المركز العربي للبحوث والدراسات : قضية المدركات .. الشأن الفلسطيني في الذهنية الشعبية (طباعة)
قضية المدركات .. الشأن الفلسطيني في الذهنية الشعبية
آخر تحديث: الإثنين 07/10/2019 12:22 ص
شروق الحريري شروق الحريري
قضية المدركات ..

دائماً ما تمتزج الحقائق ببعض الملابسات التي تؤثر على رؤيتنا للواقع والقضايا، خصوصاً إذا كانت القضايا ممتدة فقد تفقد زخمها وحقائقها مع تعاقب الأجيال، وهنا الحال الذي تجسده القضية الفلسطينية؛ ففي الرؤية العامة للقضية الكثير من التفاوتات والتحولات التي تفيد في وصف مراحل الاهتمام أو الفجوات التي طرأت على الرؤية الجماهيرية للشأن الفلسطيني.

                ويعتبر عنصر التاريخ من أكثر العناصر تأثيراً على الرؤية الشعبية للشأن الفلسطيني، فالزخم التاريخي أعطى للقضية بعض الفرضيات الخاطئة، وبالرجوع إلى تاريخ القضية هناك الكثير من المغالطات التي روجت إليها سلطات الاحتلال أو جاءت من الجانب العربي نفسه بشكل عشوائي دون تعمد، نتيجة فهم يحوم حوله بعض اللغط أحياناً لأبعاد القضية ولسياق الأحداث، ولكن ما لم يكن فيه شك هو الحق الفلسطيني في الأرض والعدوان الإسرائيلي على الحق الفلسطيني. 

                وهنا نحول التعرض لبعض المغالطات لدى الوعي بالقضية الفلسطينية، كما تحاول الوقوف على حقائق هذه المغالطات وأسبابها اذا اتيحت الفرصة للعودة إلى سياقها وتحليله.

الخيانة الفلسطينية .. بيع الأرض والحرب

            يردد البعض عدد بعض الأقاويل عن الخيانة الفلسطينية، والتي أخذت في الذهنية أشكال كثيرة سواء بيع الأرض لليهود أو تخليهم عن العرب في 48، ففيما يخص موضوع بيع الأراضي لليهود بدأت القضية الفلسطينية بتوافد اليهود على فلسطين لإقامة وطن قومي لهم (وفقاً لوعد بيلفور)، مع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتوافد الكثير من اليهود أصبحت الحاجة تلح على امتلاك الأراضي للاستقرار وهو ما قامت بها مجموعة من العصابات والسماسرة  الصهيونية -فظن في ذلك الوقت أن من يسيطر على الأرض يسيطر على التاريخ والمستقبل والتراث- وتغلل هؤلاء السماسرة في المجتمع الفلسطيني وقاموا بشراء الكثير من الأرضي مع تزايد موجات الهجرة، وفي تلك الفترة تزايد اعداد اليهود من 55 ألفاً سنة 1918 إلى 646 ألفاً سنة 1948 (أي من 8% إلى 31.7% من السكان). كما قامت الامبراطورية البريطانية في هذا الوقت بمساعدة اليهود على تملك الأراضي فتزايدت ملكية اليهود للأرض من نحو نصف مليون كم2 (2% من الأرض) إلى نحو مليون و700 ألف كم2(6.3% من أرض فلسطين).(1) ولكن السؤال هنا كيف يبيع الفلسطينيون أراضيهم لمحتل غاصب؟؟

