المركز العربي للبحوث والدراسات : سياسات ضاغطة .. انتخابات إسطنبول والتوتر التركي - الأوروبي (طباعة)
سياسات ضاغطة .. انتخابات إسطنبول والتوتر التركي - الأوروبي
آخر تحديث: الخميس 27/06/2019 01:21 ص
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
سياسات ضاغطة .. انتخابات

شهدت تركيا  في 31 مارس 2019، أول انتخابات بلدية بعد أن تم تنفيذ التغيرات الجديدة في النظام الرئاسي وفق التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في أبريل 2017، وتحظى الانتخابات البلدية بأهمية كبيرة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية لعدة أسباب سيتم التحدث عنها، إلا أن نتائج الانتخابات ومؤشراتها الأولية أفرزت فوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو بالانتخابات في بلدية إسطنبول، الأمر الذي لم يلقى قبول من جانب حزب العدالة والتنمية وبناءًا عليه، مارس الحزب العديد من الضغوط بالتلميح أو التصريح عن وجود اختراقات وتزوير في نتائج الانتخابات تجاه المجلس الأعلى للانتخابات، وتمكن الحزب في 7 مايو 2019، من إلغاء الانتخابات التركية في بلدية إسطنبول وإعادة إجراء الانتخابات في 23 يونيو 2019. (1)

وبالتزامن مع إجراء الانتخابات في إسطنبول أعلن الاتحاد الأوروبي خلال قمة بروكسل في 21 يونيو 2019، تهديد تركيا بالعقوبات إن لم توقف توقف عملياتها غير الشرعية للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، وذلك بعد ساعات على إرسال أنقرة سفينة تنقيب ثانية إلى هناك، وعملت دول الاتحاد على اتخاذ تدابير مناسبة في خياراتها تجاه التصعيد التركي في منطقة شرق المتوسط.

تحولات الداخل والخارج

جاءت الانتخابات البلدية في مدينة إسطنبول في ظل العديد من الظروف الداخلية والإقليمية والدولية التي أثرت بصورة كبيرة على سير العملية الانتخابية، خاصة في ظل احتدام المنافسة بين بن علي يلدريم مرشح حزب العدالة والتنمية، من خلال تحالف الشعب  وأكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري، من خلال تحالف الأمة، ويسعى مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض إلى تثبيت فوزه الملغي في الانتخابات السابقة في اقتراع 31 مارس  2019، الذي فاز بفارق بسيط في الاقتراع السابق، فيما يحاول حزب العدالة والتنمية استعادة الأصوات التي خسرها في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إلا أنه في المجمل ستشكل الانتخابات مهما كانت النتائج انعكاسات سلبية على النظام السياسي التركي وخاصة حزب العدالة والتنمية الحاكم؛ وفق أمرين هما: في حال  فوز مرشح المعارضة سيقوض صورة "الماكينة الانتخابية" التي لا تهزم لحزب أردوغان ويمكن أن يعزز ذلك نزعات الانشقاق داخله، والأمر الثاني يتعلق بفوز إمام أوغلو مما سيمنحه هالة وطنية من شأنها أن تهدد زعامة أردوغان على المدى البعيد.

وتكمن أهمية تلك الانتخابات كونها تعد بمثابة استفتاء شعبي مصيري على المشهد السياسي التركي، سواء فيما يتعلق بالحراك السياسي الذي تتبناه المعارضة منذ إقرار النظام السياسي وفوز حزب العدالة والتنمية، وتفرده بالسيطرة على السلطة السياسية والعسكرية، أو فيما يتعلق بقدرة حزب العدالة والتنمية على إعادة التموضع من جديد مع تلك التغيرات السياسية الداخلية والخارجية؛ حيث تمثلت التحالفات الانتخابية على غرار الانتخابات البرلمانية والرئاسية في  يونيو 2018، في نمط تحالفاتها؛ حيث خاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات بالتحالف مع حزب الحركة القومية، كما هو الحال في السابق، وتحالف الأمة بين حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الجيد (İP)، والحزب الديمقراطي الشعبي (HDP) وحزب السعادة (SP)، وبرغم فوز حزب العدالة والتنمية في الكثير من المناطق، إلا أنه فشل في السيطرة على العاصمة أنقرة للمرة الأولى منذ أن سيطر الحزب عليها عام 2001، ذات الرمزية السياسية وأزمير.(2)

