المركز العربي للبحوث والدراسات : السيد يسين .. وداعاً (طباعة)
السيد يسين .. وداعاً
آخر تحديث: الإثنين 20/03/2017 04:18 م
السيد يسين .. وداعاً
بقلوب دامية، ينعي المركز العربي للبحوث والدراسات، المفكر والأستاذ الكبير، السيد يسين، مدير المركز، والذي أثرى العالم العربي بكتاباته وإسهاماته البحثية، لسنوات عديدة، وكان أحد أهم المبدعين فكرياً وعلمياً، وإنسانياً.
نقدم هذا الملف، وهذه الكلمات البسيطة عن عطاء وإبداع الأستاذ السيد يسين، وعلى يقين بأننا مهما كتبنا، لن نستطيع إعطاؤه بعض حقه، نحن تلامذتك سنفتقدك، لكن علمك بين أيدينا وعازمين على استكمال مشروعك ورحلتك.

السيد يسين .. وداعاً
سيد الباحثين
عبد الرحيم علي
رئيس المركز ورئيس تحرير جريدة البوابة
لم تكن علاقتي به عادية مذ عرفته قبل عشرين عامًا في العام ١٩٩٨ عندما زرته بمكتبه بالأهرام لأهديه كتابي الأول «المخاطرة في صفقة الحكومة وجماعات العنف»، ظننت في البداية أن الرجل لن ينظر إليه بعدما أغادر مكتبه، فلم تكن لي واسطة لديه، إذ اتصلت به مباشرة إلا أنه في الأسبوع الذى يليه كان قد كتب عني وعن الكتاب، بشكل لم أكن أحلم به من قبل.
تعمقت علاقتي بالسيد ياسين المفكر والإنسان منذ ذلك التاريخ، صار قارئي الأول، وعندما فكرتُ في إنشاء المركز العربي للبحوث لم أجد خيرًا من عباءة السيد ياسين لنلتحف بها جميعًا تلاميذ ومريدين، فكان أول مدير له، ولم يَزَلْ.
أسعدتني الأقدار أن نتزامل معًا في العمل، فرأيته باحثًا مُدقِّقًا وملتزمًا إلى أقصى حدود الالتزام، وعندما احتفلنا ببلوغه عامه الثمانين قبل عامين هنا في مكتبي بـ«البوابة»، كانت الفرحة تعلو وجهه كطفل، تحدث من القلب، وضحك حتى السعال كالعادة، فقد كانت رئتاه الضعيفتان تضيقان بالضحك كما تضيقان بالدخان الذى ظل محافظًا على استنشاقه عبر "البايب" الذى لا يفارق حقيبته حتى وضعه الأطباء على أجهزة التنفس الصناعي.
في الزيارة الأخيرة ودَّعْتُه وقلت له: لن أزورك مرة أخرى، فقد تأخرت كثيرًا على غير عادتك على مكتبك، فأشار إلي بيديه ما ينبئ بأنها أيام وسيكون هنا في مكتبه، ونحن في الانتظار لم نَزَلْ.
وختم "على" نعيه قائلاً : "رحم الله الأستاذ الكبير وعوضنا عن فراقه بمن ينفع أمته".

السيد يسين .. وداعاً
السيد يسين والمركز العربي للبحوث والدراسات
هاني سليمان
كبير الباحثين بالمركز

كم من الصعب أن نكتب عن مفكر عظيم واسم كبير مثل الأستاذ السيد يسين، خاصة عند الحديث عن تجربته الرائعة في المركز العربي للبحوث والدراسات، وبخاصة لقاء الثلاثاء، وهو اجتماع مجلس الخبراء في المركز الذي لطالما اعتبرته مقدساً، ننهل فيه من علمك وفكرك، نطرح فيه الرؤى والتصورات البحثية التي بدأتها منذ أن توليت إدارة المركز، والتي كانت انطلاقة قوية وجديدة. فقد وضع فيها السيد يسين قضايا أساسية للمواجهة، مثل مستقبل الإسلام السياسي في الوطن العربي، الذي كان مؤتمراً، خرج للنور في صورة كتاب، بمشاركة نخبة من المفكرين العرب، ويحمل سيناريوهات وتحليلات لأوضاع حركات الإسلام السياسي وتجاربهم في الحكم على مستوى الوطن العربي.
وسرعان ما تبنى السيد يسين مشروع الخرائط المعرفية لظواهر العالم المعاصر، وقد ركز على تحليل سوسيولوجيا الثورة والتحول الديمقراطي، تماشياً مع التحولات الاقليمية، وبخاصة داخل مصر في المرحلة الانتقالية وصولاً إلى 30 يونيه. ومع التحولات الثورية في مصر، وضع المركز العربي، تحت قيادة السيد يسين، مشروع لإعادة إنتاج الدولة التنموية، من خلال حزمة من الرؤى النقدية للمشكلات، من خلال الوصف والتحليل، انطلاقاً إلى وضع سياسات بديلة، تكون تصور كامل أما صناع القرار للاستدلال بها علمياً ومنهجياً في التعاطي مع قضايا ومشكلات مصر.
