المركز العربي للبحوث والدراسات : العقوبات الأمريكية على ظريف ... وطريق التفاوض بين واشنطن وطهران (طباعة)
العقوبات الأمريكية على ظريف ... وطريق التفاوض بين واشنطن وطهران
آخر تحديث: الخميس 08/08/2019 05:34 م ماثيو بيتي-عرض: مرﭬت زكريا
العقوبات الأمريكية

في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن عدم رغبته في تغيير النظام داخل الجمهورية الإسلامية، بل في التفاوض مع الحكومة الإيرانية الحالية، قامت عناصر متشددة من داخل الإدارة الأمريكية بغلق طريق رئيسي للتفاوض عن طريق فرض عقوبات علي وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف".

وفي هذا السياق أشار الباحث في مجال الأمن القومي بمجلة نيشونال انترست الأمريكية إلى الدور الكبير الذي لعبه البرلماني المتشدد "ليندسي جرهام" في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الجمهورية الإسلامية، والذي برز كمنافس محتمل لمنصب وزير الخارجية الذي يشغله "مايك بومبيو".

حيث تقضي هذه العقوبات بمنع وزير الخارجية الإيراني من ممارسة أي أعمال تجارية في الولايات المتحدة الأمريكية أو مع الأمريكيين، وتم الاستشهاد في ذلك بالقرار التنفيذي رقم 13876 الذي وقعه ترامب في 24 يونيو لعام 2019 لمنع أي شخص يعينه المرشد الأعلى لإيران أو مكتبه في منصب مسؤول أو كرئيس لأي كيان داخل الجمهورية الإسلامية من إجراء أي معاملات تجارية داخل الاقتصاد الأمريكي.

وتم شرعنه ذلك في سياق السلطة التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لأن العلاقات الأمريكية الإيرانية في حالة الطوارئ منذ عام 1995. وزعمت وزارة الخزانة الأمريكية أيضًا أن وزارة الخارجية الإيرانية تنسق مع أحد أكثر كيانات الدولة الشائنة في النظام الإيراني، وهي قوة القدس التابعة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي وهو الذي تم تصنيفه كجماعة إرهابية من قبل الإدارة الأمريكية، وهي المرة الأولى التي يتم فيها فرض عقوبات على جيش دولة أخري.

كما أقرت وزارة الخارجية الأمريكية أن مثيلتها الإيرانية ليست مجرد الذراع الدبلوماسي للجمهورية الإسلامية بل هي أيضًا وسيلة للنهوض بالعديد من سياسات المرشد الأعلى المزعزعة للاستقرار في المنطقة. من ناحية أخرى، يري الباحث بالمجلس القومي الأمريكي الإيراني "سينا توسي" تناقضاً في منطق الإدارة الأمريكية التي فرضت عقوبات على "ظريف" على خلفية علاقته بالمرشد الأعلى، في الوقت الذي يقر فيه المسؤولين الأمريكيين، أن وزير الخارجية الإيراني ليس صانع قرار رئيسي ولا يجب التفاوض معه.

ويشير الكاتب إلي أن العقوبات المفروضة على "ظريف" كانت خطأ كبيراً، فلا يمكن أن يكون هناك عملية تفاوضية بدون وجود قائد الدبلوماسية الإيرانية المتمثل في وزير الخارجية، مما يقر بحقيقة الأمر وهو أن المتشددين داخل الكونجرس الأمريكي لا يرغبون في ظهور أي صفقة نووية جديدة بين الطرفين الأمريكي والإيراني.

وعليه، قوبل القرار الأمريكي بمعارضة شديدة من قبل أغلب الأجهزة الحكومية الموجودة داخل الجمهورية الإسلامية؛ حيث تساءل الرئيس الإيراني "حسن روحاني" عن الخطورة التي يشكلها ظريف على الولايات المتحدة الأمريكية حتى يتم فرض عقوبات عليه. وأشار المتحدث الرسمي باسم مجلس صيانة الدستور "عباس علي كدخدايي" الذي يشرف على العلاقة بين الحكومة الإيرانية والزعيم الأعلى "علي خامنئي" إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تخشي فقط البرنامج النووي أو الصواريخ الإيرانية، بل الكلمات أيضاً، كما أن العقوبات المفروضة على وزير الخارجية الإيراني تقضي على ما يعرف بحرية التعبير الأمريكية.

