المركز العربي للبحوث والدراسات : مناورة سياسية: مستقبل النظام الكوبي ما بعد آل كاسترو (طباعة)
مناورة سياسية: مستقبل النظام الكوبي ما بعد آل كاسترو
آخر تحديث: الأربعاء 02/05/2018 01:42 م آية عبد العزيز
مناورة سياسية: مستقبل

تشهد كوبا مرحلة جديدة من الحراك السياسي، فقد توفى زعيم الثورة "فيدل كاسترو" ورمز من رموز الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي الاشتراكي والغربي الرأسمالي في أواخر عام 2016، وقرر خلفه "راؤول كاسترو" -الذي شغل منصب رئيس كوبا لمدة عشر سنوات بعد استقالة "فيدل كاسترو" في عام 2008-  التنحي طواعيةً عن الحكم، فللمرة الأولى منذ عام 1959 يحكم جزيرة كوبا الشيوعية شخص من غير "آل كاسترو".

أجرت العاصمة "هافانا" انتخابات المجلس الوطني لاختيار النواب الجدد وجميعهم من نفس الحزب الحاكم، حيث شارك فيها 605 مرشحًا لشغل 605 مقعدًا. حاول عدد من المعارضين ترشيح أنفسهم في الانتخابات، منهم أعضاء من جماعة "أوترو 18"، إلا إنهم منعوا من تسجيل ترشحهم من قبل أجهزة الأمن والشرطة. وفي هذا السياق اختار النواب المنتخبون - في 19أبريل/ نيسان– "ميغيل دياز كانيل" رئيسًا للبلاد. (1).

"ميغيل دياز كانيل" أول رئيس مدني بعد آل كاسترو

يعد "كانيل" سياسي إصلاحي حذر اختاره "راؤول كاسترو"، على مشارف تنفيذ المزيد من الإصلاحات الموجهة نحو السوق دون التضحية بالمبادئ الثورية، والانغماس في الرأسمالية. برز "كانيل" في مرحلة الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت البلاد في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. عمل حينها كمدير لمجلس تنسيق السياسيات على مستوى المقاطعات، واكتساب خلالها خبرة من خلال الاحتكاك المباشر بالمجتمع الكوبي. ومع انضمامه إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني -(أقوى هيئة داخل لجنة الانتخابات العامة)- في أوائل التسعينيات القرن الماضي، أصبح "كانيل" أصغر عضو في المكتب السياسي، ولم يتوقف عن هذا الحد ولكن تم تعينه وزيرًا للتعليم العالي في عام 2009 ونائب أول للرئيس لكوبا في عام 2013.

يعتبر "كانيل" من القادة السياسيين الأصغر سنًا من جيل كوبا التاريخيين، فهو لم يقاتل في الثورة الكوبية، وبالتالي فإنه يفتقد لأبسط أشكال الشرعية التي مُنحت لرؤساء "هافانا" السابقين وغيرهم من كبار المسئولين، بالإضافة إلى كونه أول رئيس مدني لا يكون سكرتير أول للحزب - منذ تولى "فيدل كاسترو" منصبه عام 1976.

من أين تُستمد شرعية "كانيل"

يواجه "كانيل" عدد من التحديات الداخلية على كافة الأصعدة يأتي في مقدمتهم الاقتصاد الذي يكافح للتكيف على المتغيرات المتلاحقة؛ حيث انكماش دور الدولة في مقابل تنامي دور القطاع الخاص الأمر الذي أدى إلى تفاقم اللامساواة بين الطبقات، علاوة على انخفاض الدعم الفنزويلي من النفط نتيجة حالة الركود التي بدأت مع الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات التضخم، بالإضافة إلى تعرض البلاد للموجة من المظاهرات والاحتجاجات في 2016.

بجانب القيود المستمرة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة في ظل إدارة "ترامب" بعد الانفراج الدبلوماسي في 2014، تتجسد أهم هذه القيود في حظر سفر  الأميركيين إلى "هافانا" للسياحة، مع حظر أغلب معاملات الشركات الأميركية مع مجموعة أعمال القوات المسلحة، لمنع تدفق الأموال الأميركية إلى الحكومة الكوبية(2).

تكمن مسألة الشرعية في كيفية الإدارة؟، ومدى فعاليتها في تحسين الأوضاع الحالية، والوفاء بوعود الإصلاح، وتحسين مستوى معيشة الفرد، وتوفير فرص عمل للشباب، علاوة على تطوير القطاعات الحكومية، ودعم الإصلاح النقدي، وتعزيز الاستثمار الأجنبي. وذلك بالتزامن مع الحفاظ على المبادئ الثورية للحزب الشيوعي. فـ "كانيل" على عكس أسلافه، الذين كانت لديه شرعية مبررة لاستمرار في السلطة من خلال ثورتهم ورغبتهم في تأسيس نظام شيوعي خاص به على غرار دول الاتحاد السوفيتي (3).

وعليه؛ فقد وعود "كانيل" بتحديث النظام الاقتصادي والاجتماعي(4)، بما في ذلك تفكيك نظام العملة المزدوجة، الذي يحتوي على البيزو الكوبي القابل للتحويل (CUC) المرتبط بالدولار، والبيزو الكوبي (CUP) الذي يستحق 1/24 من CUC. ويستخدم البيزو الكوبي لدفع مرتبات الدولة، ولتحديد معظم الأسعار المحلية، بينما يستخدم السياح والشركات متعددة الجنسيات البيزو القابل للتحويل، وتحسين مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات.

