المركز العربي للبحوث والدراسات : معضلة نوبل .. كيف تعاطت حكومة "آبي أحمد" مع احتجاجات أوروميا بأثيوبيا؟ (طباعة)
معضلة نوبل .. كيف تعاطت حكومة "آبي أحمد" مع احتجاجات أوروميا بأثيوبيا؟
آخر تحديث: الأربعاء 30/10/2019 08:20 م
محمود جمال عبد العال محمود جمال عبد العال
معضلة نوبل .. كيف

 تواجه حكومة رئيس الوزراء الأثيوبي "آبي أحمد" الحائز على جائزة نوبل للسلام مطلع أكتوبر /تشرين الأول 2019 أزمة سياسية عاصفة خاصة بعد سقوط أكثر من 67 قتيلًا في الاحتجاجات السلمية التي شهدتها منطقة أوروميا. ورغم ما يُشاع عن "آبي أحمد" من رغبة في تحقيق اصلاحات سياسية جذرية في بلاده إلا أن التعامل الحكومي العنيف مع أزمة المعارض الأثيوبي البارز "جوهر محمد" أثار تخوفات عديدة لدى المعارضة الأثيوبية خاصة ما يتصل بسياسات "آبي" المتعلقة بالواقع السياسي الأثيوبي وسياسات الاندماج الوطني التي يتبناها "أبي" خلال الفترة الأخيرة.

سنحاول في هذا التقرير تناول الاحتجاجات التي شهدتها أثيوبيا، وتعاطي حكومة "آبي" معها، وإمكانية أن تتحول سياسات الاندماج التي يتبناها "آبي" إلى أزمة سياسية تنعكس آثارها بشكلٍ سلبي على الخلافات الإثنية والعرقية التي تعج بها أثيوبيا.

تطورات الأحداث

اندلعت الاحتجاجات ضد "آبي" بعد وقتٍ قصير من حصوله على جائزة نوبل للسلام. وشهد الاحتجاجات حرق لكتاب "آبي" عن رؤيته للاندماج الوطني في أثيوبيا (1). وردد المحتجون هتافات تطالب بإسقاطه. وجاءت التظاهرات تضامنًا مع الناشط الإعلامي والسياسي البارز "جوهر محمد" رئيس شبكة أورومو الإعلامية؛ حيث كتب "جوهر" على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أن القوة الأمنية المكلفة بحمايته تركت المكان، وقامت بتعبئة أغراضها دون إخباره أو تنبيهه. واستجابة لهذا النداء، توافدت حشود من داعميه ومؤيديه على مقر إقامته. وهتفت هذه الحشود ضد "آبي" متهمين إياه باتباع سياسة تهدف إلى التخلص من "جوهر" كواحد من أبرز معارضيه. ونفت الشرطة الإثيوبية ما اعتبرته ادعاءات للمعارض "جوهر"، وقال قائد الشرطة أن الوضع الامني في أثيوبيا شهد تحسنًا كبيرًا، وهو ما يتتبعه إبعاد للحراس الذين يتم توفيرهم لحماية الشخصيات السياسية البارزة والناشطة في المجتمع، وهو الامر الذي حدث فعليًا مع الناشط السياسي الشاب "جوهر محمد" (2).

واستخدمت الشرطة الأثيوبية الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين قاموا بحرق إطارات سيارات وإقامة حواجز وسد الطرقات في عدة مدن، كما أنها فرضت إغلاقًا جبريًا للشركات والمقار الحكومية المحيطة بأماكن الاحتجاج. وترتب على المواجهة بين الجانبين مقتل 67 شخصًا وإصابة المئات. وتقول الشرطة الأثيوبية أنها لم تقم بقتل هذا العدد الكبير من المحتجين، واتهمت جماعات إثنية اخرى بمواجهة مظاهرات أوروميا، وهو ما تسبب في قتل 55 محتجًا، فيما أسفرت مواجهات المحتجين مع القوات الأمنية إلى مقتل 12 فقط وذلك وفق الرواية الرسمية التي نفاها المتظاهرين الذين اعتبروا ان القوات الحكومية متورطة في مواجهتهم (3).

تجدر الإشارة إلى أن جبهة شعوب تيجراي تقف خلف الإطاحة العنيفة بالنظام العسكري الماركسي عام 1991، وهيمنت على السلطة منذ ذلك التاريخ تحت مسمى "الجبهة الثورية للشعب الأثيوبي"، وسقطت الجبهة الثورية عام 2018 بعد احتجاجات عنيفة هزمت هذه الجبهة قام بتنظيمها الاثنيتان الأكبر في البلاد "الأورومو"، و"التيجراي".

