المركز العربي للبحوث والدراسات : كيف ستحدد إيران مصير الصفقة النووية؟ (طباعة)
كيف ستحدد إيران مصير الصفقة النووية؟
آخر تحديث: الثلاثاء 19/06/2018 02:12 ص ترجمة: مرﭬت زكريا
كيف ستحدد إيران مصير

تدور الفكرة الرئيسية للمقال الذي كتبه " أريان محمد طبطبائي " الاستاذ المساعد بجامعة جورج تاون وزميل مركز بلفر للعلوم  والشئون الدولية بجامعة هارفارد، حول الأليات التي يمكن لإيران من خلالها تحديد مصير الصفقة النووية، لاسيما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية. تناول المقال الكيفية التي تتم من خلالها  عملية صنع القرار في إيران، مهام المؤسسات السياسية الرئيسية، فضلاً عن مراكز القوي الهامة داخل الدولة والتي تتمثل في؛ المرشد الأعلى والحرس الثوري. كما تطرق الكاتب لمستقبل البرنامج النووي الإيراني و إمكانية استئناف عملية تخصيب اليورانيوم مرة أخري، وانتهي بالحديث عن تعقد عملية صنع القرار داخل إيران، لاسيما فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي.

فعندما أعلن الرئيس الأمريكي" دونالد ترامب " في 8  مايو أن الولايات المُتحدة انسحبت من خطة العمل المشتركة المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، وجه كثير من المراقبين اهتمامهم على الفور الي الزعيم الأعلى " أيه الله علي خامنئي" للتعرف على مستقبل الاتفاقية. فمنذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 اعتبرت الحكمة التقليدية أن سلطة صنع القرار تقع في نهاية المطاف على عاتقه.

 لذلك، مع كل حدث هام في الحياة العامة الإيرانية والشئون الخارجية ينتقل المعلقون الي الصحف للتنبؤ برد فعل خامنئي، من خلال تأمل تصريحاته، فك رموز تعليقاته وتحديد ما يعنيه ذلك لمصير الجمهورية الإسلامية ومكانتها في العالم. فبدلاً من وجود خارطة طريق دقيقة تسير عليها الدولة، تخلق تصريحات المرشد الأعلى في بعض الأحيان اطاراً للسياسة الخارجية لطهران، فضلاً عن  دعم الحكم النهائي بوجهات نظر مئات الموظفين والمُستشارين.

ولأن نظام الجمهورية الإسلامية نظام غامض نسبياً، فمن المنطقي أن يتجه كثير من المراقبين في الغرب الي أكثر مراكز القوة ظهوراً في طهران فيما يتعلق بقرارات الأمن القومي والسياسة الخارجية و التي تتمثل في؛ المرشد الأعلى والحرس الثوري. في الواقع أن عملية صنع القرار ليست بسيطة وخصوصاً عند ممارستها من أعلي لأسفل، لأنها في هذه الحالة سوف تكون عبارة عن عملية شد وجذب داخل شبكة من المنظمات التي يتواجد بعضها دون جدوى.

 كما يقر الكاتب بأن إيران كدولة ثورية تعتمد على عدد من اليات الحماية ضد الانقلاب للحفاظ علي النظام، لكن التنافس فيما بين كل هذه المؤسسات و الاقتتال الداخلي بين الفصائل المختلفة التي تشكلها غالباً ما يسيطر على عملية صنع القرار.

كيف تصنع طهران السياسة؟

أوضح الكاتب ان دور المرشد الأعلى يَكمن في انشاء الإطار الذي تسير عليه المؤسسات الأخرى، وذلك بتوجيه مجموعة من الموظفين، ولكنه من يحدد الخطوط الحمراء والسطور النهائية لسياسات الدولة، نقاط الاتفاق المُحتملة في المفاوضات، النتائج النهائية المُفضلة في اي حرب. لكن خامنئي لا يفرض الوسائل اللازمة للوصول الي النتائج.  حيث تمر قراراته في اطار عام ( من خلال قنوات خاصة و تصريحات عامة )، الي  المجلس الأعلى للأمن القومي( الذي لا تختلف صلاحياته عن مجلس الأمن القومي الأمريكي). مع ذلك، يختلف السابق عن الأخير في أنه يضم ممثلين من جميع مراكز القوي ذات الصلة داخل النظام السياسي الإيراني، الذي تشمل مهامه تحديد المصالح الوطنية وتحويل الإطار العام الي سياسة.

