المركز العربي للبحوث والدراسات : الشباب والحركات الاجتماعية والسياسية (طباعة)
الشباب والحركات الاجتماعية والسياسية
آخر تحديث: الأربعاء 10/08/2016 01:35 م د.محمود أحمد عبدالله
الشباب والحركات الاجتماعية

تلعب الحركات الاجتماعية والسياسية دوراً هاماً فى حياة المجتمع؛ لأنها تأخذ على عاتقها الدفاع عن القضايا الحيوية التى يضج بها الناس، ويعلنون عن قلقهم من تفاقمها وازدياد حدود تأثيرها بالصورة التى يصعب الفكاك من براثنها. ولعل هذا الدور يضع الحركات الاجتماعية فى موضع مقلق لكيانات ومراكز مستقرة وللفاعلين الرئيسيين فى الحقل السياسى والاجتماعى. وقد يكون مقبولاً أن تكون هذه الحركات مصدر قلق للحكومات التى تتظاهر ضدها، وإن كان هذا لا يعنى السعى الدؤوب لإخراجها من المشهد العام وتهديدها وغلق الأبواب أمام وجودها الفاعل والمؤثر والمفيد فى واقع الحال لصناع القرار والمفكرين والمعنيين بالشأن العام.

ولعل الملاحظ أن غالبية الفاعلين فى هذه الحركات، ووقودها الرئيس هم من الشباب الواع والمثقف، والحالم بالتغيير، الذى لم يجد وسيلة يعمل عليها بفكره وعقله إلا لخدمة المصلحة العامة، خاصة إذا كانت هذه الحركات فوق فئوية، وتهدف من عملها المصالح العامة المرسلة. وأمام تصاعد قوة هذه الحركات، تسعى القوى المهيمنة إلى كبح جماحها، وتقويض إمكانات تأثيرها مستفيدة من العوار المؤسسي العام الذى يبرر وجودها ويعمقه. فمن ناحية تمثل هذه الحركات مصدر تهديد للنظام السياسى القائم، فتندفع ماكينة الإعلام الرسمى مباشرة من أجل تشويه هذه الحركات ورسم صورة ذهنية لها على غير حقيقتها، دون الرهان على المهنية وأصول الكتابة الصحفية، والعمل الإعلامى الموضوعى. ومن ناحية أخرى، مثلت هذه الحركات قبل انتفاضة يناير 2011 أيضاً مصدر قلق للأحزاب التقليدية غير الجماهيرية المصنوعة والمعلبة، التى جاءت نتاج تدخل قسري من الدولة لقيامها، فيما يمكن اعتبار الحركات الاجتماعية والسياسية المصدر الحيوي القوى لقيام الأحزاب السياسية. حيث تكون هذه الأحزاب نتاج صراع المصالح بين القوى الاجتماعية المشكلة للمجتمع وليست نتاج لعبة التوازنات السياسية المفبركة. وبالتالى تسعى الصحافة الحزبية من جهتها للترويج المضاد للحركات الاجتماعية، وتدشين خطاب مرتبك نحوها. فهى تتوافق مع ما تطرحه من طروحات ناقدة للسياسات الحاكمة، وتتعارض معها لكونها تجتذب إليها قوى اجتماعية هى فى حاجة إليها، ولكونها خرجت للنور بطريق مغاير لطريقة تكوينها هى ذاتها.

ومن هذا المنطلق حاول كتاب "الشباب والحركات الاجتماعية والسياسية، للدكتورة إيمان محمد حسني أن يعاين كيف أثرت الصحافة فى وعى الشباب باعتبارهم القوى الفاعلة الأساسية فى عملية التغيير، والمصدر الرئيسي للقاعدة الشعبية للحركات الاجتماعية. وذلك من خلال دراسة تهتم بتحليل ثلاث أنماط من الصحف: الصحف القومية، ومثلتها بجريدتى الأهرام وروز اليوسف، والصحف الحزبية، ممثلة فى الوفد والأهالى، والصحف الخاصة واختارت منها المصرى اليوم والدستور. وذلك للتعرف على موقف هذه الصحف من الحركات الاجتماعية خلال متابعتها لأنشطتها وفاعليتها، والآليات التى استعانت بها فى ذلك. ومن طرف آخر، سعت الدراسة لتحليل موقف الشباب ورؤيتهم للحركات الاجتماعية والسياسية، ومدى تأثير الإعلام فى الموقف الذى اتخذه هؤلاء الشباب.

طبقت الدراسة قبل ثورة يناير واستعانت بتحليل الصحف بمناهج التحليل الإعلامية، كتحليل الأطر، وغيرها من الأدوات المنهجية. علاوة على قيامها بتطبيق استمارة استبيان على عينة من الشباب.

والواقع أن الدراسة انتهت إلى عدد من النتائج المهمة وذات الدلالة، وهى على النحو التالى:

أ‌.  موقف الصحف من الحركات الاجتماعية والسياسية

أولاً، كشف التحليل الكمى والكيفى للخطاب الخبرى المقدم من الصحف القومية عن انتهاج استراتيجيات سلبية فى تغطية أنشطة الحركات الاحتجاجية، وتفاوتت الاستراتيجيات ما بين التجاهل والتضخيم والمبالغة والتشكيك والتشويه والاستبعاد والإقصاء. وفى المقابل اتخذت الصحف الحزبية موقفاً مزدوجاً، فاستخدمت استراتيجيات تضامنية مع الحركات الاجتماعية  كحركة القضاة والعمال وأساتذة الجامعة، بينما استبعدت الحركات السياسية. فيما ركزت الصحف الخاصة على تبنى استراتيجيات دفاعية دعائية وتعبوية كما هو الحال بالنسبة لجريدة الدستور، بينما تبنت جريدة المصرى اليوم استراتيجيات شبه متوازنة.

