المركز العربي للبحوث والدراسات : تشابك المسارات .. هل انتهى داعش بمقتل البغدادي؟ (طباعة)
تشابك المسارات .. هل انتهى داعش بمقتل البغدادي؟
آخر تحديث: الأربعاء 30/10/2019 08:36 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تشابك المسارات ..

أعلنت الولايات المتحدة في 27 أكتوبر 2019، مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوبكر البغدادي،  في مدينة إدلب شمال سوريا، وبرغم مقتل قيادة التنظيم وأن كان ذلك متغير مهم في تفسير وفهم تطور التنظيمات المتطرفة إلا أن هناك العديد من التداعيات التي يمكن أن تتبلور في الفترة المقبلة خاصة في ظل ثبات شعار التنظيم "باقية وتتمدد"، الأمر الذي يؤشر على أن أبجديات التنظيم تتضمن الاستمرار دون التأثر بالمتغير القيادي، وذلك في إطار وزن وقدرة القيادة على عمل التنظيم.

ومن زاوية أخرى فإن مقتل البغدادي كمؤشر مستقل بذاته له العديد من الانعكاسات التي من الممكن أن تؤثر على مسار عمل التنظيم، خاصة وأن مقتله جاء بالتزامن مع تعرض التنظيم للعديد من الهزائم المتتالية في معاقل نشأته في سوريا والعراق، ويدلل على ذلك ما أعلنته قوات سوريا الديموقراطية (قسد) مارس 2019، والمدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمواجهة التنظيم استعادة بلدة الباغوز السورية، التي تمثل آخر جيب يسيطر عليه التنظيم في منطقة شرق سوريا، الأمر الذي يمثل نهاية السيطرة الميدانية لتنظيم داعش على الأراضي التي سيطر عليها منذ عام 2014؛ حيث تمكن التنظيم في ذلك الوقت من إحكام السيطرة على العديد من المدن والمناطق في سوريا، وفي يوليو عام 2017، تمكن الجيش العراقي من تحرير مدينة الموصل التي تمثل مرحلة  محورية في المعركة العراقية ضد التنظيم  الذي جعل من الموصل عاصمته الفعلية في العراق منذ استيلائه عليها في يونيو 2014.

وبالتزامن مع مقتل زعيم التنظيم برزت العديد من التساؤلات حول مستقبل التنظيم فيما يتعلق بهيكله وتواجده ومستقبل الجماعات المرتبطة به، وإن كان أغلب الآراء تتجه نحو إعادة إنتاج التنظيم لنفس أفكاره، وإن كان هناك تداعيات مباشرة سواء على مستوى تماسك التنظيم من الداخل، أو على نمط تفاعلاته مع المعطيات الجديدة التي ستنتج في مرحلة ما بعد البغدادي التي ستظل محكومة في الأساس بشعاره باقية وتتمدد الذي قد يمتد إلى صياغة مفهوم جديد لإعادة التموضع.

مسارات متشابكة

على الرغم من الإعلان الأمريكي بمقتل زعيم تنظيم داعش إلا أن هناك مسارات عدة حول وضعية التنظيم الحالية والمستقبلية والتي من خلالها يمكن الانتقال إلى العديد من الدلالات حولها ومن أبرز تلك المسارات: (1)

1) إن مقتل قيادة التنظيم لا يعني بالضرورة انتهاءه كهيكل أو أفكاره، فالتنظيم قبل أن يتمدد مناطقيًا تمكن من أن يتمدد أيديولوجيًا في العديد من المناطق الأخرى في العالم، ونجح في تشكيل مجموعات نظامية في تلك المناطق تتبع التنظيم هيكليًا وإدرايًا، وبالتالي هناك إدراك عالمي بخطر ظهور التنظيم من جديد في مناطق أخرى؛ حيث ترى الولايات المتحدة وشركائها بأنهم لا يزالوا يواجهون معارك كبيرة ضد داعش وفروعه وشبكات أخرى لم تتحالف معه رسميًا بالشكل المعلن في مناطق مثل أفغانستان وغرب أفريقيا والفلبين، أي القول بأن تم القضاء على القيادة المركزية، وليس التنظيم.

2) التشكيلات غير النظامية، وهو نمط جديد اعتمده التنظيم كاستراتيجية للتحرك في بعض المجتمعات والدول التي لم تستطع التمركز داخلها بصورة التشكيل النظامي، وذلك لزيادة مستوى المواجهة الأمنية لتلك الجماعات، ويذكر أن تلك الشبكات تتكون من عناصر تابعة للتنظيم كامنة في مناطق خارجية، تنتظر التعليمات للقيام بعمليات إرهابية، بالإضافة لذلك نمط العمليات القائم على استخدام الذئاب المنفردة التي لا تنتمي بشكل فعلي للتنظيم ولكنها تتبعه فكريًا وتحصل على التعليمات بشن عملياتها من خلال تسجيلات القادة بمبادرات فردية.