تعمل السلطة التنفيذية مع مجلس الأمن القومي لوضع جدول أعمالها وتحويله الي بنود قابلة للتنفيذ، طبقاً لرؤية رئيس الدولة. كما يعرض الرئيس خططه السياسية الخاصة التي يمكن للمرشد الأعلى أن يقبلها او يرفضها. ففي بعض الحالات، يتعين على الحكومة، وزارة الخارجية و الاستخبارات والامن أن تعمل مع القوات المسلحة المكونة من ( الحرس الثوري و الجيش التقليدي)، علي أن يكون للحرس الثورى اليد العليا. ففي بعض المناطق، لاسيما المسارح الإقليمية المختلفة التي تشارك فيها إيران، يتم تحويل السياسة الي استراتيجية، هذا هو الحال أيضاً عندما يتعلق الأمر ببرامج الدفاع الهامة في إيران، بما يتضمن الأنشطة الصاروخية الباليستية.

 علاوة على ذلك، يعمل الحرس الثوري الإيراني مع الجيش الرسمي في مستوي العمليات التكتيكية والتشغيلية. فالسلطة التشريعية المعروفة باسم " مجلس الشوري الإسلامي " مُصممة لمساءلة الفرع التنفيذي و المشاركة في صنع القوانين. أخيراً، فأن مجلس صيانة الدستور تشبه صلاحياته الي حد ما اختصاصات المحكمة الامريكية العليا في تقييم شرعية قوانين المجلس ومدى التوافق فيما بينها وبين الدستور.

ففي كل مرحلة يجب أن يكون هناك نوع من الإجماع أو الاتفاق من خلال الدفع و الجذب فيما بين الشخصيات، المؤسسات و مراكز القوي. لأنه عندما يكون هناك اقتتال داخلي، او عدم تطابق  في مواقف المنظمات او اللاعبين الرئيسين بشأن قضية معينة يمكن أن يتوقف جدول الاعمال. هذا هو الحال بنسبة كبيرة فيما يخص أجندة الرئيس حسن روحاني، التي تتعدى معالجة القضية النووية و الاقتصاد، خصوصاً بعد فقدانه رأس المال السياسي  و ازدياد الاقتتال الداخلي منذ توقيع الاتفاقية النووية في مايو 2015.

ما هو القادم بالنسبة للاتفاق النووي؟

أوضح الكاتب أنه إذا كانت المفاوضات التي أدت الي الاتفاق النووي ناجحة، فذلك لأن خامنئي منح الضوء الأخضر لبدء المحادثات. كما حدد بعض الخطوط الحمراء التي وجهت المفاوضين، فيما يخص الجانب الإيراني. فعلي سبيل المثال، أمر خامنئي المفاوضين بالحفاظ علي قدرة إيران في تخصيب اليورانيوم ومواصلة البحث و التطوير. لكنه لم يفرض محددات التخصيب والبحث، مما سمح للمفاوضين بالعمل مع منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لتطوير معالم هذه الأنشطة، بما في ذلك القدرة التخصيبية الدقيقة، وحدود مخزونات اليورانيوم المُخصب. كما طلب خامنئي من المفاوضين ابقاء جميع المنشآت النووية في البلاد مفتوحة.

لكن المفاوضين كانوا قادرين علي تغيير وظيفة المرافق. حيث تم تنفيذ الإطار الذي وضعه خامنئي بإسهام من مستشاريه، بما في ذلك الأفراد المشاركين في البرنامج النووي الإيراني. اشار خامنئي خلال المحادثات الي أن الهدف النهائي من تخصيب اليورانيوم الصناعي هو تزويد المفاعلات النووية الثمانية او المُخطط انشائها حالياً من أجل تشغيلها في المُستقبل. (هذا من شأنه أن يسمح بالوصول الي القنبلة النووية بسرعة في حال اعادة النظر في طموحاتها النووية التي توقفت في عام 2009 وتم استئنافها مرة أخري).

 كما تتشارك مراكز القوي الرئيسية داخل النظام في الاعتقاد بأنه يجب تخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي، اعتمادها على الذات في سعيها للحصول على التكنولوجيا النووية. نتيجة لذلك، أصر المفاوضون الايرانيون خلال المُحادثات علي مواصلة البحث والتطوير، فضلاً عن ادراج ما يسمي ببنود الغروب مما يُمكن الدولة من ازالة القيود المفروضة علي البني التحتية النووية بعد عدد من السنوات وبالتالي، تطبيع البرنامج النووي كدولة عادية غير حائزة على الاسلحة النووية بموجب معاهدة منع الانتشار النووي.      

