المركز العربي للبحوث والدراسات : مشروع الشرق الأوسط "من بوش الابن لترامب" (طباعة)
مشروع الشرق الأوسط "من بوش الابن لترامب"
آخر تحديث: الجمعة 06/09/2019 10:30 م
إيمان أيمن حسن الفخراني إيمان أيمن حسن الفخراني
مشروع الشرق الأوسط

لم تكن الدول العربية على علم كاف بكون أن التقارير التي تجريها منظمة الأمم المتحدة كل عام في صالحها  وستعقبها المساعدات متدفقة كالسهل المندفع لمعالجتها, فقد كانت هذه التقارير وبالأخص تقريري الأمم المتحدة لعامي 2002و 2003 هما بمثابة المسمار الأول في نعش الدول العربية, حيث أوضحت هذه التقارير ما الذي تعاني منه هذه المنطقة من مشكلات متوطنة وعلى رأسها"الحرية والمعرفة وتمكين النساء" والتي كانت بمثابة مؤشر وناقوس خطر لمظاهر الضعف التي تعاني منها الدول العربية, ولكن طالما ظلت هذه المشكلات تعاني منها الدول العربية فما الذي يجعلها بمثابة المسمار الأول في نعش الدول العربية؟

                بعد انتهاء ما يسمى بالحرب الباردة بين قضبي العالم انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة الدولية, وسعت لتأمين مصالحها الاقتصادية والحفاظ على مكانتها الدولية في ظل نسق أحادي القطبية تنفرد بقيادته,  ومع  وجود هذه المشكلات وبالأخص على هذه المنطقة الاستراتيجية سوف يشكل تهديدا خطيرا على مصالحها فيما بعد, ذلك التهديد الذي تمثل  شكله الأول في هجمات على المراكز الحيوية بداخل الولايات المتحدة,  فما كان لها إلا وأن تلتفت لتلك المنطقة وتوليها اهتماما أكثر, ولقد جاء "مشروع الشرق الأوسط الكبير" مبلورا لهذا الاهتمام ومعبرا عن مصالحها الحيوية بداخل منطقة الشرق الأوسط,.

                ولكن مع  تتابع الرؤساء الحاكمين للولايات المتحدة واختلاف شخصياتهم وانتمائاتهم الحزبية وبالتالي اختلاف منظورهم في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط, إلى أي مدى اختلفت رؤى "بوش الابن وأوباما وترامب" في تفاعلاتهم مع هذه المنطقة؟ وهل كانت لهم نفس الطرق في سبيل الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة أثناء احتكاكهم بالمنطقة؟

                 لم يكن مشروع الشرق الأوسط  الكبير هو الأول أو الفريد من نوعه لدى الإدارات الأمريكية(1), فلقد سبقه لحيز التنفيذ العديد من المشروعات على بقاع مختلفة من العالم, والتي كانت الغاية منها هي حماية المصالح الأمريكية بطريقة غير مباشرة, وباعتبار أن مشروع الشرق الأوسط الكبير واحدًا من هذه المشروعات فإنه بالطبع متضمنا العديد من الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة لتأمينها, لذلك سوف نحاول تحديد الأهداف الأمريكية الغير مباشرة من وراء مشروعها في الشرق الأوسط؟, ولماذا تطبيق مثل هذه الاستراتيجية  على تلك المنطقة؟ وكيف ساقت هذا المشروع لدول الشرق الأوسط؟ وكيف تعاملت معه الإدارات الأمريكية المختلفة؟

أهداف غير معلنة

                 لقد أتت مبادرة مشروع الشرق الأوسط الكبير كرد فعل للولايات المتحدة على التهديد المباشر للأمن القومي الأمريكي والذي تجسد في هجمات الحادي عشر من سبتمبر على المناطق الهامة بداخلها, فألقت الولايات المتحدة باللوم على دول الشرق الأوسط ليس فقط بسبب غياب مفاهيم منها الديموقراطية  والوعي السياسي غيرهما بل وآيضًا الافتقار لآليات تنفيذ مثل تلك المفاهيم,  ومن هنا انطلقت المبادرة من فرضية مفادها"أنه كلما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية...فإن المنطقة سوف تشهد زيادة في معدلات التطرف والجريمة الدولية"(2), استطاعت من خلالها خلق خطرًا يهدد العالم أسمته "الخطر الأخضر"*, ولم تقف الولايات المتحدة فقط عند حد خلق عدو تسبب في الكثير من الخسائر الجسيمة لها بل أشعرت العالم بأثره بخطورة هذا العدو وأنه ليس فقط يهددها وحدها بل آيضًا بقية دول العالم  من خلال أجهزة الإعلام(3), وبذلك تستطيع  جعل الرأي العام العالمي يؤيدها في سلوكها الصادر تجاة الخطر الأخضر وبالتالي تتمكن من فرض أرائها على سائر الدول المعادية للإسلام ومن هنا تتحقق لها السيطرة العالمية.

