المركز العربي للبحوث والدراسات : مآلات عكسية: أين يتجه الاقتصاد التركي؟ (طباعة)
مآلات عكسية: أين يتجه الاقتصاد التركي؟
آخر تحديث: السبت 21/07/2018 07:57 م آية عبد العزيز
مآلات عكسية: أين

بعد فوز "رجب طيب أردوغان" في  الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 24 يونيو/ حزيران 2018، فإن أنقرة ستدخل مرحلة جديدة من النظام الرئاسي ووفقًا لهذه التعديلات سيتمتع "أردوغان" بصلاحيات واسعة تمكنه من تشكيل حكومته بدون قيود، فضلاً عن قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة بدون الرجوع إلى موافقة البرلمان وخاصة في فيما يتعلق بسياساته الخارجية التي تتوافق مع طموح السلطان العثماني، وعليه بدا "أردوغان" في تشكيل حكومته بشكل مستقل متجاهلاً كل ما يعيق طموحه في السيطرة على مؤسسات الدولة التركية.

ديكتاتورية السلطان

تمكن "أردوغان" بالفعل من تحقيق أهدافه الداخلية والخارجية في الآونة الأخيرة مستغلاً محاولة الانقلاب التي تعرضت لها أنقرة في يوليو/ تموز 2016 لتكون ذريعة جديدة لديكتاتوريته وإنفراده بالسلطة، تجلى في التدخل العسكري في المنطقة العربية بحجة حماية الأمن القومي التركي من الإرهابيين خاصة في سوريا من خلال عملية "درع الفرات"، و"غصن الزيتون" تمهيدًا لخلق موطئ قدم له في دمشق، بالإضافة إلى تحركاته في البحر الأحمر ومنطقة شرق أفريقيا، بالتزامن مع توجهاته الخارجية نحو منطقة شرق المتوسط، تمهيدًا لاستعادة أمجاد الأمبراطورية العثمانية.

وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن التنمية في تركيا رغم إنها مستمرة فضلاً عن تنامي الاستثمارات الداخلية والخارجية إلا إن الاقتصاد التركي في وضع حرج نتيجة ارتباط قيمة العملة الوطنية، ومعدلات التضخم  بالاستقرار السياسي والتحركات الخارجية.

تمثل ذلك على سبيل المثال عندما عين "أردوغان" فور تنصيبه صهره "براءت ألبيرق" وزيرًا للخزانة والمالية في الحكومة الجديدة، تكريسًا للهيمنة الفردية، والسيطرة على السياسات المالية والنفدية في تركيا، أدى ذلك إلى انخفاض مباشر لقمية الليرة التركية لتسجل أسوا معدلات خلال العام الجاري.

 وفيما يلي جدول يوضح أهم المؤشرات الخاصة بمعدلات النمو التي يشهدها الاقتصاد التركي من 2013 وحتى 2017 ؛ حيث أثرت التدخلات الخارجية على السياسات النقدية والاقتصادية مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى من 10%، بجانب ارتفاع معدلات البطالة أيضا فوق 10 %، مما يعني عدم قدرة الحكومة على زيادة عائدات الضرائب لتغطية العجز في الميزانية، البالغ 50 مليار دولار كما هو موضح على النحو التالي:

 

 

السنة

المؤشر

2013

2014

2015

2016

2017

الناتج المحلي الإجمالي (مليار دولار)

950

943

858

862

851

معدل النمو الاقتصادي

8.5

5.2

6.1

3.2

7.4

نسبة الدين الخارجي من إجمالي الناتج المحلي

41.3

43.3

46.6

47.3

53.2

معدل البطالة

9.1

10.0

10.3

10.9

10.9

نسبة التضخم

7.0

6.4

5.7

9.9

15.5

المصدر: https://www.focus-economics.com/countries/turkey

انعكاسات مضادة على الاقتصاد التركي

بدا "أردوغان" حكمه بالسيطرة على الاقتصاد التركي ليكون رهن أوامره من خلال السيطرة عليه وفقًا لتوجهاته الخاصة من خلال تعين "ألبيرق" في هذا المنصب، لتكون مرحلة جديدة من تراجع سياسات السوق الحر ، وتقويض استقلال البنك المركزي، ليكون محل وزير المالية "ناسي أغبال". وعليه فقد تأثرت العملة الوطنية بشكل كبير  تمثلت في انخفاض الليرة من 3.8 % إلى 4.7488 % مقابل الدولار.

 الأمر الذي أثار قلق المستثمرين بشكل كبير لأن القيادة السياسة الجديدة انتهجت سياسات نقدية من شأنها زيادة معدلات التضخم وعجز الميزانية نتيجة الضغط السياسي على البنك المركزي لتخفيض سعر الفائدة ظنًا منهم إنه سيكون دافعًا لمواجهة التضخم، وزيادة الاستثمارات الخارجية. 

