المركز العربي للبحوث والدراسات : حتمية الصدام...معضلة الانفاق العسكري بين الناتو و ألمانيا (طباعة)
حتمية الصدام...معضلة الانفاق العسكري بين الناتو و ألمانيا
آخر تحديث: الأربعاء 17/04/2019 06:45 م دوغ باندو- عرض: مرﭬت زكريا
حتمية الصدام...معضلة

زار وزراء الخارجية الأوروبيين واشنطن للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، و اتضح أثناء الزيارة أن هذا التحالف لا يزال يُطلق عليه "أمريكا الشمالية وأخرون"، كما تمحورت أبرز الموضوعات التي أثيرت حول النفقات العسكرية الألمانية؛ حيث وعدت برلين برفع النفقات إلى 2 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024 – ثم تم تخفيضها بعد ذلك إلى 1.5 % - لكن أشارت أرقام الميزانية الجديدة إلى أن المبلغ الحقيقي سيكون أقل بكثير، ومن هنا، اتضح أن الحكومة الألمانية تفتقر إلى الإرادة السياسية لوضع قضية دفاع أوروبا في المرتبة الأولى.

وفي هذا السياق، أشار "دوغ باندو" الباحث المتخصص في شئون السياسة الخارجية و الحريات المدنية بمعهد كاتو، و الذي عمل كمساعد خاص للرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، إلي أنه عانت المانيا منذ قرن ونصف من الافراط في النفقات العسكرية و العتاد؛ حيث ظهر ذلك أبان الحرب العالمية الثانية، ولذلك سمح الجنرال "هاستينغز إيسماي" الذي تم تعينه من قبل الرئيس "تشرشل" ليكون السكرتير العام الأول لحلف الناتو بضرورة التقليل من نفوذ القوة العسكرية الألمانية من خلال اضعافها.

فبعيداً عن الدعوة لإنشاء جيش قادر على تحويل البلاد إلى قوة عالمية، بدا أن الشعب الألماني ينسى سبب إنشاء قواته المسلحة؛ فوفقًا لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، لا يريد أربعة من كل عشرة ألمان الدفاع عن حلفاء الناتو من الهجوم. لسنوات طويلة استفادت منظمات الخدمات الاجتماعية من متقاعدي الجيش الألماني من خلال المشاركة في بعض الأنشطة الخدمية مثل تجريف الثلج من أسطح المنازل بعد العواصف الشتوية الكبيرة.

لن تولى برلين اهتمام كبير بكل ما هو عسكري لأنها تتوقع أن تتحمل الولايات المتحدة العبء عنها؛ حيث يعتمد الأوروبيين على الإدارة الأمريكية للمساهمة بالدولار.  ومن هنا تعتبر ألمانيا ليست هي المتسابق الوحيد الذي يعول على ذلك، فالمملكة المتحدة تساهم بحوالي 2% فقط في ميزانية حلف الناتو من أجمالي ناتجها المحلى، كما تقترب فرنسا من ذلك، حتى أن الدول الأخرى ذات الاقتصادات الكبيرة مثل إيطاليا التي تدفع 1% بالكاد، فضلاً عن اسبانيا  التي لا تفي حتى  بالمستوى الأدنى للمشاركة.  

لكن يبدو حالياً أن برلين تحاول التراجع عن التزاماتها العسكرية المتواضعة بلا مبرر. أكدت حكومة ميركل هدفها فيما يتعلق بحلف الناتو في إنفاق 2 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024، لكنها أكدت في سياق أخر  إن ذلك لن يحدث حتى عام 2030. ومع ذلك ، تصر برلين على أنها لا تزال تفي بتعهدها تجاه قوات حلف شمال الأطلسي.

في السياق ذاته، أشار بعض المحللين الألمان إلى الزيادة المطردة، وإن كانت ضئيلة في النفقات العسكرية منذ عام 2014، فخلال عام 2018، زاد الإنفاق الحقيقي بنسبة 12 %، بما يعكس نمو الاقتصاد الألماني، في حين انفقت واشنطن لعام 1898 دولاراً للشخص الواحد على الجيش، ساهمت ألمانيا بمبلغ 589 دولار، مما يدل على المستوى المنخفض لاستعداد الجيش الألماني عسكريا.

 وعليه، أصدر المفوض العسكري في البرلمان الألماني (البوندستاج) "هانز بيتر بارتلز" في يناير لعام 2019، تقريراً جديداً يؤكد أنه على الرغم من زيادة النفقات لكن تم القضاء على عدد قليل من الثغرات التي تخص الجيش، وقال في ذلك "لا يوجد عدد كافٍ من الموظفين أو العتاد" وحث الحكومة على تسريع عمليات الشراء ، مصراً على أن الجنود بحاجة إلى بعض المعدات الهامة للقيام بوظائفهم.

حيث أشار مراقب الدفاع والأمن إلى نقص الطائرات القتالية، الطائرات العمودية، الغواصات العاملة والفرقاطات البحرية. فأقل من 30% من طائرات "Eurofighters" الألمانية كانوا على استعداد للعمل، و أقل من 20 % من طائرات الهليكوبتر القتالية صالحة للطيران، فضلاً عن أن دبابة القتال الرئيسية Leopard 2 ، تعاني أيضًا من نقص قطع الغيار والجهد الكافي لجلب الأسطول إلى الاستعداد التشغيلي.

