المركز العربي للبحوث والدراسات : صراعات خفية...موقف التيارات السياسية الإيرانية من إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي (طباعة)
صراعات خفية...موقف التيارات السياسية الإيرانية من إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي
آخر تحديث: الأحد 26/05/2019 06:15 م مرﭬت زكريا
صراعات خفية...موقف

تشهد طهران حالة من المواجهة المحتدمة بين الفصائل السياسية المختلفة حول قرار الحرب أو التفاوض، سيما بعد التصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية فرض مجموعة كبيرة من العقوبات الاقتصادية، وكان أخرها تلك التي فرضت على قطاع التعدين الإيراني (منتجات الصلب والنحاس والألومنيوم)، كما قامت واشنطن بإرسال حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" وبعض القاذفات من طراز "بي 52" إلى المنطقة.

في السياق ذاته، أثار عدد من التغريدات لبعض نواب البرلمان الإيراني الجدل حول حالة الانقسام الموجودة بين التيارين الأساسيين داخل الجمهورية الإسلامية (المحافظين والاصلاحين)، بين من يطالبون بالتفاوض مع الإدارة الأمريكية للخروج من حالة التصعيد الحالي، أو إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، مما يؤدى لرفع العقوبات ودخول الاستثمارات الأجنبية  إلي طهران مرة أخرى.

أولاً- خريطة التيارات السياسية داخل إيران

مع بداية تأسيس نظام إيراني جديد ذات طبيعة ثورية، اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وتدهور الاقتصاد، أدى ذلك إلى ظهور أول معركة فئوية بين مجموعتين سياسيتين رئيسيتين (الإصلاحيين والمحافظين) لهما آراء متباينة حول كيفية إدارة الاقتصاد والسيطرة عليه.

لكن بعد تحول الجمهورية الإسلامية على خلفية وفاة " آية الله الخميني" ونهاية الحرب بين طهران وبغداد تحولت إلى ثلاث مجموعات سياسية رئيسية؛ حيث تحول إسلاميو اليسار المتطرف إلى إصلاحيين، بينما انقسم الإسلاميون اليمينيون إلى قسمين رئيسيين " التكنوقراط المعتدلين والمحافظين".  

وأدى فوز الرئيس الإيراني السابق "أحمدي نجاد" في الانتخابات الرئاسية لعام 2005 إلى إثارة انتباه الكثير من الباحثين حول طبيعة الفصائل السياسية الموجودة داخل الجمهورية الإسلامية، تكتلاتهم والتغيرات التي طرأت على طبيعة تصنيفهم.

                وعليه، لجأ بعض المحللين إلى تغيير الثنائية المعروفة بالمحافظين/ الإصلاحيين ووضع "أحمدي نجاد" والجماعة التابعة له في فئة المحافظون الجدد، بينما أطلق على المحافظون التقليديون اسم المتشددون أو المتشددون المحافظون(1).

و فسر البعض الأخر فكرة تغير طبيعة الفصائل السياسية الموجودة داخل إيران، أو الحاجة إلى إعادة تصنيفها من خلال الخلفية الثورية للنظام الإيراني نفسه، التي تتيح وجود عدد كبير من التيارات السياسية والتنافس مع بعضها البعض، بناءاً على التفسيرات المختلفة للأيديولوجية الثورية المتبعة.

ويجادل البعض الأخر ، بأن الدستور الإيراني نص على وجود نظام قائم على عدد لا بأس به من المؤسسات السياسية، إلى الحد الذي توجد من خلاله المؤسسة وظلها في آن وأحد لتجنب تركز السلطة في يد شخص بعينه، مع وجود عنصر أخر مميز للنظام الإيراني يتمثل في التمييز بين أتباع النظام الإيراني والثورة الإسلامية (المؤيدين للمرشد الأعلى)، وأي شخص أخر لا يؤمن بذلك، مما خلق عدد من الانقسامات التنافسية بين التيارات السياسية(2).

ثانياً- موقف الإصلاحيين... بين الحاجة إلي جمع عوائد الاتفاق النووي و الانفتاح على العالم   

لطالما كانت الحركة الإصلاحية لاعباً رئيسياً في السياسة الإيرانية، فقد لعب الإصلاحيون أدواراً عديدة داخل وخارج السياسة الرسمية، بما يتضمن وضعهم كأعضاء في البرلمان الإيراني، وكقادة سياسيين خلال رئاسة خاتمي (1997-2005) وكطليعة لاحتجاجات الحركة الخضراء لعام 2009. لكن، انتفاضة الحركة الخضراء تسببت في تكلفة باهظة على حركة الإصلاح، حيث سجن أو نفي العديد من أعضائها.

وتتمتع الحركة الإصلاحية داخل إيران بقدرة كبيرة على التكييف مع الأوضاع وموازين القوى المتغيرة من وقت لأخر داخل الجمهورية الإسلامية. لذا، صعدت مرة أخرى بعد فوز الرئيس "حسن روحاني" بالانتخابات الرئاسية في عام 2013، والسعي لعقد الاتفاق النووي مع القوى العالمية في أبريل/نيسان لعام 2015، وعليه بدأت طهران في تلقي عوائد هذا الاتفاق التي تمثلت في هرولة الشركات الأجنبية إلى السوق الإيراني الغنى بالمشروعات الاستثمارية والمجالات الجديرة بالمنافسة، سيما قطاع الطاقة الإيراني لعدد كبير من الشركات الأمريكية والأوروبية.

