المركز العربي للبحوث والدراسات : محاولة فاشلة: ما وراء اغتيال رئيس الوزراء الإثيوبي (طباعة)
محاولة فاشلة: ما وراء اغتيال رئيس الوزراء الإثيوبي
آخر تحديث: الثلاثاء 26/06/2018 12:11 ص آية عبد العزيز
محاولة فاشلة: ما

تعرض رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" يوم السبت الموافق 23 يونيو/ حزيران 2018 إلى محاولة اغتيال فاشلة في العاصمة الإثيوبية "أديس أبابا"، بواسطة قنبلة يدوية ألقاها شخص على المنصة؛ حيث كان يلقي رئيس الوزراء خطابه أمام أكثر من مليون شخص في ساحة "ميسكيل"، ويعد هذا أول تجمع يتم تنظيمه في العاصمة دعمًا لـ "آبي"، مما أسفر عن سقوط قتيل وإصابة أكثر من 130 آخرين، الأمر الذي اعتبره "آبي" "محاولة غير ناجحة من قوى لا تريد أن ترى إثيوبيا موحدة".

دوافع اغتيال "آبي أحمد"

منذ تولي "آبي" _(أول رئيس وزراء من عرقية "الأورومو")_ السلطة وتأديته اليمين الدستوري أمام البرلمان خلفًا لنظيره "هايلي مريام ديسيلين" الذي قدم استقالته في 15 فبراير/شباط 2018. سعى إلى إحكام قبضته على مقدرات الدولة الإثيوبية، بما يتوافق مع مصالحها الوطنية داخليًا وخارجيًا وذلك بعد عقود من الانهيار والتراجع.

فعلى الصعيد الداخلي؛ أجرى "آبي" تغييرات كبيرة؛ حيث أفرج عن عدد كبير من المعارضين، واتخذ إجراءات لتحرير الاقتصاد الوطني. كما أكد على أهمية حماية الحقوق والحريات، معتبرًا أن الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا الحاكمة ستولي اهتمامًا بمصلحة المواطن واحترام حقوقه. لذا فقد تعهد بإتاحة المشاركة السياسية للأحزاب المعارضة، ومواطني المهجر.

كما سعى إلى إحكام قبضته على مقاليد الحكم عبر إقالة قائد الجيش "سامورا يونس" وتعين "سيري ميكونن" بديلًا له، و"آدم محمد" رئيسًا لجهاز المخابرات والأمن الوطني بدلًا عن "غيتاتشو أسافا"، بعد عقود من استمرارهم في مناصبهم دون تغيير، مستجيبًا لمطالب الاحتجاجات التي شهدتها "أديس أبابا" منذ 2015،  فيما أعلن عن بادرة تصالحية أسقط بموجبها التهم عن "برهانو نيقا" زعيم حركة "قنبوت سبات" والمصنفة من قبل الحكومة على إنها "حركة إرهابية".

وعلى الصعيد الخارجي؛ سعى "آبي" إلى انتهاج سياسة خارجية أكثر واقعية وبرجماتية تتوافق مع المصالح الداخلية الإثيوبية للتخلص من عقود الكراهية المتلاحقة التي دامت عبر الحكومات المتعاقبة تجلت على النحو التالي:

1-      التوجه السلمي نحو الجوار الجغرافي؛ داعى "آبي" إلى فتح مجالاً للحوار مع دولة إريتريا في الخامس من يونيو/ حزيران 2018 التي تعد أهم منافس لأديس أبابا في منطقة شرق أفريقيا، إثر الحرب الحدودية التي اندلعت بينهما في الفترة بين مايو/ أيار 1998 إلى 2000، بعد جهود الوساطة الأفريقية -(الجزائر)- قبل أن يوقع البلدان اتفاقية سلام في 2000.