والجدير بالذكر ؛ أن أردوغان قد أعرب مرارًا عن نيته في التحكم في الاقتصاد بشكل كبير فور إجراء الانتخابات الرئاسية، متعهدًا بخفض سعر الفائدة، مستغلًأ النمو الاقتصادي الذي شهدته أنقرة في العام الماضي بشكل أسرع من الصين(1).

كما أدت القرارات السياسية الخاصة بإعادة هيكلة الاقتصاد التركي وفقًا للرؤية الأردوغانية إلى تأثيرات سلبية على معدلات النمو الاقتصادي بجانب تراجع قيمة السندات السيادية التركية وفقًا لقيمتها بالدولار ، كما واصلت في الانخفاض فعلى سبيل المثال انخفض الإصدار المستحق في2045 بمقدار4.3 سنت إلي87.2 سنت، كما تراجع إصدار السندات الدولية استحقاق2038 بواقع3.9 سنت إلي95.87 سنت(2).

"الليرة".... والاقتصاد التركي

تعاني العملة الوطنية التركية من حالة من تدهور، وتعد من بين أسوأ عملات الاقتصاديات الصاعدة أداءًا خلال عام 2018، فضلاً عن تراجع سعر الصرف بأكثر من 15%، وذلك في إطار الإدارة السياسية الضاغطة على الاقتصاد الوطني بما يدعم تواجهاته على كافة الأصعدة. فبرغم من تمكن الاقتصاد التركي من تحقيق معدلات نمو عالية، ونائ بنفسه من الأزمة الاقتصادية العالمية التي تعرضت لها الاقتصاديات الغربية في 2008 إلا إنه لم يتمكن الصمود وأخذ في التراجع نتيجة التحكم السياسي في القطاع المصرفي وذلك منذ 2010 تماشيًا مع النهج السياسي الجديد الذي تقوده النخب الحاكمة.

وفي هذا الصدد؛ تزايدت الديون الخارجية المستحقة للمصارف الأوروبية لتصل إلى ما يقرب من 224 مليار دولار (نحو 200 مليار يورو)، كما تأثرت أسهم تلك البنوك الأوروبية بانهيار الليرة بنسب تتراوح بين 10% و20 % بسبب ديونها في تركيا. وهنا يقف البنك المركزي عاجزًا عن تفادي هذه الأزمة لإنقاذ الشركات والمؤسسات التي لم تتمكن من تسديد ديونها الدولارية لأن الاحتياطي التركي من النقد الأجنبي معظمه احتياطي من الذهب برغم منه إنه يصل إلى 135 مليار دولار(3).

ختامًا؛ يبدأ "أردوغان" سياساته الجديدة وفقًا لقواعد النظام السياسي الرئاسي بترسيخ هيمنته على كافة مؤسسات الدولة التركية ومقدراتها بما يتوافق مع توجهاته الداخلية والخارجية بالتزامن مع تطويق المعارضة الداخلية وقمعهم باعتبترهم من مؤيدي الانقلاب وراغبيين في إزاحته من الحكم، وعليه فإنه يعد من القيادات السياسية التي تستمد شرعيتها الداخلية من تنامي الصراعات على كافة الأصعدة التي من شأنها تعزيز تدخله فيها ليكون بذلك القائد العظيم الذي استطاع تحول بلاده من دولة متوسطة هامشية إلى دولة مركزية فاعلة في النسق العالمي.

لذا لم تكن الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد التركي وليدة اللحظة ولكنها كانت كامنة منذ 2011 واستمرت مع تحركاته الخارجية الداعمة لإعادة التمركز والانتشار للسيطرة العثمانية على المنطقة العربية مستغلاً حالة عدم الاستقرار . كما حاول الرئيس التركي أن يتدخل في الأزمات العربية بشكل مباشر عبر المزج بين الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية للتأمين مصالحه الآمر الذي انعكس بشكل سلبي على الاقتصاد التركي تمثل في هروب العديد من الاستثمارات الأجنبية خارج البلاد.

بجانب تراجع العلاقات الاقتصادية مع الدول الخليجية إبان الأزمة مع قطر، فقد اختار "أردوغان" الاصطفاف إلى جانب الدوحة مدعمًا سياساتها بكافة الإمكانيات(4). كما تعد الضربة القاسمة للاقتصاد التركي في المستقبل القريب في السيطرة السياسية على السياسات النقدية والاقتصادية والتي ستأثر بشكل عميق على معدلات النمو والناتج الإجمالي، مما سينعكس على الشارع التركي الذي أصبح في مرمى سياسات أردوغان الديكتاتورية.

المراجع:

1- Constantine Courcoulas, "Turkish Lira Slumps as Erdogan Names Son-in-Law as Economy Chief", 9/7/2018, Bloomberg.

2- "الاقتصاد التركي ينقلب علي صهر أردوغان"، 11/7/2018، الأهرام المسائي.

3- "الاقتصاد التركي.. أرقام "ضخمة" تثير مخاوف المستثمرين"، 31/5/2018، سكاي نيوز عربي.

4- محمود حسن، "انهيار تاريخى لـ"الاقتصاد التركى"، 22/5/2018، اليوم السابع.