ثانياً، تأثرت الصحف القومية والحزبية وجريدة الدستور الخاصة بعوامل الملكية والانتماءات السياسية والحزبية والأيديولوجية واتجاهات رؤساء التحرير، فى تحديد أهمية الأنشطة والأحداث وفى الموقف من الحركات الاحتجاجية بدرجة أكبر من تأثرهم بالقيم المهنية والتحريرية.

ثالثاً، إن اختلاف نوع الصحف كان العامل الحاسم فى تحديد الأطر الصحفية المقدمة فى التغطية الإخبارية لأنشطة الحركات الاحتجاجية، بدرجة أكبر من اختلاف الحركات والأحداث ذاتها، حيث تبنت الصحف القومية الأطر السلطوية كأطر الواجبات الرسمية والمهنية، والوطنية، فيما تبنت الصحف الحزبية والخاصة إطار الحقوق الذى طرحته الحركات الاحتجاجية، كالحق في التظاهر، والاجتماع، والنقد، والحياة الكريمة، والمحاكمة العادلة، والحريات الأكاديمية، إلخ.


الشباب والحركات الاجتماعية

ب‌.   موقف الشباب من الحركات الاجتماعية والسياسية

وتتمثل نتائجه فى:

-أن متابعة الشباب لأنشطة الحركات الاحتجاجية اعتمدت على التلفزيون ثم الصحف والمجلات أكثر من اعتمادها على المصادر الأخرى للمعلومات، وكانت طبيعة المتابعة جزئية وليست دائمة. وتصدرت الصحف القومية المرتبة الأولى فى درجة المتابعة وكثافتها وتلتها الصحف الخاصة ثم الحزبية بنسبة ضعيفة من عينة الشباب. أما على مستوى الفضاء الرقمي فكانت المواقع الإخبارية هى الأعلى متابعة.

-كان الشباب أميل إلى الإعلاء من أولوية الحقوق الاجتماعية على الحقوق ذات الطابع السياسى، فجاء الحق فى مستوى معيشى مناسب فى المرتبة الأولى، يليه الحق فى الأمن والحرية وسلامة الجسد فى المرتبة الثانية، ثم الحقوق السياسية في المرتبة الثالثة. وهو الأمر الذى تأكد بالإعلاء من الاهتمام بقضايا الغلاء ثم الفساد فالبطالة، فيما جاءت قضايا الديموقراطية والإسكان واستقلال القضاء والجامعات فى قاع هرم اهتمامات الشباب.

-احتلت الحركات الاحتجاجية السياسية والاجتماعية المرتبة الأولى من حيث الأهمية يليها الأحزاب السياسية فالنقابات العمالية. وهو ما تفسره الباحثة بأفول عصر التنظيمات السياسية التقليدية كالأحزاب فى مقابل صعود القوى غير التقليدية.

-اعتبر الشباب أن حركة الإخوان المسلمين هى الحركة الأكثر أهمية يليها حركة كفاية ثم الحركة العمالية، وكان أكثر الأنشطة جذباً لانتباه الشباب الاحتجاجات السلمية والوقفات، يليها الاضرابات والاعتصامات، ثم الأنشطة السياسية فى البرلمان والنقابات والاتحادات.

- برر الشباب وجود الحركات الاحتجاجية بنفس الأسباب التى تبرر بها هذه الحركات أسباب وجودها: تدهور أحوال المعيشة، وتزايد معدلات الفساد والانحراف، وعدم فاعلية القنوات التنظيمية الشرعية. ولكن الشباب من جهة أخرى لم يبدو موقفاً واضحاً بشأن أثر هذه الحركات، فتراوحت الاستجابات بين تأييد الأطر الحركية الخاصة بالحركات الاحتجاجية، من قبيل الميل لمبررات: ضعف ثقة المواطن فى العملية السياسية، الضغط على النظام لإجراء إصلاحات مهمة، وتأييد الطر السلطوية بالتعلل بأسباب أن هذه الحركات تسبب الفوضى وعدم الاستقرار وتدخل فى صدامات مع الشرطة.

- غلبت على رؤية الشباب الرؤية المتشائمة لمستقبل الحركات الاحتجاجية لأسباب تتعلق بنشوب الخلافات الداخلية وسوء إدارتها، وبطش النظام بها، على حساب الرؤية المتفائلة التى رجحت احتلالها مقدمة القوى السياسية وتحولها لأحزاب سياسية، وتحالفها فى كيان واحد جديد. ومع ذلك يفضل الشباب الإنضمام إليها، لأنها برأيهم تتوافق مع أفكارهم ومعتقداتهم، وأهدافهم ومصالحهم.

ج. مدى تأثر الشباب بالتغطية الصحفية

- يوجد اتساق بين إبراز الصحف لقضايا الحركات الاجتماعية وميل الشباب لها، خاصة فى ظل استبعاد الصحف القومية والحزبية لقضايا الحركات السياسية وتهميشها لها. وهو ما يبرر محدودية تأثير هذه الحركات فى وعى الشباب.

- بروز اتفاق نسبي بين تصورات الشباب لمستقبل الحركات الاحتجاجية وتغطية الصحف الحزبية والخاصة لهذه الجزئية، فكلاهما (الشباب والصحف الحزبية والخاصة) تبنيا رؤية متشائمة، وفى الأسباب الداعية لذلك.

- هناك اتساق بين حجم تغطية الصحف للأنشطة التى تقوم بها الحركات الاحتجاجية، ورؤية الشباب لأهم الأنشطة، التى كانت برأيهم متمثلة فى المظاهرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية.