المركز العربي للبحوث والدراسات : هل يمكن "للبنتاغون" الفوز في سباق تسلح "الذكاء الاصطناعي"؟ (طباعة)
هل يمكن "للبنتاغون" الفوز في سباق تسلح "الذكاء الاصطناعي"؟
آخر تحديث: الخميس 29/11/2018 03:05 م مايكل أوسلين ــ عرض : نهال أحمد
هل يمكن للبنتاغون

يبدو أن عصر أنظمة الأسلحة ذاتية التحكم، سيكون المهيمن على منظومة التسلح خلال الفترة المقبلة، حيث تتوالى المزاعم بأن مستقبل الحرب على وشك التغيير. ليصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة الحدود الجديدة للمنافسة العسكرية. ومع تقدم الصين وروسيا في هذا المجال، بدأ "البنتاغون" في الاتجاه نحو زيادة الإنفاق على بعض البرامج السرية المرتكزة على استخدام الذكاء الاصطناعي،  والمعنية بتوقع إطلاق الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.

في حين لم يتم الكشف عن هذه البرامج سوى تفاصيل بسيطة، تعكس توجه أمريكي حثيث نحو تطوير أنظمة تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، لتجنب تعرض الولايات المتحدة لخطر ضربة صاروخية نووية.

الموجة التالية من الذكاء الاصطناعي

في خطوة تعكس موثوقية إمكانات التطور التكنولوجي الحالي، منحت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً عقدًا لمدة خمس سنوات لابتكار منظومة استخدام واسع النطاق لأنظمة الذكاء الاصطناعي، بهدف التمكن من تحليل تدفق البيانات المقدمة من طائرات بدون طيار على المستوى العسكري ، وكذلك لتشخيص الأمراض من البيانات الطبية من ناحية أخرى . يتزامن ذلك مع قيام وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية "DIA" بتكوين نظام تحليل للبيانات الواردة من المسح السريع المستند إلى التقنيات الحديثة في التخزين والحوسبة والتعلم الآلي، للسماح للمحللين بالتفاعل مع البيانات والمعلومات بطريقة أكثر ديناميكية .

أبعاد التطوير

في أيلول / سبتمبر2018، أعلنت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة الأمريكية "DARPA"، التي ساعدت في ظهور ثورة تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي خلال حقبة الستينات، عن مبادرة بتكلفة ملياري دولار لتعزيز الموجة الثالثة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وستمكن المبادرة صانعي القرار من اتخاذ قرارات حيوية في ظل ظروف معقدة، ما يعني تحديد أسرع للتهديدات، وخلق خيارات مرنة للقادة على أساس تغير الظروف في ساحة المعركة.

وتحرص وزارة الدفاع من خلال تلك المبادرة، البحث عن تدابير لتوفير التكاليف والوقت من شأنها أن تحرر البشر من مهام أكثر تعقيدًا. إلا أنه لا يزال هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي يعتمد على الكثير من المدخلات البشرية، ليعرف باسم "التعلم تحت الإشراف"، حيث تستخدم الآلات ؛إشارات ورموز مبرمجة مسبقًا مصممة للقيام بمهمة معينة؛ على سبيل المثال التمييز بين لقطات فيديو لراكب دراجة نارية يحمل بندقية مدفع رشاش من مدني أعزل.

ركيزة المشروع

يرتكز مشروع "البنتاغون" على استكشاف كيف يمكن للآلات اكتساب قدرات الاتصال والتفكير الشبيهة بالإنسان ، مع القدرة على التعرف على المواقف والبيئات الجديدة والتكيف معها، بهدف تحقيق مستويات أعلى بكثير من الذكاء الذي تحتاجه الأجهزة من أجل السماح بنظم أسلحة أكثر استقلالية ، تتجاوز بكثير أنواع الطائرات بدون طيار التي تخضع للسيطرة البشرية والتي كانت جزءاً من الترسانة العسكرية لسنوات.

فيما تهدف الموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي الذي يقترحه مشروع "البنتاغون" إلى تطوير ما يعرف"بالتفكير السياقي" حيث يرتبط بما يسميه علماء الذكاء الاصطناعي "التعلم غير الخاضع للإشراف"، وذلك عبر الاستفادة من الخدمة السحابية التجارية التابعة لمجتمع الاستخبارات، بالبحث عن أنماط أو أشكال غريبة في البيانات، بما في ذلك الرادارات المتطورة التي يمكنها أن تخترق العواصف والغطاء النباتي، على سبيل المثال من خلال مقارنة آلاف صور المباني، حيث يمكن للشبكات العصبية أن تتعلم ما هي القلعة على عكس الكوخ. ومن هنا يمكن أن يتجاوز التطور التكنولوجي الدقيق غير الخاضع للإشراف، ليصل إلى وضع متقدم تصبح من خلاله الأجهزة المنبثقة عن المشروع  بمثابة زملاء موثوقين للبشر.

منافسة محتدمة بين واشنطن وبكين

جدير بالذكر أن واشنطن تخوض حاليا سباقاً مع الصين وروسيا لزيادة استغلال الذكاء الاصطناعي عسكريًا، لابتكار نظم ذاتية أكثر تطوراً، تمكنها  من اكتساب خبرات لتنفيذ مهمات محددة. لاسيما في ظل المنافسة المحتدمة مع الصين التي تمكنت من تحقيق تقدم كبير في هذا القطاع، حيث أصبحت بمثابة رائدة على مستوى العالم في هذا الشأن، وقد أفاد تقرير أكاديمي بلوغ القيمة السوقية لقطاع الذكاء الاصطناعي في الصين حوالي 3.5 مليارات دولار في عام 2017، بينما وصل حجم الاستثمار في هذا المجال خلال عام 2018 قرابة 60% من الاستثمار الإجمالي ليصبح شاملا للمنتجات التكنولوجية والتطبيق السوقي والسياسات.

في حين ينظر إلى روسيا باعتبارها متأخرة نسبيًا في سباق تسلح الذكاء الاصطناعي،  إلا أنها بدأت خطة شاملة لزيادة التشغيل الآلي للقوات المسلحة ، كذلك إنشاء مركز وطني لتنمية الذكاء الاصطناعي ، وبدء سلسلة من ألعاب الحرب في الذكاء الاصطناعي لفهم إمكانات التكنولوجيا على ساحة المعركة.

مساع أمريكية حثيثة

تناضل واشنطن للتوصل إلى خطة وطنية شاملة لتطوير الذكاء الاصطناعي، حيث أعلنت وزارة الدفاع هذا الصيف عن إنشاء مركز الذكاء الاصطناعي المشترك (JAIC) ، تحت إشراف كبير موظفي المعلومات في وزارة الدفاع رئيس شركة Google السابق "إريك شميدت". وبدعم من مجلس الدفاع ، حيث سيدرس المركز دور الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في الأنظمة العسكرية. وبشكل أكثر تحديداً ، سينسق العمل بشأن مبادرات الذكاء الاصطناعي عالية الجودة،  وزيادة التعاون مع القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، ومحاولة تطوير الجيل التالي من مواهب الذكاء الاصطناعي.

ومن المرجح أن يدعم المجلس أيضًا عمل وحدة الابتكار الدفاعية - التجريبية (DIUx) ، التي أُنشئت بالقرب من وادي السيليكون في عام 2015 للدخول في شراكة مع الشركات المدنية لإدخال مناهج عالية التقنية وغير تقليدية لبرامج وزارة الدفاع ، والتي تستخدم العديد منها عمليات الذكاء الاصطناعي. للقيام بمهام معينة لعل أبرزها تحديد  وتعقب  تحركات الطائرات بدون طيار كذلك التنبؤ بالأعطال الميكانيكية في المركبات القتالية المدرعة للجيش للصيانة الوقائية.

 

آليات نجاح مبادرات  تطوير منظومة الذكاء الاصطناعي

بالنظر إلى الوتيرة السريعة للتطور في هذا المجال ، فإن مفتاح النجاح الأمريكي في الذكاء الاصطناعي قد يكمن في الشراكات بين القطاعين العام والخاص، كما في حالة وحدة الابتكار "DIUx". ومع ذلك فإن معارضة "جوجل" وشركات التكنولوجيا الأخرى للعمل مع واشنطن قد تترك حكومة الولايات المتحدة تبحث عن شركاء مستعدين. على سبيل المثال  وعد الرئيس التنفيذي لشركة"جوجل" "ساندر بيتشاي" هذا الصيف بأن الشركة لن تعمل أبدًا على التطبيقات العسكرية لتطوير منظومة الذكاء الاصطناعي،  وقد جاء هذا التعهد على خلفية  رد الفعل العكسي على تعاون الشركة في مشروع سلاح الجو الأمريكي" Maven" ، وهي مبادرة لحوسبة التعرف على الأنماط من الكم الهائل من الصور المتحركة، والصور الثابتة التي التقطتها الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية.

قد يصبح هذا التحفظ من قبل بعض الشركات في التعاون في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي ضعفاً مدمراً للولايات المتحدة. كما أن النقص الحالي في استثمارات الذكاء الاصطناعي المتقدمة يمكن أن يترك واشنطن بوضع غير مناسب في سباق تسلح الجيل القادم. ولتفادي التأخر ، فإن الأولوية الأولى "للبنتاغون" إيجاد أو تمويل الشركات الناشئة التي ترغب في العمل مع الجيش وتقوم بأحدث الأبحاث في هذا المجال.

لعل المفارقة بين  بكين وواشنطن فيما يتعلق بهذا المجال، انه بالرغم من التقدم الذي أحرزته الصين، إلا أنه ووفقا للكاتب لا تزال التقنية والأساليب التي تستخدمها غير مطورة بالشكل المطلوب، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تحتفظ في الوقت الراهن بتفوق ضئيل على الصين في سباق التسلح بالنسبة للذكاء الاصطناعي،  عبر تمكنها من دمج تقنية الذكاء الاصطناعي  بشكل حاسم في أنظمة الأسلحة الناشئة.

وبالتالي يجب أن تكون الأولوية "للبنتاغون"، هي المضي قدمًا بأسرع ما يمكن في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي المعروفة، ورعاية البحوث الأساسية في الجيل الثالث من الذكاء الاصطناعي، لتحقيق مكانة أفضل لوضع الجيش خلال الـ 20 أو 30 عام المقبلة .

ففي حالة لم تفعل واشنطن ذلك، ستقل فرصتها في مواكبة تطورات المجال، تزامنا مع الوقت الذي تعمل فيه القوات المسلحة الصينية على نطاق أوسع داخل منطقة المحيط الهندي والهادي لإثبات جدارتها في هذا القطاع،  وهو ما يمكن أن يؤهلها لتصبح قوة صاعدة أكثر مما هي عليه بفضل مساعيها الحثيثة نحو  تطوير وتحديث المنظومة. وفي المقابل سيغير الجيش الصيني المهيمن على قطاع الذكاء الصناعي حسابات الدول الكبيرة والصغيرة.

وأخيرًا، فإن سباقات التسلح هي أمور قبيحة، ولكن على مدار التاريخ لم يسبق لأحد أن نجح في احتواء التقدم التكنولوجي الذي يحقق المزيد من الجيوش الفتاكة. فقط الدول التي تفشل في حماية مصالحها داخل هذا السياق، يهدد استمرار وجودها. لذلك فإن تطورات عصر الذكاء الاصطناعي تفرض على الجيش الأمريكي احتضان التكنولوجيات الجديدة ودمجها في ترسانته بأقصى سرعة ممكنة.

Michael Auslin , Can the Pentagon Win the AI Arms Race  & Why the U.S. Is in Danger of Falling Behind? ,Foreign Affairs, October 19, 2018,available at: 

https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2018-10-19/can-pentagon-win-ai-arms-race