المركز العربي للبحوث والدراسات : قضية الصحراء وانعكاساتها على العلاقات المغربية الجزائرية (طباعة)
قضية الصحراء وانعكاساتها على العلاقات المغربية الجزائرية
آخر تحديث: الخميس 06/12/2018 05:27 م محمود جمال عبد العال
قضية الصحراء وانعكاساتها

تشهد مسألة النزاع على الصحراء المغربية تطورات عدة خلال هذه الأيام؛ حيث خففت مملكة المغرب من حدة خطابها تجاه الجزائر في هذه الأزمة، وجاء ذلك على لسان الملك "محمد السادس" في خطاب ألقاه بمناسبة عيد العرش؛ حيث أبدى رغبته في إعادة فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، وقال أن بلاده ستبقى متمسكة بخيار بناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي ومشروع اندماجي تتطلع المغرب لنبت بذوره. على صعيد آخر، وجهَّت دولة الجزائر دعوة مفاجئة إلى اتحاد المغرب العربي لعقد قمة مغاربية على مستوى وزراء الخارجية.

واعتبرت الجزائر ان هذه المبادرة تندرج ضمن قناعة الجزائر بضرورة إحياء مؤسسات الصرح المغاربي بمؤسساته السياسية والاقتصادية والأمنية. وعلى الرغم من الربط الواضح بين دعوة العاهل المغربي، ودعوة السلطات الجزائرية إلا أن البعض يقلل من أهمية هذا الربط خاصة أن الاستجابة الجزائرية لدعوة العاهل المغربي لم تكن على المستوى؛ إذ تتحدث الدعوة الجزائرية عن لقاء بين دول الاتحاد المغاربي فيما كانت دعوة الملك "محمد السادس" تخاطب بشكل أساسي علاقاتها مع الجزائر لا سيما في خلافاتهما المتعلقة بملف الصحراء المغربية. وهو ما كان يُنتظر أن يتم الرد عليه من خلال مؤسسة الرئاسة الجزائرية.

وسنشير في هذا التقرير إلى مسألة الصحراء المغربية من حيث جذور الأزمة، وانعكاسها على تدهور العلاقات المغربية الجزائرية، وتعطيل مشروع الاتحاد المغاربي، إضافة إلى الإجراءات المتبعة من قبل الجانبين لاستعادة قوة الاتحاد المغاربي لا سيما في ظل أجواء عدم الاستقرار العربي والإقليمي.

جذور الأزمة

                بدأت جذور الأزمة من مفاوضات انسحاب المستعمر الإسباني من الصحراء المغربية بعد توقيع اتفاقية مدريد عام 1957، وعدم رضا الجزائر عمّا آلت إليه عملية التفاوض التي أفضت إلى تفاهمات مغربية موريتانية بعيدًا عن مطالبات جبهة البوليساريو التي كانت تدعو إلى الاستقلال عن المغرب، وتساندها الجزائر في هذا المطلب. وتوسعت مشكلة النزاع بين الجانبين بسبب إصرار الطرفين على تحقيق غاياتهم الكاملة من النزاع دون تقديم أي تنازلات قد تُسهم في تقارب وجهات النظر. ويمكن أن نشير إلى أسباب الأزمة على النحو التالي(1):

1-     الثورة الطبيعية: تمثل مناطق الصحراء أهمية كبيرة بالنسبة لأطراف النزاع خاصة فيما يتعلق بثرواتها الضخمة من البترول والفوسفات والفولاذ إضافة إلى ثرواتها السمكية بالمحيط الأطلسي.

2-     الموقع السياسي والجغرافي: يُمثل موقع الصحراء المغربية جغرافيًا تلاقي للحدود بين الدول المتنازعة؛ حيث تمثل امتدادات حيوية وحدودية لكافة الأطراف المتصارعة عليها؛ حيث تستحوذ على الجنوب المغربي، والغرب الجزائري، والشمال الموريتاني، إضافة إلى ذلك تأخذ القضية بعدًا وطنيًا للاستقلال وبناء الوطن الصحراوي بعيدًا عن المغرب وموريتانيا، وهو ما تتبناه جبهة البوليساريو.

