المركز العربي للبحوث والدراسات : مستقبل أوروبا ورهان شمال أفريقيا (طباعة)
مستقبل أوروبا ورهان شمال أفريقيا
آخر تحديث: الخميس 25/07/2019 06:34 م ستيفن كوك – ترجمة: آية عبد العزيز
مستقبل أوروبا ورهان

تعد منطقة شمال أفريقيا من أهم المناطق الجيواستراتيجية، نتيجة موقعها الجغرافي المتميز؛ حيث تمثل نقطة وصل بين أوروبا والشرق الأوسط، كما إنها تمتلك العديد من المقومات الاستراتيجية وموارد الطبيعية، فضلاً عن كونها بوابة أفريقيا جنوب الصحراء، الأمر  الذي جعلها محط أنظار الفاعلين الدوليين،  وهو ما يبرهن عليه الكاتب.

 يجادل "استيفن كوك" بأن منطقة شمال أفريقيا تعد من المناطق ذات أهمية كبيرة في الاستراتيجية الأميركية، ويجب على الإدارة الأميركية أن تتبنى سياسات أكثر مرونه لخدمة مصالحها في تلك المنطقة، وأن تتخلى عن هوس الشرق الوسط القديم والجديد، المرتكز على حماية الممرات البحرية وضمان أمن الخليج العربي، وتسوية الصراع بين  الإسرائيليين والفلسطينيين.

ويسعى الكاتب إلى تسليط الضوء على أهمية المنطقة بالنسبة لواشنطن التي تكمن في ارتباطها بحلفاءها في أوروبا، عبر البحر الأبيض المتوسط مبرر قرب المسافات بينهم -فعلى سبيل المثال- لا يوجد سوى 146 ميلاً تفصل الساحل التونسي والساحل الإيطالي و 286 ميلاً عن ليبيا إلى اليونان. تقع شواطئ الجزائر على بعد 469 ميلاً من شواطئ فرنسا - على بعد المسافة من واشنطن إلى تشارلستون، ساوث كارولينا. يفصل المغرب وإسبانيا عن بعد 9 أميال فقط.

كما ساهمت الموروثات الاستعمارية في تشكيل ملامح المنطقة بطريقة يبدو أن الحافة الشمالية للمغرب العربي على الأقل تتقاسمها مع جنوب أوروبا ثقافياً أكثر من نظيرتها مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. في المقابل  أثرت التحديات الداخلية والخارجية في المنطقة على التراجع الاقتصادي في أوروبا، نتيجة التدفق المستمر للمهاجرين من البلدان الأفريقية، بالإضافة إلى تعرضهم لموجات من العمليات الإرهابية من قبل عدد من الانغماسين والجماعات المتطرفة.

وفي هذا السياق يبدأ الكاتب في عرض عدد من العوامل المؤثرة للمنطقة على أوروبا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، على النحو التالي:

1-     ملف الطاقة؛ فبالرغم من اعتماد الدول الأوروبية على إمدادات الغاز المتدفقة من روسيا إلى إن بعض الدول الأوروبية مازالت معتمدة على الغاز المتدفق من دول شمال إفريقيا. فعلى سبيل المثال تحصل إسبانيا، على 52 % من الغاز الطبيعي من الجزائر. وتعد شركة شمال إفريقيا العملاقة ثاني أكبر مورد للغاز في إيطاليا. إذا انحدرت الجزائر إلى عنف - وليس خارج نطاق الاحتمال - وتعطلت إمدادات الغاز بطريقة أو بأخرى، فستواجه أوروبا مشكلة كبيرة. وهنا يطرح الكاتب تساؤل عن المصادر البديلة التي يمكن للقارة الاعتماد عليها، معربًا أن هناك مصار آخرى مثل  ليبيا التي لديها الكثير من الغاز، ولكنها في خضم حرب أهلية. فيما تمتلك مصر أيضًا كميات هائلة من الغاز، لكن ليس لديها القدرة حتى الآن على تعويض أي نقص قد تواجهه أوروبا، وبالرغم من أن إسرائيل تود بيع الغاز إلى أوروبا، إلا أن خط الأنابيب إلى أوروبا الذي يتصورونه قد لا يكون مجديًا اقتصاديًا.

