أما على المدى الطويل، فمن المتوقع أن تأثير هذه الأزمة
ومثيلاتها على أسعار النفط العالمية سوف تكون ضئيلة أو غير ذات نطاق عريض، ويرجع
ذلك إلى عدة أسباب:
أولًا: انخفاض الطلب العالمي على النفط خلال الأعوام القادمة،
فمع توقع حدوث انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي العالمية لاسيما جراء الحرب
التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث صرح صندوق النقد الدولي مؤخرًا بأنه
يتوقع نموًا عالميًا بنسبة 3.2 في المئة لهذه السنة و3.5 في المئة في 2020 (3)،
وكذلك تباطؤ اقتصاد الصين والذي يعد ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، الأمر الذي
يعني أن الطلب على النفط سوف ينخفض بصورة كبيرة خلال السنوات القادمة، مما يقلل من
فرص ارتفاع أسعاره بصورة غير معتادة.
ثانيًا: على النقيض، فمن المتوقع أن يكون هناك زيادة في
المعروض من النفط خارج منظمة أوبك، فبحسب تصريحات "أوبك" فسوف يرتفع
المعروض النفطي من خارج أوبك إلى 2.05 مليون برميل يومياً، ويعني ذلك أن إجمالي
المعروض النفطي من دول خارج أوبك سوف يسجل 64.43 مليون برميل يومياً خلال عام
2019. أما ما يتعلق بعام 2020 فمن المتوقع أن ينمو المعروض النفطي من الدول غير
الأعضاء في أوبك بنحو 2.4 مليون برميل يومياً ليبلغ في المتوسط 66.87 مليون برميل
يومياً (4).
ولتفادي هذا الفائض في المعروض واحتمالات انهيار
الأسعار، وبما أنه من المتوقع أن الطلب العالمي على النفط لن يرتفع بأكثر من 1.4
مليون برميل يوميًا خلال عامي 2019 و2020، فقد قامت أوبك في نهاية شهر يونيو 2018
بعقد اتفاق مع مجموعة الدول المصدرة الحليفة لها يقضي بخفض سقف الإنتاج بمقدار 1.2
مليون برميل يوميًا، بما يشكل حوالي واحد في المئة من الإمدادات العالمية، وذلك
حتى مارس 2020 (5)،
الأمر الثالث الذي يدفعنا للقول بأن أسعار النفط العالمية لن تتأثر
بمثل هذه التوترات الجيوسياسية في مضيق هرمز هو تحقيق الولايات المتحدة الاكتفاء
الذاتي من النفط، حيث لم تعد تعتمد سوى على 10% من نفط الخليج، هذا فضلًا عن أنها
حققت العام الماضي (2018) تفوقًا على السعودية وروسيا في إنتاج النفط الخام. ويرجع
ذلك بالأساس إلى زيادة إنتاج منطقة حوض بيرميان الذي يقع في ولايتي تكساس ونيو
مكسيكو، ومنطقة باكن في ولايتي نورث داكوتا ومونتانا، وخليج المكسيك.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فقد بلغ
الإنتاج الأمريكي من النفط عام 2017 ما يقارب 9.4 مليون برميل يوميًا، في مقابل
10.96 مليون برميل يوميًا لعام 2018، و12.36 مليون برميل يوميًا لعام 2019. ومن
التوقع أن يصل الإنتاج عام 2020 إلى 13.26 مليون برميل يوميًا. هذا فضلًا عن أن
الولايات المتحدة أصبحت أيضا مصدرًا للنفط الخام للعديد من دول العالم، بعد أن رفع
الكونغرس في عام 2015 حظرًا دام 40 عاما على تصديره (6). مما يعني أن القرارات
التي تتخذها أوبك وحلفاؤها حول تخفيض الإنتاج لن تؤثر بصورة كبيرة على ارتفاع
الأسعار.
