المركز العربي للبحوث والدراسات : إلى أين وصل نفوذ الحرس الثوري الإيراني داخل قطر؟ (طباعة)
إلى أين وصل نفوذ الحرس الثوري الإيراني داخل قطر؟
آخر تحديث: الأحد 14/10/2018 05:14 م علي عاطف
إلى أين وصل نفوذ

أعلنت السلطات القطرية منذ أيام عن استمرارها تسييرَ رحلاتها الجوية إلى الأراضي الإيرانية، وذللك في ظل فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات مستمرة على إيران وتوقّع فرضها الحزمة الثانية منها في شهر نوفمبر المقبل.  

    حيث أعلن الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية عن عدم إنهاء الشركة لرحلاتها إلى إيران على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، قائلاً إن رحلات قطر الجوية إلى إيران ستستمر علي ما هي عليه، في نقض لتلك العقوبات، ومشيراً إلى أن العقوبات الأمريكية لن تؤثر على هذه الرحلات.

   ومن هذا المنطلق، يربط ما بين النظامين الإيراني والقطري علاقات وثيقة إلى حد كبير. ولم تكن هذه العلاقات لتنشأ بين يوم وليلة، بل إن التقارب ما بين إيران وقطر لا يعود فقط إلى السنوات الأخيرة بل إلى ما قبل ذلك بفترة كبيرة. حيث إن قطر كانت، ولا تزال، الوحيدة ما بين دول الخليج العربي التي لا تنتقد ما يقوم به النظام الإيراني داخلياً وخارجياً في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها.

    وتطورت هذه العلاقات مؤخراً إلى أن باتت تشهد حضوراً بارزاً للحرس الثوري الإيراني على الأراضي القطرية الخليجية وهو ما استرعى انتباه الدول الأخرى.

تطور العلاقات الإيرانية القطرية ما بين الماضي والحاضر

    يمكن القول إن العلاقات القطرية الإيرانية، من الناحية السياسية، تعود إلى عام 1969 حينما وقعت الدولتان اتفاقية مشتركة لترسيم الحدود البحرية بينهما، وبعدها بعامين اعترفت إيران باستقلال قطر. وتمتعت علاقات الدولتين منذ ذلك الحين بمصالح مشتركة وذلك إلى حين اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979.

     تسببت الثورة الإيرانية في قلاقل بالمنطقة بسبب ما كان يدعو إليه روح الله الخميني من دعم لثورات مماثلة بمنطقة الشرق الأوسط. وخلال فترة حرب الخليج الأولى (1980-1988) كان الموقف القطري متجهاً إلى دعم النظام العراقي السابق بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين، وذلك من خلال تقديم الأموال إليه، وذلك إلى أن تغيرت طبيعة هذه العلاقات خلال العقد الماضي.

مسيرة التقارب ما بين إيران وقطر أواخر القرن الماضي

كان للخلاف الحدودي ما بين المملكة العربية السعودية وقطر أواخر العقد الماضي أثر في تدهور العلاقات ما بين الرياض والدوحة. حيث اتجهت إيران في أعقاب هذا الخلاف إلى إعلا دعهما قطر في هذه القضية، ولاحقاً أرسل النظام القطري برقية شكر إلى نظيره الإيراني، أثناء رئاسة هاشمي رفسنجاني.

   تطورت العلاقات ما بين إيران وقطر منذ هذه اللحظة، حيث قام الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، لاحقاً بزيارة إلى قطر عام 1999 في بداية رئاسته توصل خلالها الجانبان إلى توافقات بشأن عدد من الملفات كان من بينها قضايا سياسية وملف الإرهاب ودعم حركات مسلحة في مناطق بالإقليم.

    وتلى هذه الزيارة واحدة أخرى قام بها أمير قطر السابق عام 200 إلى العاصمة الإيرانية طهران كانت تُعد الأولى التي تقوم بها دولة خليجية إلى الأراضي الإيرانية منذ اندلاع الثورة عام 1979. وكانت لتطور هذه العلاقات أثرٌ واضح من الناحية الدولية، حيث صوتت الدوحة، من بين 15 عضواً في مجلس الأمن الدولي آنذاك، ضد قرار من مجلس الأمن الدولي يدين إيران بالنشاط النووي.