وقد استمر العطاء الفكري للسيد يسين من خلال تبنيه لمشروع إعادة قراءة خرائط الشرق الأوسط وموازين القوى والتفاعلات في إطار بيئة ومدخلات مختلفة وجديدة، فرضت نفسها بشكل أو آخر، وفرضت تأثيرها على الأوزان النوعية للدول والتفاعلات على الأرض، وبخاصة ما بعد "الربيع العربي"، ونمو الفواعل من غير الدول، وصعود حركات وميليشيات الإسلام السياسي، وخاصة داعش. فقد فرضت تلك الأوضاع طرح السيد يسين لمشروع بحثي حول إعادة قراءة الشرق الأوسط.
ورغم أن السيد يسين كانت قد ظهرت عليه بعض أعراض الإرهاق والجهد، إلا أنه وفي آخر اجتماع لمجلس الخبراء في المركز العربي الذي يعقد كل ثلاثاء في تمام الثانية عشر ظهراً، كان قد طرح مشروع جديد حول الإسلام السياسي وعصر الاضطراب العالمي، في محاولة لقراءة مستقبل الحركات العنيفة والجهادية، في ظل عصر مرتبك، وشديد التعقيد.
لقد كان السيد يسين مفكراً غير تقليدياً، دائم التجديد والاشتباك مع قضايا المجتمع والتحولات العالمية، لا ينافسه أحد في براعة حديثه وعرضه للأفكار والمشكلات البحثية والمنهجية، لقد كنت أتعلم منه كل يوم شيئاً جديداً، ودائماً ما كان يحرجني بكثرة قراءاته ومجهوده في العمل وبقاؤه في المكتب لأوقات متأخرة في البحث، وأنا الشاب الثلاثيني الذي يضجر ويمل سريعاً، ليس لي نفس الروح والطاقة، رغم فارق السن.
السيد يسين لم يتوقف يوماً عن الإبداع والتجديد، ويكفي هنا أن أكتب معلومة لا يعلمها أحد، معلومة تخبركم من هو السيد يسين، وهي رسالة لكل الباحثين، فقد فوجئت أنه وأثناء دخول الأستاذ السيد يسين للعناية المركزة للمرة الثانية، فقد كانت مقالاته تنشر في فيتو وفي جريدة البوابة نيوز، وقد علمت من الأستاذ وليد المسئول في جريدة الأهرام عن مقالات الأستاذ السيد يسين، أنه وبعد استفاقته في العناية المركزة لأول مرة، قد طلب قلماً ودفتر أوراقه المعهود، وبدأ في كتابة مقال لموقع فيتو، ومقال مطول على حلقات للبوابة نيوز!!.
لكم أن تتخيلوا، في هذه اللحظات الصعبة والحرجة، فالرجل، الذي أعده مقاتلاً باقتدار، هو لم يفكر في شيء سوى في قلمه، في أفكاره، ورسالته، يقاتل لأجل أن يوصل رأيه، لا يعبأ سوى بالعطاء والعمل، فقط كان عليه أن يستمر ويكمل مهمته، غير مكترث بأي شيء، وبعدها بسويعات يدخل الأستاذ السيد يسين للعناية المركزة للمرة الثانية. تاركنا جميعاً في مأزق كبير، آبياً إلا أن يعطينا درساً في العمل والعطاء وأداء الرسالة، درساً في القتال والصراع مع المرض.
أشعر بالخجل وكلماتي لا تسطيع أن تعبر عن قيمة هذا الكيان الكبير، فقد تعلمت ولا زلت منه الكثير، لم أعتد أن أرى مكانه خالياً وأنا أتحدث معه كل يوم. نعم، لقد رحل السيد يسين، لكن عطاؤه وأعماله لا تنقطع، فعلمه بين أيدينا، ومشروعه الذي بدأه سنستمر على منواله، نعاهدك على استكمال المسيرة أستاذي.
السيد يسين .. وداعاً
المشروع الاستراتيجي للأستاذ السيد يسين

د. محمد السعيد إدريس
مدير وحدة الدراسات العربية والاقليمية بالمركز
إذا أردت أن أُعرف أستاذي السيد يسين، كما عرفته وتتلمذت على يديه منذ أربعة عقود مضت فإنني أقول أنه رائد الفكر الاستراتيجي في مصر، وهو لم يصل إلى هذه المكانة إلا بمشوار شديد التعقيد والإثارة في مدارس الفكر والعلوم الاجتماعية. فقد بدأ مشواره العلمي بعد تخرجه من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، حيث بدأ بدراسة الجريمة كباحث قانوني، أخذته هذه الاهتمامات إلى دراسة علم الاجتماع، الذي خاض بحوره بكفاءة نادرة خاصة في بعثته الأكاديمية في باريس، ومن علم الاجتماع بفروعه المتعددة إلى علم الاجتماع السياسي ومنه إلى العلوم السياسية.
