التوافق المصرى والاقليمى لمجابهة الجماعات المتطرفة في ليبيا
كتب:
مصطفي صلاح
أثارت الأنباء المتضاربة حول تعرض المشير" خليفة
بلقاسم حفتر" لسكته دماغية أو وفاته العديد من التساؤلات حول مستقبل
التحالفات الإقليمية الجديدة، خاصة في ظل الصراع الدائر في شرق ليبيا بين اللواء حفتر
من جهة وكتائب إسلامية مختلفة متطرفة من الجهة الأخري.
وعليه برزت التساؤلات حول مستقبل التحالفات الإقليمية في
ليبيا وما يمكن أن تقدمه الأطراف الإقليمية والدولية للقوات الموالية لحفتر في
مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة.
وفي ظل النزاع القائم تعتقد الدول الداعمة لحفتر مثل
روسيا والإمارات ومصر بأن اللواء حفتر، الوحيد القادر علي عودة الاستقرار للجبهة
الداخلية الليبية ومقاومة الجماعات الإرهابية في ظل حالة التشرذم وانعدام مركزية
السيطرة في الداخل الليبي.
إعادة
رسم المشهد
في ظل حالة الغموض التي تتصدر المشهد الليبي بعد
التصريحات المتضاربة حول مصير اللواء خليفة حفتر، باتت الدول الإقليمية والدولية
التي تتحالف مع حفتر، أكثر حاجة إلي إعادة تقييم الوضع الداخلي الليبي في إطار
داعم للأمن القومي الليبي، وفي نفس الوقت للحفاظ علي المكتسبات الميدانية
والسياسية التي حققتها في مواجهة الجماعات الإرهابية المتشددة في طبرق ودرنة
ومصراتة.
وفي هذا الشأن، هناك العديد من الاحتمالات المتوقعة بشأن
العديد من الدول وملفات الأمن الإقليمي فيما يتعلق بدول الجوار أو مواجهة الجماعات
الإرهابية الموجودة هناك.
ويمثل اللواء خليفة حفتر والقوات الموالية لها أهم
الحلفاء الليبيين بالنسبة لمصر في مواجهة الجماعات الإرهابية، حيث قامت القوات
الجوية المصرية باستهداف المناطق التابعة لمجلس شوري مجاهدي درنة، والقوي الداعمة
لها.
حيث قامت مصر والإمارات بعملية مشتركة لمواجهة الجماعات
الإرهابية المتطرفة في أغسطس 2014م، بالإغارة الجوية علي الجماعات المتشددة في
عملية "فجر ليبيا" للسيطرة علي العاصمة الليبية طرابلس بما فيها المطار.
كما قامت القوات الجوية المصرية في فبراير 2015م، وعلي
خلفية ذبح 21 مواطنا مسيحيا مصريا علي ساحل درنة، بقصف مواقع الإرهابيين، وذلك
بالتنسيق مع الجيش الليبي بقيادة اللواء حفتر.
وفي مايو 2017م، هاجمت مصر العديد من المعسكرات
المتطرفة، وقامت بتوجيه ضربة عسكرية
للمعسكرات التي يتم التدريب فيها لتوجيه ضربات ضد مصر، وتأتي الضربات المصرية عقب
استهداف مسلحين لحافلة تقل أقباطا في طريقهم إلي دير "الأنبا صموئيل
المعترف" في محافظة المنيا، بصعيد مصر يوم الجمعة 26 مايو، وأسفر عن مقتل 29
وإصابة 24 أخرين. وهو الهجوم الذي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه. كما أعلنت مصر
مجلس الأمن بأن الضربات لمواقع "الإرهابيين" في شرق ليبيا جاءت في إطار
الدفاع المشروع عن النفس.
إن الإمارات ومصر من أكثر الدول تحفزا لقتال
"الميليشيات الإسلامية المتطرفة" في ليبيا، وتقديم الدعم اللوجيستي
والعسكري من جانبهم للواء "خليفة
حفتر" الذي خاض معركة "الكرامة" في سعيه للقضاء علي
"الميليشيات الإرهابية".
ولعل
استقبال ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للمشير خليفة حفتر القائد
العام للقوات المسلحة الليبية، أبرز إشارة إقليمية لافتة علي طريق حسم مسارات
الصراع الليبي الراهن.
إن الموقف الرسمي المصري - الإماراتي في الشأن الليبي،
يمتد ليعبر أيضا عن تيار سياسي إقليمي دولي بات يري في دعم حفتر شرطا من شروط عودة
الاستقرار إلي ليبيا ومكافحة الإرهاب الذي يهدد ليبيا ومنطقة شمال أفريقيا.
