المركز العربي للبحوث والدراسات : ما زال الوقت مبكراً .. توقيع صفقة تجارية شاملة بين بكين وواشنطن (طباعة)
ما زال الوقت مبكراً .. توقيع صفقة تجارية شاملة بين بكين وواشنطن
آخر تحديث: الأحد 10/11/2019 07:44 م
هدير أبو زيد هدير أبو زيد
ما زال الوقت مبكراً

اُختتمت المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة والتى تمت خلال شهر أكتوبر 2019، وشارك فيها المبعوث الصيني التجاري "ليو هي"، مع الممثل الأميركي للتجارة "روبرت لايتهايزر"، ووزير الخزانة ستيفن منوتشين فى واشنطن. وكان من المقرر أن تركز على مسائل رئيسية يطالب الأميركيون بالتوصل إلى اتفاق بشأنها منذ العام الماضي 2018، وهي حقوق الملكية الفكرية، النقل القسري للتكنولوجيا، الزراعة وإجراءات التنفيذ وذلك وفق بيان أعلنه البيت الأبيض.

                لكنها انتهت بالتوصل لاتفاق مبدئى _ اتفاق المرحلة الأولى _ لم يتم صياغة بنوده خطياً حتى الآن، ينص على زيادة عمليات الشراء الصينية للمنتجات الزراعية الأمريكية كحبوب الصويا، فى مقابل تقديم الولايات المتحدة عدداً من مزايا التعريفة الجمركية، حيث وافق ترامب على التخلي عن زيادة في الرسوم الجمركية من 25 إلى 30% كان يعتزم فرضها على 250 مليار دولار من الواردات الصينية من الولايات المتحدة.

كما أفاد منوتشين عن إجراء "محادثات جيدة مع حاكم البنك المركزي الصيني"، مشيراً إلى اتفاق يضمن الشفافية حول أسعار الصرف، ومن جهته، أفاد المفاوض الصيني بـ"تقدم جوهري في العديد من المجالات"، وأضاف أننا مسرورون، ملمحاً إلى أن المفاوضات ستتواصل.

نبذة عن الحرب التجارية بين بكين وواشنطن

                تأتي هذه المفاوضات على هامش المناوشات التجارية بين بكين وواشنطن والتى بدأت فى عام 2018 حينما تبادل الطرفان فرض الرسوم الجمركية على بعض المنتجات. واستمرت تلك المناوشات حتى 2019، عندما أعلن ترامب بأن بلاده ستفرض اعتبارا ًمن سبتمبر، رسوماً جمركية بنسبة 10٪ على البضائع الصينية بقيمة 300 مليار دولار. وسرعان ما جاء الرد الصيني، باستخدام بكين لورقة ضغط جديدة وهي إضعاف سعر عملتها عمداً لتصبح بضائعها أكثر تنافسية حول العالم وبالذات في أميركا وقد سجل اليوان أدنى مستوياته في 11 عاماً أمام الدولار، ولم تتوقف الحرب عند هذا الحد بل منعت بكين شركاتها الحكومية من شراء السلع الزراعية من المزارعين الأميركيين.

                وقد ردت الولايات المتحدة على ذلك بتصنيف الصين كدولة تتلاعب بسعر صرف العملة، مشيرة إلى أنها ستعمل مع صندوق النقد الدولي للقضاء على "الميزة غير العادلة" التي اكتسبتها الصين من خلال خفض اليوان مقابل الدولار، وذلك ما ظهر خلال بيان وزارة الخزانة الأميركية "إن وزير المالية ستيفن منوشين، وبرعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صنفا اليوم الصين دولة تتلاعب بسعر صرف العملة، وعلى خلفية هذا القرار، سيجري منوشين مناقشات مع صندوق النقد الدولي لإزالة الميزة التنافسية غير العادلة التي أوجدتها الإجراءات الصينية الأخيرة".

تطورات راهنة

                بالرغم من تطلعات ترامب الطموحة بتوقيع صفقة تجارية شاملة مع الصين، بحجة أن الحرب التجارية سهلة ويمكن انهاؤها بشكل سريع، خاصةً بعد التوصل لاتفاق مبدئى ينص على شراء الصين للمنتجات الزراعية الأمريكية، وقوله ممازحاً: "أقترح على المزارعين أن يذهبوا فوراً ويشتروا المزيد من الأراضي وجرارات أكبر لتلبية الزيادة في الطلب". إلا أن أى توقعات بأن المحادثات بين الطرفين ستؤدى لصفقة ضخمة لإنهاء الحرب التجارية بشكل كامل، لا تزال وهمية وشبه مستحيلة على الأقل فى الوقت الرهن، وذلك نظراً لعدد من التطورات السابقة على اجراء المحادثات وكذلك اللاحقة منها. وذلك على النحو التالى:-