            وللإجابة على هذه الجزئية لا بد من العودة إلى بداية الانتداب البريطاني على فلسطين، فقد بدأت مخططات هجرة اليهود إلى فلسطين وعملت إدارة الإنتداب على تنفيذ هذه المخططات بطرق عدة منها؛ انتزاع ملكية الأراضي الفلسطينية وتملكيها للمهاجرين الصهاينة، ففي عام 1918 امتلك اليهود نحو 2% من الأراضي الفلسطينية ومع نهاية الإنتداب عام 1948 بلغ نسبتهم نحو 5.67% من مجموع الأراضي وقدرتها الحكومة الفلسطنية بنحو 15% من الأراضي الزراعية في فلسطين.(2) هذا إلى جانب طريقة أخري وهي فرض الضرائب الباهظة على الأراضي، وهو ما أثقل كاهل المزارع فحاول التخلص منها لتراكم الضرائب وتوقيع الحجز عليه. وأيضاً لجأت سلطات الانتداب إلى منع تصدير الحبوب والزيوت، فعجز الفلاح الفلسطيني عن دفع الضرائب لبوار السلع، هذا إلى جانب مجموعة القوانين التي قام الإنتداب بسنها ومن ضمنها قرار تصفية البنط الزراعي العثماني وتعين اليهود في الوظائف العامة الكبري وترك الوظائف الصغري للعرب. ومع هذه الإجراءات التعسفية انتقلت ملكية حوال 7% من الاراضي لليهود، وأخيراً حصل اليهود على بعض الأفدنة من كبار الأقطاعيون العرب "السوررين واللبنانين"، الذين يعيشون خارج فلسطين. (3)

            وفي هذه الأثناء نشط دور المقاومة الفلسطينية في تحجيم حجم الأرض المباعة، فقام مجلس الإسلامي الأعلى في الثلاثينيات من القرن العشرين بجهود كبيرة ومن ضمنها أصدر فتوى من "مؤتمر علماء فلسطين الأول" في 25 يناير 1935 بتحرم بيع أي شبر من أراضي فلسطين لليهود،(4) كما قامت المقاومة الفلسطينية بتصفية كل من يبيع أرضه ونشر ذلك في بعض الجرائد في فلسطين لتحذير الفلسطينين من بيع أرضهم وهكذا قامت المقاومة بردع الكثيرعن بيع الأراضي.(5)

أما فيما يخص هزيمة 1948، قرر العرب دخول حرب 48 رفضاً لقرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين إلى دولتين دولة عربية ودولة إسرائيل وتدويل منطقة القدس، والذي رفضة الجانب الفلسطيني وتبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 ووافقت عليه كثير من الدول العالم.(6) وبناء على هذا القرار بدأ الجانب الإسرائيلي الاستعداد ودعوة كل ما بين سن 17 إلى 25 للخدمة العسكرية، وذلك بهدف الإستيلاء على المناطق المخصصة للجانب الإسرائيلي وفقاً للقرار.

وفي أثناء الحرب قام الكثير من الفلسطنيين بمغادرة بلادهم وقراهم والنزوح والخروج من فلسطين وذلك للكثير من الأسباب مع بداية الحرب إنعدم الأمن وعمليات التطهير العرقي الذي قامت بها قوات الإحتلال الإسرائيلي،(7) بعد مغادرة الفلسطينيين لأرضهم تداولت بعض الأقاويل حول كون ترك الفلسطنيون لبيوتهم هو السبب وراء الهزيمة، فمع الخروج من الديار تركوا المجال مفتوح أمام الإسرائيليين لمهاجمة العرب وسهلوا من مهمة العدو الإسرائيلي في الإستيلاء على الأراضي، وساعد على انتشار هذه الإدعاءات وسائل الاعلام، ففور إنتهاء الحرب بدأت وسائل الإعلام إذاعة أخبار عن مغادرة الفلسطينيون لقراهم ومدنهم بدعوات من قيادات عرب حتي تقوم الجيوش العربية بالقضاء على الدولة اليهودية، فاستجاب عدد كبير من الفلسطينيين لهذا الطلب(8)– حاولت الكثير من الدراسات توضيح السبب الحقيقي لخروج الفلسطينيين من ديارهم في حرب 48-.(9) ولكن لم ينتشر كما انتشرت الأكاذيب.