أثار هذا القرار عدد من القوى السياسية الداخلية جاء في مقدمتهم "جبهة تحرير الشعب تجراي" –(من أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم والقوة المهيمنة على السلطة منذ أكثر من عقدين)_ الذي اعتبرت إعلان اتفاق السلام خطوة غير موفقة لأنه جاء قبل اجتماع مجلس الائتلاف الحاكم لمناقشته، كما احتج بعض الإثيوبيين قرب الحدود مع إريتريا على إعلان اتفاق السلام مع أسمرة.

2-      التحول نحو دول المصب؛ جاء التوجه نحو دول المصب كركيزة أساسية في التحول السياسة الخارجية الإثيوبية؛ فقد شهدت الآونة الأخيرة الزيارة التاريخية التي قام بها "آبي" للقاهرة، للتأكيد على إيجاد حل لأزمة سد النهضة دون المساس بأمن واستقرار البلدين. مما أدى إلى تعهد "آبي" للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بأن "بلاده لن تمس بحصة مصر من مياه نهر النيل"، خلال مؤتمر صحفي معلنًا بذلك نيته في إعادة النظر في العلاقات مع مصر وفقًا للمصالح الوطنية للجانبين. وذلك بعد عدد من الجولات والمفاوضات غير الناجحة التي تمت بين البلدين، لبحث سبل التسوية السلمية للملف "سد النهضة" في سياق حماية الأمن القومي لكلا البلدين.

والجدير بالذكر؛ أن هذه الزيارة قد سبقتها جولة "آبي" التي استمرت ليومين إلى الخرطوم في مايو/ أيار 2018، بدعوة من الرئيس السوداني "عمر البشير" لبحث سبل التعاون بين الجانبين على كافة الأصعدة وخاصة فيما يتعلق بأمن الحدود، والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. جاءت هذه الزيارة قبل أيام من انعقاد الاجتماع الثلاثي –(القاهرة، الخرطوم، أديس أبابا)_ في العاصمة الإثيوبية "أديس أبابا" بشأن "سد النهضة".

3-      التقارب الخليجي؛ شهدت السياسة الخارجية الإثيوبية نقلة نوعية في انفتاحها على دول الخليج العربي تجسدت بشكل كبير في الزيارات المتبادلة بينهم –فعلى سبيل المثال- قام "آبي" بزيارة المملكة العربية السعودية في مايو/ أيار 2018 كأول دولة خارج أفريقيا، وذلك لتوطيد العلاقات والتقارب بشكل وثيق مع القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة. فيما أسفرت هذه الزيارة عن إفراج عن بعض السجناء الإثيوبيين الذين وصلوا الرياض عن طرقي الهجرة غير شرعية.

فيما زار ولي العهد أبوظبي "محمد بن زايد" في يونيو/ حزيران 2018، العاصمة الإثيوبية لتوثيق العلاقات بين الجانبين من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات في المجال الاقتصادي، والتنموي بما يحقق التنمية المستدامة في القارة الأفريقية. فضلاً عن توقيع عدد من مذكرات التفاهم لتعزيز العلاقات وتسهيل كافة أشكال التعاون مثل توقيع مذكرة تفاهم بشأن إعفاء حاملي جوازات السفر كلا البلدين من تأشيرات الدخول، ومذكرة تفاهم للتعاون السياحي وأخرى متعلقة بإنشاء لجنة قنصلية مشتركة لتنسيق وتبادل المعلومات في مجالات الشئون القنصلية، وحركة الأشخاص بين الجانبين.

الرفض العربي لاستهداف قوى العمق الاستراتيجي

جاء الموقف العربي رافضًا للمحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس الوزراء الإثيوبي؛ حيث أعربت "وزارة الخارجية المصرية" عن استيائها الشديد لمحاولة اغتيال "آبي أحمد" رئيس الوزراء الإثيوبي، رافضةً أي محاولة للمساس بالأمن والاستقرار الدولة الشقيقة، ومعربةً عن خالص تعازيها للحكومة والشعب الإثيوبي وذوي الضحايا، وعن ارتياحها لسلامة رئيس الوزراء من محاولة الاغتيال الفاشلة.   مؤكدةً على ثقتها في قدرة الحكومة على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد بما يتوافق مع طموح وآمال الشعب الشقيق.