               ومن هنا تعد المساهمات الألمانية في المهمات الأمنية بموجب تفويض بقيادة الاتحاد الأوروبي أو "الناتو" أقل من المستوى الأمثل؛ حيث أن نشر قواتها يفتقر إلى الدعم اللوجستي المناسب والقدرة الفعالة. ويوجد لديهم نقص في كل شيء من الدروع الواقية للبدن إلى ملابس الشتاء، تأخر التوظيف كما أن العديد من الوظائف ما تزال شاغرة، و اكتشف مسؤولو الناتو مؤخرًا أن الجنود الألمان المتمركزين في ليتوانيا يستخدمون الهواتف المحمولة للاتصال لأن أجهزة الراديو الآمنة غير متوفرة.

ففي أفغانستان، اضطرت القوات الألمانية إلى الاعتماد على طائرات النقل الأمريكية وطائرات الشحن الأوكرانية.  ومن هنا، خلصت التقييمات الداخلية في أفغانستان إلى أن الجنود الألمان لا يعرفون في الغالب كيفية استخدام أسلحتهم، فضلا عن عدم توافر الخبرة في  قيادة المركبات المدرعة و كيفية تجنب القنابل التي توضع على جانب الطريق.

ويشير "دوغ باندو" إلي أنه حتى لو استمر حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي التابع لميركل في السيطرة على الائتلاف الحاكم في ألمانيا، فمن غير المرجح أن يجد دعمًا شعبيًا لمضاعفة النفقات العسكرية. ولكن إذا فشلت برلين في الوفاء بالتزامها، فان العلاقات عبر الأطلسي ستصبح أكثر حدة. وظهرت مؤشرات ذلك في كلمات نائب الرئيس الأمريكي "مايك بينس" خلال الاحتفالات بالذكرى السنوية السبعين لتأسيس حلف الناتو حينما قال "يجب على ألمانيا أن تفعل المزيد، فمن غير المقبول أن يستمر أكبر اقتصادات أوروبا في تجاهل تهديد العدوان الروسي وإهمال دفاعه عن نفسه وعن دفاعنا المشترك.

ومن هنا يتضح أن المشكلة باتت ذات شقين؛

 أولاً، يَعتبر قلة من الأوروبيين أن التهديد الوحيد المتوقع هو روسيا، التي سيكون الهجوم ضدها من قبل القوى المسلحة نووياً (بريطانيا وفرنسا إلى جانب أمريكا) أبعد من الخيال في ظل الحرب النووية.  

ثانياً، يعتمد معظم الأوروبيون، بما فيهم سكان ألمانيا، على الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عنهم؛ حيث  تفعل واشنطن دائماً ما هو متوقع، وتنفق أكثر ، تزيد من  التزامات القوى العاملة والعتاد، ليطمئن الحلفاء. بغض النظر عن الخطاب الذي ألقاه الرئيس ترامب حول ضرورة دفاع أروبا عن نفسها، فإن مساعديه استمروا في السياسة كالمعتاد. ومن هنا نجد انفسنا أمام سؤال هام  لماذا يقترح أي سياسي أوروبي عاقل زيادة النفقات العسكرية؟

لم يكن لتفضيلات واشنطن تأثير يذكر على سلوك أوروبا، وطوال سنوات الماضية، ظل الرؤساء، وزراء الدفاع ووزراء الخارجية وغيرهم من المسؤولين يطالبون الولايات المتحدة الأمريكية بالمزيد، على الرغم من أنه ما تزال النفقات العسكرية كجزء من الناتج المحلى الإجمالي للقارة بأكملها أقل من نفقات واشنطن منذ سبع سنوات. لكن تُعزى هذه الزيادة المطردة التي تقوم بها الدول الأوروبية إلي  سلوك روسيا العدواني تجاه أوكرانيا، الأمر الذي أثار حفيظة الدول الأوروبية. ومن الجدير بالذكر أن هذه الزيادة بدأت قبل تولي الرئيس ترامب مهام منصبه، و لكن، كما هو الحال في ألمانيا، من غير المرجح أن ترتفع أكثر من ذلك بكثير.   

في النهاية: يشير الكاتب إلي أن التغيير الوحيد في السياسة الذي من شأنه أن يُحدث فرقاً هو أن تنهي الولايات المتحدة تبعية أوروبا العسكرية وتُحول مسؤولية الدفاع عن أوروبا إلى أوروبا، التي تمتلك عشرة أضعاف القوة الاقتصادية وأربعة أضعاف عدد سكان روسيا، وبالتالي، فإن القارة قادرة على الدفاع عن نفسها، وفي ذلك الوقت يُمكن للحكومات الأوروبية أن تنفق الكثير أو القليل كما هو مطلوب على الجيش الخاص بها.

في السياق ذاته، فلا يزال بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التعاون عسكرياً على المصالح المشتركة، و في حالة نشوء تهديد غير متوقع؛ يمكن للإدارة الأمريكية أن تنشط مرة أخرى. لكن بعد سبعين عاماً من تأسيس حلف الناتو، يجب على الأوروبيين تولي مسؤولية أمنهم.

Doug Bandow, NATO’s German Problem: Who Needs Soldiers or Weapons? Europeans should not rely on Americans to spend, fight, and die for the, National Interest, April 10, 2019, available at:

 https://nationalinterest.org/blog/skeptics/nato%E2%80%99s-german-problem-who-needs-soldiers-or-weapons-51872?fbclid=IwAR0KaHyQ4sffXJ86Drun5HWlOVDy8aZb3kRDIfJi12UuT0Gv6hs4fjDvgGk