المركز العربي للبحوث والدراسات : الاحتجاجات في إيران وخطأ روحاني الاستراتيجي (طباعة)
الاحتجاجات في إيران وخطأ روحاني الاستراتيجي
آخر تحديث: الإثنين 18/11/2019 07:50 م
د. أحمد أبو العزم د. أحمد أبو العزم
الاحتجاجات في إيران

يقول الفيلسوف الألماني هيجل: "نتعلم من التاريخ درسًا مهمًا، وهو أن أحدًا لا يتعلم من التاريخ!".

في وقت تتأزم فيه الأوضاع في كثير من العواصم العربية وتشتعل فيه الاحتجاجات بسبب تردي الأوضاع المعيشية وقضايا الفساد ومطالب الشعوب المشروعة بالإصلاح الاقتصادي، ليس من باب المصادفة أن تلك العواصم المتأزمة هي من تدعي إيران السيطرة عليها، وفي موجة جديدة من الاحتجاجات تشتعل الأوضاع أيضًا في إيران بسبب المخاطرة التي قامت بها الحكومة برفع سعر البنزين ثلاثة أضعاف وما يترتب عليها من زيادة أسعار باقي السلع وها هي العاصمة الأم طهران وأغلب المدن الإيرانية تجتاحها احتجاجات مهد لها الطريق الصراع بين أجنحة النظام على أعتاب الانتخابات البرلمانية المقبلة.

في رأيي أن الرئيس الإيراني حسن روحاني كان له دور كبير وبارز في إشعال فتيل الأزمة خلال الأسبوع الماضي وبالتحديد يوم 11 تشرين الثاني 2019م، خلال سفره إلى مدينة يزد وبخاصة في كلمته التي ألقاها أمام حشد من الناس وجه خطابه فيها إلى رئيس السلطة القضائية وطالبه بالتوضيح بشأن الفساد بمليارات الدولارات ومصير ملف "بابك زنجاني" وتنفيذ قرار المجلس الأعلى للأمن القومي بخصوص تسريع عملية التحقيق في ملف الملياري دولار، والتي على حد قوله كان لدى الحكومة السابقة (الحادية عشرة) فرصة 10 أشهر لإخراجها من قبضة الحكومة الأمريكية، لكنها لم تفعل و المطالبة بالشفافية وأن يوضح المسؤولون والشركات الحكومية والأجهزة أيضاً للناس ما يقومون به، كذلك شدد روحاني خلال تصريحاته على ضرورة أن تكون عوائد ونشاطات الشركات وعمل المؤسسات واضحة ومحددة، بحيث يتضح ما الذي أنفقوه من بيت المال، وما الذي فعلوه لإعمار الدولة، كما طالب السلطة القضائية أن تكافح الفساد بمليارات الدولارات بما أنها تكافح الآن فسادًا بملايين الدولارات وذكر أنه برغم مرور عامين إلا ان الناس لا يعلمون مصير ذلك الشخص الذي نهب مليارين و70 مليون دولار من أموال هذا الشعب، والذي اعتقلته السلطة القضائية وأصدرت بحقه حكماً بالإعدام، وهو الان في السجن.

أثارت أسئلة الرئيس روحاني التي طرحها على الشعب في مدينة يزد في قالب خطاب إلى رئيس السلطة القضائية وحديثه عن الفساد بمليارات الدولارات النار من تحت الرماد وزادت من فجوة الصدع بين معاناة الشعب وتردي الأوضاع المعيشية من جانب ومن ناحية أخرى تخبط النظام في تسوية وإنهاء قضايا الفساد لكونها تمس شخصيات كبار بحسب روحاني الذي تورط شقيقه نفسه أيضًا في تهم بقضايا فساد ورشوة، لقد تساءل روحاني حول أين ذهبت تلك الأموال؟ من هم المسؤولين؟ لماذا لا يتم التوضيح للناس عن أولئك الذين لعبوا دوراً في هذه القضية؟ أين ذهب فساد الفاسدين الكبار؟ لماذا لا يتم التحقيق بشأن هذه الأموال؟

روحاني سكب البنزين على معاناة الشعب الإيراني

إذن، أسئلة الرئيس روحاني التي طرحها خلال كلمته في يزد تأتي في إطار الصراع بين أجنحة النظام وتياراته السياسية في الداخل وبدون قصد أو وعي بالتبعات أشعل الرئيس الإيراني نيران الاحتجاجات مرة أخرى في إيران وزاد من فقدان الثقة بين الشعب وكافة المسئولين باختلاف توجهاتهم وتياراتهم السياسية كما صدر بخطابه هذا حالة من الإحباط لدى الشعب الإيراني من أركان النظام ويبدو أن روحاني وقع في خطأ استراتيجي بحديثه عن فساد بالمليارات في وقت لا يجد المواطن الإيراني ما يسد رمقه وما يلبي حاجاته المعيشية، بل والأدهى من ذلك أنه يرفع سعر البنزين ثلاثة أضعاف وهو ما سيترتب عليه زيادة كافة السلع وهو أمر من الطبيعي أن يثير سخط الشعب واحتجاجاته وانطبقت مقولة هبجل: "نتعلم من التاريخ درسًا مهمًا، وهو أن أحدًا لا يتعلم من التاريخ!"، على الرئيس روحاني الذي  لم يتعلم الدرس من عواصم قريبة تدعي إيران سيطرتها عليها.