وجاء التحول الحقيقي في مشوار السيد يسين مع الدراسات الاستراتيجية عندما قاد مشروع النهوض بمركز الأهرام للدراسات الفلسطينية والصهيونية بتحويله إلى مركز للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي أصبح مديره بمشاركة نخبة من عظماء علماء مصر على رأسهم أستاذنا الراحل الدكتور بطرس غالي الذي عمل رئيساً للمركز ورئيساً لتحرير مجلة السياسة الدولية، والأساتذة الدكتور علي الدين هلال والدكتور عبد الملك عودة والدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور سامي منصور والدكتور عمرو محيي الدين، وبهم انطلق مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ابتداءً من عام 1975 يقوده السيد يسين ليؤسس لمدرسة مصرية في الفكر الاستراتيجي، عبرت عن نفسها بإصدارات مرموقة للمركز من الكتب والدراسات كان على رأسها بالطبع التقرير الاستراتيجي العربي الذي أسس له السيد يسين ووضع رؤيته الاستراتيجية وأهدافه ومجالات بحثه، وتولت أجيال جديدة من الخبراء والباحثين هذه المسئولية الكبرى العظيمة في ظل حرص شديد من الأستاذ المؤسس على أن يكون في بؤرة التأصيل النظري للفكر الاستراتيجي.
وعلى مدى عقود أربعة ظل الإبداع الاستراتيجي هو مجال تألق السيد يسين، وظل همه الأكبر هو صياغة رؤية استراتيجية لمستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير المجيدة، ابتدأها بإصدار كتاب رائد في هذا المجال صدر عن المركز العربي للبحوث والدراسات الذي تولى الأستاذ السيد يسين إدارته حمل اسم "الدولة التنموية" كان بمثابة مشروع جديد لمصر المستقبل يحمل رؤية جديدة للنهوض بمصر في مجالات السياسة الخارجية والاقتصاد والثقافة والإعلام وغيرها محورها أن الدولة يجب أن يكون لها دور رائد في مجال الإنتاج والعملية الاقتصادية والسياسية، ومن الدولة التنموية بدأ الأستاذ السيد يسين يعد للمشروع الأكبر تحت عنوان: "نحو رؤية استراتيجية لمصر". والمعنى المحدد الذي يقصده الأستاذ السيد يسين لـ "الرؤية الاستراتيجية" هو: السياسات المتكاملة للدولة في الـ 20 سنة القادمة. هذا المشروع عاقدين العزم على استكماله؛ لأنها رغبة الأستاذ السيد يسين؛ ولأنه مشروع ضخم بدأه بالإعداد لمخططه مع نخبة من خبراء المركز العربي للبحوث والدراسات.
وكما أبدع الأستاذ السيد يسين في دراساته عن العولمة فإنه كان الأوعى في تتبع تداعياتها السلبية خاصة مع النظام الرأسمالي في أسوأ مراحله التي أدت إلى سقوطه ابتداء من عام 2008، بعد أن تحولت العديد من المجتمعات الرأسمالية إلى مجتمعات خطر بسبب تركز الثروات واتساع الفجوات الطبقية وانتشار البطالة بين قطاعات شبابية واسعة، ما أدى إلى دخول النظام العالمي "مرحلة الاضطراب" وهذا ما أحذ يحذر منه الأستاذ السيد يسين في ذروة تألقه في دراساته الاستراتيجية النقدية للنظام العالمي وهو مجال آخر جديد مازال من أروع مجالات إبداع الأستاذ السيد يسين. رحمك الله رحمة واسعة، لما قدمته من علم وجهد، ينير لنا طريقنا، حتى بعد وفاتك.
السيد يسين .. وداعاً
السيد يسين: عمق معرفي واهتمامات موسوعية
نبيل عبدالفتاح
مدير وحدة الدراسات القانونية والثقافية بالمركز
يعد السيد ياسين مفكرًا موسوعيًا قلما تجده في عصرنا الحالي، الذى أصبح التشظي المعرفي جزءًا أصيلًا فيه، فالرجل أخذ يغترف من كل فرع من فروع المعرفة لدرجة أنك حين تجلس في معيته سواء في محاضرة مفتوحة أو ملتقى علمي أو تجمع ثقافي أو بين دفتي كتاب له، تحتار في تخصصه، هل هو عالم في علم الاجتماع، أم في علم السياسة، أم أحد أساطين علم القانون، أم رجل من رجالات ثورتي الإعلام والمعلومات؟
ولعل ما يقوم دليلا على ذلك أن الإسهامات التي قدمها السيد يسين، تتسم بأنها الأكثر تركيباً وتنوعاً، فثمة خطوط ومسارات وتداخلات أثرت على نمط ممارسته البحثية ونسقه اللغوي والاصطلاحي وجمالياته البلاغية، وتحليلاته في مراحل تطور إنتاجه الفكري، على اختلافها، والتي يمكن أن نميز فيها أربع مراحل متكاملة كالتالي:
■ مرحلة التأسيس المنهجي، والخطاب حول المنهج في العلوم الاجتماعية، وتحليل الأوضاع الأكاديمية للجماعة البحثية المصرية.