نتيجة لما سبق، استقطبت طهران بعد تنفيذ الاتفاق النووي نحو 12 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية؛ حيث صعدت ألمانيا باستثمارها إلى نحو 3.962 مليارات دولار في المرتبة الأولى بين الدول المستثمرة في ذلك الوقت. فبحسب احصائيات وزارة الاقتصاد والمالية الإيرانية ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي في مطلع عام 2016. كما شهد الاقتصاد الايراني انفتاحاً كبيراً على العالم مع بداية دخول خطة العمل المشتركة الشاملة حيز التنفيذ؛ حيث سجلت لجنة الاستثمارات الأجنبية في الأشهر الأولى منه استقطاب نحو 9.176 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية إلى داخل البلاد، أما في نهاية العام الإيراني الماضي بلغت الاستثمارات الاجنبية زهاء 12.49 مليار دولار(3).

وعليه، تعول الحركة الإصلاحية في طهران على عودة الاستثمارات الأجنبية مرة أخرى وخروج قطاعات الاقتصاد الإيراني من حالة التدهور الموجود عليها، فضلاً عن أنهم يعرفوا جيداً أنه لا فائدة من تحدى القوى الدولية والدخول في مرحلة التهديدات المتصاعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. من ناحية أخرى، يحاول الإصلاحيون الاندماج بكل الطرق الممكنة في النظام العالمي، بما يحسن وضع مواطني الجمهورية الإسلامية في كثير من الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الشخصية، ومن ثم الانفتاح على العالم سياسياً واقتصادياً.

ثالثاً- موقف المحافظين... بين الرغبة في استعادة النفوذ والحفاظ على التمدد الخارجي 

يتربع الحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى "أية الله على خامنئي" وبعض الشخصيات المقربة منه على عرش الحركة المحافظة داخل الجمهورية الإسلامية؛ حيث يعد التواصل بين الحاضر والماضي أبرز سمات التيار المحافظ داخل إيران، الذي تنطلق أبرز معتقداته من أن الدين هو المحور الأساسي الذي يجب أن تقام عليه الحياة الإنسانية، وتطبيق تعاليم الدين في حدها الأعلى مع ضرورة رعايتها من قبل الحكومة، كما يتم توليد الشرعية السياسية من رئاسة الولي الفقيه، باعتبارها أداة الوصل مع الإمامة(4).

يعول المحافظون على حكومة روحاني كثيراً في فشل الاتفاق النووي وسياستها المتساهلة مع الدول الأوروبية، وتنازلها عن كثير من حقوق الجمهورية الإسلامية؛ حيث يحاول المحافظون امتلاك أكبر قدر من القوة والنفوذ داخل طهران، بغرض سحب الثقة من حكومة "روحاني" والفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

                 من ناحية أخرى، استطاع الحرس الثوري التكيف مع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة في عهد الرئيس الإيراني السابق "أحمدي نجاد " بل وتطوير الأنشطة التي يقوم بها في ظل السوق السودة والتعامل مع النظام المصرفي العالمي غير الرسمي القائم على التهريب وغسيل الأموال(5).  

كما توجد نقطة أخرى غاية في الأهمية تتمثل في رغبة المتشددين داخل إيران، سيما الحرس الثوري في الحفاظ على دور طهران الإقليمي، المتمثل في النفوذ الكبير داخل عدد لا بأس به من الدول العربية (سوريا، العراق، لبنان، اليمن)، وهو الأمر الذي تحاول الإدارة الأمريكية الحالية المتمثلة في الرئيس "دونالد ترامب" القضاء عليه، على خلفية رغبتها في حماية مصالحها ومصالح حلفاءها في الشرق الأوسط (إسرائيل، دول الخليج).

على أن يتعلق الأمر الأخير برغبة خامنئي وحلفاءه في الحفاظ على شرعية نظام ولاية الفقيه، وطبيعة النظام الثوري القائم داخل الجمهورية الإسلامية؛ حيث يجادل الكثير من المحللين بأن النظام الإيراني استمد شرعيته ومازال من خلال الشعارات الثورية التي تتمثل في " الموت للشيطان الأكبر " وتصدير الثورة الإسلامية النابع من أحد المبادئ الرئيسية للثورة الإسلامية في عام 1979 المتمثل في  ضرورة حماية المستضعفين ونصرتهم.

الهوامش

1)           Sanam Vakil, Iran on the Brink, Challenges & Opportunities for Washington, Hoover Institution Essay on strategic vision in a changing world, Stanford University, available at:

 https://www.hoover.org/sites/default/files/research/docs/vakil_webreadypdf.pdf.

2)           Saeid Golkar, The Eternal Revolution: Hardliners and Conservatives in Iran, Review of Middle East Studies, vol. 9, no. 1, 2018, pp. 66–69.

3)      إيران تكشف حجم الاستثمارات الأجنبية بعد الاتفاق النووي، 2/4/2017، روسيا اليوم، متاح على الرابط التالي:

 http://cu5.io/bbwK0j 

4)      إيران. ما بين المحافظين والإصلاحيين، 13/11/2017، ميدل آيست أونلاين، متاح على الرابط التالي:

 http://cu5.io/NYcr .

5)           Pupak Mohebali, Iranian Hardliners vs. Reformists: The Future of the JCPOA, 28/4/2016, LobeLog.com, available at:

file:///C:/Users/mervat.zakaria/Downloads/Iranian_Hardliners_vs._Reformists_The_Fu.pdf