المركز العربي للبحوث والدراسات : قناة سلوى: أي مصير ينتظر شبه جزيرة قطر؟ (طباعة)
قناة سلوى: أي مصير ينتظر شبه جزيرة قطر؟
آخر تحديث: الأحد 29/04/2018 06:04 م محمود جمال أحمد
قناة سلوى: أي مصير

تشهد العلاقات السعودية القطرية حالة من البرود منذ أوائل يونيو/حزيران 2017؛ حيث توافق الرباعي العربي الداعي لمكافحة الإرهاب (مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، والبحرين) على 13 مطلبًا لضمان عودة الدوحة إلى محيطها العربي. وفي ضوء رفض الدوحة لمطالب الرباعي العربي، تصاعدت مؤخرًا التوترات؛ حيث أعلنت وسائل إعلام سعودية عن مشروع حفر قناة سلوى البحرية على الحدود السعودية القطرية. يُذكر أن منفذ سلوى السعودي يعد المنفذ البري الوحيد لشبه جزيرة قطر. والجدير بالدراسة الآن مدى رغبة المملكة العربية السعودية في تنفيذ هذا المشروع رغم أنها خططت مسبقًا لتنفيذه، وتحديدًا في عهد الملك فهد دون ان تتخذ خطوات فعلية للبدء في المشروع.

العلاقات الخليجية القطرية: محطات من التوتر والخلاف

                لم يكن التوتر بين قطر وجيرانها في منطقة الخليج خاصة المملكة العربية السعودية وليد الأزمة الخليجية الأخيرة، ولكنه يمتد لفترات طويلة؛ حيث شهدت العلاقات القطرية البحرينية توترًا يمتد لنحو قرنين من الزمان. ظهرت ارهاصات هذا الصراع منذ 1860، الذي اتخذ شكلًا عسكريًا عام 1867، وانتهى الصراع بذهاب الطرفين إلى محكمة العدل الدولية، وحكم المحكمة بأحقية البحرين في جزر حوار عام 2001.  وظلت أجواء هذا الخلاف تخيم على علاقات البلدين فيما بعد. يُذكر أن المملكة العربية السعودية تنازلت عن "واحة البريمي" لدولة الإمارات مقابل تنازل الأخيرة للملكة عن "خور العُديد" وبالتالي لم يعد هناك حدود برية لقطر سوى مع السعودية.

قناة سلوى: أي مصير

انتهجت دولة قطر بعد انقلاب الشيخ حمد على والده الشيخ خليفة آل ثاني في 1995 سياسة خارجية مغايرة للملكة العربية السعودية خاصة فيما يتصل بدعم الحركات الإسلامية، والعلاقة مع إيران. وكان عام 1996 محطة فاصلة في العلاقات القطرية الخليجية؛ حيث اتهمت قطر جيرانها الخليجيين بدعم انقلاب قبيلة آل مرة ضد حاكم قطر الجديد. على إثر هذه الأحداث، أسقطت الدوحة الجنسية القطرية عن أكثر من 5000 فرد من أبناء القبيلة، وتم إيقاف عددًا من السعوديين بتهمة محاولة الانقلاب على نظام الحكم وتم الإفراج عنهم عام 2011 بطلب خاص من الملك عبد الله بن عبد العزيز. من ناحية أخرى، شهد عام 2000 مقاطعة المملكة العربية السعودية للقمة الإسلامية التي عُقدت في الدوحة احتجاجًا على وجود ممثل تجاري لدولة إسرائيل.  ومع أحداث الربيع العربي، تصاعدت الخلافات القطرية الخليجية مرة أخرى نتيجة اختلاف الرؤى حول ماهية ما حدث في 2011 وتطوراته التي أبرزت اتجاه الدوحة لدعم حركات الإسلام السياسي خاصة في مصر، وتونس، وليبيا للوصول للحكم من خلال تقديم الدعم المالي والترويج الإعلامي، وهو ما يتعارض مع سياسة المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة في ذلك الوقت.

ماهية المشروع وجذوره

لم يكن إعلان المملكة العربية السعودية عن شق قناة بحرية على حدودها البرية مع قطر، التي تبلغ حوالي 60 كيلو مترًا وليد اللحظة؛ حيث تعود فكرة المشروع إلى عهد الملك فهد بن عبد العزيز خاصة بعد التوتر الحدودي الذي شهدته منطقة "الخفوس" عام 1992 بين القوات القطرية والسعودية، وأدت الى مقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين(1). وسيتم الربط بحريًا بين منطقة سلوى وخور العديد بقناة عرضها 200 متر وعمقها ما بين 15و20 مترًا وهو ما يجعلها قادرة على استقبال جميع أنواع السفن من حاويات وسفن ركاب. وقدرت التكلفة المبدئية للمشروع بما يقارب 900 مليون دولار. لذا يرى العديد من المحللين السعوديين أنه رغم المكاسب الاقتصادية التي سيحققها مشروع إنشاء قناة سلوى البحرية إلا أنه يحمل في طيّاته دواعي أمنية أيضًا.

