المركز العربي للبحوث والدراسات : الحرب والانفتاح والاصلاح والتنمية .. مسارات هيكلية في بنية الاقتصاد المصري (طباعة)
الحرب والانفتاح والاصلاح والتنمية .. مسارات هيكلية في بنية الاقتصاد المصري
آخر تحديث: الخميس 11/10/2018 06:28 م آية عبد العزيز
الحرب والانفتاح والاصلاح

تعد حرب أكتوبر 1973 أكبر ملحمة عسكرية شهدها تاريخ المواجهات العربية مع الكيان الإسرائيلي؛ حيث تعد نقطة ارتكاز وتحول جيواستراتيجية في مسار  الحروب التي تمت داخل الميدان الصحراوي المكشوف، أثبت حرب أكتوبر كفاءة العنصر البشري ومدى قدرته على المواجهة العدو الصهيوني الذي اختلس نصره في يونيو 1967.

أدركت القيادة المصرية مدى أهمية الاقتصاد المصري واستقلاليته خاصة بعد حرب يونيو  1967، لذا فقد اتبعت سياسات أكثر  وطنية تعتمد على التمويل الذاتي والمجهودات الفردية، علاوة على فرض ضرائب جديدة، مع زيادة قيمة الضرائب القديمة لزيادة الإيرادات العامة لمواجهة التزايد السريع في الانفاق العام اللازم للاستعداد لخوض حرب أكتوبر  مع الكيان الصهيوني.

اتسمت السياسات الاقتصادية المصرية أثناء الحرب بإعطاء أولوية للمجهود الحربي من خلال الاستثمارات التي تساهم في خدمة الحرب، فضلًا عن إصدار بعض القوانين الخاصة بوقف استيراد بعض السلع الكمالية مثل الأقمشة الصوفية، وأجهزة التليفزيون والراديو والسجائر وبعض الأجهزة الكهربائية مثل الغسالات. فيما تم اعتماد زيادة الرسوم الجمركية على السلع الواردة للاستعمال الشخصي بنسبة 50%.

علاوة على احتكار القطاع العام للسلع والمواد التموينية لمنع التلاعب في الأسعار وضمان وصولها إلى الشعب والمستحقين لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. وأكدت الإدارة المصرية على توازن سعر الصرف بعيدًا عن الاختلالات السوقية لضمان استقرار سعر الجنية المصري مقابل الدولار.

 وكنتيجة لهذه السياسات استطاعت الدول المصرية إعادة بناء مؤسساتها وخوض معركة أكتوبر بكفاءة وفعالية، كما استطاعت الدولة المصرية السيطرة على ديونها الخارجية العسكرية عند انتهاء الحرب لتصل ما يقرب من 2 مليار دولار  غالبيتها للاتحاد السوفيتي بينما بلغت المدنية منها نحو 2.7 مليار دولار(1).

والجدير بالذكر أن هذه السياسات انعكست بشكل كبير على قطاع الصناعة الذي استطاع الاستحواذ على ما يقرب من ربع الناتج المجلي الإجمالي، إلا إنه مع اندلاع الحرب تراجع هذه الاسهام إلى -1.73%(2).

الانفتاح الاقتصادي والنظام الرأسمالي

ساهمت القيادة السياسية من خلال تبني سياسات اقتصادية أكثر مرونة مع المتغيرات الدولية الإقليمية في تحول الاقتصاد المصري من اقتصاد حرب لدولة اشتراكية إلى اقتصاد رأسمالي قائم على آليات العرض والطلب وآليات السوق الحر؛ حيث الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية والدخول في شركات واتفاقيات دولية تعزز من مكانة مصر الاقتصادية. وخاصة في مرحلة ما بعد حرب أكتوبر في محاولة من الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" لتحقيق التقدم والرخاء على كافة الأصعدة.

تجسد الإدارة المصرية في تعاطيها مع الاقتصاد الوطني وفقًا لآليات السوق الحر في عام 1974 في إصدار قانون الاستثمار رقم (43) لسنة 1974 القاضي بأن " أي مشروع ستتم الموافقة عليه سيعتبر تلقائيا جزءًا من القطاع الخاص، وإن كان يشارك فيه شركات القطاع العام". وهو ما يعني انتهاج الدولة المصرية سياسات تعمل على إعادة دمجها اقتصاديًا في النظام الرأسمالي الليبرالي.

وعليه فقد تأثر القطاع الخاص الذي لعب دورًا بارزًا على ضوء قانون الاستثمار الجديد، كما ساعد هذه القانون في زيادة عمليات الاقتراض من البنوك وتوجيها للأنشطة غير الإنتاجية من قبل رجال الأعمال مثل الاستثمار في سوق العقارات والمضاربة في البورصة، بل قام بعض رجال الأعمال ترهيب هذه الأموال للخارج في سياق حساباتهم الشخصية، وبذلك تحول الاقتصاد المصري إلى اقتصاد ريعي قائم على العملة الصعبة مع تراجع الأنشطة الاقتصادية. 

كان لإدراك القيادة المصرية للتحولات الدولية في نسق النظام العالمي بعد حرب أكتوبر عددًا من الدلالات التي تبلورت في سياساته الاقتصادية الخاصة بجذب الاستثمارات الخارجية التي لن تتم إلا من خلال الدعم الأميركي لمصر. 

جاءت الخطوة الأولى للسادات في إبرام اتفاقية السلام مع كيان الاحتلال لاستعادة الأراضي المصرية ووقف نزيف الحرب. ووفقًا لهذه الاتفاقية كانت الولايات المتحدة الأميركية وسيطًا دوليًا في عملية السلام والحقت مذكرتين مع بنود الاتفاق يتم بموجبهم منح الطرفين مساعدات عسكرية واقتصادية(3).

لذا يعد الهدف المعلن لهذه المساعدات مساعدة أميركية الدولتين في إعادة النهوض باقتصاد الجانبين في مرحلة ما بعد الحرب لزيادة عملية الاستقرار ؛ حيث واجهت مصر بعد اتفاقية السلام مقاطعة عربية قوية بمثابة اعتراضًا واضحًا على تقبل الكيان المستعمر  والتعاطي معه. بينما كان الهدف الخفي لهذه المساعدات رغبة الولايات المتحدة في ضمان سيطرتها على النظام المصري لحماية أمن واستقرار حليفها الاستراتيجي "إسرائيل". التحكم في القرار الخارجي المصري لصالح الحفاظ على مصالحها في المنطقة، تأمين طرق التجارة العالمية من خلال قناة السويس.

جاءت انعكاسات هذه السياسات بشكل عميق على الاقتصاد المصري الذي وصل إلى أدنى مستوياته؛ حيث انهارت الصناعة الوطنية نتيجة انفتاح الأسواق وعدم القدرة على المنافسة مع المنتجات المستوردة. كما تراجعت قيمة العملة الوطنية مما أدى إلى عجز الدولة عن دفع ديونها الخارجية التي تزايدت، بالإضافة إلى زيادة الفساد وارتفاع معدلات البطالة، والتضخم.

وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهى أن السياسات الاقتصادية أثرت مباشرة على معدلات التنمية والاستثمارات إلا أن  معدل الناتج القومي ظل مرتفعًا وذلك نتيجة تنامي موجات الهجرة إلى دول الخليج، وإعادة النشاط السياحي علاوة على فتح قناة السويس أمام حركة التجارة العالمية.  مثلت هذه الأنشطة غير الإنتاجية نقطة تحول كبيرة في مسار الاقتصاد المصري إلا إنها لا يمكن الاعتماد عليها باستمرار نتيجة ارتباطها التطورات السياسة المتلاحقة وتوازنات القوى في المنطقة(4).

سياسات الإصلاح والتكيف الهيكلي

تولى الرئيس "محمد حسني مبارك" بعد اغتيال الرئيس "السادات" ليواجه الانعكاسات السلبية التي يعاني منها الاقتصادي المصري من خلال اتباع سياسة إصلاحية بالتعاون مع المؤسسات الدولية. جاءت الخطوة الأولى في عقد المؤتمر الاقتصادي القومي لمناقشة الوضع الحالي بشفافية ومدى إمكانية إصلاحه للخروج بعددًا من التوصيات ذات كفاءة وفعالية تساهم في النهوض بالاقتصاد المصري. حضر المؤتمر ما يقرب من 73 خبيرًا اقتصاديين واستمر على مدار 3 أيام لوضع أفق جديدة للاقتصاد الوطني.

