المركز العربي للبحوث والدراسات : بولتون وإيران...الخيار العسكري أم دعم المعارضة؟ (طباعة)
بولتون وإيران...الخيار العسكري أم دعم المعارضة؟
آخر تحديث: الأحد 15/04/2018 04:35 م علي عاطف حسان
بولتون وإيران...الخيار

    لم تكن الحملة الدعائية المضادة التي شنتها وسائل الإعلام الإيرانية منذ إعلان الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب عزل مستشاره للأمن القومي هربرت مكماستر وتعيين "جون بولتون" محله إلا تعبيراً عن حالة من الهلع لدى الساسة الإيرانيين عما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد تولّي بولتون لمنصبه، الذي تم بالفعل في 9 إبريل الجاري.

    فقد جالت وصالت الصحف الإيرانية الفارسية ووسائل الإعلام الأخرى تبشّر بتطورات خطيرة في المنطقة، خاصة تجاه النظام الإيراني، فعلى سبيل المثال، نشرت وكالة أنباء فارس  شبه الرسمية في إيران موضوعاً في 23 مارس الماضي بعنوان "تولّي ترامب يدق ناقوس الخطر في آسيا" حذّرت فيه من اندلاع الحروب بعد تولي الأخير، وغير ذلك الكثير من الحملة الإعلامية الإيرانية.

    وتدفع هذه الحملة الإعلامية في إيران إلى التساؤل حول أسباب قلق الساسة في طهران من رحيل مكماستر وتولي بولتون في ضوء سياسة الأخير المعلنة تجاه طهران.

كيف ينظر بولتون إلى إيران؟

   نشر المحامي والدبلوماسي الأمريكي الأممي، آنذاك، جون بولتون مقالاً في "نيويورك تايمز" الأمريكية بتاريخ 26 مارس 2015، أي قبيل أشهر من توقيع الاتفاقية النووية بين إيران والقوى الغربية، وذلك تحت عنوان "لوقف القنبلة الإيرانية، اقصف إيران"، تحدث فيه عن خطر استمرار النظام الإيراني بوجه عام والملف النووي الإيراني بوجه خاص.

    وانتقد بولتون في هذا المقال سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجاه إيران وأكد أنه على الرغم من أن العقوبات المفروضة على طهران "كسرت ظهر البرنامج النووي الإيراني"، إلا أنها لم تؤد إلى ما ينبغي أن يكون.

      وحذّر بولتون، الذي شغل منصب السفير الأمريكي في الأمم المتحدة بين عاميّ 2005-2006، في مقاله من أن "إيران نووية" سيجعل هناك "سعودية نووية" و "مصر نووية" ودولاً أخرى على هذا المنوال، مشيراً إلى أن السياسة المتبعة حالياً تجاه النظام الإيراني تعمل على "تمكين النظام" وليس العكس. ودعا بولتون صراحة إلى تبني الخيار العسكري تجاه عدد من المنشآت العسكرية الإيرانية من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية.

   ويتضح من مقالة بولتون أنه يتبنى سياسة مناهضة للنظام الإيراني. حيث يرى بولتون أن الاتفاقية النووية لا يمكن إصلاحها وأن الانسحاب الكامل منها هو الحل؛ لأنها لا تمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. ويدعو مستشار الأمن القومي إلى التخلص من النظام الإيراني وعدم اكتمال عامه الأربعين، أي أن بولتون لا يريد أن يستمر النظام الإيراني حتى مارس 2019.

آليات تحقيق بولتون لأهدافه في إيران

  من خلال تتبع أفكار مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد، جون بولتون، يتضح أن هناك وسيلتين يمكن له من خلالهما تحقيق أهدافه تجاه النظام الإيراني، وهاتان الوسيلتان هما إما تنفيذ ضربات جوية ضد المنشآت العسكرية الإيرانية، الصاروخية منها والنووية، أو دعم المعارضة الإيرانية، سواء المعارضة الشعبية أو حركات المعارضة المختلفة، مثل حركة "مجاهدي خلق" أو حركات بلوشستان المسلحة في إيران كـ "جيش النصر" أو "جيش العدل"، اللذان يقاتلان ضد الحرس الثوري الإيراني.