                 وعلى الرغم من افتقار تربة الشرق الأوسط لنبتة الديموقراطية بل وعجزه في التعامل مع هذا النبت المستورد(4), إلا أنه من ناحية آخرى تعد منطقة الشرق الأوسط من أخصب مناطق العالم من حيث امتلاكها لنسب مرتفعة من الذهب الأسود, وهنا تواجدت الولايات المتحدة بل والدول الأجنبية من أجل الاستفادة من خيرات هذه المنطقة, فهي على وعي تام بأهمية البترول والنفط في تحريك الاقتصاد العالمي.

                 وأرى أنه قد تكون هناك بنظرٍة بعيدٍة من وراء اهتمام الولايات المتحدة المتزايد بمنطقة الشرق الأوسط, فمن خلال بعد موقع الولايات المتحدة الجغرافي عن ما يسمى بمنطقة قلب الأرض**, كان لابد لها من البحث عن طريق للوصول لتلك المنطقة لتحقق غايتها العالمية في السيطرة, ومن هنا كان طريق الشرق الأوسط هو الطريق الأفضل للوصول لها من طرق آخرى, فهي لا تستطيع من أن تتحرك شرق الكرة الأرضية في ظل وجود منافس يافع "الصين", وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط بعض الدول في أوروبة الغربية بالولايات المتحدة فلا تعطي هذه العلاقات الحق للولايات المتحدة في أن تسيطر على تلك الدول الغربية, ومن هنا كان الطريق الأسهل في الوصول لمنطقتها المرغوبة هو طريق الشرق الأوسط, فكون دوله تتسم بضعف مكينتها السياسية وافتقار اقتصادياته لحل مشكلاتها المتفاقمة إلا أن التعامل مع هذا النوع من الدول أسهل من التعامل مع دول مثل أوروبة الغربية أو دول يافعة مثل دول شرق آسيا.

                 ومن خلال هذه الأهداف التي حاولت حصرها فيبدو أن الرابح منها هو الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط  فقط, إلا أن هذا لا يعني أنه ليس هناك شريك آخر أهدافه تتعدى الحصول على بعض المميزات الاقتصادية بل إنه يطمح في أن يكون سيد المنطقة ذلك الشريك هو الكيان الصهيوني,  وباعتبار أن مثل هذه الاستراتيجية سبق وأن تعاملت بها الولايات المتحدة مع مناطق مختلفة من العالم ألا أن المتتبع لتاريخ مشروع الشرق الأوسط الكبير لا يجده فقط وليد مبادرة قمة الثماني في أيسلند, بل  له جذور عند المفكر الصهيوني "شيمون بيريز"(5), فلم تكن رغبة إسرائيل في أن تزيد التعاملات الاقتصادية مع الدول المحيطة هي ما تطمح إليها فقط بل كانت ترنو آيضًا في أن تلغى الهوية العربية وتزال الحدود الفاصلة بين الدول العربية لتتغلل هي بداخل هذه الدول لتكون سيدتهم فيما بعد.