2-     الهجرة؛ أثارت موجات الهجرة غير النظامية حالة من عدم التوافق بين القادة في أوروبا، مع تنامي موجات اليمين الشعبوي الرافض للآخر، والداعم للحمائية والقومية الأوروبية، ورافضًا الاندماج مع المهاجرين، لإنهم يمثلون عبئًا إضافيًا الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على العواصم الأوروبية، وساهم في مهاجمتهم من قبل الأحزاب اليمينية، لبالرغم من أن المهاجرين الذين وصلوا إلى الشواطئ الأوروبية عبر شمال إفريقيا  لم يخلقوا الأحزاب القومية اليمينية والفاشية الجديدة في أوروبا، إلا إنهم أعطوهم دفعة -  للتأثير على عملية صنع واتخاذ القرار وكان التأثير على أوروبا مدمرًا. إذا وضعنا جانباً التطورات في النمسا، والمجر، وبولندا، فإن قادة حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والبديل عن ألمانيا (حزب يميني متطرف) قد تغلبوا على أزمة الهجرة في أوروبا في عام 2015 لتعزيز أجنداتهم المدمرة والخطيرة. كما إن زعزعة الاستقرار في المملكة المتحدة واحتمال الاستقطاب السياسي الألماني يشكلان نكسة استراتيجية للولايات المتحدة. إذا كان لدى واشنطن شريك حقيقي في هذا العالم، فقد كانت لندن. في هذه الأثناء، تعد ألمانيا الديمقراطية الناجحة أساسًا للاستقرار والازدهار الأوروبيين.

3-     التطرف؛ منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، كان تركيز واشنطن على محاربة القاعدة ثم تنظيم "داعش" في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن. يبدو أن التطرف في شمال إفريقيا هو فكرة لاحقة. لا ينبغي أن يكون؛ حيث تواجه الجزائر وليبيا وتونس مشاكل إرهابية أثرت على أوروبا بطرق مخيفة. ففي التسعينيات، قصف المتطرفون الجزائريون مترو باريس واختطفوا طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية في محاولة لإجبار الطاقم على قيادة الطائرة إلى برج إيفل. بالرغم من أن  الهجمات الإرهابية الأخيرة في أوروبا كانت نابعة من الداخل، إلا أن هذا لا يعني أن أوروبا آمنة من التطرف في شمال إفريقيا. ففي تونس في عام 2015، قتل المتطرفون السياح الأوروبيين على الشاطئ وفي المتحف. لذا بدا التوجه الأوروبي نحو القادة العربي لحماية أمنهم القومي، تجلى ذلك في دعم الرئيس الفرنسي لقائد الجيش الوطني الليبي المشير "خليفة حفيتر"، لمواجهة الجماعات المتطرفة والإرهابية داخل الأراضي الليبية، والتصدي لمواجهة الهجرة غير الشرعية.  قد يكون الرئيس "ماكرون" مخطئًا في تقييمه لقدرات "حفتر" والسياسة الفرنسية قد تزيد الأمور سوءًا، لكن إحساسه بمكان التهديد يأتي واضح من الجزائر وليبيا لكونهم دولتان كبيرتان تقعان على الحدود مع تشاد ومالي والنيجر، وتواجهان بنفسهما أعمال عنف متطرفة. يمثل احتمال قيام مجموعات بالربط أو الاندماج في هذه المنطقة تحديًا أمنيًا كبيرًا للأوروبيين.

أخيرًا، ليست القوى الاستعمارية القديمة في شمال إفريقيا -فرنسا وإيطاليا- هي الوحيدة التي تنشط هناك الآن، فحسب بل أصبحت هناك عدد من القوى الدولية مثل روسيا لديها علاقات دفاعية طويلة الأمد مع الجزائر، لكنها أصبحت أيضًا أكثر نشاطًا في ليبيا. وهنا يوضح الكاتب رغبة روسيا في خلق مؤطى قدم لها في المنطقة للتأثير بشكل غير مباشر على أوروبا. مبرهنًا على ذلك من خلال قيام موسكو بتشكيل قوس من النفوذ الروسي حول البحر المتوسط​​، يمتد من أنقرة في الشمال، عبر دمشق والقاهرة، ثم يتجه غربًا من هناك إلى بنغازي؛ حيث يقع في إقليم "حفتر" وجزء من ليبيا حيث يوجد الجزء الأكبر من احتياطيات البلاد النفطية. وهنا يؤكد الكاتب "بوتين" لا يحتاج  إلى جمع الحلفاء على حساب الولايات المتحدة في حد ذاتها – ولكنه في حاجة إلى منح روسيا قاعدة يستطيع من خلالها الاستمرار في بث الخلاف والارتباك في أوروبا.

بالنظر إلى كيفية تزامن الطاقة والهجرة والتطرف وطموح روسيا في شمال أفريقيا لتهديد الاستقرار الأوروبي، لا يبدو من الحكمة بالنسبة لواضعي السياسات في الولايات المتحدة أن يواصلوا معاملة المنطقة كفكرة لاحقة. سيكون السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك الديمقراطية في الشرق الأوسط، أمرًا لطيفًا  ولكن بالنظر إلى حدود القوة الأميركية، فمن المنطقي أكثر تخصيص موارد واشنطن لأماكن أكثر أهمية لخدمة مصالحها في المنطقة.  

STEVEN A. COOK, “Europe’s Future Will Be Decided in North Africa”, Foreign Policy, 18/7/2019.

 https://foreignpolicy.com/2019/07/18/europes-future-will-be-decided-in-north-africa/