المركز العربي للبحوث والدراسات : زيارة وزير الخارجية الألماني لطهران ومستقبل الوساطة الأوروبية (طباعة)
زيارة وزير الخارجية الألماني لطهران ومستقبل الوساطة الأوروبية
آخر تحديث: الخميس 13/06/2019 10:16 ص مرﭬت زكريا
زيارة وزير الخارجية

قام وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" بزيارة طهران في  9 يونيو/حزيران لعام 2019 على خلفية رغبة دول الاتحاد الأوروبي في تكثيف الجهود بغرض الحفاظ على الاتفاق النووي و تهدئة حدة التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث حذر  "ماس" من مخاطر أي صراع مع طهران الذي سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأثرها.

من ناحية أخرى، طالب وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" الأوروبيين بالتطبيع الاقتصادي مع إيران، مؤكداً على أن الجمهورية الإسلامية باتت في وضع لا يمكن انتقادها عليه. وتتزامن هذه الزيارة مع أخرى قريبة لرئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" إلي طهران للسبب ذاته، ومن هنا تعول طهران على اتباع سياسة النفس الطويل و كسب تأييد المزيد من الحلفاء في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. 

أولاً- محددات أجندة الزيارة

               وصل وزير الخارجية الألماني يوم السبت الموافق 8/6/2019 إلي بغداد في زيارة غير معلنة لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء "عادل عبد المهدى" و الرئيس "برهم صالح" حول التوترات المتزايدة بين طهران وواشنطن باعتبار بغداد صديق لكلا الطرفين. كما قام "ماس" بزيارة كل من الأردن و الإمارات العربية المتحدة، على خلفية الرغبة الأوروبية في أن يكون أكبر عدد من دول المنطقة طرفاً في أي محادثات جديدة بين واشنطن وطهران.

 كما لفت "ماس" الانتباه إلي اهتمام دول الاتحاد الأوروبي  بضرورة الحديث مع طهران حول برنامج الصواريخ الباليستية، و الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، سيما بعد موجة التوتر الأخيرة بين الجمهورية الإسلامية و الإدارة الأمريكية على خلفية سحب الاعفاءات الممنوحة لثماني دول كان مسموح لها بتجارة النفط مع إيران، مما ادى لاقتراب صادرات النفط الإيراني من الصفر، و أخيراً فرض عقوبات جددة على قطاع البتروكيماويات، على خلفية رغبتها في سد الثغرات التي كانت تستطيع طهران من خلالها في السابق الالتفاف على العقوبات الاقتصادية(1).     

ثانياً- الوساطة الأوروبية بين طهران و الولايات المتحدة الأمريكية

حذر وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" من نفاذ مدة إلـ 60 يوماً  التي حددتها طهران أمام الدول الأوروبية للبت في شأن الاتفاق النووي الذي عقدته الجمهورية الإسلامية مع دول (4+1) بعد سحب الولايات المتحدة الأمريكية لإعفاءات النفط الإيراني من تنفيذ إيران لما وعدت به من العودة إلي تخصيب اليورانيوم إلي مستوى صنع القنبلة النووية  و الاحتفاظ بالماء الثقيل ورفض فكرة بيعه في الأسواق الدولية.

وعليه، بدء وزير الخارجية الألماني في اجراء مشاورات مع كل فرنسا و بريطانيا قبل زيارته إلي الشرق الأوسط بغرض الاتفاق حول معايير محددة لإيجاد أفضل السبل الممكنة التي يمكن من خلالها التباحث مع طهران، فتريد الجمهورية الإسلامية من الدول الأوروبية الالتزام بتعهداتها حيال الاتفاق النووي، فضلاً عن إيجاد حل لمستقبل الاتفاق في ظل حالة التصعيد الحالية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

من ناحية أخرى، اعلنت طهران رفضها للتباحث حول أي قضايا أخرى غير البنود الخاصة بالاتفاق النووي، ولكنه يؤمن في الوقت ذاته بأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المانيا و دول الاتحاد الأوروبي في البقاء على الصفقة النووية. وعليه، حذر "ظريف" الولايات المتحدة الأمريكية من بقاء مصالحها أمنة في ظل حالة فرض العقوبات الأمريكية(2).   

