المركز العربي للبحوث والدراسات : توترات متلاحقة بين تركيا وليبيا .. حدود التصعيد وتداعياته على الأمن الإقليمي (طباعة)
توترات متلاحقة بين تركيا وليبيا .. حدود التصعيد وتداعياته على الأمن الإقليمي
آخر تحديث: الخميس 04/07/2019 07:41 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
توترات متلاحقة بين

تشهد العلاقات التركية الليبية تصاعد متبادل من جانب الطرفين حول طبيعة العلاقة الثنائية ونمط المسارات الحاكمة للعديد من الملفات الخارجية والداخلية الليبية والتركية؛ إلا أن هذه التوترات شهدت حالة من التصعيد الغير مسبوق من جانب الجيش الوطني الليبي التي أعلن عنها المتحدث باسمه"أحمد المسماري" ؛الجدير بالذكر أن هذا التصعيد من جانب الجيش الليبي ليس بالجديد بل هو بمثابة امتدادات متلاحقة لسلسة قديمة من التوترات، ولكن ما تم رصده في يونيو 2019، من جانب الجيش الوطني الليبي فيما يتعلق بتوريد شحنات أسلحة وذخائر من جانب سفينة أمازون التركية التي خرجت من ميناء سامسون التركي إلى لواء الصمود في 21 أبريل 2019، خاصة وأن هناك حظر دولي مفروض على ليبيا فيما يتعلق بتوريد الأسلحة، خاصة وأن هذه الشحنات من الأسلحة تؤثر سلبًا على عمليات الجيش الوطني خلال عملية طوفان الكرامة التي أعلن عنها في أبريل 2018، لتحرير طرابلس من الجماعات الإرهابية.

توترات متصاعدة

أعلن المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، في 13 أبريل 2019، بأن هناك خطوطًا مفتوحة بين تركيا ومالطا جوًا وبحرًا لتقديم الدعم العسكري للمجموعات العسكرية المتطرفة في طرابلس، وأضاف المسماري بأن هناك رحلات جوية مباشرة من تركيا إلى مصراتة تنقل مسلحين من جبهة النصرة في سوريا، خاصة بعد ملاحظة تزايد أعداد المقاتلين الأجانب على الساحة الداخلية الليبية، والذي دلل عليه القبض على طيارين برتغالين في يونيو 2016، وفي مايو 2019.

بالإضافة إلى ذلك ومنذ سبتمبر 2015، تم القبض على ثلاث سفن تركية من جانب السلطات اليونانية أو من جانب الجيش الوطني الليبي؛ حيث ضبطت السلطات الليبية في ميناء الخمس البحري غرب ليبيا في 17 ديسمبر 2018، شحنتي أسلحة ضخمتين وذخائر وحمولات قادمة من ميناء مرسين التركي، وحسب بيان الجيش الليبي فإن عدد الذخائر الواردة في هاتين الشحنتين بلغ 4,2 مليون رصاصة، بما يكفي لقتل قرابة 80% من الشعب الليبي، إضافة إلى الآلاف من المسدسات والبنادق.

كما أن السلطات اليونانية تمكنت من ضبط أحدى السفن التركية في يناير من عام 2018،  محملة بمواد تستخدم لصنع متفجرات وهي في طريقها إلى الأراضي الليبية،  ورغم أن السفينة كانت تحمل علم تنزانيا إلا أنها أخذت حمولتها من مينائي مرسين والإسكندرونة التركيين، وعثرت السلطات اليونانية على ما يقارب 29 حاوية تحتوي على مواد تستخدم لصناعة المتفجرات.

في حين كشف موقع ويكيليكس في يوليو 2016، عن جانب مهم في طبيعة الدور التركي داخل ليبيا فيما يتعلق بنقل أموال الليبي عبد الحكيم بلحاج، من خلال رسالة صادرة عبر بريده الإلكتروني عام 2013، عرض فيها على مصرفي تركي تابع للحزب الحاكم (العدالة والتنمية) طلب المساعدة لتهريب مبالغ مالية لأجل المحافظة عليها واستثمارها، مقابل دفع عمولة 25 بالمئة من المبلغ، وكان المبلغ وقتها حوالي 15 مليون دولار.(1)

الجدير بالذكر أن هذه الممارسات الغير مشروعة من جانب تركيا لم تتلقى تنديد من جانب المجتمع الدولي أو من جانب المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، الأمر الذي سينعكس بصورة سلبية على إطالة أمد الصراع الداخلي بين الجانبين، بل وسيمتد إلى إعاقة الجهود الأممية لتحقيق تسوية سياسية للأزمة الليبية على المستوى القريب.

تصعيد ليبي والدوافع التركية

على خلفية التدخلات التركية في الساحة الداخلية الليبية، أعلن الجيش الوطني الليبي العديد من الإجراءات التي اتخذها في مواجهة الممارسات التركية غير المشروعة من خلال العديد من السياسات، والتي تمثلت في  إعلان الجيش الوطني الوطني استهدافه لكافة السفن التركية داخل المياه الإقليمية الليبية، بالإضافة إلى منع الرحلات التجارية الجوية إلى مناطق الجيش الليبي، عوضًا عن إيقاف تعاملات الشركات التجارية التركية هناك.