أولاً- مدى إمكانية تنفيذ آلية الهجوم العسكري:  

    كي نتوصل إلى ترجيح شن هجوم عسكري ضد منشآت عسكرية إيرانية من عدمه، ينبغي لنا النظر في عدد من الظروف الإقليمية التي تمر بها المنطقة حالياً، والتي يأتي على رأسها:  

-         التجارة النفطية في منطقة الخليج العربي:

      تمثل منطقة الخليج العربي مركزاً حيوياً استراتيجياً مهماً في عملية التجارة النفطية وغير النفطية بالنسبة للعالم، حيث يمر بالخليج العربي حوالي 20-30 ناقلة نفط يومياً، أي تقريباً 40% من حجم النفط المتداول بحراً على مستوى العالم. كما تمر عبر الخليج العربي 22% من تجارة السلع الأخرى حول العالم، هذا فضلاً عن اعتماد الدول العربية الخليجية عليه كمنفذ حيوي لتجارة النفط.

   يعني هذا أن قيام أي معركة عسكرية فيه أو حوله ستؤثر بشكل كبير على حجم هذه التجارة، ولطالما هدد النظام الإيراني بإغلاق هذا الممر المائي الحيوي في حالة تعرضه لهجوم عسكري، مما يعني أن هناك نسبة مخاطرة كبيرة في اندلاع حرب في هذه المنطقة وتأثيرها على التجارة العالمية.

-          محاولة نظام "ولاية الفقيه" إشعال مزيد من التوترات في المنطقة:

    من الممكن أن يقوم النظام الإيراني بفتح جبهات جديدة للحروب والتوترات في المنطقة، واستهداف العناصر والقواعد الأمريكي سواء في سوريا أو العراق، العاملين كمستشارين، أو غيرهما، وذلك عن طريق الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. هذا إلى جانب احتمالية التصعيد على الحدود السورية واللبنانية مع إسرائيل، وهو ما يُتوقع أن يتم التركيز عليه بصورة أكبر.

    كل هذا إلى جانب إمكانية قيام النظام الإيراني بالتصعيد في اليمن ومع الدول الخليجية عسكرياً، مما سيفتح بالتالي مجالاً واسعاً للاضطرابات "غير المحدودة" في منطقة الشرق الأوسط.

-         الموقف الأوروبي المتعارض نسيباً مع نظيره الأمريكي:

    يتخذ الأوروبيون موقفاً يتعارض نسبياً مع شن حروب جديدة منذ غزو العراق عام 2003، وذلك تماشياً مع ما ينظرون إليه من منطلق المصالح الاقتصادية والرغبة في استقرار الأوضاع الأمنية على الحدود الجنوبية للقارة العجوز التي يتأثر شمالها بما يشهده جنوبها.

   إلا أنه لا ينبغي، مع ذلك، القول إن ضربة مركزة وسريعة ضد منشآت نووية أو صاروخية إيرانية ربما ينتج عنها ما سبق الحديث عنه من إشعال توترات إقليمية أو غير ذلك. فإذا كان من المحتمل أن تثير مثل هذه الضربة المركزة قلاقل في المنطقة إلا أنها لن تكون بحجم تداعيات "هجوم عسكري موسع" ضد المنشآت النووية والصاروخية  في إيران.   

ثانياً- خيار دعم المعارضة الداخلية في إيران:

     إذا نظرنا إلى نتائج احتمالات توجيه ضربة عسكرية تجاه إيران، فإنه، كما سلف ذكره، من الممكن أن ينتج عن ذلك تداعيات يحتمل أن يصعب تدارك تطوراتها إقليمياً. ولذلك، فإن الخيار الثاني، وهو دعم حركات المعارضة داخل إيران، يبدو أكثر فعالية وقدرة على المناورة.