يُطرح السؤال دائمًا ويحتاج إلى إجابة ولا أظن أن رئيس إيران الذي يعد جزءًا من النظام وكان أمينًا عامًا لمجلس الأمن القومي الإيراني قبل توليه منصب رئاسة الجمهورية لا يعرف الإجابة على هذه الأسئلة التي أثارها حول الفساد، لكنه كان يقصد شيئًا آخر من وراء طرحه لهذه الأسئلة جانب كبير منه مرتبط بصراع التيارات السياسية في الداخل، إلا أنه سكب البنزين على نيران ومعاناة الشعب الإيراني الذي يعيش ظروفًا اقتصادية متردية، إلى جانب زيادة التضخم وارتفاع الأسعار والبطالة وهي عوامل نتاج العقوبات الاقتصادية التي تفرضها أمريكا على إيران إضافة إلى سوء الإدارة والفساد المستشري في أركان النظام وتلاشي الأمل لدى الشعب من رفع هذه العقوبات وجني ثمار الاتفاق النووي الذي يوشك  هو الآخر على الانهيار تمامًا.

رفع أسعار البنزين إجراء معقد في ظل الظروف الحالية

الإجراء الذي اتخذه المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي للسلطات الثلاث برفع سعر البنزين هو إجراء معقد للغاية فهو يهدف إلى مساعدة الفئات الأكثر فقرًا وهذا الإجراء قام به الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، من قبل وكسب به أصوات الناخبين في المناطق الفقيرة والقرى والأقاليم خارج طهران، لكن اليوم ليس كالأمس والأوضاع الاقتصادية في عهد أحمدي نجاد لا يمكن مقارنتها بالفترة الحالية من فترة رئاسة روحاني، الأوضاع مختلفة تمامًا بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، فالعقوبات الأمريكية الحالية تحرم إيران من تصدير النفط وتريد الوصول به إلى الصفر كما أنها شملت البتروكيماويات والفلزات والتعاملات التجارية كذلك فشلت الآلية الأوروبية "اينستكس" في تعويض انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي.

الاحتجاجات في إيران الأسباب والتداعيات

تردي الأوضاع الاقتصادية هو أهم أسباب الاحتجاجات في إيران وغيرها من الدول، فضلًا عن الفساد الداخلي وقمع حرية الرأي والتعبير، إلى جانب مجريات الأحداث في دول الجوار مثل لبنان والعراق، وتأثر الشعوب ببعضها البعض، فعلى ما يبدو أن العدوى أصابت الشعب الإيراني ونقلت إليه الاحتجاجات من العراق ولبنان. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يتراجع النظام عن قراره برفع سعر البنزين الحر إلى ثلاثة أضعاف سعره؟

الاحتجاجات بدأت واتسعت رقعتها لتشمل أغلب المدن الإيرانية في فترة زمنية قصيرة ولم تعد العاصمة طهران كالماضي هي أيقونة أي احتجاجات في إيران وذلك بسبب السيطرة الأمنية ومركزية السلطة في هذه المدينة، لكن مع بداية الاحتجاجات وكما هو المتبع في إيران يكون التعامل الأمني هو خيار النظام الإيراني في مواجهة الاحتجاجات ومن هنا كانت التهديدات من جانب كبار المسئولين، هذه التهديدات كان أولها من نصيب المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري الذي وصف الاحتجاجات بأنها "أعمال شغب" وهدد بمواجهة المحتجين، كما هدد وزير الداخلية الإيرانية عبد الرحماني فضلي، المحتجين بعدم التسامح أو التساهل وتحريك قوات الأمن لاستعادة الهدوء معتبرًا أن الوضع الحالي ليس في صالح أحد، ويبدو أن مستشار الرئيس الإيراني للشئون الثقافية حسام الدين آشنا، لم يتعلم الدرس هو الآخر ولم يعي بأن الشعوب تقول كلمتها في النهاية وإن لم يكن، فيمكنها تغيير موازين اللعبة السياسية في الداخل، لذا قوله بأن "إيران ليست العراق أو لبنان، حتى يتم السماح للإعلام المأجور بتحديد مصيرها"،  يبدو صحيحًا في جانب منه إلى حد بعيد، لا سيما وأن النظام الإيراني يملك الأدوات والخبرة التي تمكنه من إخماد هذه الاحتجاجات بمجرد إعلان الحرس الثوري النزول إلى الشوارع وإنهاء المظاهرات كما في السابق. ومع هذا في رأي أن النظام الإيراني لم يستخدم أدواته بعد وحينما سينزل الحرس الثوري إلى الشارع ستعود الأمور إلى طبيعتها.

