المركز العربي للبحوث والدراسات : مواقف متصاعدة ... إيران بين المبادرة الروسية والتحالف الأوروبي الأمريكي في الخليج (طباعة)
مواقف متصاعدة ... إيران بين المبادرة الروسية والتحالف الأوروبي الأمريكي في الخليج
آخر تحديث: السبت 03/08/2019 02:32 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
مواقف متصاعدة ...

أدت سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط إلى حدوث خلاف حاد بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا حول إيران؛ ففي الوقت الذي انسحبت فيه إدارة ترامب من الاتفاق النووي وقامت بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على الجمهورية الإسلامية، تؤمن دول الاتحاد الأوروبي بأهمية القيم والمبادئ القائمة على الدبلوماسية وطرق التعاون الدولي القائمة على المنظمات الاقتصادية العالمية.

واتضح ذلك خلال التردد الذي خيم على تلبية دول الاتحاد الأوروبي لدعوة الولايات المتحدة الأمريكية لتكوين تحالف مع أكبر عدد من دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخليج العربي. فمازالت الدول الأوروبية تعاني عدد كبير من التحديات جراء السياسات الأمريكية إحادية الجانب غير المنظمة. كما تقدمت روسيا بمبادرة أقرت أنها تسعى إلى تقديمها لمجلس الأمن باعتبار انها تهدف إلى ترسيخ نظام أمنى مستقر يراعي مصالح جميع الأطراف.

وعليه، سنعرض فيما يلي لأبرز محددات التحالف الأوروبي الأمريكي ضد إيران والنظر في إمكانية نجاحه أو فشله، أهداف المبادرة الروسية لنشر مفهوم الأمن الجماعي في الخليج، فضلاً عن موقف التيارات السياسية داخل الجمهورية الإسلامية من هذه التحالفات والمبادرات.

أولاً- التحالف الأوروبي الأمريكي في مواجهة إيران

اقترحت الإدارة الأمريكية متمثلة في وزير خارجيتها "مايك بومبيو" مبادرة بشأن التحالف مع الدول الأوروبية لتنظيم حركة الملاحة في الخليج العربي في مواجهة إيران. ولكن يشير العديد من المحللين إلى أن الرئيس "ترامب" يحاول السير بين التهديدات العسكرية والتواصل الدبلوماسي ولكنه لا يلتزم بأي منهما، ففي الوقت الذي يحذر فيه من أن هناك دائماً فرصة للنزاع يحث على إجراء مفاوضات، مع عدم وجود خطة واضحة لتحقيق أي منهما.

وعلى الرغم من العلاقات المتوترة بين طهران والدول الأوروبية إلا أن الأخيرة مازالت متمسكة بخطة العمل المشتركة الشاملة ومصرة على ضرورة تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها المتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي والتزام جميع الأطراف الدولية به على حد سواء؛ وفي ذلك قال الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" أن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تمتلك علاقات متوترة مع الجمهورية الإسلامية، لكن على الناحية الأخرى لم تحدد أهدافًا محددة للمفاوضات، ولم تعرض على طهران أي حوافز لبدء المحادثات(1).

وعليه، هناك تردد أوروبي كبير نحو المشاركة في أي تحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكي، على خلفية خوفها من استغلال واشنطن للعمل الجماعي الدولي بغرض تحقيق أهدافها الخاصة، المتمثلة في ردع طهران وإجبارها في الجلوس على طاولة المفاوضات، فضلاً عن الحد من دورها ونفوذها الإقليمي المهدد لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط(2).

ثانياً-  المبادرة الروسية لمفهوم الأمن الجماعي

بات التوتر ومازال صفة لصيقة بمنطقة الخليج العربي بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام، بما يؤثر سلباً علي الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة وفي العالم، فضلاً عن انتشار بؤر التوتر والشبكات الإرهابية عبر الوطنية عبر في الفترة الأخيرة داخل هذه البقعة.

ومن هنا طرحت روسيا فكرة تأسيس نظام أمنى في الخليج لتعزيز الجهود السياسية والدبلوماسية في هذه المنطقة، التي تعتمد على مجموعة من المبادئ تتمثل فيما يلي: -

1-     الدمج؛ بما يتضمن جميع أصحاب المصالح المهتمين بالقضاء على بؤرة التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط في تحالف واحد لمكافحته، تحت رعاية المنظمة الأممية والقانون الدولي، الأمر الذي يشمل تسوية النزاعات.

2-     التعبئة؛ الأمر الذي يشمل تعبئة الرأي العام داخل الدول الإسلامية وغيرها من البلدان من أجل مواجهة تهديد الإرهاب بشكل جماعي مشترك، بما في ذلك من خلال الجهود المتكاملة في مجال الفضاء الإعلامي.

3-     الامتثال لقواعد القانون الدولي؛ بما يتضمن التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في المقام الأول، بما يهدف إلى وجود شرق أوسط ديمقراطي ومزدهر يشجع السلام والتعايش بين الأديان.