 إصلاحات خادعة

                  قد تحتوي الطريقة التي قدمت بها الولايات المتحدة مشروع الشرق الأوسط للدول المعنية عن نوايا طيبة لديها ولكن أرى أن هذه النوايا غير واقعية وتفتقر للدقة, فتظهر النوايا الطيبة هنا في اطلاق الولايات المتحدة للعديد من المبادرات الشاملة ومتعددة المجالات في دول الشرق الأوسط(6), وتحديد أهداف مختلفة بامكانها جعل دوله في صفوف الدول المتقدمة(7), و تغليف هذه الاصلاحات والمبادرات بثوب الديموقراطية كما تقول, إلا أن أمر بناء دول الشرق الأوسط على مبدأ الديموقراطية أشبه بمحاولة زرع نبت بارد في بيئة صحراوية فلا تتوفر له الظروف المهئية لنموه, وهذا ما يجعلنا نرى أن تقديم المشروع في إطار الديموقراطية لدول الشرق الأوسط غامضاً بعض الشيء؛ فكيف سوف تتعامل الدول المعنية من المشروع مع مفهومًا أخذ من القرون لينضج في ظل ظروف مغايرة تمامًا لظروف دول الشرق الأوسط!, أو أن الولايات المتحدة على علم بأنها عندما تعيد بناء هذه الدول على أساس مبدأ الديموقراطية بأن الشعوب العربية سوف تطالبها هي أولًا بتحقيق هذا المبدأ وطرد الكيان الصهيوني من فلسطين!,فهنا نستطيع القول بأن مشروع الشرق الأوسط الكبير بورقته البراقة ورقة الديموقراطية هو مشروع يحمل في ثناياه  حقائق متناقضة ليس فقط مع واقع الدول العربية ولكن مع أهداف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني, وما المبادرات التي تقدمها ليس إلا لخداع الدول المعنية لتصدق على المشروع.

طرق مختلفة ومصلحة واحدة

                 على الرغم من تضمن مشروع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على أهداف سياسية منها إجراء انتخابات حرة نزيهة وتغيير الأنظمة الشمولية من أجل اصلاح البنية السياسية في دول المنطقة العربية إلا أنه كانت هناك ردود أفعال رافضة لهذا المشروع, فقد خشى حكام الدول العربية من أن تفلت يد السلطة السياسية منهم, لذلك جاءت أغلب ردود حكام ورؤساء الدول المعنية بالرفض(8), وعلى الرغم من عدم موافقة الدول المعنية على تحقيقه تجاهلت الإدارة الأمريكية برئاسة "بوش الابن" أراء رؤساء وحكام الدول العربية وبدأت في تنفيده(9), وكان لشخصية بوش الابن المعادية للإسلام أثرًا في طريقة تعامله مع دول الشرق الأوسط باعتبارها دول منبع الإسلام, فمن خلال استخدامه لشعارات مثل "حرب الحضارات" و"حملتنا الصليبية تأخذ وقتا" وشنه للعديد من الحروب الوقائية على بعض الدول في الشرق الأوسط إلى اجراء مجلس السياسات الدفاعية وثيقة توضح فيها أن المنطقة العربية سوف تصبح  ذكرى في أرشيف ملفات وزارة الدفاع الأمريكية(10), يستوضح لنا إطار تفاعلي ذو طابع عدائي للسياسة الخارجية الأمريكيةفي فترة تولي بوش الابن أثناء تعاملها مع المنطقة العربية .

                 كان لتناقض طبيعة سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاة الشرق الأوسط  مع المبادئ التي تتدعو لها مثل الديموقراطية وعدم استخدام الأسلوب العنيف في التعاملات الدولية أثرًا على مكانتها القيمية والأخلاقية التي تراجعت, حيث ظلت ضرورة استرجاع هذه المكانة مهمة من سيأتي بعد إدارة بوش, لذلك نجد أن طبيعة السياسة الخارجية "لبوش الابن" اختلفت عن خلفه"أوباما" خاصة تجاة منطقة الشرق الأوسط, فأخذ في إطار تفاعله مع دول المنطقة  التقليل من الاستخدام المفرط للأداة العسكرية في إطار مشروع الشرق الأوسط وعدم فرض التحول الديموقراطي بالاكراه(11), ولكن هذا التغيير في طبيعة السياسة الخارجية الخاصة به عن سابقه يخدم فقط اعادة بناء الصورة الولايات المتحدة الأخلاقية, فمازال جوهر سياسته الخارجية يتعامل مع دول الشرق الأوسط والمنطقة العربية من خلال سياسة الفوضى الخلاقة, ولكن ليس عن طريق شن حروب مثل سابقه ولكن عن طريق دعم حالات التغيير في المنطقة العربية للتتفاعل جميع الأطراف بشكل فوضوي لتحقيق غاية إسقاط المنطقة العربية في غياهب الفوضى وعدم الاستقرار(12).