■ مرحلة البحث في السلوك الإجرامي، والسياسة الجنائية ومعاملة الجانحين، والمقاربات السوسيو-قانونية.
■ مرحلة الانتقال إلى علم الاجتماع السياسي فى تحليل الظواهر والمشكلات والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المصرية، والقضايا والمشكلات الاستراتيجية على المستويين الدولي والإقليمي.
■ مرحلة التحليل الثقافي في المقاربات الاستراتيجية للظواهر العولمية والإقليمية والمصرية.
هذا التنوع الموسوعي في أبعاده التاريخية ـ المعرفية ـ المنهجية، يمكننا من استخلاص العديد من الملاحظات من خلال تحليل هذا الإنتاج، لعل أبرزها التداخل بين المقاربة التاريخية التأصيلية والمقارنة المتعمقة، وكذلك الرجوع إلى المصادر الأساسية للأفكار والرؤى والنظريات، علاوة على بروز الأبعاد السوسيو- ثقافية في التحليل السوسيو- قانوني وفى تحليل السلوك الإجرامي، بالإضافة إلى اللجوء إلى الأنظمة القانونية والنظرية والتجارب المقارنة فى مجال السياسة الجنائية ومعاملة الجناة على نحو ما بزر جليًا في مؤلفه المهم (السياسة الجنائية المعاصرة).
وقد تأثر السيد يسين بأساتذة وفقهاء كبار استطاعوا أن يرودوا مقاربة مغايرة للمقاربة الشكلانية للمدرسة الوضعية القانونية، ويأتي على رأس هؤلاء الأساتذة العالم الدكتور ثروت أنيس الأسيوطي، وكتاباته الرائدة حول الصراع الطبقي وقانون التجار، ونشأة المذاهب الفلسفية وتطورها، وكتبه عن مبادئ القانون ونظرية الحق. إن الخلفية التكوينية المنهجية والفلسفية والسوسيولوجية لمفكرنا المقتدر أبرزت أن القانون ومنظوماته هو أحد أبرز محاور الصراعات الاجتماعية والسياسية حول المصالح المتنازعة بين القوى الاجتماعية على اختلافها في المجتمعات المعاصرة. ومن ثم يشكل أحد ميادين حسم الصراع وإقرار المصالح للقوى الغالبة بلا نزاع، وأن الوصول إلى توازن ما في المصالح هو تعبير أكثر تعقيداً عن الدولة وسلطتها وأجهزتها تصل في بعض المراحل إلى مستوى يتجاوز حدود المصالح الضيقة للقوى الاجتماعية والسياسية المسيطرة.
السيد يسين .. وداعاً
من تفكيك ظاهرة الإسلام السياسي إلى بناء الدولة المصرِية
د. شريف درويش اللبان
مدير وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز

السيد يسين اسم كبير وقامة عملاقة وعالم موسوعي ومفكر كبير قلما يجود الزمان بمثله. كان لي الشرف والحظ والحظوة أن أقترب منه في السنوات السبع الأخيرة رغم أنني اقتربت من فكره وإسهاماته العلمية الخلاقة التي ترجمتها عشرات الكتب قبل هذا بكثير. وكنت أتعجب من التجدد المعرفي المتدفق لدى هذا الرجل رغم رحلة الحياة الطويلة التي خاض غمارها بدأب وهمة يحسدها عليه كثير من المثقفين المصريين والعرب.
ولعل ما لا يعرفه الكثيرون أن السيد يسين كان عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين في أوائل خمسينيات القرن الماضي، وكان يُلقي خطبة الجمعة في أحد مساجد الإسكندرية حتى اختلف مع الجماعة على مبدأ السمع والطاعة، وهو المبدأ الذي لا يستسيغه العقل النابه والمفكر، وهو الأمر الذي أدى إلى شرود عديد من أعضاء الجماعة الذين انشقوا عنها.
ومنذ ذلك الحين كشف السيد يسين عورات الجماعة، وعمل على تعرية تيار الإسلام السياسي الذي عمد إلى خلط الدين بالسياسة. وفي فترة مبكرة من عقد التسعينيات، دعا هذا التيار أثناء إجراء المراجعات في السجون لأفكارهم إلى العدول عن التأويل المنحرف للنصوص الدينية، وألا يتخذوها مطية لأهدافهم التي لا علاقة لها بالدين والدعوة. وقد حارب السيد يسين الفكر التكفيري وفكك الأصول التي يقوم عليها، كما قام بالتحذير من الفكر اليوتوبي في النظر إلى جماعة الإخوان قبيل وأثناء اعتلائها سُدة السلطة في عام هو الأسود على الإطلاق في تاريخ مصر المعاصرة.