                مثل المؤتمر الخطوة الأولى لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري من خلال وضع خطط تكتيكية لمدة خمس سنوات وتجدد لتنفيذ السياسات العامة للدولة لإنعاش الأنشطة الاقتصادية للمرة الثانية وبالفعل تم وضع أول خطة خمسية عام‏1982‏ ـ، 1987‏ وتوالت بعد ذلك الخطط الخمسية‏.‏ كما وافق الرئيس "مبارك" على برنامج إصلاح شامل يهدف إلى زيادة الإنتاج الصناعي  والزراعي لإصلاح الخلل الناتج عن زيادة معدلات الاستهلاك، وارتفاع حجم الواردات عن الصادرات وتراجع معدلات الادخار عن الاستثمار بالإضافة الي زيادة نفقات الدولة عن الإيرادات‏.‏

                تبلورت هذه السياسات في عددً من الآليات جاءت في مقدمتها استصلاح‏150‏ ألف فدانًا سنويًا، مع اتباع أحدث وسائل الزراعة المتقدمة لزيادة إنتاجية الفدان، علاوة على تحرير أسعار المنتجات الزراعية   والقضاء علي الفاقد في الانتاج الزراعي‏,‏ بالتوازي مع الاهتمام بالإنتاج الصناعي عبر منح القطاع الخاص عددًا من الامتيازات والحوافز النقدية والمالية لزيادة الاستثمارات الخاصة في القطاع الصناعي.

 وهنا كان لابد من التأكيد على أهمية  إصلاح القطاع المالي عبر علاج الموازنة العامة التي عانت من زيادة معدلات الدين الخارجي وتراجع قيمة العملة مع تنامي ارتفاع نسب التضخم. بجانب التطرق إلى اصلاح سعر الصرف من خلال تحريره؛ حيث كان يحدده البنك المركزي كسعر إداري، عليه فقد  ارتفعت الفائدة من‏6‏ إلي‏20%‏. وزاد معدل النمو  الاقتصادي إلى 6%، ووصل عجز الموازنة إلى لأقل من‏1%,‏ والتضخم الي أقل من‏3%,‏ كما بلغ معدل زيادة السكان ‏2%‏ سنويا‏(5).‏

وبالتطرق إلى التعاون المصري مع صندوق النقد الدولي فقد اقترض "مبارك" في الفترة من 1991 إلى 1993 375.2 مليون دولار لسد عجز الميزان التجاري، وقامت الحكومة باستغلال القرض في تحرير سعر الصرف وإنعاش سوق الأرواق المالية، ومنح القطاع الخاص مجالًا أوسع في مقابل تقليص دور القطاع الحكومي وهنا بدأت تجلياته في عمليات الخصخصة التي نتج عنها بيع العديد من الشركات الوطنية(6).

وبالرغم من أن الأوضاع الاقتصادية في ظاهرة كانت مستقرة إلا إنها حققت فجوة اجتماعية كبيرة ناتجة عن خصخصة القطاع العام وتسريح عدد كبير من العاملة بدون توفير عمل أخر، علاوة على تنامي معدلات البطالة بين الشباب. تحول النظام الاقتصادي المصري إلى نظام احتكاري قائم على فئة قليلة غفي المجتمع تجمع بين السلطة والثروة، تدير الاقتصاد الوطني وفقًا لمصالحها الاقتصادية.

ثورة 25يناير  ومآلاتها على الاقتصاد المصري

جسدت ثورة يناير 2011 حالة الغضب والسخط التي انتابت الشعب المصري من استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية، وعليه فقد خرج الشعب بمطالب لتصحيح الأوضاع وإعادة توزيع المنافع والفوائد الاقتصادية وفقًا لما تفتضيه العدالة الاجتماعية، ومطالبًا بإسقاط النظام السياسي.

