المركز العربي للبحوث والدراسات : الخبرة الأسيوية: الخوف من التعدد الدينى (طباعة)
الخبرة الأسيوية: الخوف من التعدد الدينى
آخر تحديث: الخميس 23/06/2016 01:05 م نبيل عبدالفتاح
الخبرة الأسيوية:

يبدو أن ثمة رهَّابُا من الآخر الدينى أو المذهبى أو الثقافى أو العرقى أو القومى.. إلخ. خوف عارم وجامح فى بعض المجتمعات العربية التى لم تستطع دولة ما بعد الاستقلال وسياساتها الاجتماعية، واستراتيجياتها القسرية فى بناء التكامل الوطني، أن تنتج موحدات جامعة تتجاوز الانتماءات الأولية إلى مكونات التعدد على اختلافها.

أولاً: الخبرة الأسيوية في التعدد الدينى

بعض تجارب النهوض التنموى والتحديثى الكبرى فى آسيا اعتمدت على توظيف فائض الحيوية الاجتماعية للتعدد الدينى والعرقي، وعبادة قيمة العمل فى بناء اقتصاداتها وتحولاتها الكبرى، من خلال الأقليات الآسيوية والهندية، ولم تنظر إلى معيار الانتماء الدينى أو المذهبى أو العرقى كأداة للتمييز بين مواطنيها، واعتماده كمعيار إقصائى واستبعادى لهم، وإنما كانت حرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، جزءا لا يتجزأ من حقوق المواطنة والمساواة بين المواطنين جميعاً، فى التعليم والعمل والفرص الاجتماعية، فى ظل احترام الأديان والمعتقدات أياً كانت - دونما حجب لمظاهرها وتجلياتها الاجتماعى والسلوكية فى الحياة اليومية. هذا النمط من ثقافة التعايش المشترك، والإدارة الرشيدة للتعددية الدينية والمذهبية والعرقية .. إلخ، دونما قسر وإرغام، هو الذى أسهم فى توليد ديناميات اجتماعية وثقافية ورمزية، استطاعت بناء ثقافة التعايش المشترك بين المختلفين ديانة ومذهبا، من خلال نماذج للتنمية والتحديث اعتمدت على توطين التكنولوجيات المتطورة فى إطار الثورة الصناعية الثالثة وما بعدها، خذ على سبيل المثال بعضا من تجارب ماليزيا، وسنغافورة، وأندونيسيا فى هذا الصدد، فى حين أن تجربة الديمقراطية الهندية، استطاعت أن تولد نموذجا متميزا فى إدارة التعدد والتنوع الدينى والمذهبى والعرقى والمناطقى كنتاج للثقافة السياسية الديمقراطية وشيوعها وتحولها إلى نظام للقيم والمؤسسات.

كانت حرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، جزءا لا يتجزأ من حقوق المواطنة والمساواة بين المواطنين جميعاً، فى التعليم والعمل والفرص الاجتماعية

لا شك أن التطور الفائق للهند يقف وراءه اتساع قاعدة التعليم والبحث العلمى وحرياته، ومعها اختراق الثورة الرقمية والإبداع الهندى داخلها وهو ما أدى إلى اتساع قاعدة الطبقة الوسطى 420 مليونا من أصل 1.2 مليار نسمة، وبعض التقديرات تشير إلى أن 90% من سكان الهند سيصبحون من الطبقة الوسطى عام 2039، وستغدو الطبقة الوسطى الهندية أكبر طبقة وسطى فى العالم عام. لا شك أن وراء ذلك التصنيع والرقميات، وتشكيل هذه الطبقة الوسطى الديناميكية أدى إلى تقلص حدة التوترات الدينية والمذهبية، من خلال التعليم وإدارة التعدد، والحراك الاجتماعي، وثورة الاتصالات الهند ثانى أكبر سوق للهواتف الذكية فى العالم وتمثل 11% من السوق العالمية -، وهو ما أدى ولا يزال إلى تصدع نظام الطبقات الهندية التقليدى والتاريخي، وتبلور الطبقات بالمعنى السوسيولوجى الحديث.

إن تجربة الديمقراطية الهندية، استطاعت أن تولد نموذجا متميزا فى إدارة التعدد والتنوع الدينى والمذهبى والعرقى والمناطقى كنتاج للثقافة السياسية الديمقراطية وتحولها إلى نظام للقيم

ثانياً: العنف الطائفى في مصر

العنف ذو الوجوه الدينية والطائفية فى مصر يعود إلى عديد الأسباب وعلى رأسها: تآكل الموحدات الوطنية، وتراجع حركة التصنيع، وترييف ثقافة المدينة والمدن وأجهزة الدولة، والأخطر هيمنة الأيديولوجيا الإسلامية السياسية والسلفية المتشددة، والمتطرفة التى تريد السيطرة على المجال العام انطلاقا من المجال الديني، وإحداث فرز رأسى بين المواطنين وبعضهم بعضا. من خلال إشاعة الكراهية والتكفير وإنتاج معازل دينية شبه مغلقة. الأخطر، الدور السلبى لبعض الدعاة ورجال الدين فى إشاعة التعصب الديني، ومعهم بعض مدرسى ومدرسات وزارة التعليم ... إلخ، وغياب سياسة لإدارة التنوع والتعايش الديني، وتراجع قانون الدولة لصالح قانون الأعراف والقوة والمكانة والنفوذ.

ثالثاً: حلول مقترحة لمواجهة العنف

من ثم أحد أبرز المقاربات الكلية لمواجهة العنف ذى الوجوه الدينية والطائفية، يتطلب حزمة سياسات، على رأسها العودة إلى سياسة التصنيع واتساع الثورة الرقمية، وامتدادها إلى الأرياف، بهدف كسر العلاقات والقيم التقليدية، وتطوير سياسة التعليم جذريا نحو بناء وتشكيل وإعمال العقل النقدى التفكيكى والتحليلى والتركيبى بديلا عن عقلية الحفظ والتكرار والنسيان. من ناحية أخرى تطوير منظومة القوانين الحديثة والمعاصرة فى ضوء التطور فى مبادئ المواطنة والحريات الدينية فى النظم القانونية العالمية / الكونية المقارنة، وإعمال وتطبيق وتفعيل قانون الدولة على جميع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وكذلك الاحترام الصارم لحرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، والردع الحازم للغلاة الذين ينتهكون هذه الحرية، ومنع بعض المواطنين المسيحيين من إقامة صلواتهم، أو الاعتداء على دور العبادة المسيحية، لأن ذلك ضد المبادئ الدستورية، حيث تنص المادة 64 من الدستور على أن حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون والتقاليد القضائية تسير على نحو ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإدارى من أن إقامة الشعائر الدينية لكل الطوائف داخل البلاد من الحريات التى كفلها الدستور، ولم يميز بين المواطنين فى هذا الشأن بحسبان أن الأصل هو تساويهم جميعا فى الحقوق التى يتمتعون بها، وكذلك على صعيد واجباتهم، ولا يقبل قانونا أى أمر يتعارض مع هذه الأحكام أو يتنافى مع تلك المبادئ (الطعن رقم 9122 لسنة 52 قضائية بتاريخ 15/5/2007).

العنف ذو الوجوه الدينية والطائفية فى مصر يعود إلى: تآكل الموحدات الوطنية، وتراجع حركة التصنيع، وترييف ثقافة المدينة والمدن وأجهزة الدولة، وهيمنة الأيديولوجيا الإسلامية المتشددة

إن وقف تدهور وتحلل ثقافة المدينة يشكل أولوية فى مواجهة ترييف المدن، وتحولها إلى فضاءات للتعصب والفوضى والعشوائية والخروج على القانون، على نحو باتت تشكل بيئة ملائمة لتمدد الغلاة وأفكارهم وقيمهم الدينية التأويلية الوضعية المنافية للقيم الإسلامية السمحاء والفضلى. إن تطبيق القانون بحسم على بعض دعاة الطرق والجماعات المتشددة المحرضين على الأقباط وغيرهم لمخالفتهم الدستور والقانون، - ضمن أدوات أخرى - هو المدخل لوقف استهداف الوحدة الوطنية وتكامل الأمة المصرية، وهو هدف دينى وسياسي.