3-     استبعاد الجزائر من المسألة: يُعد استبعاد الجزائر من ترتيبات اتفاقية مدريد عاملًا رئيسًا في استمرار الأزمة، وذلك لما تمتلكه الجزائر من نفوذ داخل جبهة البوليساريو؛ حيث تمتلك الجزائر علاقات قوية مع الجبهة خاصة أنها دعمت إعلان قيام الجمهورية الصحراوية في فبراير/شباط 1976.

4-     التدخلات الخارجية: تحاول حكومتي كل من المغرب والجزائر شراء المواقف الخارجية بشأن أزمة الصحراء؛ حيث استطاعت الجزائر تقديم قضية الصحراء على أنها قضية تحرر وطني إضافة إلى شرائها لمواقف دول أفريقية من خلال صفقات الغاز مثل نيجيريا. من ناحية أخرى، استطاعت المغرب تسويق قضيتها غربيًا مما أدى إلى اكتسابها الموقف الأوربي والأمريكي، وكان آخر ذلك موقف الكونجرس الذي اتهم إيران بتمويل جبهة البوليساريو للقيام بعمليات إرهابية في الداخل المغربي(2). وتتهم التقارير الموقف الأمريكي والغربي بالمراوغة وفق مبدأ المصلحة بعيدًا عن البحث في آفاق الحل الحقيقية للقضية التي طالما أضعفت العلاقات المغاربية المغاربية.

العلاقات المغربية الجزائرية

تمر العلاقات المغربية الجزائرية بالعديد من المشكلات، وحالات التصعيد منذ توقيع اتفاقية مدريد. ولكن انعكست دعوة الملك "محمد السادس" للحوار وتطبيع العلاقات مع الجزائر مؤخرًا تفاؤلًا لدى الداعين للوحدة المغاربية التي تحتاج إلى عودة الدفء في العلاقات المغربية الجزائرية. وعلى الرغم من هذه الحالة التفاؤلية، تبقى مسألة تطبيع العلاقات مرهونة بحل قضية الصحراء الغربية وفتح الحدود بين البلدين. وسنشير فيما يلي إلى أبرز محطات التوتر في العلاقات بين البلدين:

1-     حرب الرمال 1963: بدأت الحرب بعد استقلال الجزائر عام 1956، وذلك بسبب الخلاف على بعض المناطق الحدودية بين البلدين؛ حيث طالب المغرب ببعض الأراضي التي اعتبر أن فرنسا اقتطعتها منه وضمتها للجزائر. وتركت هذه الحرب أثرًا سلبيًا على طبيعة العلاقات بين البلدين الذين تجمعهم علاقات اجتماعية وعرقية مشتركة(3).

2-     إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر: يُمثل إغلاق الحدود البرية بين البلدين عام 1994 مرحلة مهمة من مراحل التوتر التي شهدتها العلاقات المغربية الجزائرية؛ حيث جاء هذا الإغلاق بعد تفجير إرهابي وقع في مدينة مراكش عام 1994؛ إذ اتهمت الأجهزة الأمنية المغربية دولة الجزائر بالوقوف وراء هذا الاعتداء. وشهدت مرحلة ما بعد 2011 فرصة لفتح هذه الحدود خاصة بعد وصول الإسلاميين لتشكيل الحكومة في المغرب(4)، ولكن لم ينعكس ذلك على مسألة العلاقات المغربية الجزائرية بشيء بما يوحي أنها تحتاج إلى ضرورة وجود نية من قبل هرمي السلطة في الدولتين، وهو ما أظهره مؤخرًا الملك محمد السادس دون استجابة على نفس المستوى من قبل الجزائر. وتشير بعض التقارير إلى وساطة تونسية بين الجانبين خاصة بعد وجود مؤشرات إيجابية من قبل الجانبين سواء دعوة الملك محمد الخامس للحوار وتطبيع العلاقات أو حتى إقدام الجزائر على الدعوة للقمة المغاربية على مستوى وزراء الخارجية، وكذلك دعوتها إلى استعادة مؤسسات الاتحاد المغاربي لتحقيق التكامل بين دوله(5).