§       استخدام ورقة الأويغور: قبل بدء المحادثات التجارية بين الطرفين، أدرجت الولايات المتحدة 28 منظمة حكومية وتجارية صينية على قائمة سوداء بسبب انتهاك حقوق الأويغور _ وهم يشكلون أقلية مسلمة صينية ويقيمون فى إقليم شينغيانغ_، كما قامت بفرض قيود على منح تأشيرات لأعضاء فى الحكومة والحزب الشيوعي الصينيين الذين ترى أنهم مسؤولون عن اعتقال أو انتهاك حقوق الأقليات المسلمة في إقليم شينجيانغ. الأمر الذى جعل الصين تستنكر تلك القرارات، معتبرة أياها تدخلاً فى الشئون الداخلية، وأكدت على أن قضية شينجيانغ ليست دينية ولا مرتبطة بحقوق الإنسان، بل قضية مكافحة انفصال وإرهاب.

§       الخلافات على هامش موقف الدوري الاميركي للمحترفين: والتى حدثت بشأن تعليقات المدير العام لفريق كرة السلة "هيوستن روكتس" دعم فيها الاحتجاجات في هونغ كونغ ، والتي اعتبرتها بكين بمثابة تدخل في شؤونها الداخلية.

§       اقتراب موعد الإنتخابات الأمريكية: تمثل سياسة ترامب من خلال الحروب التجارية مع الاقتصاديات الكبرى خاصة الصين، أحد أدوات توحيد الداخل الأمريكى لصالحه. وهذا ما أكد عليه العديد من المحللين الذين اشاروا لوجود علاقة وثيقة بين الاحتكاكات التجارية مع الصين والتأهب للإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة خلال 2020، ويتوقع هؤلاء المحللون أن سياسات ترامب الصارمة ضد الصين ستلقى مزيد من الدعم والجاذبية من جانب المزارعين، والعمال، والشركات الأمريكية، على الرغم من أن تلك الفئات هى الأكثر تعرضاً للخطر جراء تلك السياسات.

                لذلك يظل التساؤل الرئيسي هنا هو: هل تريد إدارة ترامب تكاملًا اقتصاديًا أعمق بين الولايات المتحدة والصين، أو إلغاء الاعتماد المتبادل الحالي لأكبر اقتصادات العالم؟ هذا هو السؤال الأكبر في السياسة الخارجية الأمريكية اليوم، وقد قدمت إدارة ترامب إشارات متضاربة حول دوافعها النهائية.

§       اغفال الاتفاق المبدئى لعدد من القضايا: فلم يعالج الاتفاق مصير مجموعة هواوي الصينية العملاقة للاتصالات التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات صارمة للغاية، لاتهامها بالتعامل مع أجهزة الاستخبارات الصينية. إضافة لذلك، لم يتم اتخاذ أي قرار حول الرسوم الجمركية بنسبة 15% والتي ستدخل حيز التنفيذ في ديسمبر القادم حول سلع شائعة الاستهلاك، وهو ما قد يعرقل مسار توقيع الاتفاق فيما بعد، نظراً لتمسك الصين بضرورة قيام الولايات المتحدة بمزيد من التراجع فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية المفروضة على السلع الصينية. وهذا ما يجعلها تسعى إلى عقد الاتفاق بسرعة، نظرا لأن الظروف الحالية تبدو الأمثل بالنسبة إليها، حيث يواجه ترامب ضغوطات من قبل مجلس النواب فيما يخص التحقيق في قضية عزله، ويسعى لإعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة فى 2020.

                 ناهيك عن إحتمالية تأجيل توقيع الاتفاق بين الطرفين، حيث صرح مسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي لوكالة رويترز، "أن الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني لتوقيع الاتفاق التجاري المؤقت قد يتم تأجيله حتى ديسمبر المقبل مع استمرار المناقشات من كلا الجانبين حول شروط الاتفاق ومكانه".

استنتاجات

                بالنظر للتطورات السابقة إضافة للتصريحات المتوالية من الجانبين، نستنتج أن هناك انفصال بين إدارة ترامب والصين حول نطاق محادثات الحرب التجارية بينهما. ففى الوقت الذى يتمسك فيه ترامب بعقد صفقة شاملة ضخمة مع الصين، فى محاولة منه لطمأنة المزارعين الأميركيين الذين يعانون بشدة من رد الفعل الصيني على العقوبات الأميركية، وذلك بالتزامن مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة فى نهاية 2020.

                نجد أن الصين لا ترغب فى عقد اتفاقيات ضخمة مع الولايات المتحدة، لأنها تتفهم جيداً النوايا الأمريكية والتى تتعلق بعرقلة الصعود الصينى خاصة فى المجال التكنولوجى الذى بات العامل الأهم فى معادلة التنافس الأمريكى الصينى الحالى، والدليل على ذلك هو الشركات الصينية المدرجة على القائمة الأميركية، كشركة ميغفاي تكنولوجي، وشركة سينس تايم غروب ليميتد. وهما من الشركات الناشئة الرائدة التي تأمل الصين في أن يتحولا بمرور الوقت إلى كبريات الشركات في مجال الذكاء الصناعي.