    وفي ديسمبر عام 2007، دعت قطر إيران بشكل رسمي إلى حضور الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، قمة خليجية بالعاصمة الدوحة شرفياً، وهو ما استنكرته باقي الدول الخليجية. إلا أن اللقاء ما بين أمير قطر والمرشد الإيراني على خامنئي كان من العلامات البارزة في مسيرة التقارب ما بين الدولتين، حيث وقّع الطرفان اتفاقية أمنية شملت بنودها العلاقات ما بين الحرس الثوري الإيراني وعسكريين قطريين.

    وفي عام 2010، أعلن أمير قطر السابق عن تأييده لجهود تركية تهدف إلى إيجاد حل دبلوماسي لتسوية الملف النووي الإيراني. وكان في عام 2015 أن وقعت الدولتان اتفاقية عسكرية أمنية تشتمل على مكافحة الإرهاب، وتم توقيع اتفاقية أخرى في العام نفسه كان ترمي إلى تأمين الحدود المشتركة بين الطرفين، بل والترتيب لفعاليات عسكرية ما بين الحرس الثوري الإيراني والجيش القطري.(1)

توسع نفوذ الحرس الثوري الإيراني على الأراضي القطرية

    بعد التطرق إلى بعض أوجه التعاون ما بين الحرس الثوري الإيراني والنظام القطري حتى قبيل اندلاع الأزمة الدبلوماسية عام 2017، نحاول إيضاح طبيعة التعاون ما بين النظام القطري والحرس الثوري الإيراني في ظل اندلاع هذه الأزمة، وذلك على النحو التالي:

قطر تعزز علاقاتها بإيران عقب اندلاع الأزمة الخليجية 2017

توطدت العلاقات بشكل أولي ما بين الحرس الثوري الإيراني وقطر بعد اندلاع أزمة السفراء لعام 2014 ما بين الدول الخليجية وقطر، حيث كانت هذه العلاقات قد برزت أكثر في منطقة الشرق الأوسط ما بين قطر وفيلق القدس الإيراني، الوحدة العسكرية المسؤولة عن تنفيذ العمليات العسكرية والخاصة خارج الحدود.

     كانت الدوحة ترمي خلال ذلك إلى استغلال العلاقات الإيرانية مع عدد من المنظمات المسلحة في المنطقة وذلك من أجل الدخول في علاقات هي الآخر مع مثل هذه الجماعات لتحقيق أهدافها المختلفة في منطقة الشرق الأوسط.

    ومن جانبه، عمل الحرس الثوري الإيراني على الاستفادة من الدور القطري في خدمة أهدافه هو الإقليمية، وذلك من خلال استخدام الأموال القطرية الكبيرة لدعم هذه الجماعات، كما أن طهران كانت ترمي إلى شق الصف العربي من خلال توسيع علاقاتها ونفوذها في قطر، ولذا فإن العلاقة ما بين الحرس الثوري الإيراني وقطر في مجال تعزيز العلاقات مع الجماعات المتطرفة في المنطقة هي علاقات وساطة.

  وعقب إعلان الرباعية العربية (مصر، الإمارات، السعودية، والبحرين) عام 2017 قطع العلاقات مع قطر بسبب دعمها للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، عملت إيران وقطر على بدء التنفيذ الفعلي للاتفاقيات العسكرية والأمنية التي كانا قد عقداها في وقت سابق.