    لا تتمتع إيران، على خلاف عدد غير قليل من الدول العربية، بالتجانس العرقي واللغوي وحتى المذهبي. فحسب ما تعلنه الجهات الرسمية في إيران، فإن 51% من الإيرانيين هم من الفرس و24% من الآذريين والأكراد 7% والعرب 3% واللور 2%، إضافة إلى عرقيات أخرى كالبلوش. إلا أن هناك تقديرات أخرى تختلف اختلافاً كبيراً مع ما هو معلن رسمياً، حيث قالت تقارير أخرى إن نسبة العرب، على سبيل المثال، أكثر من 7.7%.

    أما من الناحية المذهبية، فإن هناك، حسب إعلان الجهات الرسمية، 65% شيعة و25% سنة إلى جانب 10% يتوزعون على ديانات اليهودية والمسيحية والزرادشتية وغيرهم.

   وينبثق من هذه العرقيات والمذاهب العديد من الحركات المعارضة السياسية التي يستخدم بعضها السلاح في صراعه مع الحكومة الإيرانية، كبعض المجموعات من البلوش. أما حركات المعارضة السياسية فتتمتع بقاعدة شعبية أوسع سواء داخلياً أو خارجياً.

    ويأتي على رأس هذه الحركات منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية التي تتخذ من باريس مقراً لفعالياتها. إن أكثر ما يقلق ساسة طهران من تولي بولتون حقيبة المستشارية هو العلاقة ما بين الأخير ومنظمة "مجاهدي خلق"؛ حيث يتمتع بولتون بعلاقة قوية مع هذه المنظمة، ويداوم على حضور فعالياتها، ليس فقط في باريس، ولكن حتى في أوروبا. فلقد شارك بولتون، على سبيل المثال، في مؤتمر المنظمة في فرنسا العام المنصرم والتقى بزعيمتها مريم رجوي وألقى كلمة قال فيها إنه سيحتفل مع منظمة مجاهدي خلق في طهران برحيل النظام الإيراني قبيل عام 2019.

   كما ينبغي الإشارة إلى أن العديد من القوميات الأخرى في إيران لا تربطها بالنظام علاقات ثقة وتوافق سياسي. فالعرب والأكراد لطالما شنوا احتجاجات، ولا يزالون، ضد النظام الإيراني والفقر الذي ينتشر في مدنهم وقراهم على الرغم من ثراء المنطقة الغربية في إيران بالموارد الطبيعية. ويكفي الإشارة إلى الاحتجاجات الجارية حالياً في الأحواز هي لأسباب عرقية قومية وليست فقط اقتصادية.

    كما لا ينبغي إغفال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في إيران والتي اندلعت منذ أواخر العام الماضي بسبب الأوضاع المعيشية ورفض المواطنين الإيرانيين لإنفاق الأموال على الجماعات المسلحة في الخارج بينما هم يقبعون تحت الفقر. وينبغي الإشارة إلى أن هذه الاحتجاجات لم تتوقف بشكل كامل، بل هي مستمرة بشكل شبه يومي.

   الخيار الأكثر فعالية

    نستنتج مما سبق أن خيار دعم المعارضة والاحتجاجات داخل إيران، وخارجها، يمثل أكثر الخيارات المناسبة من الناحية الأمنية. فهو خيار فعّال إذا ما نظرنا للفسيفساء الداخلية التكوينية لإيران، والأوضاع الحالية التي تمر والاحتجاجات القائمة بالفعل في مناطق ومدن مختلفة، أما الخيار العسكري فلربما يحمل في طياته بعض المخاطر أو التداعيات المستقبلية التي ربما تؤثر سلباً على أمن واستقرار المنطقة.