بالرغم من أن الثورة أهداف الثورة تتبلور في طياتها إصلاح النظام الاقتصادي إلا إن الأوضاع السياسية غير المستقرة وحالة السيولة التي واجهها الشعب المصري خلال هذه الفترة انعكست على الاقتصاد المصري من خلال انخفاض الاحتياطي النقدي من 36 مليار دولار في نهاية 2010 إلى 16.3 دولار في بداية 2012 ، علاوة على تباطؤ حاد في معدلات الإنتاج، وتراجع ثقة المستثمرين.

  كما خفضت ستاندرد اند بورز التصنيف الائتماني طويل الأجل من B – إلى  CCC + وتم تخفيض التصنيف الائتماني قصير الأجل من B إلى C بسبب قلق البنوك الدولية من قدرة مصر على سداد القروض القائمة والجديدة، في الوقت الذي أدار فيه المستثمرون الأجانب ظهورهم على اقتصاد مصر ، يتمثل التحدي الأكبر للحكومة في تعزيز النمو برأس مال محدود(7).

وفي هذا الصدد بدأت الدولة المصرية في استعادة استقرارها من خلال تولي الرئيس "محمد مرسي" الذي واجهه تحديات كثيرة تمثلت في زيادة تراجع معدلات النمو وزيادة التضخم ومعدلات البطالة، التي انعكست على الطبقة المتوسطة بشكل مباشر.

جاء الرئيس "مرسي" في منتصف 2012 ولكنه لم يتمكن في الاستمرار في الحكم أكثر من سنة نتيجة سياساته غير الفعالة على كافة الأصعدة التي خلقت مزيدًا من عدم الاستقرار الاجتماعي. فبرغم من تبنيه مشروعًا اقتصاديًا يسمى "النهضة" إلا إنه كان بمثابة مشروعًا وهميًا مستمد جذوره مش مشروع الحزب الوطني فعلى سبيل المثال لم يرفض الخصخصة وتداعياتها ولكنه أكد على أهمية تبني أشكال أخرى منها.

لم يقدم المشروع آليات جديدة للدولة تقوم من خلالها تنفيذ برامجها السياسية، فمازال الدور محصورًا في إنشاء البينية التحتية وتشجيع الاستثمار الخارجي بتقديم حوافز تشريعية وقانونية ومالية. كما لم يقدم جديدًا فيما يتعلق بإصلاح منظومة الأجور، ولم يقدموا حلولًا كافية لمواجهة الاحتكار والاستغلال التجاري(8).  

وعليه فقد عانى الاقتصاد خلال هذه الفترة، وسرعان ما قامت ثورة 30 يونيو لتصحيح مسار يناير وعودة الهيبة للدولة المصرية مرة ثانية. بالفعل تمكن الشعب بالالتحام مع الجيش والشرطة استعادة مقاليد الحكم السياسي من يد جماعة الإخوان اليت حاولت من خلال تواجدها في السلطة تبني سياسات  تخدمهم _الأهل والعشيرة_.

جاءت مرحلة الرئيس "عبدالفتاح السيسي" بسياسات جديدة تتجنب فساد المراحل السابقة وتدعم النهج الإصلاحي من خلال عدد من المسارات اليت انعكست على النشاط الاقتصادي الذي استعاد مكانته من جديد. وهنا لابد من تسليط الضوء على بعض مؤشرات الخاصة بالاقتصاد المصري خلال الخمس سنوات الأخيرة على النحو التالي:

السنة

2013

2014

2015

2016

2017

معدل النمو الاقتصادي

2.2

2.9

4.4

4.3

4.2

معدل البطالة

13.2

13.0

12.8

12.5

11.8

معدل التضخم

9.5

10.1

10.4

13.8

29.5

نسبة الدين الخارجي من الناتج المحلي الإجمالي

15.0

15.1

14.4

16.7

33.7

معدل الاستهلاك

3.3

4.4

3.1

4.6

4.2

معدل الاستثمار

-8.4

1.7

8.6

11.2

11.3

المصدر: https://www.focus-economics.com/countries/egypt

اقتصاد الدولة التنموية

ساهم الرئيس "عبدالفتاح السيسي" في إحياء النمو الاقتصادي مرة ثانية، واستطاع التعامل مع التحديات الداخلية بكفاءة وفعالية، علاوة على تبنيه برنامجًا للإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي وذلك لإثبات تعافي الدولة المصرية من حالة الفوضى التي كادت أن تعصف بأمنها واستقرارها.