وقد عملنا – كخبراء بالمركز العربي للبحوث والدراسات – في مجالات متباينة في السياسة والتاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع والإعلام – في السنوات الأربع الأخيرة تحت إمرة عملاق الاجتماع السياسي في تفكيك ظاهرة الإسلام السياسي من جوانبها كافة، وهو ما مثل في جزءٍ كبيرٍ منه، المواجهة الفكرية مع جماعة الإخوان وجماعات الإرهاب والتطرف الأخرى، وكانت لنا منتجات فكرية غاية في الرُقي، سواء في مؤتمرات عقدناها أو ندوات فكرية نظمناها أو كتب أصدرناها أو دراسات نشرناها في مجلة المركز أو مقالات متعمقة على موقع المركز على الإنترنت.
ولم يكتفٍ السيد يسين بتفكيك ظاهرة الإسلام السياسي، بل هو من ابتدع مصطلح "الدولة التنموية" وعبارة "إعادة بناء الدولة المصرية"، ولعل كتابه الأخير الذي صدر وهو يرقد في غرفة العناية المركزة بمستشفى دار الفؤاد خير شاهد على ذلك؛ فلقد عنون الكتاب بعنوانٍ لافت: "ما بعد الثورة: الزمان التنموي والتحديث الحضاري"، وضمنه قسمًا كاملاً بعنوان "الدولة التنموية"، كما قاد فريق من خبراء المركز العربي للبحوث والدراسات لإعداد أبحاث مهمة يكون هدفها إعادة بناء الدولة المصرية في كل المجالات من خلال نقد السياسات الراهنة واقتراح سياسات جديدة تكون قادرة على الانطلاق بالدولة إلى مرحلة التحديث الحضاري المنشود، وقد تم تضمين هذه الأبحاث في كتاب بعنوان: "الدولة التنموية: رؤى نقدية للمشكلات وسياسات بديلة"، وهو ما تعهد به السيد يسين في لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمثقفين. وقد حرص د. عبد الرحيم علي رئيس مجلس إدارة المركز والسيد يسين مدير المركز على أن يتم إرسال نسخة من هذا المشروع التنموي المتكامل إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وكل عضو من أعضاء مجلس النواب لتضمين المقترحات الواردة في المشروع في الأجندة التشريعية للمجلس الموقر.
إن انحياز السيد يسين للدولة المصرية جعل الرؤساء المصريين على مختلف العصور يثقون فيه، وفي رؤيته الثاقبة للأمور، وذلك منذ الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي حرص أن يكون يسين على رأس المثقفين الذي يلتقيهم لاستشراف مستقبل الدولة المصرية.

السيد يسين .. وداعاً
السيد يسين.. المهلم
د. إبراهيم نوار
مدير وحدة البحوث الاقتصادية بالمركز
التقيت الأستاذ سيد يسين في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وكنت خريجاً جديدا أحمل بين يدي بعض الأوراق البحثية، لم يكن مستقبلي قد تحدد بعد، كنت ما زلت أبحث عن طريق، فتلقفتني برعايتك وتوجيهك في بداية طريق البحث عن الحقيقة، حيث تتلمذت أنا على يديك، مزهواً بكل ما تعلمت، ووفياً لكل ما قدمته لي ولجيل من شباب المركز في وقت كنا جميعا نبحث فيه عن الحقيقة، كل بطريقته. احترمت خيارات كل منا بلا ترفع، وشجعت في كل منا احترامه للآخرين، مهما كانت الإختلافات. كنت دائما خلوقا في خلافك، وحكيما في حوارك، ورصينا في استنتاجاتك، وصديقا بشوشا في كل الأوقات.

بالنسبة لي، فأنت الملهم الذي قادني إلى طريق ما كنت أعرف أبدا إنني سأخوض فيه خوضاً. وحتى بعد أن رحلت بي سفن الحياة بعيداً، وأبحرت في محيطات الغربة، كنت أنا دائما حريصاً على التواصل، والتشجيع، وكانت كلماتك دائماً تحثني على العودة للطريق الذي اعتقدت أنت إنه الأصلح لي، طريق البحث عن الحقيقة، في زمن غابت فيه الحقيقة أو ضلت طريقها وسط غابات متوحشة من النفاق والأكاذيب والجهالات، وكنت على حق. وبعد سنوات طويلة من تغريبة المخاطر في محيطات وبحور هائجة، كانت نصيحتك لي أن أعود إلى البحث، وقد كان، ويالحسن ما كان، فنظرتك الصائبة، وتقديراتك الحكيمة، وأفكارك الملهمة كانت جميعا النبراس المنير إلى طريق أفضل.

