المركز العربي للبحوث والدراسات : تجاذبات متعددة .. الاتحاد الأوروبي ومستقبل الاتفاق النووي (طباعة)
تجاذبات متعددة .. الاتحاد الأوروبي ومستقبل الاتفاق النووي
آخر تحديث: الأحد 29/09/2019 06:34 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تجاذبات متعددة

شكّل إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في 23 سبتمبر 2019، خلال الجلسة الـــ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بضرورة التوافق حول الخلافات الأمريكية الإيرانية مرحلة جديدة في عمر التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وإيران من جانب آخر حول أنشطتها النووية ودورها الإقليمي في المنطقة العربية، وعلى الرغم من ذلك أكد فقد أكد رئيس وزراء بريطانيا جونسون، إنه بغض النظر عن آراء الجميع بشأن الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية فقد حان الوقت للتفاوض على اتفاق جديد، وبالرغم من عمق الخلاف بين بلاده وإدارة ترامب بشأن الاتفاق النووي على خلفية التوترات المتصاعدة مع إيران بشأن الناقلتين، إلا أن تصريحات جونسون تأتي كإطار عام للسياسة الأوروبية الهادفة إلى تهدئة الصراع بين الجانبين.

وتكمن أهمية هذه الدعوة كونها جاءت بعد الإعلان بالتصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي المبرم في 2015، وأن مطالب الولايات المتحدة بتغيير الاتفاق النووي مع القوى العالمية "غير مقبولة"، وتأكيد إيران بأنها لن نتفاوض أبدًا على اتفاق استغرق التوصل إليه سنوات كثيرة.(1)

التصعيد الأمريكي

قبل وصول الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض في يناير 2017، تبنى الرئيس دونالد ترامب موقفًا عدائيًا من الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمته الإدارة الأمريكية السابقة –إدارة باراك أوباما– وبموجب هذه الرؤية أعلنت واشنطن في 8 مايو 2018، انسحابها من الاتفاق.

وفي 5 نوفمبر 2018 طُبقت العقوبات الأشد على الإطلاق تشمل هذه العقوبات صادرات النفط، والشحن، والمصارف، وكل القطاعات الأساسية في الاقتصاد وستعيد إدارة ترامب تفعيل كل العقوبات التي كانت غير مفعلة من جانب الإدارة الأمريكية السابقة.

وتتوالى العقوبات الأمريكية بمرور الوقت على إيران بعد إثبات ضلوعها في العديد من التهديدات الخاصة بالملاحة الدولية في مضيق هرمز وكذلك استهداف المنشآت الاقتصادية والنفطية في العديد دول المنطقة خاصة السعودية والإمارات، إلا أنه وبالرغم من ذلك هناك العديد من التطورات الحادثة سواء على مستوى الداخل الأمريكي أو على أساس الدول الخارجية وخاصة من جانب دول الاتحاد الأوروبي، ولعل هذه التطورات الحادثة في ملف المفاوضات على الملف النووي الإيراني والمتحكم في طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية بصورة مباشرة، إضافة إلى الدعوات الأوروبية الهادفة إلى الوصول بجهود الوساطة إلى الجلوس مجددًا إلى إطار توافقي جديد حول مخرجات الأزمة، ويدلل على ذلك ترحيب الرئيس الأمريكي ترامب بشكل إيجابي على دعوة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون إلى إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، وقال إنه يحترم جونسون كثيرًا ولم يفاجأ بطرحه الفكرة.

وفي نفس السياق وقبل إعلان بريطانيا لهذا الطرح أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، خلال برنامج فوكس نيوز صنداي الأمريكي، في 22 سبتمبر 2019، عن مساعي بلاده لتجنب الحرب مع طهران مشيرًا إلى أن مهمة القوات الأمريكية الإضافية التي تقرر إرسالها لمنطقة الخليج مؤخرًا هي "الدفاع" فقط، وأن الولايات المتحدة تسعى لتجنب الحرب مع إيران، وأن هذه الإجراءات اللازمة في المنطقة لتغير طهران سلوكها.

وفرضت الولايات المتحدة مزيدًا من العقوبات على إيران شملت البنك المركزي الإيراني، في حين أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إرسال مزيد من القوات لتعزيز دفاعات السعودية الجوية والصاروخية في أعقاب الهجوم الذي كان الأكبر على منشآت نفطية بالمملكة.