ويهدف المشروع إلى إنشاء خطًا ملاحيًا، ومنطقة جذب سياحية إقليمية وعالمية قادرة على استقبال سفن نقل بضائع او سفن ركاب، بالإضافة إلى  إنشاء مرافق مخصصة لممارسة العديد من انواع الرياضات المائية، وما يلزم المنطقة من المنشآت السياحية كالفنادق والمنتجعات وموانئ لاستقبال اليخوت والسفن السياحية. لذلك، يرى السعوديون أن من أبرز الفوائد المباشرة للمشروع هو التنشيط السياحي بالرحلات البحرية بين دول الخليج، خاصة أن المنطقة تتمتع بشواطئ نقية مما يسهم في دعم سياحة اليخوت بين دول الخليج بالإضافة إلى زيادة الرقعة السكانية، وتوفير خيارات استثمارية منوعة، واستحداث وظائف جديدة وتوسيع الصناعة السمكية وتربية أنواع مختلفة من الكائنات البحرية(2).

من ناحية أخرى يرى المحللين القطريين أن المشروع ليس له جدوى اقتصادية للملكة، ولكنه جاء في إطار الضغط على حكومة قطر للاستجابة لمطالب الرباعي العربي. وتحاول هذه التقارير التقليل من أهمية المشروع مستندة في ذلك إلى جسر الملك فهد الرابط بين السعودية والبحرين، إذ يبلغ طوله 25 كيلو مترًا، فيما لا تحتاج الدوحة في حال تحسن علاقتها بالسعودية سوى جسر يمتد لمائتي متر أو أكثر قليلًا. فيما يعتبر المحللين السعوديين أن عدم تجاوب الدوحة مع مطالب الرباعي العربي سيجعلها في عزلة عن محيطها العربي والخليجي.

نحو إنجاز المشروع: قراءة في جهات التنفيذ ومصادر التمويل

رغم إشارة الصحف والتقارير الإعلامية إلى تفاصيل المشروع، لكن لم تصدر تصريحات رسمية من الجانب السعودي سوى تغريدة للمستشار البارز في الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني؛ حيث قال على حسابه الرسمي على "تويتر": "‏بتحليل الأخبار المتواترة عن قناة سلوى البحرية فإن قطر ستتحول لجزء من جزيرة سلوى التي تشمل قاعدة عسكرية سعودية بالقرب من القواعد العسكرية الأخرى التي جلبها الصغير لأرضه. وسيذكر التاريخ أنه كانت هناك في تلك الأرض دولة!"(3). في السياق ذاته، أعلنت صحيفة سبق السعودية إلى ان قوات حرس الحدود استلمت منطقة سلوى من قطاعي الجوازات والجمارك تمهيدًا للبدء فعليًا في المشروع(4). وأشارت التقارير أن المشروع سيتم بتمويل من القطاع الخاص في السعودية والإمارات، وستنفذه شركات مصرية، وذلك للاستفادة من الخبرات المصرية في حفر قناة السويس الجديدة التي بلغ طولها 72 كيلو مترًا. وصرح الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، استعداد الهيئة والشركات المصرية بما تمتلكه من خبرة وتكنولوجيا في مجال شق القنوات البحرية لتنفيذ مشروع قناة سلوى البحرية في حال وصول تخاطب رسمي من الحكومة السعودية(5). وتشير التقارير الواردة من المملكة أن قطر لن تتحول إلى جزيرة مستقلة ولكنها ستكون جزء من جزيرة سلوى السعودية؛ حيث ستترك السعودية مسافة كيلو متر لإنشاء قواعد عسكرية، وبالتالي تضمن إنشاء القناة على كامل حدودها البرية.

ردود فعل رسمية: الأزمة الخليجية مستمرة

                في مقابلة له مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، اعتبر وزير خارجية قطر أن مشروع جزيرة سلوى لا داعي له، واعتبر ان هناك ضرورة لعودة اللحمة الخليجية(6). فيما صرَّح وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، عبر حسابه على تويتر، إن "على من يفتح أبوابه وبره وبحره للقوات الأجنبية، بما يشكل تهديد حقيقي لجيرانه وللأمن الإقليمي، أن يتقبل إقامة خط بارليڤ على حدوده". ومن جانبه اعتبر أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية أن خسائر قطر المادية والمعنوية والسيادية من الأزمة الخليجية ستبدو متواضعة جدًا أمام العزلة الجغرافية التي تنتظرها، ودعا قرقاش حكومة قطر إلى تغليب العقل والحكمة في التعاطي مع مطالب أشقائها. فيما لم تخفي الخارجية الأمريكية انحيازها للدوحة؛ حيث أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت تعليقًا على مشروع قناة سلوى أنه لن يحل المشكلة، بل سيزيد من حدتها(7).

الهوامش

1.       العلاقات القطرية - السعودية: تاريخ حافل بالخلافات والتوترات (6/6/2017)، بي بي سي عربي، الرابط

2.       ياسر الشاذلي، مشروع قناة مائية يحول الحدود السعودية- القطرية إلى منطقة جذب سياحي (6/4/2018)، الحياة، الرابط

3.       "القحطاني": قطر ستتحول لجزء من جزيرة سلوى ..سيذكر التاريخ أنه كانت هناك دولة" (10/4/2018)، سبق، الرابط

4.       حرس الحدود يتسلم منفذ سلوى بالكامل تمهيداً لتنفيذ مشروع القناة البحرية (9/4/2018)، سبق، الرابط

5.       أميرة عبد الحكيم، "مميش": مستعدون لتنفيذ قناة سلوى السعودية (12/4/2018)، البوابة نيوز، الرابط

6.       قطر تعلق لأول مرة على مشروع تحويلها لجزيرة (12/4/2018)، روسيا اليوم، الرابط

7.       الخارجية الأمريكية: مشروع قناة سلوى بين السعودية وقطر يزيد حدة النزاع (11/4/2018)، CNN عربي، الرابط