من هو "جوهر محمد"؟

                ينتمي "جوهر" إلى إثنية أوروميا، ويبلغ من العمرة 32 عامًا. وعاش في الولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة؛ حيث كان معارضًا لحكومة الجبهة الثورية، ودائمًا ما يلمح "آبي" لاتهامه بممارسة السياسة اعتمادًا على استقواءه بالجنسية الأمريكية التي يحملها.  ويتمتع "جوهر" بنفوذ كبير داخل قومية الأورومو التي تمثل أكبر عرقية في البلاد، وهو ما جعل "آبي" يخشى ظهوره خاصة أن جوهر لعب دورًا أساسيًا في الإطاحة بالحكومة السابقة. ويُقدم "جوهر" نفسه على أنه إصلاحي. في هذا السياق، أورد موقع Addis Standard أن جوهر يعمل في الوقت الحالي على التنازل عن الجنسية الأمريكية ليفسح لنفسه المجال للترشح في الانتخابات القادمة. ويعارض جوهر مساعي "آبي" لدمج للجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الأثيوبي وتكوين حزب موحد، ويرى "جوهر" أن الإقدام على هذه الخطوة قد يُدخل البلاد في حالة من الفوضى والحرب الأهلية. واعتبر أن "آبي" يسعى لتوسيع سلطاته ونفوذه لإحكام سيطرته على السياسة الإثيوبية، واستدل في ذلك على ممارسات الترهيب التي يمارسها "آبي" ضد المختلفين معه، ورأى "جوهر" أن الترهيب هو بداية تأسيس الدكتاتورية التي ينشدها "آبي".

                يمتلك "جوهر" نفوذًا إعلاميًا كبيرًا في إثيوبيا؛ حيث أنشأ شبكة أوروميا الإعلامية في الولايات المتحدة، كما أن له دور كبير في تأسيس العديد من المنظمات الشبابية المعنية بالشأن النضالي للشعوب الأورومية. وأثناء إقامته في الخارج، قاد العديد من الاحتجاجات والمظاهرات أمام الامم المتحدة احتجاجاً على سياسات الحكومة الإثيوبية. وعقب عودته من المنفى، أسس مجموعة من القنوات التلفزيونية التي تبث باللغات المختلفة. ويعتبر المحللون أن الخلاف بين "جوهر" و"آبي" يتمثل في رؤيتهم للدولة الإثيوبية؛ حيث يسعى الأخير لتأسيس دولة مركزية قوية، فيما يتطلع "جوهر" إلى ضرورة إتاحة المساحات أمام الإثنيات والقوميات المختلفة خوفًا من ذوبانها داخل مؤسسات الدولة المركزية (4).

ويُتهم "جُوهر" من معارضيه والحكومة بالعمل على تأجيج الفتن والنعرات الإثنية في أثيوبيا. ويستندون في ذلك على دعم "جوهر" لوجود الإثنيات والعرقيات وضمان عدم ذوبانها في الدولة المركزية ومؤسساتها. على الناحية الأخرى، يرى مؤيدوه أنه بطلًا لأحداث التغيير السياسي التي شهدتها إثيوبيا خلال الفترة الماضية.

أبرز التحديات أمام "آبي"

                تواجه حكومة "آبي" العديد من التحديات خلال الفترة الحالية، ويأتي في مقدمة هذه التحديات بروز شخصية "جوهر"، وما يتصل بهذا الظهور من رغبات لدى "آبي" لإجراء الانتخابات العامة، والتسريع من خطة الدمج لتحويل الائتلاف الحاكم إلى حزب موحد. وسنبرز ذلك كله في النقاط التالية:

1.    بروز شخصية "جوهر محمد": يُمثل بروز  "جوهر محمد" تحديًا كبيرًا أمام نفوذ "آبي" خاصة أن "جوهر" يتمتع بنفوذ سياسي داخل العرقيات والإثنيات التي يدافع عن وجودها. وزاد من خطورة وجود شخصية مثل "جوهر" ما يتردد عن احتمالات منافسة "آبي" في الانتخابات العامة القادمة لا سيما أن "جوهر" يمتلك العديد من الشبكات الإعلامية والمنظمات الشبابية الداعمة له، وكذلك تمتعه بصلات قوية لدة قادة الأحزاب والكيانات السياسية خاصة الأورومية. ويرى البعض أن مجرد دخوله اللعبة السياسية يمثل انقلابًا ضد قواعدها، وإيذانًا بأفول نجم "آبي". ورغم تهديد "جوهر" لنفوذ "آبي" إلا أنه قد لا يتمكن من ممارسة أي فعل حكومي ضده سواء لاعتبارات متعلقة بالجنسية الأمريكية التي يحملها أو الشعبية التي يتمتع بها في أوساط عرقية الأورومو. وقد ذكر "آبي" في جلسة استجواب أمام البرلمان الإثيوبي هذه المسألة؛ حيث قال: "هناك بعض الشخصيات من حاملي جوازات السفر الأجنبية يعبثون بالبلاد.....هؤلاء يُحظر عليهم ممارسة النشاط السياسي" (5). وكان قد عاد "جوهر" إلى بلاده بعدما التقى "آبي" بالولايات المتحدة الأمريكية، ووعده "آبي بعدم التعرض له. ويُمكن أن يُمثل هذا الوعد تحجيمًا لآبي في حال فكر في التعرض له بسوء خاصة أن جوهر يمتع بسمعة دولية كبيرة.

2.    إجراء الانتخابات العامة: يُثير إجراء الانتخابات العامة المقبلة العديد من التخوفات لدى المجتمع والسلطات في إثيوبيا  خاصة أن "آبي" ألمح إلى أن تأجيل هذه الانتخابات سيؤدي إلى إثارة العديد من المشكلات التي يُمكن ان تؤثر على الاستقرار والاندماج الوطني.  واعتبر "آبي" أنه سيعمل على بناء الثقة مع الشعب الإثيوبي خلال هذه الانتخابات التي تعهد بضمان حريتها ونزاهتها، وأقرَّ في جلسة استجواب أمام البرلمان الإثيوبي أن بلاده استفادت كثيرًا من أحداث العنف التي تبعت انتخابات 2005. في هذا السياق، يعتبر "جوهر" أن "آبي" يهدف من هذه الانتخابات تعظيم سلطته على البلاد خاصة بعد بروز خطط الدمج وتكوين حزب موحد بزعامته.

3.    الرغبة في تكوين حزب موحد: يتطلع "آبي" إلى تكوين دول مركزية في إثيوبيا، وهو ما يتعارض مع مصالح العرقيات التي يتبنى "جوهر" وجهة نظرها. وفي هذا الصدد، يعمل "آبي" على تحويل الائتلاف الحاكم "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية" الذي تشكل عام 1989 من "جبهة تحرير شعب تجراي"، وحزبي "الأورومو الديمقراطي أ"، و"الأمهرا الديمقراطي"، و"الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا"،  إلى حزب قومي وطني موحد يضم مختلف الأحزاب الموالية له. وأوضح "آبي" أن هذه الخطة ليست جديدة ولكنها كانت قيد المناقشة خلال العشر سنوات الماضية. ونفي وجود معارضة من قبل الأحزاب الموالية للائتلاف الحاكم للاندماج (6).

إجمالًا؛ تواجه حكومة "آبي" العديد من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية خاصة في ضوء تنامي النزعة القومية لدى عددٍ من الإثنيات مثل الأورومو. وفي الوقت الذي يعمل فيه "آبي" على توسيع سياسة الاندماج وتدعيم نموذج الدولة المركزية القوية، تناضل فيه القوميات من أجل الحفاظ على خصوصياتها الاجتماعية والثقافية، وهو ما يُمكن أن يهدد خطته الطموحة للدولة الإثيوبية خلال الفترة المقبلة.

الهوامش

1.             KP REPORTER, Nobel Winner's Book Burnt by Ethiopian Protesters, The Kampala Post,  https://bit.ly/345Gx6v

2.             Ibid.

3.             ANALYSIS: PROTESTS, SECURITY STANDOFF ACROSS OROMIA, IN ADDIS ABEBA.WHAT HAPPENED, Addis Standard, https://bit.ly/348VKDI

4.     جوهر محمد... الشاب الذي ينازع آبي أحمد سلطاته وشعبيته في إثيوبيا، الشرق الأوسط، https://bit.ly/2NkeTvD

5.     المرجع السابق.

6.     اقتصاد آبي أحمد: دعم مصر لإثيوبيا في زراعة 20 مليار شتلة يحل أزمة سد النهضة، العين، https://bit.ly/31R6SUu