وعليه، يمكن للدولة المصرية أن تتدخل ميدانياً لدعم
الاختيارات الجديدة التي يمكن أن تخلف اللواء حفتر، كما إن مصر قد تتدخل في إختيار
من سيتولى هذا الملف، خاصة في ظل علاقات مصر القوية والمنظمات المسيطرة ميدانياً، فمصر
تسعي إلي الحفاظ علي الأمن القومي المصري والأمن القومي الليبي كامتداد وعمق
استراتيجي لها من الجهة الغربية.
روسيا
تساند من جديد
قديما وقف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ضد
تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، فبعد أن كانت قد استعادت لنفسها موطىء قدم في
ليبيا في نهاية التسعينات من القرن الماضي أُقصيت روسيا منها لفترة من الزمن بعد
التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي والإطاحة بالعقيد معمر القذافي سنة 2011م.
ولعل زيارة القائد العسكري الليبي خليفة حفتر لحاملة
طائرات روسية في 11 يناير 2017م، بمثابة دفعة رمزية له وتذكرة دخول روسيا مجددًا
لليبيا وفي الوقت نفسه أظهرت اهتمام موسكو بالقيام بدور أكبر في المنطقة في أعقاب
تدخلها في سوريا ويتمتع حفتر بعلاقات وثيقة مع بعض الدول العربية، كما عمل علي
تعزيز صداقته مع روسيا فزار موسكو مرتين لطلب العون في حملته المناهضة لفصائل
الإرهابيين.
وكانت زيارته للحاملة "أدميرال كوزنتسوف" في
البحر المتوسط أبلغ استعراض لدعمه من جانب روسيا حتي الآن. إن الرئيس الروسي بوتين
يهتم أيضا باستعادة نفوذ بلاده في ليبيا، فقد كان الزعيم الليبي السابق معمر
القذافي حليفًا قديمًا للروس.
تورط
تركي
في 10 يناير 2018م، نشرت وكالة رويترز للأخبار، أن
اليونان ألقت القبض علي سفينة لنقل
المتفجرات من تركيا إلي ليبيا، وكانت السفينة محملة بمواد تستخدم لصنع متفجرات
والتي كانت ترفع علم تنزانيا، وتحتوي السفينة 29 حاوية بها مواد منها نترات
الأمونيوم وأجهزة تفجير غير كهربائية و11 خزانا فارغا لغاز البترول المسال. في حين
يفرض الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حظرا علي بيع ونقل وتوريد الأسلحة إلي ليبيا
منذ 2011م.
وتشير بوليصة شحن السفينة التي كانت ترفع علم تنزانيا،
إلي أنها أخذت حمولتها من ميناءي مرسين والإسنكدرونة التركيين، وحددت الوجهة في
جيبوتي وعمان. وأوضح خفر السواحل اليوناني علي لسان الأميرال" يوانيس
أرغيريو"، أن تحقيقا أوليا وجد أن الربان تلقي أوامر من مالك السفينة
بالإبحار إلي مدينة مصراتة الليبية لتفريغ الحمولة بأكملها، في إشارة إلي تورط
تركيا في دعم الجماعات الإرهابية بالسلام وتهديد الأمن الإقليمي في منطقة الشمال
الإفريقي.
ولعل هذه العملية أضحت أكثر تعبيرا عن ضرورة الحضور
المصري والإقليمي في مواجهة الدول الداعمة للإرهاب والجماعات المتطرفة، وإعادة
ترتيب البيت الليبي من الداخل لما يتوافق مع الأمن القومي الليبي.
إجمالاً
إن أي تراجع في الدور الإقليمي
العربي وخاصة الدور المصري لمساندة القوي
الوطنية الليبية المناهضة للإرهاب والجماعات المتطرفة، قد يؤدى إلى تنامى دور هذه
الجماعات على الساحة الليبية بما يهدد أمن واستقرار المنطقة.
وفي هذا السياق، يظهر أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه مصر
في الوصول إلي حل يحقق الاستقرار الداخلي من جهة ودعم الأمن القومي المصري من جهة
أخري، خاصة وأن هذا الدور يحظى بدعم توافقي للدول الكبرى، إن العلاقات المصرية
الليبية علي قدر كبير من الوثاقة ولذلك تعمل العديد من الدول الإقليمية والدولية
علي دعم الدور المصري في معالجة الأزمات الإقليمية في تلك المنطقة.