المركز العربي للبحوث والدراسات : ملامح الثبات والتغير في الاستراتيجية الأمريكية بعد 11 سبتمبر (طباعة)
ملامح الثبات والتغير في الاستراتيجية الأمريكية بعد 11 سبتمبر
آخر تحديث: الثلاثاء 18/09/2018 12:41 ص مصطفى صلاح
ملامح الثبات والتغير

شكلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، على مبنى التجارة العالمي في نيويورك في الولايات المتحدة أحد أهم المتغيرات الدولية ونقطة تحول جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه العالم؛ حيث شكلت تداعيات ذلك الهجوم على الملامح العامة للسياسة الأمريكية سواء في الداخل أو الخارج، بل عملت الإدارة الأمريكية حينذاك بقيادة "جورج بوش الابن"، على استغلال هذه الأحداث وتوظيفها لتعزيز الهيمنة الأمريكية على العالم، وإعادة صياغة النظام الدولي وفق أسس ومبادئ بما يتناسب مع المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى.

إلا أن وبعد مرور 17 عامًا على تلك الأحداث وبعد تقسيم العالم إلى محورين؛ محور الخير والشر؛ الذي أعلن عنه "بوش الابن"، بقوله "إما أن تكونوا معنا ومع الخير أو تكونوا ضدنا ومع البربرية والشر". وعليه برزت أهم ملامح تلك السياسة والمتمثلة في إعلان حرب وقائية تشنها الولايات المتحدة في أي مكان في العالم ترى فيه تهديدًا لأمنها، حسب زعمها، واستخدام كل الوسائل بما فيها التدخل العسكري وتغيير الأنظمة السياسية القائمة واستحداث قيم أخلاقية تصنف الدول على أساس الخير والشر. وفيما يلي استعراض لأهم ملامح تلك السياسة ومساحة التغير والثبات.

مكافحة الإرهاب

شكلت تلك الهجمات الأكثر دموية في تاريخ الإرهاب وأكبر خسارة في الأرواح على الأراضي الأمريكية منذ الحرب الأهلية. وأدى فشل الأجهزة الاستخباراتية في التنبؤ بتلك الهجمات إلى تغيير جذري في التعاطي مع الأجهزة الأمنية وطبيعة دورها، وحدود التدخل الأمريكي في الخارج.

ووفق ذلك عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على وضع مواجهة الإرهاب على رأس أولوياتها، فقامت بتعبئة الجهود الداخلية والخارجية، مع توفير الغطاء التشريعي لاستخدام التدخلات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية في العالم بأكمله، والمتمثل في إعلان الحرب وتغيير الهدف من مجرد معاقبة الإرهابيين، إلى العمل على التدخل لتدمير التنظيمات تلك في العديد من منابع نشأتها، ومهاجمة الدول التي توفر لها الملاذات الأمنة؛ وعليه صنفت العديد من الدول وفق تلك المحور مثل العراق وإيران وأفغانستان وكوريا الشمالية، وهو الأمر الذي مهد إلى غزو العراق خارج نطاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية.

وبالتالي أصبح الجيش الأمريكي يتواجد في أكثر منطقتين غنيتين بالنفط، وباتت لديها قواعد عسكرية في دول الخليج والدول الأخرى، وبدأت تتحدث عن سياسة (من ليس معنا.. ضدنا)، وتعمل باستراتيجية الحرب الاستباقية، وأصبح شعار السياسة الخارجية الأمريكية (الحرب على الإرهاب)، ولم تعد لحرب الشيوعية أولوية لديها.

سياسة التحالفات

سعت الولايات المتحدة في سياساتها الجديدة إلى تكوين شبكة من التحالفات وفق المبدأ المتعلق بتقسيم المعسكرات إلى دول تقف بجانبها أو دول تقف أمام سياساتها الجديدة، وفي هذا الإطار شكلت واشنطن مع العديد من دول الاتحاد الأوروبي.

في هذا السياق، شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، نموذج فريد من التقارب بين الجانبين بعد أن كان لكلاهما سياسته المستقلة تجاه العديد من القضايا؛ حيث شاركت العديد من الدول الأوروبية بالدعم اللوجيستي والسياسي للتدخلات الأمريكية في العديد من دول العالم، تحت مسمى "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب"، وهذا ما فسرته الإدارة الأمريكية بفكرة الانتقال بنمط العمليات العسكرية بضرورة القيام بعمليات احترازية في إطار الحرب الشاملة ضد الإرهاب؛ حيث الانتقال من استراتيجية الردع والاحتواء، إلى استراتيجية الهجوم الاستباقي مع الحلفاء.

التدخلات الدولية

تمثل التدخلات الدولية أحد أهم السياسات المتبعة من جانب الولايات المتحدة لتحقيق استراتيجيتها الخارجية، سواء كانت بصورة منفردة أو بصورة تحالف مع مجموعة من الدول، إلا أن هذه السياسات لم تعد متبعة بصورة مكثفة في هذه الفترة في إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، خاصة وأن تلك السياسات ورثها الرئيس ترامب عن سابقيه جورج بوش الابن وباراك أوباما؛ حيث ورث ترامب حربًا في أفغانستان، وحملة عسكرية مستمرة ضد داعش، والتورط في الحرب الأهلية في اليمن، إلى جانب الالتزامات العسكرية في أماكن أخرى من العالم. وهو ما اعتبره ترامب تكلفة باهظة بلا مقابل. وقاد ترامب جهود محاربة داعش في إطار التحالف الدولي، وأنهى الدعم للمعارضة السورية، وخفض التركيز على القوة الناعمة وحقوق الإنسان، وتبني تعريفًا أوسع للعدو ليشمل الإرهاب الإسلامي الراديكالي فقط، وفرض حظر مؤقت على السفر من 9 دول إسلامية إلى الولايات المتحدة.

                في مقابل ذلك يرى ترامب سياسة العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية  كبديل عن سياسة التدخلات المباشرة، وفي هذا الشأن تتبني الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب العقوبات كإحدى أدوات سياساتها الاقتصادية الناجزة والرادعة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية محددة، من خلال ممارسة الضغط على الدول المستهدفة بالعقوبات بهدف تغيير مواقفها في الاتجاه الذي تريده واشنطن؛ حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على العديد من الدول مثل روسيا، الصين، كوريا الشمالية، إيران وتركيا وقديمًا ليبيا وكوبا والعراق.

بجانب ذلك رأى ترامب أن الإرهاب الإسلامي تهديد أجنبي يجب على أمريكا أن تحمي نفسها من خلال حدود أقوى، وتعزيز القيود المفروضة على السفر، وتخفيض تدفقات اللاجئين والهجرة، والفحص الشديد لأولئك الذين يريدون أن يأتوا إلى الولايات المتحدة، وهو يرى أيضا أن تصاعد  الإرهاب في أوربا ارتكز على وجود مستوى عالٍ من الوجود الإسلامي بها وفقدان السيطرة على الهجرة والمهاجرين، لمنع اختراق المجتمع الأمريكي.

الثبات والتغير

على الرغم من محورية أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وتداعياتها على الاستراتيجية الأمريكية في توجهاتها على المستويين الداخلي والخارجي، إلا أنها شهدت مراحل تفاوت في حدود التأثير لتلك السياسات أو ملامح الاستراتيجية الجديدة الوليدة لتلك الأحداث، وعلى ذلك عملت الولايات المتحدة إلى تطوير سياساتها بما يتماشى مع الظروف الدولية الجديدة وإن كانت السمات العليا لتلك الأسس والمبادئ واحدة، إلا أنها اختلفت عن سابقتها في آليات وحدود تنفيذ تلك السياسات.