المركز العربي للبحوث والدراسات : المواجهة .. استراتيجية إدارة "ترامب" تجاه إيران (طباعة)
المواجهة .. استراتيجية إدارة "ترامب" تجاه إيران
آخر تحديث: الأحد 28/10/2018 04:00 م مايك بومبيو – ترجمة: مرﭬت زكريا
المواجهة  .. استراتيجية

تدور الفكرة الأساسية للمقال الذي كتبه وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، حول استراتجية الإدارة الأمريكية تجاه إيران والتي تتمحور حول فكرة المواجهة. في السياق ذاته، تتكون استراتجية الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تجاه طهران من مجموعة من المحددات يتمثل أبرزها في؛ السعي لتحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بشتى الطرق ولاسيما القضايا التي تتعلق بالأمن القومي، تكثيف الضغوط على النظام الإيراني من خلال العقوبات الاقتصادية، الاستعداد للدخول في مفاوضات مع الخصوم بما يحقق مصلحة واشنطن، الكشف عن جرائم الأنظمة الخارجة عن القانون(الدول المارقة) ولاسيما أمام شعوبهم، فضلاً عن ضرورة التعاون مع الحلفاء.

أجبر انتهاء الحرب الباردة صانعي القرار  والمحللين  الأمريكيين على التفكير في أكبر التحديات التي تواجه الأمن القومي، وبعد تصاعد نشاط الجريمة الإلكترونية، "تنظيم القاعدة" و كيانات أخرى بات هناك خطر اً كبيراً على مستقبل الجهات غير الحكومية. لكن الأكثر تعقيداً هو ظهور الأنظمة الخارجة عن القانون (الدول المارقة)، التي تتحدى المعايير الدولية، و تعمل في الوقت ذاته ضد مصلحة الشعب الأمريكي وحلفاءه.

و تعد كوريا الشمالية وإيران من أهم الدول التي توصف بالخارجة عن القانون؛ حيث يشتهر كلا النظامان بقضاء فترات طويلة في صنع برنامج نووي ينتهك المعايير الدولية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها واشنطن في مجال الدبلوماسية، كسرت بيونج يانج كل الاتفاقيات الدولية، وبالمثل فشلت الصفقة – خطة العمل المشتركة الشاملة- التي وقعتها إدارة أوباما مع إيران في عام 2015 لإنهاء طموحات إيران النووية. ومنح الاتفاق النووي أموالاً كثيرة لطهران، انفقتها على دعم الارهاب في الشرق الأوسط، فضلاً عن تعزيز الثروات الاقتصادية للنظام الإيراني الذي لا يزال عازماً على تصدير ثورته في الخارج وفرضها في الداخل.

كما أن تزايد التهديدات من قبل طهران و بيونج يانج في حقبة ما بعد الحرب الأمريكية على العراق قلل من فرص التصدي لهم؛ حيث أن الاتفاقيات و الأساليب التقليدية لم تعد مجدية للحد من نفوذ هذه الدول، ولذا لابد من اكتشاف أساليب دبلوماسية  جديدة.

أولاً- مبدأ ترامب

لقد كان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" واضحاً خلال الحملة الانتخابية حول ضرورة وجود قيادة أمريكية جريئة، لوضع المصالح الأمنية لواشنطن على قائمة الألويات الأمريكية، بعكس مبدأ إدارة "أوباما" المتمثل في "القيادة من الخلف"؛ استراتيجية تسويقية خاطئة عملت على تقلص النفوذ و الهيمنة الأمريكية، و لم تؤد إلا  لتاخير سعي بيونج يانج لامتلاك قنبلة نووية، مع السماح بتزايد حجم الأعمال الإرهابية للنظام الإيراني.  

تم اخطار كل من كوريا لشمالية وإيران بأنه لا يمكن أن تستمر أنشتطهم المزعزعة للاستقرار في العالم، فحملة الضغط التي قادتها واشنطن مقترنة بتصريحات الرئيس "ترامب" المؤكدة على أن الولايات المتحدة ستدافع عن مصالحها بشتى الطرق إذا لزم الأمر، هيأت الظروف إلى المحادثات التي بلغت ذروتها في قمة سنغافورة يونيو لعام 2018 ؛ حيث قطع الرئيس الكوري الشمالي  على نفسه الالتزام الكامل بنزع السلاح النووي.