3) ديمومة الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والدولية الهادفة إلى القضاء على التنظيمات المتطرفة، خاصة وأن غياب أو تراجع هذه الاستراتيجيات سيؤدي إلى توفير بيئة مناسبة لإعادة ظهور التنظيم مجددًا أو إعادة نشر أفكاره تمهيدًا للظهور هيكليًا، خاصة وأن التنظيم يمتلك القدرة على تمويل عمليات انتشاره وتنفيذ عملياته حتى وإن حدث تغير في بنية القيادة.

4) سرية العمل التنظيمي، وفي هذا الإطار يمكن الحديث أنه بعد انفصال تنظيم داعش عن فرع تنظيم القاعدة "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" -والمعروفة أكثر باسم تنظيم القاعدة في العراق التي شكلها أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004 لقتال القوات التي تقودها الولايات المتحدة وحلفائهم العراقيين عقب الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003. لكن بعد اضطلاع التنظيم بدور في الحرب الأهلية بسوريا، انشق عن القاعدة. وبات يسيطر على مساحات من العراق وسوريا-، استطاع التنظيم هيئته السابقة كفرع من فروع تنظيم القاعدة في العراق قبل نحو 12 عام، أن يتفادى المواجهات بالعمل السري لحين ظهور الفرصة المناسبة للظهور، ويذكر أن التنظيم دأب على توظيف هذا الاتجاه مرة أخرى ومثل هذه الأساليب بعد تعرضه للهزائم في سوريا والعراق معقل نشأته ورمزيته.

5) البعد الفكري المحيط بانتشار الأفكار المتطرفة، فالتنظيم نشأ في منطقة يغلب عليها سمات الطائفية والفقر والصراعات وغياب جهود التنمية، وفي ظل لستمراية هذه الظروف فإن الأفكار المتشددة قادرة على التحور مع تغير الظروف، كما أن الحروب والظلم والقهر والفقر والطائفية، بل الكراهية الدينية الصريحة تعد العوامل الأساسية لانتشار مثل هذه التنظيمات والأفكار؛ حيث تبنى التنظيم استراتيجية للانتشار أفقيًا وعموديًا.

6) التوظيف الإعلامي، يمكن الحديث على أن تنظيم داعش يمتلك آله إعلامية تعد الأكثر تأثيرًا من بين التنظيمات المتطرفة الأخرى، والتي وفرت له مساحة للتأثير والاستقطاب من جميع القارات، بل تحول لدى الكثير من الجهاديين عبر ربوع العالم إلى أيقونة للعمل الجهادي، وهو أمر لم يتوفر لأي تنظيم إرهابي ما عدا تنظيم القاعدة في حياة أسامة بن لادن.

دلالات متعددة

من المحتمل أن يتسبب غياب عنصر القيادة المركزية للتنظيم بمقتل البغدادي في العديد من السيناريوهات أبرزها إمكانية ظهور تنظيمات منبثقة عن التنظيم الرئيسي، عن طريق إعلان بعض قادة التنظيم الفرعي نفسهم كخلفاء على الولايات والفروع الأخرى، إضافة لذلك محاولة البعض من الولايات العودة إلى القاعدة أو مجموعة من المجموعات النشطة في قارة أفريقيا وآسيا، والولاء لها خاصة تلك ذات الطموحات التوسعية، وبرغم إعلان مقتل زعيم التنظيم وانتهاء وجوده بصورة شبه كاملة في سوريا والعراق إلا أن الأفكار التي تم نشرها من جانبه تمثل التهديد الأمني الأكبر الذي تحاول الدول مواجهته، في ظل قدرته على شن هجمات في العديد من دول المنطقة والعالم، وفيما يلي أبرز تلك الدلالات: (2)

1) تصدر القاعدة للمشهد الجهادي: هناك اختلافات عديدة بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة برغم انبثاق الأول من رحم الثاني، ومن أبرز تلك الملفات شروط اختيار المنضمين للتنظيم، والمرجعية العقيدية والفقهية لكل منهما، ومفهوم الجهاد ذاته فالقاعدة تتبع الجهاد التضامني بينما داعش يتبنى جهاد التمكين والذي ظهر جليًا بشكل واضح في إعلان الدولة واهتمام التنظيم بالسيطرة المكانية الميدانية، ومن ثم فإن هناك احتمالية لتصدر تنظيم القاعدة للمشهد الجهادي في ظل ضعف القيادة المركزية لداعش بعد مقتل البغدادي. إضافة إلى إن تلك الهزائم التي تعرض لها التنظيم من الممكن أن تلقي بظلالها على مستقبل الحضور القاعدي بعد أن سحب تنظيم داعش كافة الأضواء في الفترة الأخيرة، وهي بمثابة الفرصة الذهبية للقاعدة لإعادة التموضع وترتيب الأوضاع الجهادية الخاصة به.

2) على المستوى الإقليمي والدولي لا يمكن تفسير دلالة مقتل البغدادي بمعزل عن التفاهمات الأمريكية والروسية والعراقية والسورية والتركية وأنها جاءت بعد التفاهمات التركية الروسية في سوتشي فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة في الشمال السوري، ووقف عملية نبع السلام التي أطلقتها تركيا.

3) بالنسبة لتركيا فإن هناك دلالات عديدة حول التعاون مع الجانب الأمريكي في مقتل البغدادي وذلك بعد أن شعرت تركيا أنها استنفدت مصالحها مع تنظيم داعش فى شمال سوريا، وأن مقتل البغدادي تم في إدلب، تحديدًا قرية باريشا، على بعد 5 كم من الحدود التركية كونها مناطق تخضع للنفوذ الأساسي لتركيا.

الجدير بالذكر أن هناك تحول كبير في علاقات تركيا بالتنظيم المتطرف؛ حيث كانت تعتمد عليه في السابق لتنفيذ بعض الأهداف الخارجية في سوريا، فالعلاقة بينهما تقوم على أساس تحقيق المصالح دون تجاوز التنسيق الرسمي، ويؤكد ذلك العديد من الشواهد فتركيا لم تنضم للتحالف الدولي لمحاربة التنظيم، بل إنها كانت تستخدم التنظيم في تحقيق نجاحات ميدانية في مواجهة الأكراد، وعليه سمحت تركيا بعبور المقاتلين في صفوف التنظيم من وإلى سوريا عبر حدودها، إضافة إلى التعاون مع التنظيم في تهريب النفط، والموقف السلبي من المعارك في كوباني من خلال مواجهة الأكراد من خلال التنسيق بينهما، ومؤخرًا قصفت تركيا سجن جركين، الذي يضم عناصر من تنظيم داعش، في محاولة لإحياء التنظيم.

من زاوية أخرى شهدت العلاقات بينهما صدامات منذ عام 2015، وتطورت في عام 2016 لدخول لتركيا في دائرة عمل التنظيم مرورًا بإعلان البغدادي في 29 أبريل 2019، عن إقامة ولاية له في تركيا، وهذه الشواهد تعزز أهمية المتغير المتعلق بمبدأ التنسيق والتعاون في ملفات دون التطرق لمسار علاقات على مستوى أكبر، ومن زاوية مغايرة فإن توقيت وموقع تنفيذ العملية يحمل دلالات على تورط النظام التركي في دعم التنظيم وأن داعش انتشرت وترعرعت بدعم كامل من أردوغان ومن تركيا.

4) إعادة التموضع: انبثقت داعش عن تنظيم القاعدة، ومن المحتمل بأن يظهر تنظيم جديد منبثق عن داعش، خاصة أنه هناك مجموعة خراسان التي تعد أشد تطرفًا من داعش، كما أن تلك المجموعة تريد سحب بساط الإرهابيين أو الجهاديين تجاه بوصلتها، وذلك في ظل انهيار التنظيم لفقدان القيادة أو كاريزما القيادة، وإن كان سيستمر من خلال خلاياه وولاياته المنتشرة، وبرغم ذلك فإن احتمالية تكرار سيناريو القاعدة مع داعش أمرًا  مستبعدًا، وأن التنظيم يعيد تجنيد عناصر من جديد وأن خلاياه النائمة بدأت تنشط بشكل كبير فى سوريا والعراق وغيرها من المناطق في آسيا وأفريقيا.(3)

5) بالنسبة للولايات المتحدة فإن توقيت العملية يحمل دلالات عديدة على المستويين الداخلي والخارجي؛ حيث يعد مقتل قائد التنظيم انتصارًا كبيرًا للإدارة الأمريكية لمحاربة التنظيم ومن الممكن أن يتم توظيفه خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وخارجيًا تصدير صورة دولية بالنجاحات التي تقودها واشنطن في مكافحة الإرهاب.(4)

ختامًا: وفق المسارات والدلالات السابقة وخاصة تلك المتعلقة بالتنظيم الإرهابي فمن المؤكد أن هذه الفترة من عمر التنظيم تتميز بحالة من التداخل فيما يتعلق بهيكلية التنظيم ذاته وبين المحددات الإقليمية والدولية، والتي من المحتمل أن تتضح بصورة كاملة في الفترة القادمة.

المراجع

1) محمد مختار قنديل، مقتل البغدادي: هل سيترتب عليه ظهور خلافات داعشية صغرى؟، على الرابط: https://cutt.us/OE36K

2) ما بعد داعش.. ربَّما يكون الآتي أسوأـ على الرابط: https://cutt.us/7hOAX

3) عمار علي حسن، ما بعد داعش.. في انتظار تنظيم إرهابي جديد، على الرابط: https://cutt.us/exQcH

4) دلالات التوقيت فى مقتل البغدادى …3 سيناريوهات بانتظار داعش، على الرابط: https://cutt.us/0Y0f2