لقد عرفتني مع نفسي دارساً لعلم الاقتصاد، وتدرجت كثيراً في وظائف الإعلام وفي العلاقات الدولية، لكن عودتي الأخيرة إلى البحث، بفضل الله وبفضل توجيهك، جعلتني أتوق إلى صحبة رواد علوم الإجتماع، والفلسفة، والسياسة؛ فالحوار معك وفي حضرتك يستلزم التسلح بأفكارهم، ولم أعد أقتصر فقط على صحبة علماء الإقتصاد، وإلا لأصابني وزملائي الإحساس بالجهالة ونحن نستمع إليك تتحدث بعقل معرفي عميق وواسع الإحاطة في جلسات الخبراء الإسبوعبة حول المائدة المستديرة الدافئة التي يلتئم حولها خبراء المركز يوم الثلاثاء من كل إسبوع. كنا وما زلنا نحاول اللحاق بك، ونسعى للإشتباك مع أفكارك عن عصر الإضطراب العالمي وعن نهاية الراسمالية، وعن تطلع الإنسانية إلى نظام جديد يحفظ الحق، وينشر العدل ويعلي شأن الحرية طريقا للحياة. وقد تحدثنا طويلاً قبل سفرتي الأخيرة عن إنتاج فرانسيس فوكوياما الجديد بشأن النظام السياسي، وعن شعبوية ترامب وغيره من الشعبويين الجدد في الولايات المتحدة وفي أوروبا.
لن نقول وداعاً، فعلمك وسيرتك، وعطاءك، سيبقى وسيظل معنا، سنسترشد به، ونكمل مسيرتك ومشروعك في المركز العربي للبحوث والدراسات.

السيد يسين .. وداعاً
  السيد يسين المفكر والانسان
 د.أحمد موسى بدوي
مدير وحدة علم الاجتماع بالمركز
صعبة هي الكتابة عن الأستاذ السيد يسين، فتأثيره في الأجيال كبير، واسهامه في الثقافة العالمة لا ينكر. تعاملت مع المفكر الكبير، على ثلاث مستويات، البداية كانت في الاستمتاع بقراءة مقالاته في الأهرام ومؤلفاته العديدة. ثم جاء اللقاء الشخصي، يوم أن تفضل برئاسة لجنة المناقشة لأطروحة الدكتوراه الخاصة في عام 2008، وفي نهاية عام 2014، اختارني للعمل معه في المركز العربي للبحوث والدراسات. خلال هذه المحطات الثلاث تبلورت لدي عدة قناعات حول هذه الشخصية الفريدة، أستطيع في هذه السطور أن أجملها في خصال أربعة:
(1) القدرة على استيعاب الطاقات الشبابية وتشجيعها: يواجه المشتغلون بالبحث العلمي في مصر، صعوبات عديدة ويبذلون جهودا مضنية من أجل تحقيق ذواتهم. والسيد يسين، يتعامل مع شباب الباحثين بعقل وقلب كبيرين، على معنى أنه يستطيع أن يصنف الانتاج العلمي للشباب تصنيفا دقيقا، ولا يجد أي مشكلة في الاشادة بهذا الانتاج في أي مناسبة وعلى أي مستوى. ولا يبخل عليهم بالتكليفات العلمية التي تضعهم على الطريق الصحيح.
(2) النقد البناء: من المعلوم أن السيد يسين ناقش عشرات الرسائل العلمية في كافة تخصصات العلوم الاجتماعية، والذي يسعده الحظ، ويشهد عدد من هذه المناقشات، يندهش حين يتكلم الاستاذ عن موضوع الرسالة، وحين يناقش الباحث، بعقل نقدي عميق، وبقدرة عالية على ابراز الجوانب الايجابية والسلبية في العمل، دون أن يفقد روح الود والاستاذية، فتتحول المناسبة إلى درس علمي كبير.
(3) التجدد المعرفي: سؤال السيد يسين حين يلقاك بعد غياب، ماذا قرأت في الفترة الماضية؟ ومهما كنت مستعدا بالإجابة، فالمؤكد أن السيد يسين سيدهشك مرة أخرى، بإطلالة سريعة على أهم الكتب الجديدة في الميدان، التي لم تسمع عنها إلا منه. إنه صنف من المفكرين دائم القراءة، تشعر أنه عقله يزداد نضارة كل يوم بسبب بهذا التجدد المعرفي.
(4) استشراف التحولات: بعض المثقفين، بمرور الزمن وتقدم العمر، يحدث لهم تيبس في آلة التفكير، عكس السيد يسين، فهو يمتلك القدرة على اثارة السؤال الصحيح في الوقت المناسب، ويستبق التحولات الكبيرة ثم يعيشها، عقله دائما يتنفس من الروح الجديدة للعصر. كل الامتنان والتقدير للسيد يسين على رسالته وعطاؤه، فأنت باق معنا، أستاذ الأجيال.