ومنذ إعلان العقوبات الأمريكية على طهران؛ حددت الولايات المتحدة 12 طلبًا على إيران الاستجابة لها من أجل رفع العقوبات، من بينها إنهاء دعم الإرهاب وإنهاء التدخل العسكري في سوريا، ووقف تطوير الصواريخ النووية والباليستية بشكل كامل، والتوقف عن دعم الحوثيين في اليمن، إضافة إلى منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفصيلًا كاملًا لبرنامجها السابق للأسلحة النووية، وأن تتخلى عن مثل هذا العمل إلى الأبد وإنهاء "سلوكها التهديدي" تجاه جيرانها، ومن ذلك "تهديداتها بتدمير إسرائيل، وإطلاقها الصواريخ على السعودية والإمارات، وإطلاق سراح جميع المواطنين الأمريكيين، ومواطني شركاء الولايات المتحدة في التحالف المحتجزين بتهم زائفة، والمفقودين في إيران. على الجانب الآخر؛ اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني الولايات المتحدة بأنها تسعى لتغيير نظام الحكم في إيران. وصرح إن إيران لن تتفاوض مع الولايات المتحدة في ظل وجود عقوبات عليها، وهدد بأن إيران ستعاود العمل في برنامجها النووي، وتعتقد واشنطن بأن هذه الإجراءات ستجبر إيران على العودة إلى الطاولة وإبرام صفقة أكبر وأفضل تعالج مخاوف الرئيس ترامب بالاتفاق القائم.(2)

الموقف الأوروبي

كان الموقف الأوروبي ولا يزال معارضًا لخروج الولايات المتحدة بصورة أحادية من الاتفاق النووي؛ حيث اعترضت كل من المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا على العقوبات، وتعهدت بدعم الشركات الأوربية التي لديها علاقات تجارية مع إيران، وأسست آلية بديلة لدفع الأموال(انستكس)، لتساعد تلك الشركات على التجارة، دون مواجهة العقوبات الأمريكية، للوصول إلى الصفر في مستوى الصادرات، ومن المحتمل أن تقطع جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت" اتصالاتها بالبنوك الإيرانية المستهدفة بالعقوبات، مما سيعزل إيران عن النظام المالي الدولي.

وتحاول إيران استخدام الجانب الأوروبي في تخطي العقوبات الأمريكية أو فيما يتعلق بجهود الوساطة، خاصة ظل استراتيجية أوروبا للبقاء على الاتفاق مع طهران، وتحديث آليات قانونية وتجارية مضادة لمواجهة العقوبات الأمريكية والذي من شأنه تعطيل العمل بقرارات الإدارة الأمريكية، الأمر الذي أعلنه "ميجيل أرياس كانتي"، مفوض شؤون الطاقة والمناخ في الاتحاد الأوروبي، "سنحاول من جانبنا تعزيز تدفقات التجارة التي كانت ايجابية للغاية بالنسبة للاقتصاد الإيراني". هذه السياسة من شأنها تعقيد مساعي أمريكا في فرض عقوبات اقتصادية وتجارية ضد طهران.

وفي هذا السياق؛ قامت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالإجماع بإدخال لائحة المجلس رقم 2271، في عام 1996، التي كان الهدف منها حماية الشركات من آثار تطبيق التشريع خارج حدود الدولة التي يعتمدها بلد ثالث. في الواقع، تعمل اللوائح التنظيمية على إجراء شيء غير عادي - فهي تحظر خضوع كيانات ومحاكم الاتحاد الأوروبي للامتثال لقوانين العقوبات الأجنبية الواردة في ملحقها وإنفاذها، مما يزيد من احتمال فرض عقوبات مالية على الشركات التي تتقيد به، وهذا ما يفرض على أوروبا أن تضيف مخالب إلى موقفها التفاوضي من أجل تخفيف الضرر الذي يلحق بالمصالح الأوروبية مع ضمان استمرار إيران في الالتزام بالاتفاق النووي. وهذا يعني وضع آليات قانونية يمكن أن تساعد في الحد من تأثير العقوبات الثانوية الأمريكية وتهدد بفرض تدابير مضادة تفرض تكلفة سياسية وقانونية واقتصادية على الولايات المتحدة.

إن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه بين معضلة الاختيار في التعامل مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بين ممارسة حقها في التعامل معها، وبين الانقسامات في حلف شمال الأطلسي وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن هناك تباين واضح بين السياستين الأمريكية والأوروبية تجاه طهران، إلا أن هناك العديد من النقاط التوافقية حول العديد من القضايا الخاصة بإيران لعل أهمها النشاطات الإيرانية باستهداف أمن الملاحة الدولية في مضيق هرمز واستهداف المنشآت الاقتصادية والنفطية في العديد من الدول العربية خاصة السعودية والإمارات، وذلك وفق ما أعلنته الدول الثلاث الأوروبية فرنسا وبريطانيا وألمانيا في 23 سبتمبر 2019، كما دعت الدول الثلاث إيران لمناقشة برنامجيها النووي والصاروخي، بالإضافة إلى المسائل الأمنية في المنطقة، وقال البيان بهذا الخصوص: "حان الوقت لتقبل إيران بإطار طويل الأمد للتفاوض حول برنامجها النووي، بالإضافة إلى القضايا الأمنية الإقليمية، التي تشمل برامجها للصواريخ، وأضافت الدول الثلاث: "نحن ملتزمون بمواصلة جهودنا الدبلوماسية لتهيئة الظروف وتسهيل الحوار مع جميع الشركاء المعنيين بتخفيض التوترات في الشرق الأوسط".

