المركز العربي للبحوث والدراسات : الأصدقاء الأعداء .. هل على الولايات المتحدة أن تخشى من العلاقات الروسية التركية؟ (طباعة)
الأصدقاء الأعداء .. هل على الولايات المتحدة أن تخشى من العلاقات الروسية التركية؟
آخر تحديث: الخميس 06/06/2019 01:33 م غالب دالي، عرض وترجمة: مصطفى صلاح
الأصدقاء الأعداء

هنالك العديد من الملفات التي تستحوذ على نمط العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، والتي أضحت السمة الأساسية الحاكمة لنمط هذه العلاقات، ولعل أبرز هذه الملفات الخلافية اعتزام تركيا شراء منظومة دفاع جوي من طراز S-400 من روسيا وتعاونها مع موسكو في سوريا، ومن ثم برزت العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت تركيا والقوى الغربية خاصة الولايات المتحدة تتجهان إلى حالة من الانفصال الفعلي، خاصة في ظل العديد من المؤشرات التي تؤكد ابتعاد تركيا تدريجيًا عن المعسكر الغربي، ولكن على الرغم من ذلك ما زال من السابق لأوانه القول بأنها على استعداد لتوحيد قواها مع روسيا، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

تغير البوصلة

تهدف تركيا إلى تعديل مسارات سياساتها الخارجية والإقليمية منها في الوقت الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط بتحولات أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة، على الجانب الآخر يبدو أن روسيا تفعل الشيء نفسه. نظرًا لأن كلاهما يبحث عن مزيد من النفوذ في المنطقة، فإن علاقتهما ستكون في بعض الأحيان متعاونة وفي بعض الأحيان تنافسية.

على سبيل المثال، كانت موسكو وأنقرة على وشك المواجهة العسكرية في أواخر عام 2015، بعد أن أسقطت تركيا طائرة روسية. وبعد أقل من عام، قام الطرفان بإعادة هيكلة  العلاقات ومن ثم تم التعاون في سوريا ومجموعة من القضايا الأخرى، بما في ذلك الدفاع والطاقة النووية، ومع تحول العلاقة بين تركيا وروسيا، يجب على المعسكر الغربي أن يضع في اعتباره أن تطلعات البلدين الجيوسياسية غير متوافقة إلى حد كبير، وأن التعاون اليوم لا يعني التعاون غدًا.

أكثر من أي قناعات أيديولوجية مشتركة

إن الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، والعلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، وطبيعة القيادة في أنقرة وموسكو هي التي لعبت دورًا رئيسيًا في تشكيل العلاقات التركية – الروسية، وفيما يلي أبرز المحددات لهذه العلاقة:

أولاً: بالنظر إلى الانخراط الروسي العسكري في الحرب الأهلية السورية منذ عام 2015، في ضوء سياساتها الهادفة إلى إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، كان ذلك شكل من أشكال الاشتباك والتقاطع بين روسيا وتركيا الجار الاستراتيجي لسوريا، ومن ثم فإن التعامل المباشر بينهما أمرًا لا مفر منه تقريبًا. وتداخل هذا التوتر بين التعاون والصراع مع مرور الوقت، ولكن يبدو أن الجانبين قد استقروا على التعاون في النصف الثاني من عام 2016. وبحلول ذلك الوقت، كانت روسيا تسيطر فعليًا على شمال سوريا غرب الفرات. لذلك كان على تركيا الاعتماد على موافقة روسيا للقيام بعمليات عسكرية على طول حدودها، أولًا ضد الدولة الإسلامية، وثانيًا ضد القوات الكردية السورية.

ثانيًا:  إن نمط العلاقات التركية – الأمريكية، لها تأثير مباشر على علاقات تركيا الودية مع روسيا؛ فعندما تكون أنقرة وواشنطن متقاربين؛ لا تسعى تركيا إلى الوصول إلى تطوير لعلاقاتها الثنائية مع موسكو؛ ويمكن الإشارة إلى أن تركيا تعتمد على مقاربتين بفعل تأثير تقاربها وتباعدها مع الولايات المتحدة، وعلى العكس من الجانب الأول فعندما تشعر تركيا بالإحباط من الغرب - كما هو الحال الآن بسبب الدعم الأمريكي للقوات الكردية السورية - فإنها تجد في روسيا حليف أقرب من الغرب.

ثالثًا: إن العلاقات التركية الروسية لها بعد شخصي. وهذا العامل يلعب دورًا رئيسًا وحاسمًا لكلا البلدين في السياسة الخارجية، وقد أقاما الرئيسان علاقة شخصية مع بعضهما البعض على الرغم من توترات علاقات البلدين مع الغرب منذ أمد طويل، بفعل تحقيق مصلحة من وراء هذا التقارب الشخصي، وعلى الرغم من ذلك تبقى العلاقات الشخصية ليست كافية لتؤطر لمثل هذه العلاقات حيث لا تزال هناك روابط مؤسسية قليلة بين الدول لدعم الشراكة الناشئة، ومع ذلك، يبدو من المرجح أن يظل الزعيمان في السلطة في الوقت الحالي، ويبدو أن كلاهما سيبقى متشككين في الغرب.