كل هذا يعني في النهاية أن زيادة الإنتاج العالمي من
النفط في مقابل توقعات بانخفاض الطلب عليه سيؤدي في النهاية إلى عدم ارتفاع
الأسعار سوى في مستويات محدودة وعلى المدى القصير كتأثير مباشر لأي توترات يشهدها
العالم خلال الفترة المقبلة.
ماذا
لو أغلقت إيران المضيق؟
في أوقات الأزمات يصبح من الصعب توقع ما هو قادم،
ولاسيما وأن الأزمة بين إيران والغرب مستمرة منذ عقود طويلة، لكن من غير المرجح –
حتى الآن – أن تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز، لاسيما وأنها لم تعلن أي نية عن ذلك،
وبالتالي يبدو أن "الحل الدبلوماسي" ما زال هو الحل الأمثل في الوقت
الحالي. كما أن إيران تدرك جيدًا أن إغلاق مضيق هرمز يعني نشوب حرب متعددة الأطراف
– ربما تكون عالمية -، لاسيما وأن وجود الأسطول الخامس الأمريكي في المياه
الإقليمية المقابلة للبحرين يعني أن الولايات المتحدة يمكن أن تتحرك في أي لحظة
إذا ما حاولت طهران إغلاق المضيق، هذا فضلًا عن أن الرئيس الأمريكي ترامب قد أعلن
في مايو الماضي أنهم سيرسلون مجموعة حاملات طائرات وقاذفات وبطاريات صواريخ
باتريوت لمواجهة ما اسماه "مؤشرات واضحة على أن إيران وعملائها يستعدون
لمواجهة القوات الأمريكية في المنطقة". كما أن الحكومة البريطانية قد أعلنت مؤخرًا عن وجود خطط
لتشكيل قوة بقيادة أوروبية لحماية الملاحة في منطقة الخليج (7).
ومن ناحية أخرى، فإن إيران تدرك أن إغلاق المضيق سوف
يؤثر بصورة واضحة على الاقتصادات الصديقة لها، فإذا كانت الولايات المتحدة تتمتع
بالاكتفاء الذاتي من الطاقة، ولا تعتمد على المضيق سوى في 10% من النفط الذي
تحتاجه، إلا أن اقتصادات دول مثل روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية تعتمد
اعتمادًا كبيرًا على نفط الخليج، وبالتالي فإن إغلاق المضيق يعني أن طهران على
استعداد للتخلي عن هذه الدول الصديقة، وهذا مستبعد بالطبع، لاسيما في ظل الدعم
الذي تقدمه لها هذه البلدان في مقابل العقوبات الأمريكية.
هل يمكن تجاوز المضيق؟
من
الصحيح أننا نتوقع أن "الحل الدبلوماسي" سوف يكون سيد الحلول خلال
الفترة القادمة، لاسيما في ظل قدوم رئيس وزراء جديد لبريطانيا هو "بوريس
جونسون" والذي يرث تركة صعبة للغاية تتمثل في ضعف الاقتصاد البريطاني وأزمة
البريكست، وبالتالي فلن يبحث الرجل عن مشاكل جديدة خارج بلاده. كما أنه وبحسب
تصريحات رسمية صادرة عن مكتب خامنئي فقد أرسلت بريطانيا وسيطًا للتفاوض حول
الإفراج عن الناقلة "ستينا إمبيرو" (8). لكننا حالة افتراض أن إيران
قامت بإغلاق المضيق، فهل يمكن تجاوز المضيق إلى ما سواه؟
يبدو أن
الإجابة على هذا السؤال ستكون بالنفي؛ فبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة
الأمريكية، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما الدولتان
الوحيدتان اللتان تمتلكان خطوط أنابيب قادرة على شحن النفط خارج الخليج العربي،
وبحسب عام 2018 فإن القدرة الاستيعابية لهذه الخطوط الثلاثة (كما هو موضح في
الجدول) تصل إلى 6.8 مليون برميل يوميًا، إلا أنه لا يتم نقل سوى 3 مليون برميل
يوميًا عبر تلك الخطوط، مما يعني أن هناك فائض في القدرة يصل إلى 3.8 مليون برميل
يوميًا (9).