4-     منع ارسال عمليات صنع السلام؛ إلا على أساس القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو بناءً على طلب السلطات الشرعية للدولة المهاجمة، الأمر الذي يمنع وجود فكرة المعايير المزدوجة.

5-     العالمية والشمولية؛ يجب أن يكون نظام الأمن في منطقة الخليج عالميًا وشاملا، بما يتضمن احترام مصالح جميع الأطراف الإقليمية وغيرها من الأطراف المعنية في جميع مجالات الأمن، بما في ذلك أبعادها العسكرية والاقتصادية والطاقة. وينبغي أن يأخذ في الاعتبار الكامل ضرورة تقديم المساعدة الإنسانية إلى بلدان وشعوب المنطقة بما يهدف إلى معالجة حالات الصراع وتحقيق الاستقرار في المجتمعات.

6-     التعددية؛ تعد تعددية الأطراف آلية جيدة لمشاركة أصحاب المصلحة في التقييم المشترك للوضع وعملية صنع القرارات وتنفيذها، بما لا يتضمن استبعاد أي صاحب مصلحة لأي سبب من الأسباب(3).

ثالثاً- الموقف الإيراني من حالات التصعيد الأمريكي الأوروبي

مازالت تتبع طهران سياسة العصا والجزرة مع حالة التصعيد المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها من الأوروبيين؛ فعلي الرغم من احتجاز طهران لناقلات النفط البريطانية والتهديدات المتصاعدة مع واشنطن، إلا أنها تحاول في السياق ذاته تحاول تقديم بعض الفرص الرامية إلي تحسين علاقتها مع هذه الأطراف بما يؤدي لتهدئة الصراع، الأمر الذي ظهر في ترحيبها بالمبادرة الروسية لمفهوم الأمن الجماعي في الخليج.

واتضح ذلك أيضاً خلال موقفين متتاليين قامت بهم الحكومة الإيرانية؛ تمثل الأول في طرح وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" مبادرة للتصديق على البرتوكول الإضافي الذي يتيح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكبر عدد من الطرق للتأكد من سلمية البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن أشار بعض المحللين إلى أن العرض الذي قدمه وزير الخارجية الإيراني عن المعطيات الجديدة التي تقر بتطبيق طهران للبرتوكول الإضافي بالفعل، ولكن كان يرغب ظريف في اختبار الرأي العام الداخلي إزاء هذا العرض، سيما البرلمان المعروف بـ (مجلس الشورى الإسلامي) الذي من المنوط به التصديق عليه، الأمر الذي قوبل برفض قاطع من قبل بعض الأجهزة والفئات الداخلية سيما بعض نواب البرلمان(4).  

على أن يتمثل الموقف الثاني في تجدد الدعوات إلى التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية سيما داخل تيار المحافظين الأصوليين داخل الجمهورية الإسلامية وظهر ذلك في الحوار الذي أجراه الرئيس الإيراني السابق" أحمدي نجاد" مع صحيفة "نيويورك تايمز " الأمريكية الذي دعا فيه إلى إجراء مفاوضات مع الإدارة الأمريكية الحالية لتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني.

وعليه، يشير ما سبق إلى رغبة التيار المحافظ داخل طهران في الإشارة إلى أن الدعوة إلى التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية ليست حكراً على التيار المعتدل؛ حيث أن جزء كبير من المفاوضات التي أدت لعقد الاتفاق النووي الإيراني كانت في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس الإيراني المتشدد "أحمدي نجاد".

 ومن ناحية أخري، تشير هذه الدعوات إلى الحالة المتردية التي وصل إليها الاقتصاد الإيراني بعد خروج الشركات الأجنبية متعددة الجنسية من طهران، على خلفية العقوبات الاقتصادية التالية على القرار الأمريكي بالخروج من الاتفاق النووي(5).

الهوامش

1.             Edward Wong and David E. Sanger, Trump’s Twists on Confronting Iran Confound Allies in Europe, The New York Times, 7/9/2019, available at :

https://www.nytimes.com/2019/06/07/world/middleeast/trump-iran-europe.html.

2.             David D. Kirkpatrick, The Iran Crisis: How the Nuclear Deal Started to Unravel and what is next, the New York Times, 8/7/2019, available at :

https://www.nytimes.com/2019/07/08/world/europe/iran-trump.html.

3.             Russia’s security concept for the Gulf area, Voltaire Network, 23 JULY 2019, available at:

 https://www.voltairenet.org/article207131.html.

4.       تحديات عديدة: لماذا طرحت طهران التصديق على البرتوكول الإضافي؟ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 28/7/2019، متاح على الرابط التالي:

 http://cu9.io/D1Z89g .

5.       عريب الرنتاوي، مغزى دعوة أحمدي نجاد وتوقيتها، إرم نيوز، 24/7/2019، متاح على الرابط التالي:

 https://www.eremnews.com/opinion/selections/1900057.