت على عينة من مشاهدي الفيلم إلى أنه ساهم في زيادة القلق بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري إلى حد الوصول لنتيجة مفادها أن الفيلم أثر على تصويت المشاهدين في الانتخابات القادمة حيث أكدوا إنهم سيمنحون صوتهم لمن يطرح حلولًا لهذه الأزمة في برنامجه الانتخابي. وتوصلت استطلاعات أخرى إلى أنه بعد مشاهدة الفيلم كان الناس على استعداد لتخصيص مبالغ كبيرة للمنظمات الخيرية العاملة في مجال البيئة للمساهمة في التخفيف من تغير المناخ.(6) والنتيجة الأهم أنه لم يعد يشك الناس في أن تغير المناخ غير حقيقي.

 وختامًا يمكن القول إن توجه هوليوود نحو حث الأفراد والدول على بذل مزيد من الجهود لمواجهة مخاطر أزمة تغير المناخ يمكن أن يسهم بشكل كبير في حل تلك الأزمة انطلاقًا من تأثيرها ليس فقط على الشعوب ولكن الحكومات أيضًا. وفيما يتعلق بالولايات المتحدة فقد يسهم تأثير تلك الأفلام في السلوك التصويتي للناخب الأمريكي –نتيجة زيادة وعيه بأهمية وخطورة تغير المناخ- في انتخابات 2020 ضد الرئيس ترامب المتجاهل لهذه الأزمة، أو قد تدفعه إلى الإعلان عن تغيير سياساته البيئية بما يساعده في كسب تأييد الناخب الأمريكي المهتم بتلك القضية.

الهوامش

(1) ريم عبدالمجيد، "قمة المناخ: فرص متاحة وتحديات أكبر"، المركز العربي للبحوث والدراسات، 26/9/2019، متاح على الرابط التالي: http://acrseg.org/41357.

(2) ريم عبدالمجيد، "تغير المناخ: أضرار تعصف بالعالم"، دار الخليج، 12/12/2019، متاح على الرابط التالي: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/d6d61da0-fcb1-4fab-bb96-feed25c2a347.

(3) Kathryn Cramer Brownell, “Hollywood and Politics”, Oxford Bibliographies, 28/4/2014, available at: https://www.oxfordbibliographies.com/view/document/obo-9780199791286/obo-9780199791286-0195.xml.

(4) Andrew Balmford et al., “Hollywood, Climate Change, and the Public”, Science, October 2004, available at: https://science.sciencemag.org/content/305/5691/1713.2.

(5) Michael Svoboda, “The long melt: The lingering influence of The Day After Tomorrow”, Yale Climate Connections, 5/11/2014, available at: https://www.yaleclimateconnections.org/2014/11/the-long-melt-the-lingering-influence-of-the-day-after-tomorrow/.

(6) Thomas Lowe , Katrina Brown, Suraje Dessai, Miguel de França Doria, Kat Haynes, and Katharine Vincent, “Does Tomorrow Ever Come? Disaster Narrative and Public Perceptions of Climate Change”,  Public Understanding of Science, Vol.15, No. 4, October 2006, pp. 435–57.