مستقبل الاتفاق النووي

تجري إيران وثلاث دول أوروبية -هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا- محادثات حثيثة بهدف إنقاذ الاتفاق النووي من الانهيار بسبب انسحاب أميركا منه، وفرضها سياسة الضغوط القصوى على القيادة الإيرانية لدفعها إلى التفاوض على اتفاق نووي جديد.

وعلى الرغم من الاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى ممارسة الضغط الأقصى على طهران للجلوس مجددًا حول الاتفاق النووي، إلا أن الترحيب الأمريكي الأولى بدعوة بريطانيا للتفاوض يمكن أن تكون عامل مهم على المستوى الخارجي للخروج من تلك الأزمة، كما أن هناك العديد من المؤشرات الداخلية الخاصة بالداخل الأمريكي قد تدفع الرئيس ترامب إلى إعادة التفاوض بشروط أكثر مرونة، بعدما تم فرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران بهدف تضييق الخناق على النظام الإيراني، وذلك لإجباره على تغيير سياسته النووية والإقليمية، ومن بين تلك المؤشرات: (4)

1) المعارضة الداخلية بين الإدارة الأمريكية وخاصة من جانب مستشار الأمن الأمريكي السابق جون بولتون، فيما يتعلق بالحوار الغير مباشر مع طهران، خاصة وأن ترامب يرغب في التواصل غير المباشر معها بينما يعارض بولتون ذلك الأمر الذي تسبب في عزل الأخير من منصبه في 10 سبتمبر  2019، وتأتي أهمية هذه التوجهات داخل الإدارة الأمريكية كونها جاءت بالتزامن مع المبادرة الفرنسية التي أعلنتها باريس في 03 سبتمبر 2019، تتضمن تقديم قروض لإيران بقيمة خمسة عشر مليار دولار كبديل للآلية الأوروبية في التعامل مع إيران "إنسكتس" على أن تحُدَّ إيران من دورها الإقليمي المزعزِعِ للاستقرار وتضعَ حدا لبرنامج صواريخها الباليستية.

2) استراتيجة الأزدواج التي أعتمدها الرئيس الأمريكي ترامب في تعاملة مع إيران فمن جهة قام بالتصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري ومن جهة أخرى حاول استخدام ذلك الضغط لتمرير سياساته وأنه لم يسعى إلى الدخول في حرب ومواجهة عسكرية ضد إيران، وبالتالي فتح المجال أمام الوساطات الدولية وخاصة من جانب الدول الأوروبية بصورة خاصة لإمكانية عرض وطرح الأفكار حول مستقبل الاتفاق الحالي والمستقبلي.

3) الاستجواب الداخلي وإمكانية العزل لترامب، والتي تشكل معضلة كبيرة في الداخل الأمريكي بعد تورط الرئيس الأمريكي في قضايا فساد مع  نظيره الأوكراني، خاصة بعدما  اعتراف الرئيس ترامب بأنه طلب من الرئيس الأوكراني زيلينسكي التحقيق من نجل جو بايدن المرشح الرئاسي، مما أثار قضية وجد فيها خصوم ترامب فرصة يمكنهم استغلالها لعزله، إضافة إلى انعكاساتها على انتخابات الرئاسة 2020، فالرئيس ترامب يريد تحقيق انتصار في سياساته تجاه إيران، حتى ولو كان هذا الانتصار شكليًّا، قبل نهاية العام يستطيع توظيفه في حملته الانتخابية القادمة.

ختامًا؛ فمن المحتمل أن يكون هناك طرح جديد حول مستقبل الاتفاق النووي الإيراني وفق المتغيرات الداخلية الأمريكية وجهود الوساطة الأوروبية وإن كانت المؤشرات الأولية تؤكد على أن هذا الأمر قد يكون نواة لإعادة صياغة جديدة للاتفاق إلا أن بنود الاتفاق الجديد ستكون محل جدل كبير بين الفاعلين الإقليمين والدوليين.

المراجع

1)      بعد دعوة "جونسون".. ما مدى إمكانية عقد اتفاق نووي جديد بين إيران والغرب؟، على الرابط:

www.elfagr.com/3728488

2)      وزير الخارجية الأمريكي: مهمتنا هي "تجنب الحرب" مع إيران وقواتنا الأمنية في المنطقة "للدفاع فقط"، على الرابط:

https://cutt.us/jpjEW

3)      مصطفى صلاح، هل تستطيع إيران مواجهة العقوبات الأمريكية؟، على الرابط:

 http://www.acrseg.org/40766

4)      حسام إبراهيم، ما بعد الضغوط: هل يتجه "ترامب" إلى عقد اتفاق نووي جديد مع إيران؟، على الرابط:

https://cutt.us/Fnk3p