               فعلى الرغم من أن ذلك يشير إلى تحول استراتيجي كبير  من جانب بيونج يانج، ولكن يجب أن تقوم واشنطن بالكثير من الجهود للتأكد من التزام الرئيس الكوري الشمالي "كيم جونج أون"، فضلاً  عن التأكيد على ضرورة تنفيذ التزاماته. في السياق ذاته، خلق ذلك فرصة لحل قضايا الأمن القومي  التي طالما ازعجت صانعي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتسعى واشنطن في الوقت نفسه لفرض أقصى قدر من الضغوط على تمويل المؤسسات الإيرانية للجماعات الإرهابية، ولاسيما "الحرس الثوري" بالتعاون مع "حزب الله" في لبنان و حركة "حماس" الفلسطينية، نظام الأسد في سوريا، "الحوثيون" في اليمن، الميليشيات الشيعية في العراق، ووكلائها للتآمر بشكل سري على مصالح واشنطن في جميع أنحاء العالم.

هناك جانب أخر مهم في دبلوماسية "ترامب" و هو استعداده للتحدث مع خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، وكما قال ترامب "الدبلوماسية والمشاركة أفضل من الصراع والعداء"؛ حيث أدت طريقته في التعامل مع كوريا الشمالية إلى انخفاض حجم التوترات الذي كان يتصاعد يوماً بعد يوم.

والنقطة الأهم في استراتيجية "ترامب" هو البحث عن تعزيز مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يتناقض بشكل كبير مع نهج "أوباما"  تجاه خطة العمل المشتركة الشاملة التي عقدها مع إيران؛ حيث كانت الصفقة هدفاً في حد ذاته دون النظر إلى المكاسب.

ومن هنا، سيكون الاتفاق النووي الذي ستعقده واشنطن مع بيونج يانج أفضل من ما تم مع طهران؛ حيث يصبح النزع الكامل للسلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية هو أحد أبرز بنوده، فضلاً عن القضاء على أي احتمال لاستئناف كوريا الشمالية لبرنامجها النووي.

ثانياً- التهديد الإيراني

إن التزام "ترامب" بأمن الشعب الأمريكي، فضلاً عن كرهه الشديد للاستخدام غير الضروري للأداة العسكرية، واستعداده للتحدث مع الخصوم، وفر إطاراً جديداً لمواجهة الأنظمة الخارجة عن القانون. فعلى مدار الأربعة عقود الماضية، ساعد النظام في احداث قدر كبير من الدمار  وعدم الاستقرار، الذي لم ينتهي مع عقد الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1 )؛ حيث لاتزال إيران تزود الحوثيين بالصواريخ التي يتم اطلاقها على المملكة العربية السعودية و دعم هجمات حماس على إسرائيل، تجنيد الأفغان، الباكستانيين، العراقيين للقتال في سوريا.

وفي مايو 2018، انسحب الرئيس "ترامب" من خطة العمل المشتركة مع طهران، على خلفية عدم حمايتها لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها؛ ففي يوليو/ تموز لعام 2018 تم القاء القبض على دبلوماسي إيراني مقيم في فيننا وبحوزته مواد متفجرة كان من المقرر القاءها في  وسط مسيرة سياسية بفرنسا.  و في الوقت الذي تحاول  فيه إيران اقناع  الدول الأوروبية بالبقاء في الاتفاق النووي، تخطط سراً لشن هجمات إرهابية في قلب القارة ذاتها.