ومن جانبها أدانت دول الخليج العربي الحادث بأشد العبارات؛ حيث أعربت دولة الإمارات العربية المتحدة في بيان صادر من وزارة الخارجية عن رفضها الثابت لكافة أشكال العنف الذي يستهدف الشعوب دون تمييز بين دين أو عرق، وعليه فقد أدانت العمل الإرهابي الذي استهدف أمن واستقرار "أديس أبابا"، الذي يتنافى مع القيم والمبادئ الدينية والإنسانية. داعيةً المجتمع الدولي للعمل معًا لمواجهة هذه الخطر، من جذوره بما يحقق الأمن والاستقرار للعالم أجمع.

فيما استنكرت الرياض الانفجار، مشددةً على رفضها لكافة العمال التهدد الأمن والاستقرار في إثيوبيا، واستنكارها الشديدين للتفجير الذي استهدف تجمّع رئيس الوزراء الإثيوبي. مؤكدةً على وقوفها بجانب أديس أبابا ضد أي نمط من أنماط التطرف والإرهاب.   

ختامًا؛ جاء رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" بعد فترة كبيرة من الاحتجاجات التي عانت منها "أديس ابابا" نتيجة ما يعرف بترسيخ مراكز القوى السياسية لصالح "الدولة العميقة"، لذا حاول انتهاج سياسات إصلاحية على الصعيد الداخلي والخارجي، استجابةً منه لمطالب الاحتجاجات. كما تزامنت التحركات الخارجية مع التغيرات الداخلية بما يتوافق مع تحقيق المصلحة الوطنية للدولة الإثيوبية، بعيدًا عن مراكز القوى السياسة التي ترفض أي رفض للتغير في النهج الداخلي والخارجي.

وفي سياق حالة عدم الاستقرار التي جاءت في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة التي لم تعلن أي جهة مسئوليتها عن القيام بالحادث، بدأت تتزايد عدد التكهنات حول الحادث؛ حيث أثارت القرارات التي اتخذها "آبي" داخليًا غضب بعض القوى الداخلية التي تم الإطاحة بها وخاصة من جماعة "التيجراي"، لذا فمن المحتمل أن تكون رد فعل منها على سياسات "آبي".

وخارجيًا؛ انفتح "آبي" على الكثير من الدول الأفريقية والعربية تمهيدًا لبحث سبل التعاون والتنسيق المشترك حول الملفات ذات الاهتمام المشترك الأمر الذي يكاد ينعكس بشكل عميق على أذرع قوى الشر –(قطر، وتركيا، والإخوان)_ المُتمركزة في منطقة شرق أفريقيا لأن سياسات "آبي" تضر بمصالحهم الاستراتيجية وطموحهم الاستعمارية والراغبة في الأضرار بالأمن القومي العربي. وعليه من المتحمل أن تكون أذرع قوى الشر ذات علاقة وثيقة بالحادثة رغبةً منها في التعبير عن رفضها للتقارب الإثيوبي مع القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة.

المراجع:

1-        عبير سليم، "القصة الكاملة لمحاولة اغتيال رئيس الوزراء الإثيوبي"، الدستور، 23/6/2018. الرابط

2-       " محمد بن زايد يزور إثيوبيا.. ومذكرات تفاهم لتعزيز التعاون"، سكاي نيوز عربي، 16/6/2018. الرابط

3-       أحمد يونس، "تغييرات في إثيوبيا ومصالحة مع إريتريا وزيارة لمصر"، الشرق الأوسط، العدد 14439، 10/6/2018. الرابط

4-       " الإمارات تدين العمل الإرهابي وتؤكد تضامنها مع إثيوبيا"، الاتحاد، 24/6/2018. الرابط

5-       "«الخارجية»: مصر تدين محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإثيوبي"، التحرير. الرابط