فاليوم، عندما تقرر مراكز القوي داخل إيران مصير الصفقة النووية في ضوء انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منها، سوف تقيم ايجابيات وسلبيات مواصلة الالتزام بالاتفاقية مع الاطراف المتبقية على خلفية هدفها المعلن المُتمثل في تطوير القدرة التخصيبية. كما ستتفاوض مراكز القوي فيما بينها علي مصير خطة العمل المشتركة الشاملة، نطاق وسرعة البرنامج النووي، الأليات التي يجب على البلاد اتباعها من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وسيناقش مسئوولي وزارة الخارجية هذه العناصر ذاتها مع نظرائهم في الصين، الاتحاد الأوربي، فرنسا، المانيا، روسيا، المملكة المتحدة. فلقد وضع خامنئي اطاراً لهذه المُحادثات بالسماح للمفاوضين بالانخراط في عملية جديدة هدفها الحفاظ علي الإتفاق النووي دون الولايات المتحدة الأمريكية.

علي ان يكمن  الهدف من المحادثات و الخط الأحمر الذي حدده خامنئي في تلقي ضمانات من الاوربيين، الأمر الذي سيجعل من حق إيران الاستمرار في الحفاظ علي الاتفاق دون مشاركة الولايات المتحدة الامريكية. كما أنه من المرجح أن يستخدم المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران هذا الإطار لتطوير خارطة طريق اكثر دقة، فضلاً عن التنسيق مع مسئولي وزارة الخارجية الذين يتفاوضون مع القوي العالمية. أخيراً، يشرف أعضاء مجلس الشوري الاسلامي علي هذه العملية، كما قدموا مشاريع قوانين لتقييد مساحة الحكومة للمناورة. لا تشارك القوات المسلحة بشكل مباشر في المفاوضات، لكن مساهماتها مهمة في العديد من المجالات الرئيسية. تشمل هذه القضايا العرضية انشطة إيران الصاروخية والإقليمية التي لا تشكل جزء مباشر من خطة العمل المشتركة الشاملة، ولكنها لاتزال تهم القوي العالمية.

بالمثل تسعي حكومة روحاني الي اصلاح الاقتصاد من أجل توليد انتعاش اقتصادي هي في أَمس الحاجة اليه، حيث يشارك النظام بأكمله في هذه العملية. و كان الضوء الأخضر الذى منحه خامنئي حاسماً، الذي حدد ما يجب او لا يجب ان يقوم به المسئولون لتحقيق الانتعاش الاقتصادي. ان تخفيف العقوبات يعد مسألة حاسمة في هذا الإطار، لكن أجري الرئيس بعض الاصلاحات الإقتصادية التى واجهت مُقاومة من الحرس الثوري، مما جعل العملية بطيئة وصعبة.

تجدر الاشارة الي أن هناك توافق شبه اجماعي بين القوي المُختلفة داخل إيران علي أن المفاوضات النووية ستكون أفضل نهج لتخفيف العقوبات، كما كان الانتعاش الاقتصادي هو المفتاح الذي اعاد طهران الي طاولة المفاوضات في عام 2012 مما مهد الطريق امام خطة العمل المُشتركة.

فاذا قرر النظام خلال الأشهر القليلة القادمة استئناف نشاط البرنامج النووي الذى كان متوقف بموجب الاتفاق، من المرجح أن يتم ذلك في اطار سيضعه خامنئي والقوات المسلحة، لاسيما " الحرس الثوري الإيراني "، فضلاً عن ممثلين من القطاع النووي الإيراني. لكن يجب على الدولة ان توازن بين تطلعاتها النووية و احتياجاتها الاقتصادية. ولهذه الغاية، من المحتمل أن يراعي خامنئي أراء الاستشاريين الاقتصاديين فيما يخص البرنامج النووي الإيراني، بما يتضمن السماح للبلاد باستئناف الانشطة النووية دون أن يتسبب ذلك في ازمة دولية من شأنها عرقلة الاصلاحات الاقتصادية.

ختاماً:  يري الكاتب ان عملية صنع القرار في إيران مُعقدة بشكل كبير لاسيما فيما يخص قضايا الأمن القومي، حتى ان قرارات القائد الأعلى تسترشد بآراء الأفراد والجماعات التي تمثل مراكز القوي المختلفة داخل الدولة. فانطلاقاً من تصدي صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية للتحديات الناجمة عن البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً عقب اعلان ترامب الانسحاب من خطة العمل المشتركة، يجب عليهم فهم كيفية تفكير نظرائهم الإيرانيين في مثل هذه القضايا، فضلاً عن منهج صياغة سياساتهم الخاصة.

 

الرابط متاح على الرابط التالي:

 https://www.foreignaffairs.com/articles/iran/2018-05-16/how-iran-will-determine-nuclear-deals-fate