    وإلى جانب تنامي العلاقات العسكرية ما بين الطرفين، والدعم الاقتصادي الذي قدّمته طهران إلى قطر عقب اندلاع الأزمة، قالت العديد من التقارير إن الحرس الثوري الإيراني قام بإرسال العديد من عناصره التي باتت واضحة في العاصمة الدوحة، منها عناصر من الحرس لحماية الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني وذلك في إطار ما أطلق عليه تدريبات عسكرية مشتركة بين الجانبين.(2)  

    وكانت تقرير خليجية أخرى قد أفادت مؤخراً أنه عقب اندلاع الأزمة، وتحت غطاء المساعدات الغذائية إلى قطر، دخلت العديد من المعدات العسكرية إلى العاصمة القطرية قطر، فيما أشار آخرون إلى أن إيران أقامت قاعدة عسكرية في قطر وطالب البعض خلال ذلك بالتدخل السريع لقوات "درع الجزيرة" لمنع وقوع قطر في قبضة الحرس الثوري الإيراني بشكل كامل، لأنه يُعد بالفعل تهديداً للأمن الخليجي.

   ومن ناحية أخرى، أشارت المعارضة القطرية إلى أن سلطات البلاد قد سمحت بدخول عناصرّ من حزب الله اللبناني من خلال قدوم لبنانيين إلى البلاد من دون تأشيرات سابقة، وذلك كله من أجل الاندماج مع قوات الحرس الثوري الإيراني في الدوحة لمساعدة النظام. وأضافت هذه التقارير أن الجيش القطري يستعد لدمج هؤلاء المقاتلين من حزب الله والحرس الثوري داخله، وهو ما أعلن عنه من قِبل المعارضة في وقت لاحق من قولها إن العديد من الإيرانيين يدخلون إلى قطر بجوازات سفر باكستانية غير إيرانية.

    وتقوم عناصر الحرس الثوري الإيراني بشكل عام بحراسة قصر الأمير القطري وبعض المؤسسات الحيوية، بينما تقوم العناصر الاستخباراتية بأنشطة داخل البلاد لجمع معلومات عن المعارضين.(3)

هل يشارك الحرس الثوري في تنظيم مونديال كأس العالم في قطر 2022؟

    وآخر ما تم التوصل إليه في العلاقات ما بين الحرس الثوري الإيراني وقطر كان ما تحدثت عنه مجلة "فوربس" الأمريكية الشهر الماضي من رغبة الحرس الثوري في المشاركة بشركاته للبنى التحتية، مثل شركة "خاتم الأنبياء" الشهيرة، في الأعمال الإنشائية الخاصة بتنظيم مونديال كأس العالم في 2022 بقطر.

  حيث أشارت المجلة إلى أن إيران، وخلال مكالمة هاتفية بين الرئيس الإيراني حسن روحاني وأمير قطر تميم بن حمد في شهر أغسطس الماضي، أعنت عن رغبتها في الحصول على أسهم في أعمال البنى التحتية في المنشآت التي ستشهد فعاليات كأس العالم لعام 2022، مشيراً إلى أن شركات بلاده "على استعداد كامل" للمشاركة في هذه الأعمال الإنشائية.(4)

   وفي حال تمكن الحرس الثوري من المشاركة في هذه الأعمال، فإن نفوذه سيتعاظم بشكل كبير داخل قطر، حيث إن شركاته كخاتم الأنبياء هي ما ستقوم بهذه الأعمال، أي أنها بالنهاية مجرد تواجد جديد بشكل مختلف للحرس الثوري الإيراني.

المصادر والمراجع

1 -  إسلام شعراوي، "قطر وإيران.. تاريخ حافل من العلاقات المشبوهة لزعزعة المنطقة العربية"، الفجر، 6 يناير 2018.                                                                                                                    https://bit.ly/2Cdj6xw

2- أحمد شعبان، "تمويل قطر لـ «حزب الله» و«الحرس الثوري» دليل استمرارها بالفوضى في المنطقة"، الاتحاد، 15 مايو 2018.                                                                                                        https://bit.ly/2EkF446

3-   إسراء أحمد فؤاد، " كيف ساعدت قطر الحرس الثورى فى محاولة بسط نفوذه على الخليج؟"، اليوم السابع، 22 نوفمبر 2017.                                                                                                                https://bit.ly/2Emfa06

4-   نيفين أشرف، "فوربس: إيران تحاول الاستفادة من قطر في تنظيم مونديال 2022"، الدستور، 28 أغسطس 2018.                                                                                                                          https://bit.ly/2OpzqST