ثالثاً- حملة ضغوط

بعد الخروج من الاتفاق النووي، بدأ "ترامب" حملة ضغوط متعددة الجوانب تشمل؛ العقوبات الاقتصادية التي استهدفت 147 كياناً وفرداً داخل الجمهورية الإسلامية. على أن يتمحور الهدف الأهم من هذه العقوبات حول ما إذا كانت إيران ستستمر أو تتوقف عن الأعمال التي أدت لفرض العقوبات؛ حيث أن التدخل المكثف من جانب "الحرس الثوري" تحت غطاء الخصخصة يجعل الاستثمار  في إيران عديم الفائدة، فلا يعرف المستثمرون الأجانب ما إذا كانوا يقومون بتنشيط حركة التجارة أم دعم الإرهاب. فبدلاً من استخدام الثروة التي انتجتها خطة العمل المشتركة في تعزيز الرفاهية الاجتماعية للشعب الإيراني، استهلكها النظام في دعم الإرهاب في الخارج مما أدى ليأس الشعب  جراء؛ انهيار قيمة العملة في مواجهة الدولار، ارتفاع نسبة البطالة، نقص الوقود و الماء.

ولكن المشكلة تتمحور حول النظام نفسه؛ حيث تشبه نخبة إيران المافيا في الفساد و الابتزاز،  فقبل عامين؛ تدفقت أجور الموظفين الإيرانيين بشكل لا يمكن تفسيره إلى الحسابات المصرفية لكبار المسئولين الحكوميين، و اليوم هتف المحتجون " لقد نهبونا باسم الدين". ووفقاً لصحيفة "كيهان" اللندنية، عاقبت الولايات المتحدة الأمريكية رئيس السلطة القضائية "صادق لاريجاني" بتهمة انتهاك حقوق الإنسان، فضلاً عن اختلاس ما يقل عن 300 مليون دولار  من الأموال العامة.

وأحدث جشع النظام فجوة بين الشعب الإيراني وقادته، مما جعل من الصعب على المسئولين اقناع الشباب الإيرانيين ليصبحوا طليعة الجيل القادم للثورة. ومن هنا، يجب أن يشعر القادة الإيرانيين – خاصة قادة الحرس الثوري، ولاسيما قاسم سليماني -  بالعواقب المؤلمة للعنف والفساد. وبالنظر إلى أن النظام تسيطر عليه الرغبة في إثراء الذات الأيديولوجية، وبالتالي، يجب أن تغير العقوبات القاسية هذه العادات السيئة. ومن المحتمل أن تصل إيرادات النفط بحلول الرابع من نوفمبر لعام 2018 إلى الصفر ، مما يؤدي للقضاء على تمويل الإرهاب.

لذا، يعد الضغط الاقتصادي هو المحدد الأبرز في  حملة الضغوط الأمريكية على إيران، ومن الواضح أن الرئيس "كيم" شعر بهذا الخطر ولذلك، لجأ إلى طاولة المفاوضات في قمة سنغافورة. فالولايات المتحدة لا تسعى للحرب، ولكنها تقر أن التصعيد هو خيار إيراني خاسر، لأنه لا يمكن للجمهورية الإسلامية أن تضاهي القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، ولابد أن يعرف القادة الإيرانيين ذلك.

رابعاً- الكشف عن مساوئ النظام الإيراني

يعد الالتزام بكشف وحشية النظام الإيراني عنصر حاسم داخل حملة الضغوط الأمريكية، فالأنظمة الاستبدادية لا تخشي شيء سوى اظهار الأعمال الحقيقية التي تقوم بها. في الأطار ذاته، تعمل الإدارة الأمريكية على ايضاح مصادر الدخل غير المشروع للنظام؛ دعم الإرهاب و  اضطهاد الأقليات، فضلاً  عن أن الشعب الإيراني ذاته يجب أن يعرف حجم الدخل الحكومي و فيما ينفق.

لقد فهم الرئيس الأمريكي السابق " رونالد ريجان" قوة التعرض لضغوط الكشف عن الأعمال الإجرامية للأنظمة في مواجهة شعوبهم، وفعل ذلك مع "الاتحاد السوفيتي" سابقاً عندما القي الضوء على انتهاكات النظام و تضامن مع الشعب في مواجهته. وهو ما تفعله واشنطن حالياً مع إيران من خلال القاء الضوء على أعمالها الإرهابية في المنطقة المتمثلة في؛ الايمان بفكرة تصدير الثورة الإسلامية، الحرب بالوكالة وتخريب وضع الدول ذات الأغلبية المسلمة، المعارضة الشرسة لإسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن وجود ضوابط اجتماعية صارمة تحد من حقوق المرأة.