السيد يسين .. وداعاً
العابر للأجيال: المشروع الفكري للأستاذ السيد يسين
محمود عبد الله
الخبير بوحدة علم الاجتماع بالمركز
هو واحد من رواد البحث في العلوم الاجتماعية من جيل الستينيات. ويصح أن يطلق عليه عابرا للأجيال. نشأ في أحضان الفكر القومي الناصري، وتمرد عليه، واستطاع طوال تاريخه أن يحمل في كتابته بذور اختلافه. فقد مر المشروع الفكري للباحث والمفكر الأستاذ السيد يسين بعدة مراحل أساسية متعاقبة، حددها الأستاذ نبيل عبد الفتاح في أربعة مراحل متعاقبة: مرحلة التأسيسين المنهجي والخطاب حول المنهج في العلوم الاجتماعية، حيث أسس بعدد من الأعمال الفكرية للخطاب المنهجي للعلم الاجتماعي، ومنه اختط لنفسه منهجاً، ظل يعمل عليه طوال تاريخه، وهو منهج التحليل التاريخي المقارن. وتلى هذه المرحلة مرحلة البحث في السلوك الإجرامي، والسياسة الجنائية ومعاملة المذنبين والمقاربة السوسيو قانونية. وفيها اهتم بالأبعاد الجنائية للسلوك البشرى، ودراسة السياسة الجنائية دراسة سوسيولوجية. وبعدها انتقل بعدها إلى مرحلة عكف فيها على دراسة علم الاجتماع السياسي واستخدامه في تحليل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والمشكلات الاستراتيجية، وظل ينتج أعمالا متميزة فى هذا الإطار، ثم انتهى إلى مرحلة التحليل الثقافي في مقاربة القضايا المحلية والإقليمية والعولمية.
وفي المرحلة الأولى تشكل التكوين المعرفي للسيد يسين وفهمه للظاهرة القانونية عبر عدة مسارات: التأثر بفقهاء القانون الذين عالجوا الموضوعة القانونية من زاوية تجمع بين الدرس السوسيولوجي والقانوني معا من قبيل تأثره بأعمال ثروت أنيسين الأسيوطي، والتأثر ببعض فقهاء القانون الجنائي الذين اطلعوا على النظريات والمفاهيم الحداثية في مجال التحليل الاجتماعي للقانون الجنائي، والاطلاع على التجربة الفرنسية في دراسة القانون الجنائي.
وفيما يتصل بالموقف الفكري والمنهجي في معالجة السياسة الجنائية، فمن الملاحظ اعتماد المشروع الفكري على معجمية مغايرة، فاللغة البحثية تجمع بين لغة العلوم القانونية وبلاغتها ولغات السوسيولوجيا والفلسفة والاستعارات الثقافية والأدبية، في تعارض مع حشوية وإطناب الخطاب القانوني الكلاسيكي الذي ينهض في منهجيته على الفيلولوجي. وعلى المستوى الفكري يوجد بعض التضمينات الشائعة في الخطاب القومي، وإن لم تؤثر في صلب العملية البحثية، بل وتمثل قناعا لتمرير المعاني وأفكار العدل الاجتماعي ذات الجذر الفلسفي الماركسي. كما تحفل المعالجة البحثية بالتأكيد على أهمية دراسة تقلب الظاهرة الجنائية وتعددية مذاهب السياسة الجنائية، وتقلبها بتقلب التحولات التاريخية.
وغاب عن هذه المرحلة معالجة الجرائم السياسية، كالاعتقالات ونظام القانون الاستثنائي سواء في قانون الطوارئ أو غيره من القوانين المقيدة للحريات، إلى جوار الابتعاد عن الشواهد الإمبيريقية في مقاربة السياسة الجنائية. ويرجع ذلك لأسباب، أولها طبيعة الإكراهات السياسية والأمنية المفروضة على حرية البحث. والواقع أنها سمة لازمته حتى اللحظة الراهنة، في تأكيد ضمني على استمرار ذهنية التحريم. وثانيها، الطابع الاحتكاري للدولة في مجال المعلومات، وغلبة تقليد النزوع النظري على الطابع الإمبيريقي. والواقع أن النزوع للتنظير وغلبة الواقعة الفكرية على نظيرتها الإمبيريقية، مرده هو رغبته في مصارعة هذا التوجه الإمبيريقي ذاته والخروج عليه، وكشف عورته.
وفي التحليل السوسيولوجي للأدب، قدم السيد يسين كتابا حول التحليل الاجتماعي للأدب، وكان كتابا رائدا، أصل فيه نظريا ومنهجيا لحقل فرعي جديد. لقد قدم السيد يسين في كتابه مجموعة من التصورات المنهجية النظرية والتطبيقية، مثل الدراسة الاجتماعية للمؤلف ووضعه الاجتماعي الطبقي والاقتصادي والمهني، والدراسة الاجتماعية للعمل الأدبي، ودراسة الأشكال والأنواع الأدبية، كما قدم تصورات منهجية لدراسة الجمهور أو جماهير القراءة. كل هذه التصورات تدعو إلى توطين المباحث الاجتماعية والجمالية في الواقع الثقافي العربي.