بجانب الضغوط الداخلية، يضاف لذلك حجم الضغوط الخارجية التي تواجهها تركيا خاصة تلك التي تتعرض لها أنقرة من جانب الاتحاد الأوروبي والتي وصلت حد التهديد بفرض العقوبات الاقتصادية على أنقرة على خلفية سلوكها التصعيدي تجاه اليونان وقبرص على الغاز في منطقة شرق المتوسط، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية التي تمر بها تركيا، الأمر الذي دفعها إلى توسعة دوائر حلقاتها الصراعية، بعد رفض أنقرة لكافة الاتفاقيات الموقعة بين قبرص واليونان مع الدول المشاطئة للبحر المتوسط، مثل اتفاقية مصر وقبرص في عام 2013، واتفاقية ترسيم الحدود بين قبرص وإسرائيل عام 2010.

وتأسيسًا على هذا المشهد؛ يعتمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مقاربتين أساسيتين في هذه الانتخابات؛ أولاهما، أمنية وتتمثل في استثمار فزاعة الإرهاب والتهديدات الداخلية والخارجية كما المؤامرات التي تتربص بالبلاد وتهدد أمنها القومي. وفي هذا السياق، جاءت السياسات والمغامرات العسكرية الخارجية، كالإصرار على التدخل العسكري المكلف اقتصاديًا واستراتيجيًا في سوريا والعراق، والتصعيد العسكري التركي في منطقة شرق المتوسط، كبؤرة جديدة للصراع، وثانيهما، دينية تتجلى في توظيف الدين لخدمة السياسة عبر استخدام المساجد في الدعاية الانتخابية، كما قامت الاستراتيجية الانتخابية لأردوغان على الاعتقاد بأن أواصر العلاقة الأيديولوجية بين حزبه والقواعد الاجتماعية في تلك المنطقة تتجاوز أي ظرف اقتصادي حرج تمر به تركيا الأن.

لماذا إسطنبول؟

تمثل إسطنبول أحد أهم البلديات المهمة بالنسبة لتركيا خاصة فيما يتعلق بأهميتها الاقتصادية في الاقتصاد التركي، وما توفره من موارد مالية كبيرة يمكن أن تكون بمثابة الداعم الأكبر لها في مواجهة الضغوط الاقتصادية الأخيرة من جانب الولايات المتحدة أو من جانب الإجراءات الجديدة من الاتحاد الأوروبي.

بالإضافة لذلك تكتسب إسطنبول أهمية خاصة لدى الرئيس التركي أردوغان فيما يتعلق بكونها بداية مسيرته السياسية التي انطلق منها لرئاسة الجمهورية التركية عام 1994، كما أن إسطنبول تعد أكبر التجمعات الاقتصادية التركية التي يحاول حزب العدالة والتنمية السيطرة عليها في ظل تراجع قيمة الليرة التركية وحالة الكساد الاقتصادي التي تعاني منها تركيا في ظل ارتفاع معدلات التضخم والتي وصلت نسبة 20%، بجانب ارتفاع معدلات البطالة إلى 13.5%، في ظل اعتقاد بأن إسطنبول تمثل الوقود الذي يدير ماكينة حزب العدالة والتنمية.

