المركز العربي للبحوث والدراسات : ملفات متشابكة: محددات الجدل داخل إيران حول الانضمام لمعاهدة "فاتف" (طباعة)
ملفات متشابكة: محددات الجدل داخل إيران حول الانضمام لمعاهدة "فاتف"
آخر تحديث: الإثنين 16/07/2018 01:47 ص مرفت زكريا
ملفات متشابكة: محددات

تعد مسألة مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال من أبرز القضايا التي أعاقت اندماج إيران في الاقتصاد العالمي، وقلصت من فرص التعاون مع الشركات الأوروبية، لاسيما بعد التوقيع على الاتفاق النووي. لم تنجح حكومة الرئيس "حسن روحاني" في تمرير المشروع الذي قدمته لمجلس الشوري الإسلامي (البرلمان) المتعلق بالانضمام لمعاهدة  "FATF" وهي عبارة عن هيئة حكومية دولية، تتولي مهمة دراسة التقنيات واتجاهات الدول في تمويل الإرهاب وتطوير السياسات المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب محلياً ودولياً.  

                علي الرغم من تأجيل البت حول المشروع لمدة شهرين، لكن أنهى  المرشد الأعلى "علي خامنئي" الجدل الدائر داخل البرلمان الإيراني حول الانضمام لهذه المعاهدة، مؤكداً علي أنها لا تتوافق مع رؤية الدولة الإيرانية، فضلاً عن أن المعاهدات الدولية ذريعة تتخذها الدول الكبرى لقيادة الدول الأخرى.  يري المرشد الأعلى أنه يمكن لإيران أن تسن قانوناً داخلياً لمكافحة غسيل الأموال، بدلاً من التوقيع علي معاهدة غير محددة الأهداف(1).

شروط انضمام إيران لمعاهدة "فاتف".

أقرت "لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية" داخل البرلمان الإيراني مجموعة من الشروط لكي تقبل إيران بالانضمام لمعاهدة مكافحة تمويل الارهاب وغسيل الأموال، والتي يمكن إبرازاها علي النحو التالي:

1-      الخروج من القائمة السوداء؛ دعا مجلس الشوري الإسلامي في بيانٍ خاص مجموعة العمل المالية الدولية(FATF) لمتابعة طلب شطب إيران من القائمة السوداء المتعلقة بها، وفي حال لم يتم ذلك، ينبغي ابلاغ البرلمان من أجل اتخاذ القرار المناسب(2).

2-      التعارض مع الدستور؛ أعلنت الحكومة الإيرانية وبموجب الجزء الأول من اتفاقية "فاتف" أن البرتوكولات التي تتضمنها الاتفاقية غير ملزمة، فضلاً عن أن بعض نصوصها لا تتطابق مع المادتين 77 و 125 من الدستور الإيراني.  

3-      الاختلاف حول بعض التعريفات؛ اعترضت لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي داخل البرلمان الإيراني علي التعريف الذي تقدمه إتفاقية "فاتف" للإرهاب والذي يتضمن النضال الشعبي المشروع ضد السلطات الاستعمارية والمحتلين الأجانب.

4-      عدم التوافق حول بعض البنود؛ اقرت إيران بأنها ستلتزم بالبند الأول فقط من المادة 24 من الاتفاقية شريطة أن تراعي المادة 139 من الدستور، كما ستلتزم بالبند الثاني من المادة 7  و 17 من الاتفاقية في إطار القوانين الداخلية للبلاد.

5-      مشروطية عدم الاعتراف؛ انضمام إيران لاتفاقية "فاتف" لا يعنى الاعتراف بالكيان الصهيوني(3).

دوافع الرفض

صار جدل كبير بين تيار المحافظين والإصلاحيين في إيران حول الانضمام لاتفاقية تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، فعلي الرغم من تأجيل البرلمان لمناقشة المشروع بحجة التعديل والنقاش، إلا أنه كان هناك سعي واضح من قبل المحافظين لعرقلة مساعي الحكومة لتمرير المشروع داخل مجلس الشوري، ويمكن تفسير ذلك في ضوء عدة اعتبارات أهمها:

التدابير المضادة

عارض "علي خامنئي" انضمام بلاده لمعاهدة غسيل الأموال و تمويل الإرهاب، مبرراً ذلك، بعدم ثقته في  مصداقية المعاهدات الدولية، مشيراً لانسحاب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي. وقال خامنئي في ذلك "لا ضرورة لإبرام اتفاقات غامضة مجهولة الغايات، لمجرد وجود نقاط إيجابية فيها، وكما يجب ألا تخالف مشاريع القوانين المطروحة للتصويت في المجلس مصلحة البلاد". وفي الإطار ذاته، شدد خامنئي علي ضرورة أن يتم سن قانون داخلي لمواجهة الارهاب(4).

كما اعتبر بعض أقطاب المحافظين أن تمرير هذا المشروع يمكن أن يعرقل الجهود الإيرانية لدعم الميليشيات المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما حزب الله اللبناني، وميلشيات إيران في سوريا، فضلاً عن التنظيمات المسلحة في العراق واليمن. حيث استفادت إيران من الجماعات الارهابية أكثر من استفادة تلك الجماعات منها، فدائماً ما تعتبرها ورقة ضغط إقليمية ودولية علي كثير من دول العالم. ولذلك يتمحور هدف الدول الكبرى، وخصوصاً الاوروبية حول تكثيف الضغوط علي إيران من أجل مراقبة أعمالها المالية والسياسية من خلال ضمها للمعاهدات و المواثيق الدولية التي تعد الشفافية أبرز مبادئها(5).