سعت القيادة المصرية إلى توقيع اتفاقيات في مجال الطاقة وبناء محطات جديدة وإعادة هيكلة البنية التحتية الخاصة بنقل الغاز الطبيعي من مراكز الإنتاج إلى دول التوزيع. كما عمل السيسي على زيادة استكشافات الغاز وتطويرها. وانتقل إلى خفض المتأخرات الكبيرة في المدفوعات لشركات الطاقة الدولية للنفط والغاز. وقد شجعهم ذلك على إحياء أنشطتهم في مصر ، مما أدى إلى اكتشافات عديدة للغاز في شرق المتوسط، بما في ذلك حقل "ظهر" ، وهو أكبر حقل في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وفي هذا الصدد أطلق الرئيس المصري سلسلة من مشاريع البنية التحتية مثل الطرق الجديدة  وافتتاح قناة السويس الجديدة، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة بقيمة 45 مليار دولار شرق القاهرة. كما تفاوض مع روسيا لإنشاء محطة طاقة نووية جديدة بتكلفة 20 مليار دولار(9).

تبني "السيسي" سياسات إصلاحية أكثر جراءة تهدف إلى تحفيز الاقتصاد، وتعزيز بيئة الأعمال في مصر وتحقيق نمو متوازن وشامل للجميع من خلال إعادة موازنة جوانب الاقتصاد الكلي، التي تضمنت خيارات سياسية صعبة تم تبنيها في وقت واحد. مثل قانون ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض الحد من الطاقة، التي تحتوي على النمو المرتفع لفاتورة الأجور وتحرير الجنيه المصري.

استهدفت المرحلة الثانية من الإصلاحات تحسين مناخ الإدارة والاستثمار، الذي يتضمن قانون إصلاح الخدمة المدنية، الذي صدر في أكتوبر 2016، بالإضافة إلى مجموعة من الإصلاحات الجارية التي تستهدف إزالة الحواجز الاستثمارية وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وبدأ تنفيذ الإصلاحات إلى جانب الاستعادة التدريجية للثقة والاستقرار الأمر الذي أسفر عن نتائج إيجابية تمثلت في تحسن الاقتصاد الوطني بشكل تدريجي؛ حيث بلغ معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 4.3٪ في 2015/2016 ، مقارنة بمتوسط ​​2٪ فقط خلال الفترة 2010 / 11-2013 / 2014، مدفوعًا بالاستثمار والصادرات والاستهلاك.

 بجانب انخفاض العجز الإجمالي في الموازنة خلال النصف الأول من السنة المالية 2017 إلى 5.4 % من الناتج المحلي الإجمالي، منخفضًا من 6.4 % في الفترة نفسها من العام المالي 2016، ثم انخفض بنسبة 1% إلى 4.4٪ و 0.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، خلال النصف الأول من العام المالي 2011 ( يوليو / يونيو)، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

وفي إطار مرحلة ما بعد تعويم الجنيه المصري –العملة المحلية-، أظهر سعر الصرف في البداية بعض التقلبات، ولكن بعد ذلك بدأت في تعزيز، ولا سيما مع الطلب القوي المستثمر الأجنبي على أدوات الدين المحلية. كما ارتفع صافي الاحتياطيات الدولية إلى مستوى قياسي بلغ 42.5 مليار دولار أمريكي في نهاية فبراير عام 2018(10).

وفي هذا السياق؛ نجحت القيادة المصرية في سياساتها الخاصة بالطاقة التي هدفت إلى تحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز الطبيعي المسال، وبالفعل أعلنت الدولة المصرية في سبتمبر 2018 إنها أوقفت استيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج، وذلك بعد أن تسلمت آخر شحناتها المستوردة منه؛ حيث بلغ إنتاجها اليومي من الغاز الطبيعي 6.6 مليار قدم مكعب هذا الشهر، مقارنة  شهر يوليو  الذي بلغ فيه قيمة الإنتاج نحو ستة مليارات قدم مكعبة. وهنا تستعد الدولة المصرية من خلال تجهيز بنيتها التحتية في تحقيق الهدف الثاني وهو تحويلها إلى مركز لتداول الطاقة في المنطقة من خلال تسييل الغاز الطبيعي وإعادة تصديره(11).