3-     الاتفاق حول الحدود: تحتل مسألة تقسيم الحدود بين المغرب والجزائر حيزًا كبيرًا من الخلافات سواءً بشكلٍ مستتر أو علني. ويتمثل جوهر الخلاف في دفاع الجزائر عن حدودها كما تركها المستعمر الفرنسي، وفي المقابل يرى المغاربة أن فرنسا عملت على توسيع حدود الجزائر للوصول إلى ما يطلقوا عليه "الجزائر الكبير" باعتبار أن الفرنسيين كانوا يرون أن الجزائر جزءًا أصيلًا من الجمهورية الفرنسية. ويطالب المغاربة دائمًا بإعادة الحدود كما كانت قبل مجيء الاستعمار، وذلك وفق معاهدة "لالة مغنية" 18 مارس/ آذار1845(6).

ختامًا؛ تأتي عودة المغرب مؤخرًا إلى الاتحاد الأفريقي بما يعكس حاجة المغرب لإعادة الاتصال بجذوره الأفريقية، وهو ما يظهر في التحركات المغربية الأخيرة في الدول الأفريقية جنوب الصحراء خاصة في الاستثمارات ومشاريع البنية التحتية. فيما ترى حكومة الجزائر أن دعوتها للقمة المغاربية على مستوى وزراء الخارجية تأتي استجابة لتوصيات القمة الأفريقية الأخيرة في أديس أبابا التي دعت إلى ضرورة اتباع منهج الاصلاح المؤسساتي لاستعادة دور المجموعات الاقتصادية الإقليمية في تحقيق الاندماج بين الدول الأعضاء في الاتحاد. وفي كل الاحوال، بات أمام الدول المغاربية ضرورة للتكامل فيما بينها خاصة في ضوء التحديات الاقتصادية والأمنية في مناطق الساحل والصحراء.

وبرزت ضرورة الاستجابة للتحديات ما تشير له التقارير من وساطة تونسية بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، وذلك بالتزامن مع انعقاد قمة الاتحاد المغاربي على مستوى وزراء الخارجية ومحاولة استغلالها كفرصة لتطبيع العلاقات الاقتصادية والبحث في تسوية النزاعات فيما بعد خاصة في ضوء سياسة المغرب الداخلية الهادفة لاحتواء الصحراويين من خلال مد شرايين التنمية إليهم. وفي سياق التكامل بين الدول المغاربية، افتتحت كل من الجزائر وموريتانيا مؤخرًا معبرًا يربط بينهم لتنشيط حركة تنقل الأفراد والبضائع. وقد تنعكس خطوة الربط البري بين الدول المغاربية على تحقيق التكامل والاندماج مستقبلًا.

الهوامش

1-      أنظر: أزمة الصحراء الغربية .. الأسباب والتوقعات (25/5/2017)، على الرابط: https://goo.gl/9MZQqa

2-      معلومات استخباراتية تكشف كيف نجح المغرب في تمرير أول تشريع له بالكونغرس لصالحه بشأن الصحراء (2/10/2018)، على الرابط: https://goo.gl/Z3SqWG

3-      راضية شريف جهينة، حرب الرمال 1963م بين الجزائر والمغرب الأقصى الأسباب والانعكاسات، رسالة ماجستير منشورة إلكترونيًا، جامعة محمد خيضر، 2015.

4-      العلاقات المغربية الجزائرية - تفاؤل وتحفظ في الشارع الجزائري (23/1/2012)، دويتش فيليه على الرابط: https://goo.gl/qsjxzk

5-      وساطة تونسية لاستعادة العلاقات المغربية الجزائرية (28/11/2018)، على الرابط: https://goo.gl/urWXjS

6-      راضية شريف، مرجع سابق، ص15-18.