                 فمصالح الولايات المتحدة في دول الشرق الأوسط مازال لها الصدارة على سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية حتى مع تنوع أغراضها الخفية في المنطقة واختلاف نظرات الإدارات الأمريكية وتعدد طرق تحقيقها تلك المصالح, وحتى في ظل وجود الإدارة الحالية ومع اختلاف طبيعة سياستها عن بقية الإدارات الأمريكية على مر تاريخ الولايات المتحدة تظل للمنطقة العربية أهميتها, فعلى الرغم من ميل "ترامب" للانعزالية إلا أنه يدرك تمامًا خطورة هذه المنطقة من الناحية الاستراتيجية في احتواء العديد من الدول الطموحة بل وآيضا من الناحية الاقتصادية لحاجة دول هذه المنطقة للاستثمارات الأمريكية.  

                  فمشروع الشرق الأوسط الكبير هو محصلة لمجموعة من الأهداف التي تستطيع من خلالها الولايات المتحدة من أن تحقق حلم الامبراطورية الأمريكية العالمية, والذي في سبيله تستطيع من أن تقدم الكثير بل وآيضًا تتحدث عن شعارات وفي الخفاء تفعل عكسها, فلا يخدعنا نحن كمسلمين كلماتهم الرنانة التي يسيل لها اللعاب, فإذا أردنا النهوض والصلاح فليكن نهوضنا داخليا؛ نعالج الأزمات الاقتصادية بداخل الدول العربية ونضع حدًا للمعتركات السياسية الداخلية والاقليمية فيما بينهم, وليس بطرقٍ خارجية كالموافقة على برامج مشروع الشرق الأوسط, والذي فوائده سوف تعود أولًا على مصدره أما نحن فلن يكون لنا وجودا بعد تحقيقه, فبدلًا عن التحدث على الديموقراطية نعيد كشف ما يناسبنا من طرق حكم فالتراث الاسلامي مملوء بها , وقبل هذا لابد من أصلاح أنفسنا نحن كأفراد مسلمين أولًا.

الهوامش

(1)- اعتمدت الولايات المتحدة في تعاملاتها الخارجية على استراتيجية المشروعات مثل مشروع مارشال في أوروبا الغربية, مشروع كولومبو في دول أسيا, مشروع التحالف من أجل التقدم في دول أمريكا اللاتينية.

(2) عصام عبد الشافي,مبادرات الاصلاح وعملياته في العالم العربي"رؤية نقدية",مركز الحضارة للدراسات السياسية,ص 3

(3) ممدوح منصور,محاضرات في مبادئ السياسة الخارجية, الفرقة الثالثة, كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية,جامعة الاسكندرية

*الخطر الأخضر هو الخطر الاسلامي

(4) هشام محمد الباججي,الشرق الأوسط الكبير و آليات تنفيذه"تجزئة المجزء, الدولة الفاشلة, الفوضى الخلاقة",المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية,ص 18

**نظرية قلب الأرض أو نظرية ماكيندر تفترض هذه النظرية أنه"من يسيطر على قلب الأرض يسيطر على الجزيرة العالمية ومن يسيطر على الجزيرة العالمية يسيطر على العالم"

(5) رنا أبو ظهر الرفاعي و محمد قبيسي, أمريكا والشرق الأوسط الكبير, دار الحرف العربي, ص 174.

(6) المصدر السابق,ص ص26:18.

(7) المصدر السابق,ص ص33:32.

(8) للتوضيح أكثر عن مواقف الدول العربية كل على حدى انظر ,رنا أبو ظهر رفاعي و محمد قبيسي,أمريكا..والشرق الأوسط الجديد, دار الحرف العربي للنشر, لبنان,2004,ص ص143:135

(9) المرجع السابق,ص 147.

(10) محمود حسن العفيفي,مذكرة ماجستير بعنوان"مشروع الشرق الأوسط الكبير و اثره على النظام الاقليمي العربي",كلية الآداب ,جامعة الأزهر,غزة,2012,ص30.

(11) شكلاط ويسام,"باراك أوباما والسياسة الخارجية تجاة الشرق الأوسط بين ثنائيتي التراجع والانحسار",مؤلف جماعي بعنوان الشرق الأوسط في ظل أجندات السياسة الخارجية"دراسة تحليلية للفترة الانتقالية بين أوباما و برامب",المركز الديموقراطي العربي,ص191.

(12) هشام محمد الباججي,الشرق الأوسط الكبير و آليات تنفيذه"تجزئة المجزء, الدولة الفاشلة, الفوضى الخلاقة",المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية,ص69.