                وقد ظهر هذا الإدراك الصينى للحرب التجارية من خلال تصريحات المسؤولين الصينيين، الذين أوضحوا في الأيام الأخيرة أنهم غير مستعدين للتخلي عن استخدام الإعانات الحكومية للشركات الحكومية أو التخلي عن سياستها الصناعية التي تديرها الدولة (وهي الإصلاحات ذاتها التي سعت إدارة ترامب إلى انتزاعها من الصين بزيادة الرسوم الجمركية بشكل مطرد على الصادرات الصينية) .

                وعليه، فإن الصين ستحاول الإستفادة من المشاكل السياسية التى تلاحق إدارة ترمب، بداية من المطالبة بمساءلته، مروراً بمشكلة نائب الرئيس السابق جو بايدن، والتى شكلت أيضاً عقبة فى إحتمالية نجاح المفاوضات نظراً لتصريحات ترامب عندما طلب من الصين التحقيق مع نائب الرئيس السابق جو بايدن، وهو طلب غريب يهدد بجذب بكين إلى الخلافات السياسية الأمريكية الداخلية. وهذا ما يجعلنا نتسائل هل ستستمر الحرب التجارية بين البلدين على مستوى حرب العملات والتعريفات الجمركية، أم سيستخدم كلا الطرفين أساليب أخرى؟. وهذا ما اتضح خلال أحد الخيارات التي بحثتها الصين - والتى لم يتم اتخاذ إجراء بشأنها بعد - وهى "قائمة الكيانات غير الموثوق بها"، والتي ستقيد بعض الشركات الأمريكية من بعض العمليات في الصين، وسيكون لها فائدة إضافية تتمثل في انخفاض أسواق الأسهم الأمريكية إلى أدنى مستوياتها. وبالطبع إذا اعتمدت الصين على ذلك الإجراء، سترد الولايات المتحدة بأدوات جديدة وبالتالى تستمر الحروب التجارية التى لأطول فترة ممكنة.

                ختاماً، مازال الوقت مبكراً للحديث عن صفقة تجارية شاملة لإنهاء الحرب التجارية بشكل نهائى. وعليه، يصبح الإتفاق التجارى المحدود هو الحل الأكثر قابلية للتنفيذ، على اعتبار أن الصفقة الكبرى غير واردة فى الوقت الراهن. وستكون تلك الصفقة ضيقة جداً حتى تتجنب الأسئلة المثيرة للجدل كمحاولة إصلاح النموذج الاقتصادي الصيني، وتركز بدلاً من ذلك على بعض القطاعات الرئيسية مثل الزراعة. وبالتالى من الممكن أن تصبح خيارًا شائعًا لإدارة ترامب، التي وقعت اتفاقًا تجاريًا ضيقًا مع اليابان، وتجري محادثات مع الهند بشأن صفقة صغيرة مماثلة، مما قد يعزز من إحتمالات نجاحها مع الصين.

الهوامش

1.       قيود أميركية على منح التأشيرات لمسؤولين صينيين بسبب الأويغور، الشرق الأوسط، 9 أكتوبر 2019، متاح على: https://aawsat.com/home/article/1937836/

2.       استئناف المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين الخميس، ، الشرق الأوسط، 8 أكتوبر 2019، متاح على: https://aawsat.com/home/article/1937836/

3.       ترامب يتحدث عن مباحثات تجارية مرتقبة.. وصمت في بكين، العين الإخبارية، 2019/10/5، متاح على: https://al-ain.com/article/china-plans-to-inject-new-investment-into-africa

4.       الصين منفتحة على إبرام اتفاق تجارى مصغر مع أمريكا، العربية نت، 9 أكتوبر 2019، متاح على: https://www.alarabiya.net/ar/aswaq/economy/2019/10/09/

5.       تيم كولبان، أميركا وحربها على التكنولوجيا الصينية، الشرق الأوسط، 9 أكتوبر 2019، متاح على: https://aawsat.com/home/article/1937836/

6.       ترامب: إنهاء الحرب التجارية مع الصين لا يرتبط بـ"مسألة بايدن"، العين الإخبارية، 2019/10/5، متاح على: https://al-ain.com/article/china-plans-to-inject-new-investment-into-africa

7.       مصادر: احتمال تأجيل توقيع الاتفاق التجاري بين واشنطن وبكين، 6/ 11/ 2019، متاح على: https://arabic.rt.com/

8.       اختتام محادثات التجارة بين الوفد الصيني والممثل التجاري الأمريكي، العين الإخبارية، 11/ 10/ 2019، متاح على: https://al-ain.com/article/china-plans-to-inject-new-investment-into-africa

9.             Keith Johnson, The Trade War Is Only Getting Worse, 9\10\2019, forEign policy , https://foreignpolicy.com/author/keith-johnson/