المسئولية الفلسطينية عن الوضع الحالي

هناك اتجاه سائد عن مسئولية الجانب الفلسطيني لما آلت إليه القضية الآن، فمنذ حرب 1973  واختلفت النظرة إلى مصر لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما اعتبره العرب نوع من التخلي عن دورها، ونتج عن ذلك المقاطعة العربية التي استمرت قرابة العشر سنوات، طوال هذه الفترة انقطعت مصر عن الجانب الاقليمي لها وكان هناك توجهات لدى النظام للانفتاح الخارجي على العالم. وهذا القطع في العلاقات أثر بشكل واضح على النظرة من الجانبين الفلسطيني والمصري برغم من اعتراض قطاع واسع من الشعب المصري آنذاك على المفاوضات والمعاهدة.

وفي الغالب كانت هذه المرحلة هي التي شهدت ترويج الكثير من المغالطات، ومن ضمنها لا نهائية القضية؛ فيرى البعض أن عدم التوصل إلى حل للقضية من الممكن أن يرجع إلى تشبث الفلسطنين، ففي 1948 رفض الجانب العربي وأولهم دولة فلسطين الحل المقترح من الأمم المتحدة -قرار اللجنة الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة- والتي أقرت تقسيم فلسطين إلى دولتين دولة فلسطينية ودولة اسرائيلية وتدويل القدس  (حدود 48 التي يطالب بها الفلسطينيون الآن) وبناء على ذلك دخل العرب حرب 48 والتي انتهت بالهزيمة وتوغل الإسرائيليون في الكثير من الأراضي الفلسطينية. ثم عاد الجانب الفلسطيني ليوافق على ذلك القرار بعد هزيمة 1967 وفرض إسرائيل لوضع جديد بالتوغل في الأراضي وبناء المستوطنات لترجع الأصوات لتنادى بقرار الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 الخاص بتقسيم فلسطين إلى منطقتين السابق الإشارة له. هذا إلى جانب الانقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية والذي استمر من قرابة القرن من الزمان.(10)

                وتميزت هذه المرحلة أيضاً بالفجوة بين الجانب الرسمي والشعبي فبرغم من أن الحكومات العربية عملت على قطع العلاقات مع مصر وأن الرؤية المصرية قد اختلفت بعد وقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل إلا أن الحراك المصري للقضية الفلسطينية والمساندة الشعبية لم تتوقف طول تلك المرحلة.(11)

الهوامش

(1) محسن محمد صالح، حقائق وثوابت في القضية الفلسطينية رؤية إسلامية، 2013، ص 7.

(2) Mohamed saif el nasr, Palestine: How the land was lost, your middle east, 29 November 2015, https://goo.gl/zar7Lb   

(3) أحمد الدبش، "من باع فلسطين، أهاليها، أم جحافل الجيوش العربية؟!"، العهد، https://goo.gl/VBh5pY

(4) المرجع السابق.

(5) ماحقيقة بيع الفلسطيني لأرضه؟، نساء من أجل فلسطين، 7 مايو 2017، https://goo.gl/W7CDYG

(6) رد بالتواريخ والاسماء على قصة بيع الاراضي لكي يفهم من يتهمون الاخرين، 10 يناير 2010، https://goo.gl/QLYVqh

(7) ضياع فلسطين عام 1948.. وتستمر النكبة، 14 مايو 2013، جماعة العدل والإحسان، https://goo.gl/CnmAJ2

(8) أسباب لجوء اللاجئين الفلسطينيين، فلسطين في الذاكرة، 19 يونيو 2007، https://goo.gl/GmfnFj

(9) المرجع السابق.

(10) أسباب لجوء اللاجئين الفلسطينيين، مرجع سابق.

ويمكن الاطلاع ايضا على، روان الضامن، النكبة، الجزيرة، الرابط:

 https://goo.gl/oXM30J

(11) للمزيد حول الانقسام الفلسطيني، محمد محرم، آفة الحركة الوطنية الفلسطينية: قرن من الانقسامات، إضاءات، 28 أغسطس 2017، الرابط:

 https://goo.gl/Cc5Kui