ولعل حالة التصعيد التي تشهدها تركيا من جانب الجيش الوطني الليبي ستؤثر بصورة كبيرة على دوافع ومصالح وكذك آليات أنقرة تجاه طرابلس؛ حيث تعتزم أنقرة مواكبتها للتحركات الإقليمية والدولية المكثفة تجاه ليبيا في الفترة الأخيرة، والحد من تداعياتها السلبية المحتملة على النفوذ التركي فيها خاصة من جانب مصر التي باتت أكثر حضورًا وتقاربًا مع الدولة الليبية، فيما يتعلق بالتنسيق المشترق لمكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة التي تدعمها أنقرة بالأساس.

بجانب ذلك تهدف أنقرة إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا، خاصة وأن السوق التركية تمثل أحد الأسواق الكبيرة التي تستهدفها تركيا فيما يتعلق بإقامة المشاريع الاقتصادية، والتي عبر عنها تواجد أكثر من 120 شركة تركية تعمل داخل الأراضي الليبية.(2)

بالإضافة إلى ذلك فإن ملف الغاز في منطقة شرق المتوسط يمثل أحد الدوافع الهامة التي تحاول تركيا أن تسيطر عليه خاصة في ظل التوترات الإقليمية وحالة الضغط التي تتعرض لها تركيا من جانب قبرص واليونان ومصر، الأمر الذي سينعكس بصورة سلبية على المصالح الاقتصادية التركية في ظل حالة التراجع الاقتصادي الداخلي الذي تشهده تركيا من تراجع في قيمة العملة وارتفاع معدلات البطالة والتضخم.

وتعمل تركيا في ليبيا على ضمان حصة من الغاز المكتشف شرق المتوسط، عن طريق دعم المليشيات الإرهابية، بالإضافة  إلى تطويق مصر من جهة وقبرص من جهة ثانية، بالاتفاق على ترسيم الحدود بينها وبين السلطات الليبية المقبلة، التي ستكون موالية ومتفهمة له، وذلك لتجاوز الاتفاقيات الدولية المبرمة بين مصر، واليونان، وإسرائيل، وقبرص على ترسيم حدود هذه الدول البحرية، واعترافها المتبادل في ما بينها بمناطقها الاقتصادية الخالصة، والتي تُشير المؤشرات بعد الاكتشافات الضخمة في مصر، وإسرائيل، وقبرص، إلى احتوائها كميات هائلة من الغاز.

إن الهدف من تدخل تركيا في الشأن السوري، والعراقي هو نفسه الذي يحركها للتدخل في ليبيا، وهو دعم مشروعها الإقليمي  من خلال توظيف الميليشيات المسلحة، كما أنه لا يمكن أن يكون لتركيا وجود في ليبيا دون استثماراتها المالية هناك، والتي تأمل أن تفتح أسواقًا جديدة لها، وتسمح لها بالاستثمار في عملية إعادة الإعمار واختراق قارة أفريقيا من خلال البوابة الليبية.

المشهد الإقليمي والدولي

تدعم كل من مصر وحلفائها الخليجيين وفرنسا وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في مدينة طبرق بشرق البلاد. من ناحية أخرى، تدعم تركيا وقطر منافسي حفتر متمثلين في حكومة الوفاق الوطني، في العاصمة الليبية طرابلس.

وهذا الخلاف في خريطة العلاقات التركية انعكس على مسار حركتها ليس فقط في ليبيا ولكن في مناطق عدة في المنطقة العربية والإقليمية والدولية، وبالنسبة للحالة الليبية ظهر ذلك بصورة واضحة في مؤتمر باليرمو في إيطاليا المنعقد في نوفمبر 2018، والذي تم استبعاد كلًا من تركيا وقطر من المشاركة فيه والذي حضره رئيس الوزراء الإيطالي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، ورئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف دريان، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك.

كما أن هذا حالة الرفض الإقليمي والدولي التي تتعرض لها تركيا،حاولت من قبل تجاوزه من خلال عقد مؤتمر مع حكومة الوفاق الليبية في 5 و 6 نوفمبر أي قبل انعقاد مؤتمر باليرمو، والتي ناقش فيها الطرفان مساهمة تركيا في  تشكيل الجيش الليبي، بما في ذلك تدريبها وتوحيد القوات العسكرية (الميليشيات) المتنافسة، كما تمّت مناقشة استثناءات التأشيرة.(3)

ولعل هذه التوترات أضافت بعدًا آخر حول مسارات حركة الجانب التركي فيما يتعلق بمسارات حركة دوافعه تجاه ليبيا داخليًا، والأمر الذي ظهر جليًا مع حالة التصعيد التي تتعرض لها تركيا ليس فقط من الجانب الليبي، وإنما من العديد من القوى الإقليمية والدولية التي تستهدف التحرك التركي على مستوى العلاقات الإقليمية.

من جانب آخر فإن هذا التصعيد المتبادل من جانب تركيا وليبيا سوف تمتد تداعياته على العديد من الدول في ظل حالة الانخراط الدولي والإقليمي داخل الأزمة الليبية الأمر الذي سيمتد انعكاساته على حالة الاستقرار الإقليمي، والذي قد يمتد من خلال المؤشرات السابقة إلى الانخراط بصورة أكبر في مسارات صراعية تزيد من حدوثها حالة الوضع الإقليمي المأزوم في الأساس.

المراجع

1)      مصطفى صلاح، الدور التركي في ليبيا .. الآليات وحدود التأثير، على الرابط:

 http://www.acrseg.org/41178

2) ورطة تركيا في ليبيا، على الرابط:

https://ahvalnews.com/ar/wrtt-trkya-fy-lybya/lybya

3) بعد كشف الأدلة والتهديدات العلنية..ماذا تريد تركيا في ليبيا؟، على الرابط:

https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1264144-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%9F