لذا فقد صُمِّمَت الإصلاحات الاقتصادية المدرجة في البرنامج الذي يدعمه صندوق النقد الدولي لاستعادة الثقة في الاقتصاد المصري، وتشجيع نموه؛ حيث تعتبر استعادة النمو عاملًا ضروريًا لتحسين قدرة مصر على خدمة ديونها، وتخفيض نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، وتقليل معدلات التضخم في مقابل زيادة قيمة العملة الوطنية من خلال تنامي الاستثمارات والمشروعات الوطنية.

وقد حدث تقدم بالفعل. فللمرة الأولى حققت مصر فائضًا أوليًا في موازنة 2017/2018، وبدأت ديونها تتراجع(12). وفي حقيقة الأمر  استطاعت القيادة المصرية الحالية في وضع خطط استراتيجية تساهم في انتعاش الاقتصاد المصري على المدى الطويل وجعله من أفضل 30 اقتصاد على مستوى العالم عبر وضع استراتيجية 2030.

ختامًا؛ يعد الاقتصاد المصري من أهم الاقتصاديات على مستوى الوطن العربي، كما يتميز بقدرته على التكيف والتغير وفقًا للمتغيرات المتلاحقة على المستوى الداخلي والخارجي. بالرغم مما يعانيه من تحديات إلا إنه مازال مستقرًا بشكل كبير.

الهوامش:

1.       أحمد السيد النجار، "كيف قاتلت مصر على جبهة الاقتصاد من يونيو 1967 إلى أكتوبر 1973"، الأهرام، 6/10/2014.  http://cutt.us/RSYK5

2.       هدير عبد المنصف شحاته، "الجبهة الاقتصادية.. من اقتصاد الاستنزاف إلى اقتصاد الحرب"، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، 9/10/2016. http://cutt.us/LXSVM

3.       عبدالله المصري، "الانفتاح الاقتصادي في العالم العربي: الطريق إلى التبعية المالية!"، 22/9/2015. https://www.ida2at.com/economic-opening-in-the-arab-world-a/

4.       "الاقتصاد المصري من عهد عبدالناصر إلى عهد مبارك"، مجلة الحوار، نوفمبر 2011. http://alhiwarmagazine.blogspot.com/2011/11/blog-post_1286.html

5.       علي لطفي، "عشرون عاما مع مبارك"، الأهرام، العدد 41963، أكتوبر 2001. http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/10/27/WEYR11.HTM

6.       حسام الشقويري، "قصة رؤساء مصر مع صندوق النقد الدولي"، 3/4/2017. http://cutt.us/QQeNS

7.             "The Economy Of Egypt", https://www.worldatlas.com/articles/the-economy-of-egypt.html

8.       د. شريف درويش اللبان، دعاء عادل محمود، " صعود مؤشرات الفشل: تعامل حكومة الإخوان مع الملف الاقتصادي أثناء حُكم مرسي"، المركز العربي للبحوث والدراسات، 24 مارس 2016. http://www.acrseg.org/40041

9.             Patrick Werr, "Egypt economy stabliises under Sisi but prices remain to be tamed", Reuters, 26/3/2018. https://www.reuters.com/article/egypt-election-economy/egypt-economy-stabliises-under-sisi-but-prices-remain-to-be-tamed-idUSL8N1R825X

10.     "The World Bank In Egypt". 16/4/2018. https://www.worldbank.org/en/country/egypt/overview

11.   "مصر تستلم "الشحنة الأخيرة".. وتودع رسميا عهد استيراد الغاز"، سكاي نيوز عربي، 29/9/2018. http://cutt.us/QNCi5

12.   "IMF AND EGYPT FREQUENTLY ASKED QUESTIONS", 2/7/2018. https://www.imf.org/en/Countries/EGY/Egypt-qandas