وفيما يتعلق بالوعي القومي، فإن يسين يطور هو الآخر نقدا للوعي القومي، حين يعاود النظر في تاريخ الوعي بالآخر، مستعيداً نقطة بداية، يراها نقطة البداية الفعلية. ولكن العودة تتطلب مبدئياً فهم طبيعة اللحظة التاريخية الحاضرة، وما تحويه من تغيرات جوهرية في النظام الدولي. فكان أن رأى أن البداية في التلاقي مع الحملة الفرنسية، وهي بداية لم يفهمها المثقفون وكان من أثر ذلك أن تم اعتبار أوروبا قبلة التقدم، وبدلا من تطوير التقاليد الفكرية وتحديث التراث الثقافي القومي، جرى إرساء قطيعة معرفية بين الماضي والحاضر، قادت بدورها إلى تواصل عمليات الاستعارة الممسوخة والشائهة لأفكار وقيم ومؤسسات انتزعت من سياقها. ومن هنا يتم تفسير أسباب إخفاق التجربتين الليبرالية والاشتراكية في مصر بإسقاطهما لنماذج وأطر مؤسسية انتزعت من سياقها على واقع مغاير تماما مع افتقار لأي وعي بنشأتها وتطورها.
وفيما يتعلق بالحوار الحضاري، فتمتاز تحليلات يسين بطابعها التاريخي، فهو عادة ما يهتم بمقاربة موضوعاته عبر ثلاث لحظات: الماضي، والحاضر، والمستقبل. هو عادة ما يكون مهتما بالأزمات التي يواجهها المجتمع، فيرسم حدود الأزمة، وأبعادها الطوبغرافية (الحدود الدولية والإقليمية والقومية) وأبعادها الزمنية، ثم يضع الحلول اللازمة لها، أو يومئ لها.
وفي كتابه "الثورة الكونية الثالثة: عاصفة سبتمبر والسلام العالمي"، يجسد ما تعرض له الحوار الحضاري، وليسين الصراع، من أزمة يعيشها بعد الهجوم الذي تعرضت له الولايات المتحدة. فقد خرج خطاب الكراهية إلى الواجهة، بحيث لم يقتصر على حدود السلطة الرسمية، بل وغدا خطابا متبادلا بين المثقفين على الطرفين القومي والغربي.
ثم يركز ياسين في الأخير على خطابات المثقفين العرب والغربيين تجاه الأزمة، مؤكدا على ضرورة الحوار الخلاق الذي يزيل الالتباس ويبني جسور التواصل لا القطيعة المهددة للتقدم والرخاء الإنساني.       
وبالنسبة للسياسة الثقافية، فقد قرر المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة تكليف الأستاذ السيد يسين بإعداد ورقة عن رؤية لسياسة ثقافية مقترحة. وتكون المقترح من ثلاثة أجزاء، سبقتها مقدمة توضح خبرة الباحث السابقة في دراسة السياسة الثقافية والمشروعات البحثية ذات الصلة التي شارك فيها. وتناول الجزء الأول الخريطة المعرفية للمجتمع المصري بعد ثورة يناير. وشمل على وصف لملامح المجتمع المصري، محددها في: سقوط دور المثقف التقليدي وحلول الناشط السياسي محله، وحلول الحشود الجماهيرية الهائلة محل الجماهير التقليدية، والتناقض بين الشرعية الثورية والشرعية الديموقراطية، والمشاركة الجماهيرية الفعالة.
واهتم الجزء الثاني من المقترح بتحليل الأوضاع الاجتماعية والثقافية السائدة، حيث أشار إلى بروز ظواهر اجتماعية من قبيل الفقر والافراط في الاستهلاك، والفجوة الطبقية، وغياب العقل النقدي، ونشأة العقل الإرهابي، والانصراف عن القراءة التقليدية بين جيل الشباب.
وفي الجزء الثالث، حاول المقترح تعريف المفهوم الذي ينهض عليه المقترح فحدده في مفهوم التنمية الثقافية الجماهيرية، أي التنمية من أسفل، ودلل عليها بدراسة تطبيقية أجراها الباحث لمحو الأمية في الريف.
أما الجزء الرابع، فاحتوى الأهداف الأساسية للمقترح وتمثلت لديه في تكوين العقل النقدي، ثم نشر ثقافة التجدد المعرفي الدائم، وتجسير الفجوة بين التعليم الديني والتعليم المدني، وتجديد الخطاب الديني، وتغيير الاتجاهات المتطرفة، وتجديد القيم المصرية،  ووضع سياسة ثقافية في عصر العولمة.