وعادة ما يقوم النظام باعتقال الأقليات الدينية والعرقية، بما في ذلك البهائيين، المسيحين عندما يطالبون بحقوقهم. كما يتم تعذيب عدد لا بأس به من الإيرانيين ويموت الكثير منهم في سجن "إيفين"، ومن بينهم أمريكيين محتجزين بتهم زائفة، ورهائن كأداة من أدوات السياسة الخارجية الإيرانية.

ففي بداية ديسمبر الماضي، خرج المتظاهرون إلى شوارع طهران، كرج، أصفهان و العديد من الدول الأخرى، من أجل الدعوة إلى حياة أفضل، في المقابل رد النظام باعتقال ما يقارب 5000 مواطن، فضلاً عن  12 قتيل. و عليه، أوضح "ترامب" أن الضغط سيزداد فقط إذا لم ترق النتائج إلى المستوى الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، فضلاً عن طلب واشنطن بتغيرات جوهرية في مجال حقوق الإنسان، و تنوي الإدارة الأمريكية القيام بالفعل ذاته مع كوريا الشمالية. فإذا قامت إيران بإجراء هذه التحولات الجذرية، تصبح فكرة التوصل إلى اتفاق قابلة للتنفيذ، وأن غاب هذا الخيار ستواجه تكاليف متزايدة لنشاطها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط.

يفضل "ترامب" التعاون مع الحلفاء في إطار تنفيذ خطة الضغوط المتزايدة على إيران، لاسيما، تلك التي تشارك واشنطن القلق من تداعيات تمدد النفوذ الإيراني؛ حيث قال الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" من المهم أن نظل منتبهين لأنشطة إيران الإقليمية و برنامجها النووي"، و قالت رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" لابد من وضع التهديد الإيراني في دول الخليج و الشرق الأوسط نصب أعيننا. ومن هنا فلن تدخر الدول الاوروبية جهداً في الانضمام للحملة العالمية لتغيير السلوك الإيراني.

خامساً-  قوة وضوح القيم

لقد ورث "ترامب" عالم ملئ بالمخاطر كالذي واجهته الولايات المتحدة الأمريكية أبان الحرب العالمية الأولى، لكن جرأته الكبيرة حول إيران و كوريا الشمالية أظهرت مدى التقدم الذي يمكن احرازه في مواجهة منع الانتشار النووي من خلال التحالفات القوية؛ حيث تنبع اجراءات الرئيس "ترامب" في مواجهة الأنظمة الخارجة عن القانون من الاعتقاد بأن المواجهة القيمية  غالباً ما تؤدى إلى المصالحة الدبلوماسية.

وكان هذا ما حدث في أحد الانتصارات الكبرى للسياسة الخارجية الأمريكية القرن الماضي، و الذي تمثل في النصر الأمريكي خلال الحرب الباردة. وصف الرئيس "ريجان" في الأسبوع الأول من رئاسته القادة السوفييت قائلاً " أن القيمة الوحيدة التي يعترفون بها، هي ما ستعزز قضيتهم" بمعنى أنهم يحتفظون لأنفسهم بارتكاب أي جريمة من أجل تحقيق مصالحهم.

ففي الوقت الذي أكد فيه على ضرورة الالتزام بالتفاوض مع السوفييت من خلال إيجاد مزيج من الوضوح القيمي والبراعة الدبلوماسية، كان ذلك أساس لمحادثات عام 1986، وهو ما أدى في وقت لاحق لسقوط الشيوعية نفسها. فمن خلال المعدل الذي يتراجع به الاقتصاد الإيراني و تكثف به الاحتجاجات، سيتضح للقيادة الإيرانية أن الجلوس على طاولة المفاوضات هو الحل الأمثل للخروج من هذه المعضلة.    

 

Michael R. Pompeo, Confronting Iran: The Trump Administration’s Strategy, Foreign affairs, December 2018, available at:

https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2018-10-15/michael-pompeo-secretary-of-state-on-confronting-iran