"كانيل"... وحدود الدور

"تكمن القوة الحقيقة في يد من يسيطر على الاقتصاد والجيش في الجزيرة الكوبية". يواجه "كانيل" ميراث آل كاسترو الذي سيحد من قدراته في إدارة البلاد، علاوة على استمرار  سيطرتهم على مقدرات الدولة ومؤسساتها، فضلاً عن رغبته الشخصية في الاستمرار على النهج السابق للحكومة "آل كاسترو"

فعلى المستوى الداخلي؛ يشكك العديد من الكوبيين في إدارة "كانيل" ومدى قدرتها على تقديم الأفضل لهم، وهم في الواقع لديهم مخاوف كامنة من تفكيك نظام العملة المزدوجة، ومدى انعكاسه على قدراتهم الشرائية. بجانب إنها ستضرر بسوق العقارات في كوبا، فقد عبر المستثمرين بمن فيهم الأمريكيون الكوبيون في جنوب فلوريدا، بالإضافة إلى الكوبيين الذين يعيشون في إسبانيا والمكسيك، عن مخاوفهم، مؤكدين "أن الحديث عن تفكيك نظام العملة المزدوجة، سينعكس بشكل سلبي على الاستثمارات الأجنبية التي تتعامل بنظام  CUC المرتبطة بالدولار".

برغم من تولى "كانيل" حكم البلاد إلا إنه مازال يقف أمام عدد من العراقيل التي تعيق استمراره وانفراده بحكم البلاد، يأتي في مقدمتهم استمر ار الرئيس السابق في ترؤس الحزب الشيوعي، وانفراده بالسيطرة على الجيش الذي يدير الكثير من الأعمال. وهو أيضًا رئيس تنفيذي لشركة "GAESA"، التي تسيطر GAESA على ما يقرب من 60٪ من اقتصاد كوبا من خلال أسلحتها المختلفة، بما في ذلك سلسلة فنادق "Gaviota" و TRD""، سلسلة متاجر التجزئة العسكرية.

ويذكر أن هذه الشركات الحكومية تتعاون مع المستثمرين الأجانب بنظام تجاري رأسمالي في مصانع التجميع ومناطق التجارة الحرة في "هافانا" كما تستفيد من العمالة الرخيصة والفقيرة للغاية(5).

وعلى المستوى الخارجي؛ لا يوجد تفاؤل كبير بأن ينتهج "كانيل" سياسة خارجية مغايرة لسالفه خاصةً تجاه الولايات المتحدة، التي تشهد مرحلة شديدة التوتر منذ قدوم الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"؛ حيث تراجعت إدارة "ترامب" عن السياسات التي دشنها الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما" لتعزيز العلاقات بين البلدين، وترسيخ استمرارية المشاركة التجارية.

 لذا سيتعين على "كانيل" التفكير جديدًا لاستئناف العلاقات التجارية مع واشنطن، من خلال انتهاجه سياسة أكثر براجماتية، وداعمة لمصالح واشنطن لتحفيز "رجل الصفقات" على الانفتاح والتواصل مع "هافانا". هو احتمال الإقدام عليه سيكون في حالة استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية الداخلية، لتكون متنفسًا للنظام الكوبي عبر زيادة وفود السياح إلى "هافانا".

دلالات التنحي الطوعي لـ"راؤول كاسترو"

أثبتت التجارب التاريخية التي مر بها النظام الكوبي مدى قدرته على التكييف والمرونة مع المتغيرات المتلاحقة، فقد مر بمراحل انتقالية عديدة، بما فيها نهاية الاتحاد السوفيتي، وتراجع "فيدل كاسترو" عن الحكم نتيجة مرضه، وثم نقل السلطة لـ "راؤول"، ومن بعده "كانيل".

تعد خطوة التنحي خطوة استراتيجية، وتحرك براجماتي من جانب "راؤول" لتخفيف الضغط الشعبي عليه، نتيجة الأوضاع الداخلية المضطربة. ألقى "راؤول" كافة التحديات على عاتق "كانيل"، فبرغم من سعي "راؤول" منذ وصوله إلى السلطة في 2008، إلى اتباع سياسات أكثر انفتاحًا  أمام الشركات الخاصة إلا أنه مازال اقتصاد مركزيًا.  كما يكمن التحدي الأكبر  في تدهور  أوضاع الشباب، وتراجع وقدرتهم على المشاركة في الاقتصاد الكوبي، خاصةً في ظل تراجع فرص العمل. واستمرار انغلاق النظام السياسي (6).

ختامًا؛ فعلى الرغم من أن "كانيل" في الحكومة لأكثر من عقد، إلا إن سياسته غير واضحة لمعظم الكوبيين. وهو ما يعكس المزيد من الغموض النسبي على مساراته الإدارية والسياسية للعاصمة "هافانا"، فمازالت عملية صنع واتخاذ القرار  تتخذ من أعلى إلى أسفل؛ حيث يوجد حزب سياسي قانوني واحد فقط المتحكم الفعلي في البلاد.

المراجع:

(1)- ويل غرانت، "ما هو مستقبل كوبا بعد حقبة كاسترو؟"، هيئة الإذاعة البريطانية،20 أبريل 2018. الرابط

(2)- " ترامب يلغي سياسة أوباما للانفتاح على كوبا ويشدد قيود السفر والتجارة"، رويترز، يونيو 2017. الرابط

(3)- Marguerite Jimenez ,"Cuba After the Castros", Foreign Affairs, 28/3/2018. Available at

 (4) - "After six decades of Castro rule, Cubans greet end of era with a shrug", The Guardian, 18/4/2018. Available at

 (5)- "What to Expect from a Post-Castro Cuba", Knowledge. Wharton, 24/4/2018. Available at

(6)- Raulston Nembhard, "Cuba after the Castros", Jamaica observer, 25/4/2018. Available at