حقائق انتخابية
تنبع أهمية الانتخابات الحالية في كونها تتم بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي وتحرير الأراضي العراقية منه، كما أنها تأتى بعد حوالى ثمانية أشهر من الاستفتاء الكردي للاستقلال في 25 سبتمبر 2017، والذى خلف عدد من الأزمات بين اقليم كردستان ودولة العراق، وتُعد هذه الانتخابات هي الرابعة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والثانية منذ الانسحاب الأمريكي عام 2011.(1)
وقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية في 6 أبريل 2018 تصديقها على قوائم المرشحين لانتخابات المجلس النيابي المقرر عقدها في 12 من مايو من نفس العام، وذلك بعد تدقيق البيانات التي قدمها المرشحون، الذين بلغ عددها 6986 منهم 4972 ذكور و2014 إناث، وسيتنافس هؤلاء المرشحون في 18 دائرة انتخابية تُمثل عدد المحافظات العراقية، حيث يُمثلون نحو 86 ائتلافاً وقائمة انتخابية، للفوز بأحد مقاعد المجلس النيابي البالغة 329 مقعداً، منها 83 مقعداً للنساء وثمانية مقاعد للأقليات ممثلة في المسيحيين (5 مقاعد) والشبك (مقعد) والايزيديين (مقعد) والصابئة (مقعد) والأكراد الفيلية الشيعة (مقعد).(2)
ويبلغ عدد العراقيون الذين لهم حق التصويت حوالى 24 مليون عراقي من بين نحو 36 مليون نسمة هو عدد سكان العراق، كما قامت الحكومة بإنشاء عدد من المحطات الانتخابية في الخارج قُدر عددها حتى الآن بنحو 684 موزعة على 19 دولة، وينتخب فيها ما بين سبعة إلى 34 نائباً استناداً إلى التعداد السكاني لكل منها.(3)
ويقوم النظام الانتخابي للمجلس على القائمة المفتوحة للتمثيل النسبي للقوائم الحزبية، وذلك باستخدام المحافظات كدوائر انتخابية، ويُستخدم نظام طريقة سانت ليغو المعدل وفقاً للحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق، وهذا النظام يضمن حصول الأحزاب الصغيرة على أحد المقاعد المتنافس عليها، بما يؤدى إلى زيادة عدد الأحزاب الممثلة في المجلس المنتخب قياسا بطرق توزيع المقاعد الأخرى.(4)
أنماط التكتلات السياسية التي تخوض الانتخابات
يُعد الانقسام السياسي هو السمة الأبرز في الانتخابات العراقية هذا ا لعام، وهذا الانقسام ليس قاصراً على صفوف السنة والشيعة فقط وإنما يمتد أيضاً إلى الأكراد، خاصة بعد الاستفتاء الفاشل الذي تم في إقليم كردستان، حيث انفرط في أعقابه عقد الالتفاف حول مظلة التحالف الكردي.
ويمكن الاستدلال على هذا التشرذم داخل القوي السياسية عبر تصريحات عدد من المسئولين، فعلى سبيل المثال ذهب مستشار المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني عارف رشدي إلى أن تعدد القوائم الكردية في الانتخابات العراقية سيؤثر سلباً على عدد مقاعد الكرد في البرلمان العراقي، ويُذكر أن الحزب الديمقراطي قد اقترح على الأطراف السياسية الكردية خوض الانتخابات بقائمة موحدة، وهو ما لم يتم قبوله من الأطراف المعنية.(5)
كما فشلت الأحزاب السنية العربية على صعيد أخر في الموافقة على الترشح في قائمة واحدة، وهو ما يعني تفتيت الأصوات السنية العربية، وكذلك الحال بالنسبة للشيعة الذين يعبرون عن استيائهم من الحكومات المتعاقبة التي قادها رجال من نفس طائفتهم، وتُهدد الانقسامات داخل صفوفهم بتقسيم الأصوات الشيعية، الأمر الذى يُعرقل تشكيل الحكومة ويُتيح لإيران التدخل بشكل أكبر في الشأن السياسي العراقي.(6)
وعلى صعيد آخر، تتميز الانتخابات العراقية هذا العام بظاهرتين جديدتين، الأولى متعلقة بوجود عدد كبير من القوي الصغرى التي انسلخت عن التكتلات السياسية الكبرى، فنجد على سبيل المثال حركة "إرادة" بقيادة حنان الفتلاوي تخوض الانتخابات بشكل مستقل برغم احتفاظها بتحالفها مع ائتلاف دولة القانون، والثانية متعلقة بظهور عدد من الشخصيات السياسية المعتادة بأثواب جديدة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ظهور سالم الجبوري على قمة حزب سياسي جديد هو المجتمع المدني للإصلاح وذلك بعد انسحابه من الحزب الإسلامي في وقت سابق.(7)
وفيما يلي أبرز التكتلات السياسية بالانتخابات المقبلة:
1- ائتلاف دولة القانون: يرأسه نوري المالكي نائب رئيس الجمهورية، ويتكون من ثمان قوي سياسية في مقدمتها حزب الدعوة الإسلامية والذي يُعد صلب هذا التحالف، وقد واجهه عدد من الانشقاقات أبرزها انسحاب حيدر العبادي منه لتكوين تحالف النصر.(8)
2- تحالف النصر: يقوده رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي ومعه تكتل مستقلون وبعض الشخصيات الهامة كوزير الدفاع السابق خالد العبيدي وغيره.