سياسات ارتدادية

عند النظر إلى العوامل الهيكلية في روسيا وتدهور علاقات تركيا مع الغرب، من الصعب أن نتخيل أن أي من الدولتين  يمكن أن يستمرا في هذا النمط من العلاقات حتى بعد رحيل بوتين وأردوغان، بالإضافة إلى أن  الأضرار التي لحقت بعلاقات تركيا مع الغرب، بعد كل شيء  ستكون قد حدثت بالفعل، وإذا نفذت تركيا نظام S-400 ، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات شديدة على تركيا في المقابل، فقد تعتمد تركيا على روسيا بدرجة أكبر للدفاع، ولا تزال هناك فجوات بين روسيا وتركيا يصعب ملئ فراغها، وسيضع ذلك قيودًا على تعاون البلدين خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، وفيما يلي أبرز عوامل التباعد في العلاقات بينهما:

أولًا: منذ أيام الإمبراطورية العثمانية، سعت تركيا دائمًا إلى حرمان روسيا من وجود كبير في الجنوب أو في شرق البحر المتوسط. لكن هذا هو المكان الذي تنشط فيه روسيا بشكل متزايد - من سوريا إلى ليبيا ومصر والجزائر. ومع تنامي النفوذ الروسي، سوف تتقلص مساحة تركيا للمناورة في المنطقة. إن التوفيق بين تركيا وروسيا في الآونة الأخيرة غير معتاد تاريخيًا وجيوسياسيًا، ولن يستمر على الأرجح إلى الأبد.

ثانيًا: هناك اختلافات جذرية في أهداف السياسة الخارجية لكلا الدولتين خاصة تجاه مصر وسوريا وليبيا وفلسطين، فروسيا تدعم النظام السوري وقوات المشير خليفة حفتر، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية؛  حيث أظهرت روسيا باستمرار تفضيلها للقوى العلمانية.على النقيض من ذلك، فإن تركيا تعارضالنظام السوري ورئيسه الأسد، وتدعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ودعمت حركة حماس، ومناصرة القوى الإسلامية. وابتداءً من الخلاف حول مستقبل محافظة إدلب في سوريا، فإن العديد من القضايا الجيوسياسية الشائكة ستقود البلدان إلى توترات في علاقاتهما ببعضها البعض.

ثالثًا: المصالح الاقتصادية لتركيا وروسيا غير متوازنة، والمصالح الاقتصادية لتركيا وروسيا منحازة، فروسيا كدولة مصدرة للطاقة ، تريد الإبقاء على أسعار الطاقة مرتفعة. لهذا السبب تطور البلاد بسرعة علاقات أوثق مع الدول العربية الأعضاء في أوبك، وخاصة المملكة العربية السعودية التي أصبح ملكها سلمان أول ملك سعودي حاكم يزور روسيا في أواخر عام 2017. من خلال التنسيق الوثيق على مستويات أسعار وإنتاج النفط، وتهدف روسيا والمملكة العربية السعودية إلى الحفاظ على ارتفاع أسعار الطاقة، على الجانب الآخر وفي الوقت ذاته، فإن تركيا بلد رئيسي مستورد للطاقة تفضل انخفاض أسعار الطاقة، خاصة بالنظر إلى العجز الهائل في الميزان التجاري، والذي يرجع جزئيًا إلى زيادة احتياجاتها من الطاقة.

ختامًا: نظرًا لمصالحهم المتضاربة إلى حد كبير في منطقة الشرق الأوسط، يواجه التعاون الروسي والتركي حدودًا حقيقية. على الرغم من أن الدولتين ستستمران على الأرجح كشريكين - وربما تقرب أكثر كلما دفعت الولايات المتحدة تركيا بعيدًا- وستكون هناك الكثير من الفرص للغرب لاستغلال خلافاتهم. قد يكون من بين أسهل الخلافات تركيا وروسيا بشأن مستقبل محافظة إدلب السورية. لكل من تركيا والغرب مصلحة في منع أي هجوم عسكري روسي واسع النطاق في هذه المقاطعة. يمكن أن تؤدي مثل هذه العملية إلى كارثة إنسانية وتدفع أعدادًا كبيرة من اللاجئين نحو حدود تركيا.

 

GALIP DALAY, Turkey and Russia are Bitter Frenemies  .. The United States doesn’t need to fear their partnership. It will crumble soon enough, MAY 28, 2019, at:

https://foreignpolicy.com/2019/05/28/turkey-and-russia-are-bitter-frenemies/?fbclid=IwAR0I_sactwIZ-Mffoy3LQKUA4O9a0UPv5QcT_PTz0SC911j1hrvZDpWDpAE