ثالثاً- التوقعات الإيرانية الاقتصادية من أوروبا

تعول طهران كثيراً على المنافع الاقتصادية التي يمكن أن تحصل عليها عن طريق التطبيع مع دول الاتحاد الأوروبي؛ على خلفية الضغوط الاقتصادية التي تعانى منها الجمهورية الإسلامية بعد فرض العقوبات الأمريكية على قطاع النفط مما أدى إلي تصفير صادرات النفط الإيراني، بسبب الاعفاءات التي سحبتها الولايات المتحدة الأمريكية من ثماني دول تمثلت في (الصين، الهند، اليابان، تركيا، إيطاليا، اليونان، كوريا الجنوبية وتايوان) الدول التي كان مسموح لها بتجارة النفط مع طهران. ومن هنا، تعول طهران على عودة الأداة المالية الأوروبية مرة أخرى للالتفاف على العقوبات الأمريكية، و إعادة دخول الشركات الأجنبية إلي السوق الإيراني مرة أخرى.

في الوقت الذي حذرت فيه طهران من تداعيات الحرب الاقتصادية على الشعب الإيراني و أقرت أنه من غير المعقول أن يكون ان تعانى الجمهورية الإسلامية جراء الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها و يبقي المهدد لاستقرارها في أمان، على خلفية العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية الحالية على قطاع البتروكيماويات الذي يعد ثاني أهم مصدر من مصادر الدخل القومي بعد النفط، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في ردء الثغرات التي كان يمكن للجمهورية الإسلامية أن تستغلها في السابق للالتفاف حول العقوبات الأمريكية(3).

في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية الألماني على سعى ألمانيا إلي جانب فرنسا، المملكة المتحدة، الصين إلي جانب روسيا في الحرص على البقاء داخل الاتفاق النووي، سيما بعد رغبة الجمهورية الإسلامية في الانسحاب من الاتفاق النووي ومنح الدول الأوروبية مهلة 60 يوماً لإيجاد حلول تسمح لها بتخفيف   الضغوط الاقتصادية المفروضة من قبل الإدارة الأمريكية الحالية.

وتسعى طهران لإزالة و لو جزء صغير من العقوبات الأمريكية، على خلفية اتجاه الإدارة الأمريكية الحالية إلي اتخاذ مجموعة من التدابير بما يتضمن تجفيف منابع تمويل الحرس الثوري، فضلاً عن تفكيك الشبكات المالية الخارجية التي تمده بالعملات الأجنبية، وهو ما يمكن أن يحرمه من عوائد مالية كبيرة كان يتم الحصول عليها سنوياً(4).

في النهاية، أكد وزير الخارجية الألماني أن دول الاتحاد الأوروبي لا يمكنها القيام بمعجزات حيال وضع الاتفاق النووي، وان الجمهورية الإسلامية عليها الالتزام ببنود الاتفاق حتى التوصل إلي حلول نهائية بشأن خطة العمل المشتركة الشاملة، وخلال هذه الفترة على يجب على طهران التهدئة من حدة تدخلاتها في الشرق الأوسط.

الهوامش

1.             German foreign minister visits Iran in efforts to save nuclear deal, 10/6/2019, Tehran Times, available at:

 https://www.tehrantimes.com/news/436776/German-foreign-minister-visits-Iran-in-efforts-to-save-nuclear .

2.       Sabine siebold, German minister lands in Iran in bid to save nuclear pact, 9/6/2019,  reuters, available at:

 https://www.reuters.com/article/us-usa-iran-germany/german-minister-to-meet-irans-rouhani-in-bid-to-save-nuclear-pact-idUSKCN1TA0JW.

3.             German Foreign Minister Heiko Maas in Middle East bid to ease US-Iran tensions, deutsche welle news, available at:

 http://cutt.us/c0SrL  

4.       ضغوط قوية: هل تساهم الإجراءات الأمريكية في وقف تمويل الحرس الثوري؟ 10/6/2019، مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات و المتقدمة، متاح على الرابط التالي:

 https://mail.google.com/mail/u/0/#inbox/FMfcgxwCgzLHCPxTQmwNjkgLVDVsdgKg.