بدأت المظاهرات في إيران عنيفة بسبب التراكمات وردة فعل على الأوضاع الاقتصادية السيئة ورفع الحكومة لسعر البنزين ثلاثة أضعاف واتسعت رقعتها بسرعة احتجاجًا على قرار رفع البنزين، لكنها سرعان ما نادت بإسقاط النظام وردد المتظاهرون شعارات معادية لرأس النظام ومرشده الأعلى علي خامنئي "الموت للدكتاتور" و "الموت لخامنئي" وطالب المحتجون بخروج إيران من سوريا وغزة ولبنان والعراق وعدم التدخل في شئون الدول، كما طالت المظاهرات المرافق العامة، البلديات ومنشآت خاصة بالبسيج وعمت كافة المدن الإيرانية، وذلك بسبب جملة من العوامل أهمها سياسات إيران داخل جغرافيا الحدود الإيرانية وخارجها، وعدم قدرة المواطن الإيراني على الغلاء المعيشي وانخفاض قدرته الشرائية، في حين أنه يرى أن موارده وثرواته تتجه إلى دول أخرى مثل سوريا ولبنان والعراق وفلسطين واليمن.

لماذا أقدمت الحكومة على رفع سعر البنزين

القيادة الإيرانية ليس لديها خيار أمام العقوبات الأمريكية التي أفضت إلى حالة شبه انهيار اقتصادي في الدولة وباتت إيران تصدر ما يقارب 150 مليون برميل نفط بعد أن كانت تصدر 2.3 مليون برميل تقريبًا وأدى ذلك إلى تقليص الخيارات أمام النظام لا سيما وأن هناك 40 مليون شخص تحت خط الفقر و 14 مليون يعيشون في بيوت من الصفيح، ولا تزال الموازنة الإيرانية تعتمد على عائدات النفط بشكل أساسي لذا كان القرار برفع أسعار البنزين هو أحد الحلول من أجل دعم الفئات الأكثر فقرًا علاوة على فرض المزيد من الضرائب وخصخصة شركات القطاع العام في محاولة لسد عجز الموازنة، كما أن النظام الإيراني لا يزال يعتمد دبلوماسية حافة الهاوية في كثير من الملفات الإقليمية والدولية.

إيران باتت على صفيح ساخن

في الحقيقة، كان الرجوع عن القرار هو أحل الحلول لتهدئة الشارع الإيراني، لكن النظام الإيراني بات يملك خبرة كبيرة في قمع الاحتجاجات (حتى ولو على حساب قتل المئات أو الآلاف من الشعب في سبيل الحفاظ على البقاء).

المرشد الإيراني ومن خلفه الحرس الثوري هم من يملكون الحلول الفصل في كافة الأحداث وحتى في سياسات إيران الداخلية والخارجية.

بعد يومين فقط من الاحتجاجات، أيد المرشد علي خامنئي، خلال درس فقه الخارج، الأحد 17 نوفمبر 2019م، قرار رفع أسعار البنزين وطالب المسئولين بتحري الدقة في تقليل آثار مشاكل زيادة سعر البنزين على الشعب، ووصف التخريب واشعال النيران بأنه عمل الأشرار. واعتقد أن تصريحات المرشد اليوم تعد ضوء أخضر للقوى الأمنية وقوات الحرس الثوري بإنهاء الاحتجاجات بأي شكل حتى ولو في مقابل المزيد من الضحايا التي تذكر وسائل الإعلام أن عددهم وصل إلى عشرة أشخاص في حين اعترفت السلطات إلى الآن بأن عددهم اثنين.

               النظام الإيراني في حالة تخبط بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وتأثيرها على دعم أذرعه وقواته في الخارج ويسعى لإيجاد الحلول لتفادي أثر العقوبات الأمريكية المفروضة فضلًا عن العجز الشديد في الموازنة إلى جانب الصراع الحالي بين التيارات السياسية في الداخل واتهام الحكومة الحالية بسوء الإدارة والحديث عن فساد كبار المسئولين فهل سيتعلم النظام الإيراني من الماضي ويتمكن من الخروج من هذه الكبوة في القريب العاجل أم سيكون للشعب قول آخر؟! فهذا ما ستوضحه الساعات والأيام المقبلة.