الإضعاف المتزايد لموقف الاتفاق النووي

يرى المسئولون في إيران أن تأجيل البت في الانضمام لهذه المعاهدة، يمكن أن يعزز من موقف إيران التفاوضي مع الدول الأوروبية لمواصلة العمل بالاتفاق النووي، فبمجرد الإسراع في الانضمام للاتفاقيات الدولية من الممكن أن يعكس صورة سلبية عن الموقف الحالي لإيران متمثلاً في أن الضغوط دائماً ما تدفعها للتنازل وتبني مواقف أكثر مرونة مما يجبرها علي التفاوض حول ملفات أخري غير  الاتفاق النووي(6).

من ناحية أخري، يعول المحافظون في الضغط علي الولايات المتحدة الأمريكية بسبب رغبتها لفرض العقوبات الاقتصادية مرة أخري علي إيران، و تكثيف الضغوط علي الدول الاوروبية بسبب عدم قدرتها علي اقناع الشركات الأجنبية للبقاء في  السوق الإيرانية، لاسيما و أن هذه الخطوة ستفرض قيود مكثفة علي الدور الخارجي للحرس الثوري في المنطقة(7).

سياسات غير توافقية

ألقت الخلافات الداخلية فيما بين تياري المحافظين والإصلاحيين بظلالها على انضمام إيران لمعاهدة "فاتف"؛ حيث يزعم اتجاه المتشددين أن حكومة "روحانى" تريد الانضمام للاتفاقية من أجل تعزيز موقفها على الصعيد الخارجي، وضمان بقاء الأوروبيين داخل الاتفاق النووي. وكانت هناك مخاوف من قبل المحافظين في إيران لاسيما المرشد الأعلى "علي خامنئي" وقادة الحرس الثوري من أن يؤدي الانضمام للاتفاقية لاستدراج إيران للتفاوض حول الملفات الإقليمية(8).

                في السياق ذاته، أصبح هناك توافق دولي حول ضرورة إخراج إيران من سوريا، وهو الموضوع الذي تصدر الجولة الأخيرة لنتانياهو  في أوربا، وقال في ذلك "هدفي الأساسي هو الوصول لاتفاق دولي حول موضوع مغادرة إيران لسوريا، ومنذ أن وقعت القوي الدولية اتفاقاً دولياً في 2015 بهدف الحد من طموحات النظام النووية، ركزت علي أمرين (منع تفعيل البرنامج النووي وتحطيم الألة النقدية التي تمول هذه الإمبراطورية)". كما استمرت الغارات الجوية الإسرائيلية علي العديد من المواقع الإيرانية في سوريا، واشارت مصادر  أخري أن إسرائيل وروسيا توصلتا الي اتفاق من شأنه إبعاد القوات الإيرانية عن جنوب سوريا(9).

ختاماً؛ يرتبط الانضمام  لمعاهدة "فاتف" بالتدخلات الإيرانية في كثير من دول المنطقة مثل سوريا، اليمن، العراق، ويعد هذا الموضوع أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها نظام الجمهورية الإسلامية منذ نشأته، ولذلك من المتوقع أن يعارض المحافظين انضمام إيران لمثل هذه المعاهدة. كما سيؤدي الانضمام في حالة حدوثه الي اجبار إيران علي استخدام معايير الشفافية والنزاهة فيما يتعلق بنظامها المالي، مما سيضر بمصالح الحرس الثوري ومؤسساته الاقتصادية الذي يعتمد على السوق السوداء  والتهريب في تمويل أعماله الخارجية.

 في السياق ذاته، يمكن القول أن الصراع سيمتد طويلاً في إيران حول المسارات المحتملة للاتفاق النووي والملفات المتربطة به لاسيما فيما بين الحكومة وخصومها السياسيين خلال المرحلة القادمة.  في الوقت الذي توجد فيه ضغوط كثيرة علي حكومة روحاني لاسيما في ظل الأزمات الاقتصادية و الاحتجاجات المتلاحقة اعتراضاً علي التدخل الإيراني في المنطقة، وعدم قدرة الحكومة علي تقديم بدائل أو حلول تعالج هذه المشاكلات علي الصعيدين الداخلي والخارجي.

الهوامش:

1- اتفاقية مكافحة تمويل الارهاب مكبلة بالشروط في إيران، شبكة رؤية الاخبارية، 31/5/2018 ، الرابط.

2- خامنئي يحسم انضمام طهران الي معاهدة " مكافحة تمويل الإرهاب "، صحيفة عاجل الالكترونية، 20/6/2018  ، الرابط.

3- شروط انضمام إيران لاتفاقية مكافحة تمويل الارهاب، قناة العالم الاخبارية، 30/5/2018 ، الرابط.

4- خامنئي يرفض توقيع معاهدة دولية لمكافحة الارهاب، الحياة اللندنية، 21/6/2018 ، الرابط. 

5- ملفات مترابطة : أبعاد الجدل حول انضمام إيران لمعاهدة "فاتف"، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 27/6/2018 ، الرابط.

1-       محمد السيد الصياد، علاقة إيران بالتنظيمات الإرهابية: دراسة في سيكولوجية العنف الإيرانية منذ قيام الثورة وحتى الأن، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 29/5/2016 ، الرابط.  

2-       صحيفة إسرائيلية: توافق أوروبي حول اخراج إيران من سوريا، اورينت. نت، 7/6/2018 ، الرابط

3-      Iran is not satisfied by FATF ruling, 28/6/2017, Financial Tribune.

4-             John Mecklin, Trump withdraws from the Iran nuclear deal. What now? 8/5/2018, Bulletin of the Atomic scientists.