تشهد إسرائيل حالة من الزخم السياسي، نتيجة القرارات
الخاصة بالمهاجرين الأفارقة التي أثارت حالة من الجدل حول مصيرهم في "تل
أبيب"، نتيجة إلغاء رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"
الاتفاق الدولي القاضي بشأن ترحيل آلاف المهاجرين الأفارقة من إسرائيل يوم
الثلاثاء الموافق 3 أبريل/ نيسان 2018 بعد أن توصل لتفاهم مع المفوضية اللاجئين
التابعة للأمم المتحدة.
يقضي التفاهم بترحيل 16 ألف و250 مهاجرًا أفريقيًا من
السودان وإريتريا إلى دول غربية مثل كندا وإيطاليا وألمانيا التي سارعت إلى إعلان
عدم علمها بالاتفاق، وذلك بعد رفض رواندا استقبالهم، في مقابل استيعاب أكثر من 20
ألف كـ "مهاجرين عمل" يتم ترتيب أوضاع الإقامة المؤقتة لهم.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكن استأنفت الحكومة
الإسرائيلية جهودها لإبرام اتفاق جديد مع أوغندا لترحيل عدد المهاجرين إليها، ومع
ذلك فقد أوضح "هنري أوراين" وزير الخارجية الأوغندي "أن بلاده
سترفض استقبال الأفارقة الذين سيتم طردهم قسرًا من إسرائيل، وسنصر على عودتهم إلى
الدولة التي جاءوا منها".
اتخذت "تل أبيب" قبل إعلان الاتفاق عدد من
الإجراءات في سياق ترحيل الأفارقة إلى رواندا، حيث وضعت خطة لترحيلهم ومنحهم مقابل
مادي يقدر بحوالي 3500 دولار أميركي لكل مهاجر، وفي حالة رفضهم يتم تهديدهم
بالاحتجاز إلى أجل غير مسمى، ولكنها تجمدت نتيجة تدخل المحكمة العليا وإصدارها
قرارًا يمنع الاحتجاز إلى أجل غير مسمى للمهاجرين الأفارقة، كما لا تزيد مدة
الاحتجاز عن 60 يومًا في مارس/ آذار 2018.
وعلى صعيد أخر؛ حمل "نتنياهو" منظمة
"الصندوق الجديد لإسرائيل" ومقرها الولايات المتحدة الأميركية مسئولية
رفض رواندا لاستقبال 10 آلاف لاجئ، كما بدا الائتلاف الحكومي بتشكيل لجنة تحقيق
برلمانية للتأكد من صحة هذا الإدعاء. إلا أن المنظمة نفت مؤكدةً أن
"نتنياهو" يحاول إحراز تقدم سياسي، وطالبوا قادة الأحزاب التصدي
لسياساته التي تهدد الديمقراطية الإسرائيلية.
أسباب التراجع عن القرار
جاء هذا التراجع نتيجة عدد من المحددات الداخلية أبرزها
تعرض "نتنياهو" لحملة من الانتقادات الشرسة من قبل أعضاء الحكومة
اليمنية لإعتراضهم على القرار، وتخوفه من تراجع وزراء حزب "ليكود" عن
دعمه في تحقيقات الشرطة فيما يتعلق بقضايا الفساد التي يواجهها في الداخل، رغبته
في الحفاظ على قاعدة ناخبيه واستمرار دعمهم له، بالإضافة إلى الموقف الرافض من
سكان جنوب "تل أبيب" لاستمرار تواجد الأفارقة في منطقتهم.
ردود الفعل المثارة حول القرار
لقى هذا التراجع عدد من الانتقادات التي عكست مدى قوة
الحكومة اليمنية وتأثيرها على القرار السياسي لـ "نتنياهو"، خاصةً في ظل
الأوضاع الداخلية الحرجة التي يواجهها، فضلاً عن احتجاج المفوضية على هذا القرار
معبرةً عن أملها في إعادة النظر مرة ثانية لتحديد أوضاع المهاجرين، وكيفية التعامل
معهم لضمان حمايتهم. وعلى الجانب الأخر؛ لف عدد من الأفارقة أنفسهم بسلاسل تعبيرًا
عن عجزهم ورفضهم لهذه القرارات.
الجدير بالذكر: أن قرار الترحيل الجماعي الذي تنتهجه
"تل أبيب" يعد مخالفًا لاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951، التي
"تكفل الحماية الكاملة للاجئين خوفًا من عودتهم إلى بلادهم وتعرضهم للمخاطر والإنتهاكات"،
كما إنها مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وخاصة في المادة (14) التي تنص
على أن "لكل فرد حق اللجوء لأي بلد والعيش فيها هربًا من الاضطهاد".
دوافع الهجرة لإسرائيل
تمكنت "تل أبيب" أن تكون مقصدًا لعدد كبير من
المهاجرين الأفارقة، نتيجة تروجيها المستمر بإنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة،
وسعيها الدؤوب لتغيير الصورة الذهنية عنها باعتبارها دولة احتلال لتصبح محط
أنظار الأفارقة كدولة متقدمة، وذلك من
خلال تمددها في العمق الأفريقي وخاصة في الشرق عبر إقامة علاقات وثيقة مع دول
المنطقة على كافة الأصعدة. وكنتيجة لذلك يرغب معظم الأفارقة المهاجرين بتقنين
أوضاعهم في إسرائيل بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بشئون اللاجئين، ويصرون
على إنه لا يمكن لـ "تل أبيب" ترحيلهم بسبب الاضطرابات التي تعاني منها
دولهم.
سياسات التعامل مع المهاجرين
تسعى إسرائيل إلى ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين
تسللوا إليها عبر الحدود الجنوبية مع مصر عبر شبة جزيرة سيناء، حيث بدأت تدفقات
الهجرة غير الشرعية منذ 2005 فارين من الاضطهاد، وانتهاكات حقوق الإنسان والحروب
الأهلية، وبحلول 2011 ارتفع عددهم إلى 17 ألف يأتي معظمهم من جنوب السودان
وأريتريا.
قامت الحكومة الإسرائيلية بالتعامل مع هذه الظاهرة من
خلال إقامة نظام أمني حدودوي متطور لمنع المتسللين العبور إلى أراضيها. قامت
بترحيل عدد منهم بشكل قسري وصل إلى 7000 مهاجر
وفقًا لـ" هيومن رايتس ووتش" عام 2015، إلا أن "تل أبيب"
اعترفت إنها رحلت 3920 مهاجرًا فقط. علاوة على افتتاح بعض مراكز الاحتجاز مثل
مركز "حولوت" في ديسمبر/ كانون
الأول 2014 في صحراء النقب لاحتجاز
المهاجرين غير الشرعيين. فضلًا عن الإعلانات التحريضية، والشعارات العنصرية، -فعلى
سبيل المثال- زعم التليفزيون الإسرائيلي أن معدلات الجريمة في المناطق التي يستوطن
فيها المهاجرون الأفارقة ارتفعت بنسبة 40%، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي عليهم
نتيجة استهدافهم من قبل المستوطنين.