وبالنسبة للبعد الأوروبي في التأثير على نتائج هذه الانتخابات؛ فإن الرئيس أردوغان يحاول توظيف العديد من الملفات الخارجية في توجيه الرأي العام الداخلي، والتأثير على توجهاته، وتجدر الإشارة إلى أن الخيارات الأوروبية في التعامل مع التصعيد التركي ستؤثر بصورة مباشرة على وضعية تركيا الحالية والمستقبلية، خاصة وأن مخرجات مؤتمر بروكسل المنعقد في 21 يونيو 2019، أفرزت موقف أوروبي موحد لم تقتصر تداعياته على مستقبل الانتخابات البلدية هناك، وإنما بلورت موقف حاسم لمواجهة تعاظم الدور التركي، وخاصة وأن هذا الملف يعد من أهم الملفات المحورية لدول الاتحاد؛ حيث تمثل الاكتشافات الضخمة للغاز في شرق المتوسط، ضمانة هامة لهم في تأمين احتياجاتهم من الغاز بعيدًا عن الجانب الروسي الذي تشهد فيه علاقات دول الاتحاد بموسكو توترات متزايدة على خلفية العديد من الملفات منها قضايا التجسس والاغتيالات داخل الأراضي الأوروبية، ومن ثم فإن مصلحة دول الاتحاد في أن تبقى هذه المنطقة بعيدًا عن بؤر الصراعات في المنطقة.

فوز المعارضة

لا يوجد أدنى شك في أن فوز المعارضة بالانتخابات التي جرت في 23 يونيو 2019، متمثلة في أكرم إمام أوغلو  لم يقتصر تبعاته على السياسة الداخلية فحسب، بل أنه سينعكس بالضرورة على العديد من الملفات الخارجية واستراتيجة تركيا وعلاقاتها مع الدول الأخرى، كما أن سيطرة المشروع السياسي الجديد لتركيا متمثلًا في أردوغان والذي أعلن عن ملامحه من قبل، سوف يشهد تراجعًا كبيرًا في حركته الداخلية والخارجية من ذي قبل، خاصة وأن الدعاية الانتخابية التي تم توظيفها باستخدام الملفات الخارجية والتهديدات التي تتعرض لها تركيا من دول الجوار الجغرافي خاصة سوريا والعراق لتحقيق كتلة تصويتية كبيرة. (3)

وتأسيسًا على ذلك يمكن أن تكون نتائج الانتخابات المحلية بمثابة نقطة الرجوع عن السياسات الأخيرة التي تبناها حزب العدالة والتنمية لتحقيق أجندته الخاصة دون الاعتيار لباقي التوجهات السياسية التركية، كما أنها على الجانب الآخر يمكن أن تكون نقطة تحول بالنسبة للقوى المعارضة التي حاولت البناء على ما تم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية، في مواجهة حزب العدالة والتنمية ومشروعه السياسي، بالإضافة لذلك فإن الأمر سينعكس على معايير المسألة الخاصة ببعض الأشخاص المنتمين إلى حزب أردوغان أو عائلته فيما يتعلق بقضايا الفساد التي طرحها أوغلو في برنامجه الانتخابي المتعلق بمواجهة مثل هذه التجاوزات، ويمكن القول في النهاية بأن خسارة بلدة إسطنبول قد تكون اللبنة الأولى لبداية تحول جذرية في المشهد السياسي الداخلي والخارجي برمته، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية من على تركيا في ظل حكومة أردوغان من جانب الاتحاد الأوروبي على خلفية أزمة الغاز الأخيرة في شرق المتوسط.

 المراجع

1) الاتحاد الأوروبي يهدد تركيا بالعقوبات إن لم توقف التنقيب عن الغاز قبالة قبرص، على الرابط:

http://cutt.us/rDxvO

2) مصطفى صلاح، الانتخابات البلدية التركية .. الدلالات الداخلية والانعكاسات الخارجية، على الرابط:

http://www.acrseg.org/41162

3) فوز مرشح المعارضة في تركيا أكرم إمام أوغلو في انتخابات بلدية إسطنبول، على الرابط:

http://www.bbc.com/arabic/middleeast-48739290