3- تكتل الفتح المبين: يتزعمه الأمين العام لمنظمة "بدر" هادي العامري، ويضم 18 كياناً سياسياً إلى جانب منظمة بدر، ومنها الحركة الإسلامية في العراق وحركة الصدق والعطاء وحزب الطليعة الإسلامي وحركة الجهاد والبناء وكتلة منتصرون وغيرهم، وقد انشق بالأساس عن ائتلاف النصر.
4- تحالف سائرون نحو الإصلاح: وهو عبارة عن قوة سياسية تضم حزب الاستقامة الوطني الذى أسسه مقتدى الصدر والحزب الشيوعي العراقي والعديد من القوي السياسية برئاسة زعيم التيار الصدري، إلى جانب تحالفهم مع ثمانية أحزاب منها حزب الدولة العادلة وغيره.
5- تحالف الوطنية: الذي يمثله رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي ورئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري وصالح المطلك وشخصيات عشائرية في محافظات نينوي والانبار.(9)
أبرز ملامح البيئة الداخلية للعراق فيما بعد هزيمة داعش
تُعقد الانتخابات البرلمانية في ضوء أوضاع أمنية وسياسية صعبة تشهدها البلاد، ويتضح ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات سيتم عرضها في التالي:
· تصاعد المشكلات السياسية في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش بصورة تؤثر على الأوضاع الأمنية المتدهورة، بما يوفر بيئة خصبة لعودة الجماعات المتطرفة مرة أخرى، وأبرز هذه الأزمات هي تلك المتعلقة بالانقسامات الأولية الموجودة بالبلاد كالصراعات العرقية والمذهبية مثل ما حدث بمحافظة نينوي التي شهدت خلافات بين ممثلي المحافظة وبين الأحزاب الشيعية المسيطرة على الحكومة العراقية، وصلت إلى حد المواجهة المسلحة بين الطرفين في أغسطس 2017، وتكمن أهمية هذا الأمر في أنه يؤثر سلباً على مناخ الاستقرار والأمن بالمحافظات بما يُشكل عقبة أمام سلامة العملية الانتخابية.
لذا، تسعي الحكومة إلى معالجة آثار الدمار الذي لحق بشتى المناطق نتيجة المعارك مع داعش، والحيلولة دون توفير حواضن للتنظيمات الإرهابية عن طريق تدعيم اللُحمة الوطنية، فضلاً عن احتمالية بروز نزاعات متعددة الجوانب في المناطق المحررة بين سكانها وعشائرها، وذلك في ضوء انتشار السلاح على نطاق واسع بين السكان خلال الفترة الماضية، حيث تكونت التشكيلات الشعبية المسلحة كرد فعل على سيطرة داعش على مجموعة من المحافظات العراقية خلال الفترة من 2014-2017، وأيضاً لمواجهة العنف الطائفي الذى مارسته الميليشيات الشيعية ضد السنة. (10)
· التدخل الإيراني بهدف إقصاء المكون السني لصالح الأطراف التابعة لنظام ولاية الفقيه، ويتمثل ذلك عبر دعمها لعناصر تنظيم داعش الذين يُهددون باستهداف مراكز الاقتراع وتنفيذ عمليات قتل بحق كل من يُشارك في الانتخابات.
· استمرار التوترات بين الحكومة في بغداد وبين حكومة إقليم كردستان في أعقاب ما أسفر عنه استفتاء الانفصال، بما يُشكل عائقاً أمام توفير مناخ انتخابي هادئ، وخاصة في ضوء تصاعد النزاع على المدينة النفطية كركوك.
· وجود مخاوف بشأن مدى قدرة الطبقة السياسية الحالية على تجاوز الخلافات وحالة التشرذم من ناحية، ومدى فعاليتها في الدفع بوجوه جديدة إلى البرلمان القادم من ناحية أخرى، ووفقاً لبيانات المفوضية العراقية للانتخابات فإن نحو 20% من المرشحين وجوه جديدة، خاصة في ظل حالة من عدم الثقة من جانب الناخبين نتيجة العديد من الاخفاقات المتتالية في ملفات الخدمات والسياسات المحلية في الفترة الماضية(11)