كما أشار الكاتب إلي أن هناك غضب أمريكي من استخدام ظريف لمواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لسياسات الجمهورية الإسلامية، فضلاً عن اللقاءات التي أجراها مع المشرعين الأمريكيين ومختلف وسائل الإعلام الأمريكية. أما لقدرة ظريف على التحدث داخل منظمة الأمم المتحدة، فأشار المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن واشنطن ستواصل التزاماتها بموجب اتفاق مقر الأمم المتحدة والذي ينص على أن " الأفراد الذين يسافرون في واجبات رسمية داخل المنظمة الأممية سيكونون في مأمن من الاعتقال أثناء ممارسة وظائفهم وأثناء سفرهم من وإلى الأمم المتحدة".

ولكن في السياق ذاته، أقر الكاتب بقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على عرقلة حركة وزير الخارجية الإيراني مستشهداً في ذلك بتأخيرات التأشيرة التي واجهها ظريف عندما حضر اجتماعات الأمم المتحدة في بداية يوليو/تموز لعام 2019.  كما رفضت سلطات المطارات في ألمانيا إعادة تزويد طائرة ظريف بالوقود، مشيرة إلى عدم اليقين بشأن العقوبات الأمريكية المفروضة على الحكومة الإيرانية، حتى وافق الجيش الألماني على توفير الوقود بنفسه في فبراير 2018.

على الناحية الأخرى، قلل ظريف من الأهمية التي وضعها البعض لمقابلته بعض المشرعين الأمريكيين داخل الكونجرس، مشيراً إلى أنهم ممثلين عن الشعب الأمريكي وعلينا أن نحترم ذلك، ولكن التفاوض يجب أن يكون بشكل رسمي مع الإدارة الأمريكية الحالية المتمثلة في حكومة الرئيس " دونالد ترامب" وحكومته.  فعلى الرغم من اقترح بعض المشرعين الأمريكيين اتفاقاً تمتلك فيه دول الشرق الأوسط محطات طاقة نووية ولكن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تتحكم في تخصيب ومعالجة الوقود المشع ولكن الأمر قوبل بالرفض من قبل الحكومة الأمريكية.

وأقر ظريف إلى أن الأمريكيين يدعون دعوتهم إلى التفاوض، الدبلوماسية والحلول السلمية ولكنهم على الناحية الأخرى لا يقدمون أي شيء يمكن اعتباره جدياً في إشارة إلي وجود الصقور مثل "جون بولتون" و"مايك بومبيو" داخل الحكومة الأمريكية الداعيين إلى تصعيد العلاقة مع الجمهورية الإسلامية إلى حد الدخول في حرب.

وأشار الكاتب أيضاً إلى أنه لا يوجد من يمكن الوثوق به داخل الإدارة الأمريكية الحالية حتى السيناتور "ليندسي جرهام " الذي يدعو حالياً إلى التفاوض مع الجمهورية الإسلامية، حيث أنه شخص له سجل حافل في دفع الأمور نحو الحرب طوال الوقت، كما أنه هو من وصف إيران سابقًا بأنها "نظام استفزازي" و "عدو للبشرية"، وحذرها من الاستعداد لضربة كبيرة تكبدها خسائر فادحة، سيما وأنه مجرد مُشرع داخل الكونجرس الأمريكي لا علاقة له بالدبلوماسية التنفيذية.

في النهاية؛ يشير الكاتب إلي أن إيران وافقت على الخضوع لعمليات التفتيش الدولية لبرنامج الأبحاث النووية مقابل تخفيف العقوبات في صفقة عام 2015، وخطة العمل الشاملة المشتركة، مع إدارة أوباما ودول (5+1)، لكن في عام 2017، انفصلت إدارة ترامب عن الاتفاق مطالبة "بصفقة أفضل" فضلاً عن اتباع سياسة فرض "أقصى قدر من الضغوط" على الاقتصاد الإيراني.

وردت إيران بتخزين المواد النووية والاستيلاء على ناقلة نفط بريطانية تمر بمياهها، وفي أواخر يونيو/حزيران لعام 2019 قام ترامب بشن غارة عسكرية على طهران بعد أن أسقطت القوات الإيرانية طائرة استطلاع أمريكية بالقرب من الساحل الإيراني. لكن يري الكاتب أن السياسة الأمريكية غير الواضحة والمتماسكة ستضع الولايات المتحدة على طريق خطير للغاية مع إيران من الممكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية في أي وقت، وعلى الرغم من حاجة الإدارة الأمريكية الحالية إلى الدبلوماسية إلا أنها تسير في الطريق المعاكس.


Matthew Petti, Zarif Sanctioned: Does Trump Still Want Talks With Iran? National Interest, August 2, 2019, available at: