المركز العربي للبحوث والدراسات : 24 عامًا على اتفاقية وادي عربة .. أبعاد المطالب الأردنية باستعادة الباقورة والغمر (طباعة)
24 عامًا على اتفاقية وادي عربة .. أبعاد المطالب الأردنية باستعادة الباقورة والغمر
آخر تحديث: الأحد 28/10/2018 04:14 م محمود جمال عبد العال
24 عامًا على اتفاقية

اتبعت إسرائيل استراتيجية خاصة في عقد معاهدات السلام مع دول المنطقة المتاخمة لها مثل مصر والأردن وفلسطين المحتلة؛ حيث اتبعت استراتيجيات عقد المعاهدات الثنائية، وهو ما يبدو في اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1979، واتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994، واتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية عام 1993. يعتبر المتابعون أن استراتيجية المعاهدات المنفردة نجحت في تحقيق هدفها؛ حيث تعتبر إسرائيل أن تكتل العرب للتفاوض لعقد معاهدة معها قد يجعل منهم قوة تفاوضية مؤثرة لذا عمد الكيان الصهيوني إلى عقد المعاهدات المنفردة. على صعيدٍ آخر، يُمكننا أن نعتبر المعاهدات الأحادية مع إسرائيل تُضعف من إمكانية تكتل القوى المتعاهدة من الجانب العربي لاتخاذ قرار جماعي بالانسحاب من اتفاقاتها الأحادية مع إسرائيل أو حتى المطالبة بتعديلها، ولكن يُمكن أن يكون ذلك أكثر يسرًا في حال كانت هذه الاتفاقيات جماعية.

يحاول هذا التقرير تقييم اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل خاصة بعد مرور 25 عامًا على عملية التطبيع بين الجانب الأردني وإسرائيل، إضافة إلى إعادة طرح تعديل الاتفاقية خاصة بعد مطالبات الجانب الأردني باستعادة منطقتي الباقورة والغمر اللتين تسيطر عليهما إسرائيل وفق مُلحق اتفاقية وادي عربة الذي يسعى الجانب الأردني إلى إلغائه.

وادي عربة بعد 24 عامًا..نظرة تقييمية

                على الرغم من حالة السلام التي خلقتها اتفاقية وداي عربة 1994 بين الأردن وإسرائيل إلا أن الأردنيين يعتبرون أن الجانب الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من الاتفاقية. تستند هذه الآراء إلى استعادة ما ظهر عليه الملك "الحسين بن طلال" بعد توقيع الاتفاقية؛ حيث بدا الحسين مقتنعًا بعد توقيع اتفاقية وادي عربة أن فرص السلام في المنطقة باتت قائمة على كل الجبهات سواءً الجبهة السورية أو اللبنانية او الفلسطينية، وهو ما قد يُسهل من عملية إقامة الدولة الفلسطينية، التي اعتبر أنها تمثل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، ومجرد حل هذه المشكلة سيُفتح الباب واسعًا أمام التطبيع الشامل.

وبعد مرور 24عامًا على المعاهدة، انكشف عدم واقعية هذه النظرة التفاؤلية التي ظهر بها الحسين؛ إذ لم تخلق حالة السلام المصرية والأردنية مع إسرائيل استقرارًا سياسيًا يتبعه التطبيع الشامل بل سمحت معاهدات السلام المنفردة مع إسرائيل بمزيد من الغطرسة الإسرائيلية وبدا ذلك في مشاريع التوسع الاستيطانية لفرض سياسة الأمر الواقع. جدير بالذكر أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تمثل عقبة كبيرة في الوقت الحالي أمام أي عملية تسوية للصراع.(1)

ويعاني الأردن من حالة من تردي الأوضاع الاقتصادية خاصة في صفوف الأردنيين من أصول فلسطينية، والذين يمثلون أكثر من 60% من الأردنيين، لذا تقف هذه الكتلة عائقًا جماهيريًا لأي نوع من التطبيع مع إسرائيل على المستوى غير الرسمي. من الناحية الأخرى، تحافظ الحكومة الأردنية على علاقات تعاونية مع الجانب الإسرائيلي خاصة في مجالات التنسيق الأمني والمائي والجوانب الاقتصادية. ويبقى مجالي المياه والطاقة هما الأكثر إلحاحًا للتعاون بين الجانبين الأردني والإسرائيلي؛ حيث تمثل الطاقة والمياه مصادر مزمنة لأزمات الأردن. وعلى الرغم من تأرجح العلاقات الدبلوماسية في العديد من الأوقات إلا أن الجانب الأردني الرسمي يعتبر أن اتفاقية السلام مع إسرائيل خط أحمر.

على المستوى الشعبي، يرفض الأردنيون الذين تعود أصول أغلبيتهم لفلسطين المحتلة أي نوع من التطبيع الشعبي بل يطالبون على أكثر من مستوى بإلغاء اتفاقية وادي عربة وقطع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي. في السياق نفسه، تقاطع النقابات المهنية العمل مع المحسوبين على الكيان الإسرائيلي وهو ما انعكس سلبًا على استثمارات الإسرائيليين في مناطق التجارة المشتركة؛ حيث يرفض المحاميون الفلسطينيون التعامل مع رجال الأعمال الإسرائيليين.

الأهمية الاستراتيجية للباقورة والغمر

تُعد منطقتي الباقورة والغمر أراضي صالحة للزراعة فضلًا عن امتيازاتها السياحية، وتبلغ مساحتهما حوالي 380 كيلو متر مربع، وهي مناطق حدودية أردنية تقع شرق نهر الأردن. وقد احتلت إسرائيل الباقورة عام 1950، واستعادتها الأردن بموجب اتفاقية وادي عربة. أما الغمر احتلتها اسرائيل خلال حرب يونيو/حزيران 1967.(2) وتحتوي المنطقة على أحواض مائية غنية بالمياه التي تعتمد عليها مزارع المنطقة.

وتخضع منطقتي الباقورة والغمر للقوانين الأردنية بغض النظر عن جنسية المالكين أو العاملين. واستفادت الحكومة الإسرائيلية من المنطقتين وفق اتفاق خاص ملحق باتفاقية وادي عربة. وينص المُلحقين على حق الحكومة الأردنية إنهاء العمل بهما وفق مصالحه بعد مرور 25 عامًا من توقيت العمل بالاتفاقية، وهو ما عبَّر عنه فعليًا الملك "عبد الله بن الحسين" الذي كتب في أحد تغريداته على حسابه الرسمي على تويتر: "لطالما كانت الباقورة والغمر على رأس أولوياتنا، وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام انطلاقًا من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين".(3)

وعلى الرغم من إشارتنا السابقة إلى سيادة الأردن على المنطقتين إلا أنها تعتبر سيادة شكلية، فبموجب الاتفاق لم يكن من حق الأردنيين تطبيق قوانينهم الجنائية على الإسرائيليين بسبب نشاطاتهم داخل المنطقتين. وتعهدت الأردن في الاتفاق باتخاذ أي إجراءات لحماية أي شخص يدخل المنطقة، والعمل للحيلولة دون مضايقته أو إيذائه، وكذلك السماح بدخول رجال الشرطة الإسرائيلية إلى المنطقة بغرض التحقيق في الجرائم او معالجة الحوادث الأخرى المتعلقة حصرًا بالمستفيدين من استئجار الأراضي. على الجانب الآخر، تعهدت إسرائيل بموجب الملحق بالعمل على عدم الإضرار بأمن الأردن أو سلامته، وكذلك بعد السماح لأي شخص بدخول المنطقة بسلاح غير مرخص من السلطات الأردنية، ويُستثنى من ذلك رجال الشرطة الإسرائيلية.(4)

الموقف الأردني من استعادة الباقورة والغمر

أبلغ الأردن رسميًا السلطات الإسرائيلية قراره باستعادة السيادة على منطقتي الباقورة والغمر، التي تم السماح لإسرائيل باستخدامهما وفق ملحقين في اتفاقية السلام بين الجانبين عام 1994. ونقلت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية عن ملك الأردن مطالبته للجانب الإسرائيلي بإنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام. وتنص الاتفاقية على حق إسرائيل في التصرف في هذه الأراضي لمدة 25 عامًا، ويتجدد حق التصرف تلقائيًا في حال لم تبلغ الحكومة الأردنية إسرائيل برغبتها في استعادة هذه الأراضي قبل عامٍ من انتهاء المدة، وهو ما قام به الجانب الأردني فعليًا.(5)

ويواجه الأردن ضغوطًا داخلية لإنهاء تأجير هذه الأراضي لإسرائيل؛ حيث شهدت المحاكم الأردنية مؤخرًا حملة من الإنذارات العدلية ضد الحكومة للمطالبة بعد تمديد تأجير هذه الأراضي لإسرائيل، وهو ما يمثل ضغطًا جماهيريًا على الحكومة التي تعاني في الأساس من العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية سيما بعد أحداث الدوار الرابع. في السياق ذاته، نظم أردنيون مسيرات شعبية إلى منطقتي الباقورة والغمرة، كما تقدم 20 نائبًا بمذكرة لمطالبة الحكومة بعدم تجديد انتفاع إسرائيل بهذه الأراضي.

رد الفعل الإسرائيلي

هددت إسرائيل على لسان وزير الزراعة "أوري أريئيل" بقطع المياه عن العاصمة الأردنية؛ حيث قال "أريئيل" أن الحكومة الإسرائيلية ستقلص كمية المياه التي تزود بها عمان من 4 أيام إلى يومين في الأسبوع في حال أقدمت الأردن على إلغاء الملحقين الخاصين بالغمر والباقورة. وطالب وزير الزراعة "أريئيل" رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتياهو" بضرورة الإقدام على إقناع ملك الأردن بالعدول عن قراره. واعتبر "أريئيل" أن الأردن بحاجة إلى إسرائيل أكثر من حاجة إسرائيل للأردن.

وأكد "نتنياهو" في أول تصريحٍ له عن أحقية الأردن في استعادة هذه الأراضي، ولكنه دعا إلى ضرورة التفاوض حول إمكانية تمديد الاتفاقية الحالية(6)، فيما اعتبر "عوديد عيران" السفير الإسرائيلي السابق لدى الأردن أن على البلدين التفاوض حول هذه الاتفاقية مرجحًا أن قرار الملك يعود للضغوط الشعبية داخل الأردن. ورأى رئيس مجلس محلي منطقة عربة أن هذه الأراضي الزراعية لها أهمية أمنية واقتصادية خاصة أن القرار سيؤدي إلى انهيار 30 مزرعة، ورأى ان هذه الأراضي لها فائدة أمنية؛ حيث تمثل عازلًا بين المناطق المأهولة بالسكان في وادي عربة وبين الأردن.(7)

ختامًا؛ رفضت الحكومة الأردنية التهديدات الإسرائيلية بتقليص المياه وفق الاتفاقيات المشتركة. واعتبرت الأردن ان اتفاقيات تنظيم الاستخدام المشترك للمياه منفصلة تمامًا عن ملحقي الباقورة والغمر. ويبدو من تصريحات الجانب الإسرائيلي والأردني أن هناك حرصًا على العلاقات الاستراتيجية مع عمَّان، وهو ما بدا جليًا في تصريحات "نتنياهو" وكذلك تناول الصحف الإسرائيلية للموضوع والتي حاولت إبراز أهمية العلاقات الاستراتيجية مع الأردن وضرورة الدخول في مفاوضات جادة، وعدم التصعيد.

الهوامش

1-      20 عاماً على اتفاق وادي عربة ولا تغيير في رهانات الأردن الأساسية (25/10/2014)، الحياة، على الرابط:

https://goo.gl/LSvn5N    

2-      تعرّف على منطقتي الباقورة والغمر اللتين يعتزم الأردن استعادتهما (22/10/2018)، بي بي سي عربي، الرابط:

                                                                                                                          https://goo.gl/UKtzrX

3-      الأردن يقرر إنهاء تأجير منطقتين على الحدود لإسرائيل (21/10/2018)، BBC عربي، الرابط:

                                                                                                                                             https://goo.gl/TGXkvy

4-      معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، على الرابط:                                                    https://goo.gl/cpMo78

5-      الملك عبد الله الثاني يبلغ إسرائيل قراره استعادة أراضي "الباقورة والغمر" الأردنية (22/10/2018)، فرانس 24، على الرابط:                                                                                                https://goo.gl/wVn33e

6-      الأردن ينهي عقدة الـ«ربع قرن» مع إسرائيل (22/10/2018)، البيان، على الرابط:

                                                                                                                                             https://goo.gl/vLH2qK

7-      إسرائيل تهدد بقطع المياه عن الأردن (22/10/2018)، فرانس 24، على الرابط:

                                                                                                                                    https://goo.gl/9ZhDv3